العراق والسعودية: قسمة ضيزى في تبادل السجناء

في السعودية هناك نحو عشرين ألف معتقل سياسي وأمني، بينهم إصلاحيون ومشايخ وناشطون حقوقيون وسياسيون وإعلاميون وكتاب ومحامون وأساتذة جامعات وغيرهم ومن مختلف المناطق والمذاهب. معظم هؤلاء لم يحاكموا رغم مرور سنوات طويلة على اعتقالهم، بعضهم أمضى 17 عاماً كما هو الحال مع من يسمون بـ (المعتقلين المنسيين) الشيعة في القطيف، حسب تقرير أمنيستي المطول الأخير. ورغم مناشدات المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية والإقليمية وكذلك مناشدات بعض المشايخ والمثقفين في الداخل بمحاكمتهم على الأقل أو اطلاق سراحهم، إلا أن النظام وبشخص وزير الداخلية وولي العهد الأمير نايف يصرّ على إبقاء الآلاف من المواطنين في السجن بلا محاكمة وبدون وقت محدد. وقد ظهرت في الأسابيع الماضية بعض الإعتصامات في المساجد احتجاجاً بعد أن كانت تجري أمام وزارة الداخلية، ولكن كما هي العادة اعتقلت النساء المعتصمات وهن زوجات وبنات وأمهات المعتقلين، وقبلها اعتقل المعتصمون من الرجال. لا أفق يظهر في هذا الملف حتى الآن.

لكن المدهش، أنه خلال الشهر الماضي تصاعدت حملة مضادة يقود أغلبها رجال من مباحث الداخلية، ومن يعمل معها من الكتاب، وأخذوا يسلطون الضوء على المعتقلين السعوديين في العراق، مطالبين بإطلاق سراحهم! عدد هؤلاء يتراوح بين 130-200 شخصاً، كلهم دخلوا العراق للقيام بأعمال عنف ليس ضد الأميركيين المحتلين للعراق، بل لتفجير المفخخات في الأسواق والمساجد والمدارس والقيام باغتيالات. مع العلم انه قد قتل من السعوديين في العراق ما يقارب الف وسبعمائة شخص، كلهم وهابيون وأكثرهم قضوا انتحاراً وقتلوا معهم الآلاف من العراقيين الأبرياء. وقد قبض على القليل منهم؛ ومع هذا تريد السعودية من تسخين هذا الملف حرف الإنتباه عن المعتقلين لديها من المواطنين أنفسهم، والذين اعتقلتهم بحجة الإرهاب!

ولكن ما حجّة السعودية في المطالبة بالمعتقلين في العراق؟ انها لا تقول بأنهم ليسوا ارهابيين حسب التوصيف السعودي نفسه؛ ولكنها تريد المساومة على من لديها من عشرات المعتقلين العراقيين الذين تسللوا عبر الحدود إما لتهريب مخدرات كما تقول أو لتهريب بضائع أو حتى أغنام وما أشبه. وقد أعدمت السلطات السعودية قبل بضعة اسابيع عراقيين إثنين، في محاولة للضغط على الحكومة العراقية للقيام بتبادل معتقلين!

هي قسمة ضيزى إذن؛ مع ان السعودية لا تعترف بالنظام القائم في العراق، وهي الى جانب قطر، لم تفتح سفارتها هناك، ولا تنوي ذلك. يقول مسؤولون عراقيون بأن إطلاق سراح قتلة سعوديين ضارّ بالعراق، وقد يعودون اليها مكرراً؛ في حين ماذا سيستفيد العراق من إطلاق سراح مهربين أو متسللين حتى وإن كان بينهم أبرياء؟

في بداية يناير الجاري زار وفد عراقي السعودية وناقش مع المسؤولين هناك موضوع تبادل السجناء، وتقول الصحافة السعودية بأن المحادثات كانت ايجابية، وألحّت الصحف على حقيقة ان الرياض مستعجلة لإتمام الصفقة!!

وجود سجناء سعوديين في العراق يمثل ادانة للحكم السعودي ولأيديولوجيته المتطرفة التي فرخت الإرهاب وموّلته في الخارج وفي الغالب لصالح النظام السعودي؛ أما وجود نفس النوعية من السجناء لديه فيمثل فرصة لإثبات أنه ضحية للإرهاب! وتسويق ذلك للأميركيين وحلفائه الغربيين الآخرين، بما يمكنه اعتقال الآلاف بحجة مكافحة الإرهاب.

الصفحة السابقة