مؤسس المدرسة الصولتية بمكة المكرمة

الشيخ رحمة الله بن خليل العثماني (1226ـ 1308هـ)

ولد الشيخ رحمة الله عام 1226هـ، ويتصل نسبه بسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وترجع أسباب هجرة جدّه الأعلى الى الهند (الشيخ عبد الرحمن) أنه كان قاضياً في جيش السلطان محمود الغزنوي فاتح الهند، والمتوفى عام 421هـ، فظلّ الشيخ عبد الرحمن بالهند الى أن توفي ببلدة (باني بت). ولما ولي الحكم السلطان جلال الدين أُصيب بدمل عجز الأطباء عن علاجه ثم علم بوجود طبيب ماهر في بلدة (باني بت) وهو الحكيم عبد الكريم من سلالة القاضي (عبد الرحمن المذكور) فطلب حضوره، فلما وصل عالج السلطان الى أن تمّ شفاؤه، فأنعم عليه بلقب (شيخ الزمان) ومنحه مقاطعة (كيرانة) وتوابعها، وحصر حكمها في ذريته وذلك عام 915هـ، فكان منهم الحاكم والقاضي والعالم والطبيب ونبغ من هذه الأسرة الكريمة الشيخ رحمة الله الذي تلقى العلوم العقلية والنقلية عن أشهر علماء الهند في عصره وهم: الشيخ محمد حياة الله ـ عالم دلهي، والشيخ مفتي سعد الله، والشيخ أحمد علي من علماء دلهي، والشيخ عبد الرحمن البنجابي، وتعلم اللغة الفارلسية عن الشيخ إمام بخش الصهباني، كما تلقى الطب عن فيض محمد.

بعدها شرع في نشر العلم ومقاومة المبشرين، ومن أشهر تلاميذه في الهند: مولانا عبد السميع الرامفولي، مولانا عبد الوهاب مؤسس مدرسة الباقيات الصالحات بمدراس، وهي أكبر جامعة إسلامية الآن.

مناظرته لفندر: وفي عام 1270هـ، عقد الشيخ رحمة الله اجتماعاً حضره كبار علماء الهند والمسيحيون لمناظرة أكبر قسيس، ويدعى (فندر) رئيس البعثة التبشيرية بالهند، فمازال يناظره بالبراهين العقلية والحجج النقلية حتى أفحمه وهزمه شر هزيمة، فسرّ المسلمون لنصره، وغضب الإنجليز على فندر فأقالوه من رئاسته، فلجأ الى استانبول وطلب من السلطان عبد العزيز التوسط لدى الإنجليز بالعفو عنه.

وصادف أن الإنجليز بعد ثلاثة أعوام من هذه المناظرة زحفوا على الهند عام 1283هـ الموافق عام 1857م، فأبادوا حكومتها الإسلامية، وشردوا رجال الدين، فثار الشيخ رحمة الله ضد هذا العدوان الغاشم وأعلن الجهاد في سبيل الله، ولكن قوة الإنجليز وأسلحتهم هزمته، فصادرت الحكومة الإنجليزية أمواله وعقاره وخصصت ألف روبية جائزة لمن يأتيها برأسه.

فتنكّر الشيخ رحمة الله بإسم (مصلح الدين) ومازال ينتقل من بلد الى آخر حتى وصل الى بمباي، فأبحر منها في مركب شراعي الى مخا إحدى موانئ اليمن، ثم واصل سفره براً الى الحجاز الى أن وصل الى مكة المكرمة عام 1274هـ.

وكان السلطان عبد العزيز قد كتب لأمير مكة الشريف عبد الله باشا يطلب منه الإستفسار من الحجاج الهنود عن حقيقة مناظرة الشيخ رحمة الله للقسيس فندر وعن الحوادث التي جرت على أثرها بالهند، فكتب الشيخ عبد الله للسلطان عن ذلك وعن التجاء الشيخ رحمة الله بمكة، فطلب السلطان حضوره الى استانبول لمناظرة القسيس فندر مرة أخرى، فسافر الشيخ رحمة الله الى استانبول ونزل بالقصر الهمايوني، وما أن علم فندر بوصوله حتى هرب خوفاً من مناظرته وإفحامه، فلما علم السلطان عبد العزيز بذلك، أعاد الشيخ رحمة الله الى مكة بعد أن أكرمه ثم بنى الشيخ له ولأسرته دارين بالخندريسة.

وفي عام 1299هـ حدث بين الشيخ رحمة الله وبين الوالي عثمان باشا خلاف، فشكاه الوالي الى السلطان، فطلب حضوره الى استانبول، فلما وصلها أنعم عليه السلطان بالخلعة السلطانية ووسام المجيدي ورتبة فايا الحرمين (ركن الحرمين) باقتراح شيخ الإسلام آنئذ، وكانت تلك الرتبة لا تمنح إلا لرجال العلم والمجاهدين، ثم عاد الى مكة. وفي عام 1304هـ بلغ السلطان عبد الحميد مواقف الشيخ رحمة الله وجهاده لنشر الدين والدفاع عن حوزته، فطلب من شريف مكة ابتعاثه الى استانبول، فلما وصل أنزله بالقصر الهمايوني وأكرمه وطلب منه ترجمة مناظرته (إظهار الحق) فحقق رغبة السلطان وتم طبعها وترجمت الى عدة لغات، وكانت سلاحاً في يد علماء الدين لنصرة الإسلام، ثم طلب منه السلطان الإقامة باستانبول فاعتذر. وإرضاءً لرغبة السلطان أبقى ابن أخيه الشيخ بدر الإسلام، فعيّن مديراً لكتب خانة باستانبول، ورجع الشيخ رحمة الله الى مكة مودعاً من علماء استانبول بعد أن رتب له السلطان ولعائلته رواتب تسد حاجتهم.

فلما وصل مكة عقد حلقة درسه خلف المقام الحنفي صباحاً، وكان من طلابه: الشريف الحسين بن علي الذي تولى إمارة مكة ثم أعلن الثورة العربية عام 1334هـ ضد الأتراك، والشيخ أحمد أبو الخير مرداد شيخ الأئمة والخطباء بالمسجد الحرام، والشيخ عبد الرحمن سراج الذي تولى إفتاء الأحناف، والشيخ أمين محمد مرداد المدرس بالمسجد الحرام، والشيخ عبد الرحمن بن حسن عجيمي، والشيخ عبد الله الغمري، والشيخ حسن عبد القادر طيب، والشيخ عبد الرحمن دهان، والشيخ أسعد دهان، والشيخ حسن كاظم، والشيخ عبد الله أبو الخير مرداد، والشيخ عبد الحميد بخش الفلكي، والسيد حسن دحلان، والشيخ محمد حسن خياط، والشيخ عابد بن حسين مالكي، والشيخ أحمد نجار، والشيخ محمد حامد الذي تولى مديرية مدرسة الفلاح بعد تأسيسها، والشيخ محمد سعيد بابصيل مفتي الشافعية، والشيخ محمد سليمان حسب الله، والسيد عبد الله زواوي، والشيخ محمد زين العابدين، والشيخ محمد صالح كمال، والشيخ محمد علي كمال، والشيخ درويش عجيمي، والشيخ ابو بكر رفيع وغيرهم من علماء المسجد الحرام.

أما قصة تأسيسه لمدرسة الصولتية ذائعة الصيت، فتعود الى أنه في عام 1292هـ اشترت سيدة إسمها صولة النساء أرضاً بالخندريسة وأوقفتها لبناء مدرسة بواسطة الشيخ رحمة الله، فشرع في بنائها حتى أتمّها عام 1292هـ، وسماها المدرسة الصولتية تخليداً لإسم المحسنة (صولة النساء) ولما هدمت الحكومة العثمانية مكتبة الحرم التي كانت خلف بئر زمزم، اقترح الشيخ رحمة الله على الوالي المحافظة على أحجار المكتبة لاستعمالها في بناء مسجد لأنها جزء من المسجد الحرام، فوافق الوالي على اقتراحه، فباع الشيخ رحمة الله الدار التي يملكها وبنى بجانبها مسجداً ورباطاً لفقراء طلبة العلم، واستعمل حجارة مكتبة الحرم في بناء المسجد، فلما تمّ بناؤه حضر شاعر ذلك العهد الشيخ أحمد نظيف عند الشيخ رحمة الله وقدم له قطعة من شعره، فكتبها على باب المسجد ولاتزال حتى هذا العهد تشهد لهذه المأثرة الخالدة وهي:

مؤلّفاته

ما كان الشيخ رحمة الله مجاهداً مجاهداً ومدافعاً نلشر الدين والعلم فحسب، بل انكبّ على التأليف، وكانت معظم مؤلفاته في الدفاع عن بيضة الإسلام وهي:

1 – إظهار الحقّ. وترجم بإسم إبراز الحق الى جميع اللغات في عام 1280هـ.

2 ـ إزالة الأوهام في الرد على المسيحيين، باللغة الفارسية، طبع عام 1269هـ.

3 ـ إزالة الشكوك. في مجلدين باللغة الأوردية.

4 ـ الإعجاز في تحريف الإنجيل، طبع عام 1292هـ.

5 ـ أحسن الأحاديث في إبطال التثليث، طبع عام 1292هـ.

6 ـ البروق اللامعة في إثبات الرسالة المحمدية (مخطوط).

7 ـ البحث الشريف في إثبات النسخ والتحريف، طبع عام 1270هـ.

8 ـ إعوجاج الميزان في الرد على كتاب ميزان الحق للقسيس فندر.

9 ـ الشبهات في إثبات الإحتياج الى البعثة والحشر.

10 ـ رسالة في الحشر.

11 ـ رسالة في وقت صلاة العصر.

12 ـ رسالة في ترك رفع اليدين في الصلاة.

الصفحة السابقة