مقابلات في السجن: فضيحة للسلطة

ثلاثة لقاءات مطولة مع سجناء سياسيين أعدتها وزارة الداخلية لتبثّ على الهواء من قناة أم بي سي، قام بها الإعلامي دواوود الشريان. اللقاءات كانت أولاً مع وليد السناني، الذي مضى على اعتقاله نحو ١٩ عاماً، قضى معظمها في السجن الإنفرادي، ولازال فيه. وكان اعتقاله قد تم قبل تفجيرات نيويورك 2001، وقبل ظهور قاعدة جزيرة العرب، ما يعني أنه ليس متهماً باستخدام العنف. بل كل تهمته هو أنه يكفّر الحكم القائم، ويرى أنه غير شرعي وعميل للأجنبي ويحكم بغير ما أنزل الله، كما يرى أن وعاظ النظام من مفتين ومشايخ قد جانبوا الصواب ورأى السناني تكفير بعضهم على الأقل.

وليد السناني

وتكشف المقابلة ليس عن فكر السناني الذي لم يُحاكم حتى الآن، بل عن فكر المؤسسة الدينية نفسها، وهو فكر تكفيري، وكيف أن السناني لا يختلف عن أقطاب المؤسسة الدينية إلا في مسألة واحدة وهي: (تكفير ال سعود وحكمهم).

وقد نال السناني تعاطفاً من المشاهدين، كونه لم يغيّر من معتقده ورأيه، حتى وإن خالفه البعض في ذلك. ولكن بدا أن موقف النظام محرج لأن مبررات استمرار اعتقال السناني بدت غير منطقية، فهناك جمهور غفير من المواطنين غير المعتقلين يرى عدم شرعية الحكم والحكام. وإزاء هذا، كان الشريان الذي يحاور السناني يحاول اقناع السناني بأن يوقع على تعهد بعدم تكفير النظام ورموزه كيما يفرج عنه، ولكنه أبى حتى ولو قضى معظم حياته في السجن.

يريد وزير الداخلية من الحوارات التلفزيونية تبيان كيف ان السجناء ينالون حقهم في معتقلاته، مع ان الكثير منهم توفوا تحت التعذيب. ٢٥ معتقلاً توفوا خلال السنوات الخمس الماضية في المعتقلات. وتوقع الأمراء ان هذه المقابلات غير القانونية ـ لأنها تأتي قبل المحاكمات ـ ستفيده في تشويه صورة معارضيه من جهة، وتبرر له الخروقات الحقوقية غير المقبولة ضمن المعايير الدولية.

هناك مقابلتان أخريان، اجريتا مع المعتقَلَين عبدالعزيز الحميد، وفواز العبسي، وهي لا تخرج عن الإطار السابق ذاته. فهما لم يحاكما بعد سنوات طويلة من الإعتقال، وقد رأينا أحدهما يمتدح النظام وسجونه ومعاملته الطيبة. ومثل هذه الأقوال لا يمكن الأخذ بها في ظل الاعتقال، خاصة الطويل والإنفرادي.

القضية في نهاية المطاف ليست الدفاع عن أفعال أشخاص، بل عن حقوق هؤلاء المعتقلين في المحاكمة السريعة والعلنية و العادلة. أما الاعتقالات التعسفية، والتعذيب وسوء المعاملة داخل السجون، وغياب المحاكمات في اكثر الأحوال، فلا يعني سوى أمر واحد وهو أن النظام السعودي ينتهك حقوق المواطنين خلافاً للشرع وخلافاً لما صادق عليه من مواثيق ومعاهدات دولية.

الصفحة السابقة