السعودية أكبر مستورد: لمن السلاح؟

وراء كل صفقة عسكرية بين السعودية والغرب يتجدد السؤال التقليدي: هل ثمة بنك أهداف عسكرية تملي عقد صفقات فلكية؟. فقد تخلى خصوم الحكومة عن تهمة كانوا يسوقونها ضمن أدبياتهم الاحتجاجية حين كانوا يقحمون الشعب كأحد استهدافات الصفقات العسكرية الفلكية، وإن كانت وسائل القمع التي تحصل عليها الأجهزة الأمنية المخصصة لقمع التمردات الشعبية جزءً جوهري من مشتريات الدولة من السلاح.

حتى نهاية الثمانينات أنفقت السعودية ما يربو عن مائتي مليار دولار على السلاح تم تسديدها عن طريق المقايضات بالنفط مقابل السلاح إلى جانب بطبيعة الحال التسديد النقدي المباشر، بالرغم من أن السعودية لم تخض حرباً واحدة حقيقية بصورة مباشرة طيلة تاريخها الحديث، سوى ما تقوم به من إمدادات لوجستية لبعض الدول الحليفة مثل العراق، والإردن، واليمن، والسودان في عهد جعفر نميري، والمغرب وغيرها، أو حتى القوى العسكرية المتمردة في القارتين الأفريقية والأميركية الجنوبية.

وقد بات واضحاً، أن وتيرة المشتريات من السلاح تزداد بمعدّلات قياسية مع زيادة المداخيل النفطية، حيث يتم تثمير الأخيرة في الصفقات العسكرية كجزء من الإلتزام المتبادل بين السعودية وحلفائها الغربيين.

نشير هنا الى أن جدلاً متصاعداً جرى في الآونة الأخيرة داخل دوائر صنع القرار الأميركي حول تركّز مصادر الثروة بعيداً عن الولايات المتحدة والغرب، بما يهدد بنشأة عالم عديم الأقطاب بحسب ريتشارد هاس في مقالته في يونيو الماضي في مجلة (فورين أفيرز)، والذي دعا فيه ضمنياً إلى ضرورة إبقاء مصادر الثروة الخليجية ضمن الدورة الرأسمالية الغربية، من أجل إحباط مفعولها السياسي المستقبلي، وإبقائها تحت السيطرة المالية الأميركية والغربية بصورة عامة، وهو ما سعت الإتفاقيات الأربع بين الرياض وواشنطن الى تحقيقه، من خلال توظيف المداخيل النفطية في عقود تجارية كبرى مع شركات أميركية إضافة إلى شراء كميات كبيرة من سندات الخزينة الأميركية.

وفيما تخشى الولايات المتحدة من ظاهرة (صناديق الثروة السيادية) التي تزمع دول عديدة في العالم إنشائها أسوة بصناديق مماثلة في أميركا وأوروبا، فإن ثمة تركيزاً على صناديق الثروة السيادية في دول الخليج الست والذي بلغ نحو 1.5 تريليون دولار في أواخر عام 2007، ويتوقع بلوغ قيمة الصندق 3 تريليون دولار بحلول عام 2010 في حال واصلت أسعار النفط إرتفاعها.

مصادر التخوف الأميركي والغربي من خروج الثروات الخليجية من السيطرة بفعل عمليات الفساد في الاستثمارات والإبتزاز السياسي دفعت بهم إلى إبرام إتفاقيات شراكة إستراتيجية بين واشنطن والرياض، تشجّع الأخيرة على توظيف نسبة عالية من مداخيلها في المؤسسات المالية الأميركية، والدخول في عقود تجارية مدنية وعسكرية تعزّز سياسة الـ (بترودولار).

لم يكن مستغرباً، والحال هذه، أن تحتل السعودية المرتبة الأولى في قائمة الدول المستوردة للسلاح في العالم. وكما أفادت وكالة فرانس برس في الثامن عشر من يونيو الماضي، فإن أبرز الدول المستوردة للأسلحة على مدى خمس سنوات هي السعودية (31 مليار دولار) ثم الهند (18 مليار) والولايات المتحدة (17 مليار دولار). وكانت الرياض وقّعت في أيلول/سبتمبر مع بريطانيا وبعد مداولات مطولة عقداً تبلغ قيمته حوالى تسعة مليارات دولار لشراء 72 طائرة مقاتلة من نوع "يوروفايتر تايفون".

الصفحة السابقة