نهاية النفط السعودي؟

عبارة طالما قرأناها وسمعنا عنها وكثرت أوجه استشراف مسقبل بلادنا دون نفط، حتى باتت من الموضوعات المقتولة بحثاً وتحليلاً، الأمر الذي أفقدها كثيراً من الزخم والاهتمام، خصوصاً في ظل استمرار تدفق النفط بكميات كبيرة وبأسعار عالية..ولكن ثمة ما يستحق هذه المرة الإنتباه الى نهاية النفط ليس على المستوى الكمّي، ولكن على المستوى النوعي، أي فقدانه وظيفته السياسية.

الباحث الاقتصادي سعود كابلي كتب مقالاً تحت هذا العنوان (نهاية النفط السعودي) في 27 مايو وتناول فيه البعد السياسي المتضاءل للنفط، حيث نبّه الى حقيقة أن هامش القدرة الانتاجية التي تتمتع به الدولة السعودية يتقلّص تدريجاً، الأمر الذي يسقط ورقة ضاغطة ورابحة في السياسة الخارجية في المستقبل القريب.

لا يتحدث كابلي عن مخزون النفط من باطن الأرض، ولكن النفط الورقة المؤثّرة في السياسة، أي المفعول السياسي لمادة النفط، ما يجعلها قوة مؤثّرة في السياسة الدولية. ورغم أن هذه القوة لن تختفي، على حد قوله، بين ليلة وضحاها، ولكن المؤشرات المتوفرة تقول بأن الاتجاه العالمي يسير نحوها. ويضيء كابلي على مستويين يعكسان حجم التحدي الذي تواجهه ورقة النفط السعودي: العرض حيث تقل قدرة المملكة السعودية على عرض مزيد من النفط للأسواق نتيجة للحاجة المتزايدة للإستهلاك الداخلي. ونقل عن تقرير من مجلة (إيكونوميست) في 5 نيسان (إبريل) الماضي بعنوان (إحراق ثروتهم) أشار فيه الى أن استهلاك النفط داخلياً في المملكة أكثر من استهلاك ألمانيا، علما بأن المانيا دولة صناعية فيها ٣ أضعاف السكان واقتصادها أكبر من اقتصاد المملكة ٥ مرات. المملكة تستهلك اليوم ربع إنتاجها تقريبا (8.2 مليون برميل يوميا) وبهذا المعدل من المتوقع أن تفقد المملكة قدرتها التصديرية خلال عقدين أو أكثر طبقاً لتقرير مثير للجدل نشرته مؤخراً “شاثام هاوس” حول استهلاك النفط في المملكة.

نسبة الارتفاع في استهلاك النفط خليجيا بلغت ٥٦٪ وهو ٤ أضعاف متوسط معدل نمو الاستهلاك العالمي وضعفا المعدل في دول آسيا الصاعدة.

ويعود ارتفاع الاستهلاك بصورة أساسية، حسب كابلي، الى الحاجة الداخلية المتزايدة للنفط في توليد الكهرباء وتحلية المياه، وهذه عوامل داخلية بسبب العجز المائي الذي تلعبه الجغرافيا وبسبب الضغط الداخلي الدافع لتنمية دولة شاسعة، فاستهلاك الكهرباء يزيد في المملكة بمعدل ١٠٪ سنوياً، ونتيجة التزايد المضطرد لعدد السكان فإن الطلب الداخلي سيستمر في التصاعد باضطراد. وحاليا يتم إنتاج ما يقارب من ٦٥٪ من الكهرباء في المملكة من خلال استخدام النفط (أي مجرد حرقه لإنتاج الكهرباء)

هذا يضع هامش القدرة الإنتاجية للمملكة تحت ضغط كبير، فالفائض من القدرة الإنتاجية العامة الذي يمكن للسعودية أن تستغله في التحكم بالسوق يقل مع الوقت تدريجيا، أو هكذا يبدو الاتجاه العام.

المستوى الثاني من التحدي يتمثل في الطلب: حيث سيقل بمرور الوقت الطلب على النفط السعودي نتيجة الاكتشافات الجديدة سواء في الحقول العميقة في المحيطات أو الطبقات الصخرية (Shale Oil) وهي اكتشافات بحسب تقرير نشرته “سيتي بنك” ستجعل من شمال أميركا “شرقا أوسط جديداً”، فهذه الاكتشافات رفعت الإنتاج الأميركي بواقع ٢ مليون برميل يوميا ليصل إلى حوالي ٩ ملايين برميل في اليوم مع نهاية ٢٠٠9. بعض المصادر تقدر حجم المخزون غير التقليدي من النفط في كندا بحوالي ١٧٠ مليار برميل مما يجعلها الثاثة من جهة حجم المخزون العالمي للنفط.

هذا الأمر سيفتح للولايات المتحدة على وجه الخصوص نافذة جديدة لتلبية طلباتها النفطية بعيداً عن الشرق الأوسط، وهو أمر قد لا يحدث مباشرة ولكنه اتجاه عام يظهر وكأن الولايات المتحدة تسير عليه، خاصة مع ارتفاع نسبة الاستثمار في مثل هذه الحقول غير التقليدية كما في حقول النفط العميقة في خليج المكسيك، وعلى أقل التقديرات فإن هذه الحقول الجديدة ستفتح باباً جديداً للمنافسة في سوق النفط مع دول الشرق الأوسط حال ما تنتفي الحاجة الملحّة للإعتماد على النفط الخليجي والسعودي من قبل الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

خلاصة الأمر أن انتهاء الطلب والقدرة على تصديري النفط نتيجة الاستهلاك يعني نهاية القدرة الاحتكارية السابقة على أن تكون اللاعب الأساس في سوق النفط، وهذا يعني بصورة مباشرة فقدان القدروة السياسية على التأثير في المسرح العالمي. وتساءل كابلي انطلاقاً من حقائق السياسة: لا توجد صداقات دائمة في السياسة، الولايات المتحدة هي مظلتنا الدولية السياسية والأمنية بشكل رئيس، وعلاقتنا معها مبنية على المصلحة المشتركة، ولكن السؤال ماذا إذا اختل ميزان المصلحة هذا؟ كيف يم نتكن لنا أن نوجد ورقة قوة لسياستنا الخارجية مستقبلا إذا فقدنا ورقة النفط؟

الصفحة السابقة