محمد بن نايف في فرنسا

كانت مناسبة جيدة ليخرج محمد بن نايف فيها من الإختناق السياسي والحصار الذي ضُرب حوله، حين حضر اجتماع وزراء داخلية الدول العربية الذي انعقد في تونس هذا الشهر. فهذه المناسبة لا يمكن لمحمد بن سلمان أن يمثل فيها السعودية، نظراً لخصوصيتها الشديدة والتصاقها بالمنافس على عرش الحكم.

أنجز محمد بن نايف مهمته، باستحصال إدانة لحزب الله في لبنان، واعتباره تنظيماً إرهابياً، فهذه أهم خلاصة الاجتماع، وما تريده السعودية منه، وإن لم يحظ القرار بالإجماع، وجرى تهريب القرار النهائي بصورة ملتوية، حيث ووجه فيما بعد باعتراضات او تراجعات كما حدث مع تونس والجزائر، فضلاً عن العراق ولبنان.

ما أن انتهى ابن نايف من اجتماعات تونس، حتى طار الى فرنسا، وهي زيارة يُقال انها لم تكن تقررت الا مؤخراً، حيث استقبله الرئيس هولاند، وجرى الترحيب به بشكل غير اعتيادي، رغم أنه لم تكن هناك صفقات جديدة (على الأقل هذا ما ظهر حتى الآن)، ولكن الإدارة الفرنسية فتحت على نفسها النار محلياً، حين منحت ابن نايف أعلى وسام في الجمهورية الفرنسية (وسام جوقة الشرف الوطني)، وذلك لجهوده في مكافحة الإرهاب.. وهو الغطاء الذي يجري من تحته ممارسة كل الانتهاكات لحقوق الإنسان.

هنا ضجّت الصحافة والشخصيات السياسية من امتهان الوسام ومنحه لرجل يمثل أعلى سلطة قمع في السعودية، ذات الملف الأسود المعروف في مجال حقوق الإنسان. مقالات ومقابلات وتصريحات وكتابات في الصحف الفرنسية جاءت ضد القرار، ما جعل المسؤولين الفرنسيين يهدّؤون من وقع الصدمة على الشعب. وقال جوليان بايو المتحدث باسم «أوروبا البيئية حزب الخضر»: (منح هذا الوسام بعيدا عن الأضواء يعزز الناحية المعيبة للخطوة. لوسام جوقة الشرف قيمة مثالية ويفترض أن يمنح بشكل علني. هذا يعني أننا رهائن علاقاتنا التجارية مع السعودية ومع قطر). وزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن علقت بسخرية: (إذا قام رئيس الجمهورية بهذه الخطوة في سرية فربما لأنه يخجل منها وربما يعتبر أن هذا الوسام غير مستحق). فيما أكد النائب تييري سولير أن على فرنسا أن تكون (أكثر حزما وتطلب من السعودية سلوكا مختلفا).

وعدا عن الانتقادات الحادة على شبكات التواصل الاجتماعي، والتشهير بسجل السعودية في قمع المرأة والأقليات والإعدامات التي زادت على السبعين في ظرف شهرين فقط من هذا العام، فإن الحرج أصاب الحكومة الفرنسية ما دفع بوزير الخارجية جان مارك ايرولت لتبرير الأمر بـ (أنه تقليد دبلوماسي)؛ وأن تقليد الوسام من هولاند (لم يأخذ طابعاً احتفالياً)!. ومما زاد الطين بلّة، هو ان الحكومة الفرنسية سرّبت للرأي العام خبر بأن محمد بن نايف هو الذي طلب منحه الوسام. ولنا ان نتوقع انه يريد تقوية رصيده وموقعه في الصراع على السلطة.

الغائب الوحيد عن هذا الجدل، كان الاعلام السعودي، ووكالة الأنباء السعودية بالتحديد. فوزير الإعلام عادل الطريفي جمع مع محمد بن نايف رؤساء تحرير الصحف المحلية وممثلي عن الإعلام الرسمي خاصة القنوات السعودية، وقد اجتمع بهم، حسب وكالة واس ليطلب منهم الاهتمام بتغطية لقاء ابن نايف مع المسؤولين الفرنسيين. لكن أحداً لم يتحدث البتة عن فضيحة الوسام قيل انه وسام شرف. شرفٌ لا يملكه المانح، ولا يمكن ان يُسبغْ عن الممنوح له.

الصفحة السابقة