قصدية مهرّبة من سجن عليشة

كلماتٌ للقيد.. وأغنية للحرية

الإصلاحي والشاعر المعتقل: علي الدميني


''خلقت ألوفاً لو رجعت'' لبيتنا

لألفيت قلبي في (عليشة) باكياً*

فقد علمتني أن للعدلِ موعداً

وللشعبِ ''إن ضاقتْ'' بروجاً عواليا

وأني خطبتُ الحقّ في كلّ ''مطلبٍ''

وما كنتُ فيما قد كتبتُ مغاليا

فو الله لا جاهاً أردتُ ولا غنىً

وحسبي منَ ''الإصلاحِ'' كوني مناديا

أفي دعوةِ الإصلاحِ يا قوم ''فتنةُ''

إذا كان مهرُ الصمتِ موتاً مواتيا؟**

* * *


أمولايَ، لا مولى سوى الله، إنني

أحبُّ بلادي، والقيادة داعيا

لإصلاحِ هذا البيت منْ داخلِ الحمى

فقدْ أبصرتْ عيناي أُسداً عواديا

تحومُ على الأبوابِ منْ دونِ دعوةٍ

تلوّحُ تاراتٍ، وحيناً تهاديا

وشقَّ على قلبي دمٌ من أحبتي

يسيلُ على الطرقاتِ أحمرَ قانيا

وأشقى ضميري أنْ أُنادي ''قيادتي''

فلا ألتقي من ذا يلبّي التناديا

فأشعلتُ في حرفي نداءً مبرّءاً

منَ الحقدِ والأضغانِ، سرّاً وباديا

* * *


عليشة يا سجناً أليفاً سكنتهُ

ويا وجعاً قد كنتُ من قبلُ خاشيا

لقد كان ليْ منْ قبلِ لُقياكِ موعدٌ

شربتُ به في ا لسجنِ مرّاً وحاليا

وعشتُ بهِ عاماً ضريراً ويابساً

وكمْ صارتِ الأيامُ عندي لياليا

وفارقتُ من بعد اعتقالي وظيفتي

وأصبحتُ مفصولاً وقد كنتُ واليا

مُنعتُ منَ الأسفارِ عَشراً وفوقها

ثلاثاً، وللأسفارِ كنتُ المواليا

ولكنني والله، ما كنتُ قانطاً

ولا مُبْطِناً سوءاً، ولا ''الحكم'' قاليا

وما كان قلبي عن بلادي مغيّباً

وهل كان مجنونُ العناوينِ لاهيا؟!

ولكنني قد كنتُ أحلمُ بالمٌنى

تجيءُ على الأفراسِ غُـرّاً تواليا

فلمّا ادْلَهَمّتْ كـرّةً بعدَ كرّةٍ

دياجي بلادي، قلتُ يا نفسُ ماليا؟

ألستُ الذي قدْ قاسمَ ''الأرضَ'' عُمرَهُ

وأفنى عشيّات انتظارٍ خواليا؟

* * *


''عليشةُ'' ما فرّطتُ يوماً بأمّتي

ولا وطني، مذْ كنتُ للخيرِ ساعيا

تحدثتُ عمّا يُثقلُ الشعبَ حملهُ

وما كنتُ إلاّ الصوت، للشعبِ، عاليا

أفيْ بلدِ ''البترول'' جوعٌ وعسرةٌ

و''دَيْنٌ'' تغشّانا، جبالاً رواسيا؟

أفي بلدِ ''البترول'' عجزٌ، ولم نَجِدْ

لطلابنا في الجامعاتِ كراسيا؟

أفي بلدِ ''البترولِ'' مليونَ عاطلٍ

ومليونَ مسكينٍ، يواري الغواشيا؟

إذا كان هذا ما صنعناهُ حاضراً

فما ذنبُ أجيالٍ يجيئونَ تاليا؟

لعبنا طويلاً بالبلايينِ إننا

عصاةٌ، وصرنا نستدينُ المعاصيا

* * *


''خلقت ألوفاً'' يا ''عليشةٌ'' إنني

سأروي على سمعيكِ ما كانَ خافيا

دعوتُ ''وأصحابي'' القيادةَ جهرةً

وما كنتُ نحوَ ''العنفِ'' يا قومُ ساريا

جراحُ بلادي يا ''عليشُ'' خطيرةٌ

وفي ''مدخلِ الإصلاح'' نلقى التداويا

لنبني به أركانَ حُكْمٍ ''مؤسسي''

يعزّزُ ما ''شدنا'' ويُنهي التداعيا

يقومُ على الإسلامِ شرعاً وغاية

وينتهجُ ''الدستورَ'' بالعدلِ ماضيا

يصونُ ''حقوقَ الشعبِ'' قولاً وسيرةً

ويحمي حمى الإنسانِ، إن جاءَ شاكياً

ويفتحُ أبوابَ البلادِ لنهضةٍ

و''مجتمعٍ مدني''، للرأي ناديا

وأنْ يُنصفَ ''الأنثى'' بتشريع عادلٍ

رجالاً .. نساءً .. في الحقوق سواسيا

ويفصلُ سلطاتٍ ثلاثاً، تشابكتْ

علينا، فلا نلقى إلى ''العدل'' حاديا

ويضمنُ أنْ يغدو ''القضاءَ'' منزّهاً

رهيفاً كسيفٍ لا يهابُ الضواريا

يَصد باستقلال ''كل قضاتنا''

وأحكامهم، من جاء بالظلم عاديا

ويجعلُ تشريعَ القوانينِ ''دولة''

لنواب كل الشعب، دانٍ وقاصيا

وإشراك ''كلّ الشعبِ'' في الحكم، إنهُ

لقانون هذا العصر، في الأرض جاريا

* * *


''عليشةُ'' ، قد روّضتُ في السجنِ وحشتي

ومِنْ عَتْمَةِ الجُدرانِ صغتُ القوافيا

وصيّرتُ ليلَ السجنِ عندي حديقةً

تصبُّ رضابَ الحلمِ في الكأسِ صافيا

وما اغرورقتْ عينايَ إلا صبابةً

ولا التمعتْ عينايَ إلاّ أمانيا

إذا لمْ نَـذُدْ ''بالقول'' عنْ بيضةِ الحمى

ونرخص للأوطان ''يسراً'' وغاليا

فإنا سنغدو ''للمضلين'' مقتلا

يصيبُ الذي في الحكمِ أو كانَ نائيا


*عليشة: حي في الرياض، يضم سجن المباحث العامة، حيث يعتقل الشاعر. أما مطلع البيت ، فكما هو معلوم، للمتنبي.

** تتضمن إحدى التهم الموجهة للشاعر، اشتراكه في إثارة الفتنة، والتحريض ضد القيادة عبر مشاركته في البيانات والخطابات المطلبية.

الصفحة السابقة