معركة الخليج

نزار قباني


مضحكةٌ مبكيةٌ.. معركةُ الخليجْ

فلا النّصالُ انكسرتْ على النصالْ

ولا الرجالُ نازلوا الرجالْ

ولا رأينا مرّةً آشورَ بانيبالْ

فكلُّ ما تبقّى لمتحفِ التاريخْ

أهرامُ من النّعالْ!

* * *

مَنِ الذي ينقذنا مِنْ حالةِ الفصامْ؟

مَنِ الذي يُقنعُنا بأنّنا لمْ نُهزمْ؟

ونحنُ كلّ ليلةٍ

نرى على الشاشاتِ جيشاً جائعاً وعاريا

يشحذُ منْ خنادقِ الأعداءِ

(ساندويشةً)

وينحني.. كيْ يلثمَ الأقدامْ!

* * *

لا حربنا حربٌ ولا سلامُنا سلامْ

جميعُ ما يمرُّ في حياتنا

ليس سوى أفلامْ

زواجنا مرتجلٌ

وحبُّنا مُرتَجَلٌ

كما يكونُ الحبُّ في بدايةِ الأفلامْ

وموتُنا مُقَرّرٌ

كما يكونُ الموتُ في نهايةِ الأفلامْ!

* * *

لمْ ننتصرْ يوماً على ذبابةٍ

لكنّها تجارةُ الأوهامْ

فخالدٌ وطارقٌ وحمزةٌ

وعقبةُ بن نافع

والزبيرُ والقعقاعُ والصمصامْ

مكدّسونَ كُلّهمْ.. في عُلَبِ الأفلامْ

* * *

هزيمةٌ .. وراءَها هزيمةٌ

كيفَ لنا أنْ نربحَ الحربَ

إذا كان الذين مثّلوا

صوّروا .. وأخرجوا

تعلّموا القتالَ في وزارةِ الإعلامْ!

* * *

في كلّ عشرينَ سنه

يأتي إلينا حاكمٌ بأمرهِ

لِيَحْبِسَ السّماءَ في قارورةٍ

ويأخذُ الشمسَ الى منصّةِ الإعدامْ!

* * *

في كلّ عشرينَ سنه

يأتي إلينا نرجسيٌ عاشقٌ لذاتهِ

ليدّعي بأنّهُ المهديُّ .. والمنقذُ

والنقيُ .. والتقيُّ.. والقويُّ

والواحدُ .. والخالدُ

ليرهنَ البلادَ والعبادَ والتراثَ

والثرواتِ والأنهارِ

والأشجارِ والثمارِ

والذكورِ والاناثِ

والأمواجِ والبحر

على طاولة القمارْ..

في كلّ عشرينَ سنه

يأتي إلينا رَجُلٌ مُعَقّدٌ

يَحْمِلُ في جيوبهِ أصابِعَ الألغامْ

* * *

ليسَ جديداً خوفُنا

فالخوفُ كانَ دائماً صديقُنا

من يومِ كُنّا نُطْفَةً

في داخلِ الأرحامْ

* * *

هَلِ النظامُ في الأساسِ قاتلٌ؟

أمْ نحنُ مسؤولونَ

عنْ صناعةِ النظامْ؟

* * *

إنْ رَضيَ الكاتبُ أنْ يكونَ مرّةً .. دجاجة

تُعاشرُ الدّيوكَ أو تبيضَ أو تنامْ

فاقرأْ على الكتابةِ السلامْ!

* * *

للأدباءِ عندنا نقابةٌ رسميةٌ

تُشبهُ في شكلها

نقابةُ الأغنامْ!

* * *

ثمَّ مُلوكٌ أَكَلوا نساءَهُمْ

في سالفِ الأيّامْ

لكنّما الملوكُ في بلادنا

تَعَوّدوا أنْ يأكلوا الأقلامْ

* * *

ماتَ ابنُ خلدونَ الذي نَعْرِفُهُ

وأصبح التاريخُ في أعماقنا

إشارةَ استفهامْ!

* * *

هُمْ يقطعونَ النّخْلَ في بلادنا

ليزرعوا مكانهُ

للسيّد الرئيسِ

غابات من الأصنامْ!

* * *

لمْ يَطْلِب الخالقُ منْ عبادهِ

أنْ ينحتوا لهُ

مليونَ تمثالٍ منَ الرُّخامْ!

* * *

تَقَاطَعَتْ في لحمنا خناجرُ العروبة

واشتبكَ الإسلامُ بالإسلامْ

* * *

بَعْدَ أسابيعٍ منَ الإبحارِ في مراكبِ الكلامْ

لمْ يَبْقَ في قاموسنا الحربيّ

إلاّ الجِلْدُ والعظامْ

* * *

طائرةُ الفانتومِ

تنقضُّ على رؤوسنا

مقتلُنا يَكْمُنُ في لساننا

فَكَمْ دَفَعْنا غالياً ضريبةَ الكلامْ

* * *

قدْ دَخَلَ القائدُ بعدَ نصرهِ

لغرفةِ الحَمّامْ

ونحنُ قدْ دخلنا لملجأِ الأيتامْ!

* * *

نموتُ مجّاناً كما الذبابُ في أفريقيا

نموتُ كالذبابْ

ويدخلُ الموتُ علينا ضاحكاً

ويَقْفِلُ الأبوابْ

نموتُ بالجملةِ في فراشنا

ويرفضُ المسؤولُ عن ثلاجةِ الموتى

بأنْ يُفَصّلَ الأسبابْ

نموتُ.. في حربِ الشائعات

وفي حربِ الإذاعاتِ

وفي حربِ التشابيهِ

وفي حربِ الكناياتِ

وفي خديعةِ السّرابْ

نموتُ.. مقهورينَ.. منبوذينَ

ملعونينَ.. منسيينَ كالكلابْ

والقائدُ الساديُّ في مخبئهِ

يُفَلْسِفُ الخرابْ!

* * *

في كلِّ عشرينَ سنه

يجيئُنا مِهيارْ

يحملُ في يمينهِ الشمسَ

وفي شمالهِ النّهارْ

ويرسمُ الجَنّاتِ في خيالنا

ويُنزلُ الأمطارْ

وفجأةً.. يحتلُّ جيشُ الرّومِ كبرياءنا

وتَسْقُطُ الأسوارْ!

* * *

في كلّ عشرينَ سنه

يأتي امرؤُ القيسِ على حصانهِ

يَبحثُ عنْ مُلْكٍ منَ الغبارْ

* * *

أصواتُنا مكتومةٌ.. شِفاهُنا مكتومةٌ

شُعوبُنا ليستْ سوى أَسْفَارْ

إنَّ الجنونَ وَحْدَهُ

يَصنَعُ في بلاطنا القرارْ

* * *

نكذبُ في قراءةِ التاريخْ

نكذبُ في قراءةِ الأخبارْ

ونقلبُ الهزيمةَ الكبرى

الى انتصارْ!

* * *

يا وطني الغارقُ في دمائهِ

يا أيّها المطعونُ في إبائهِ

مدينةٌ مدينهْ

نافذةٌ نافذه

غمامةٌ غمامهْ

حمامةٌ حمامهْ

الصفحة السابقة