الحجاز.. مجلة متميزة

هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت، يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع الحوارية السعودية أصبحت محظورة.

ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن www.tuwaa.com

* * *

هناك مفاجأة لقراء طوى، فقد ولدت مجلة جديدة بإسم الحجاز، وقد صدر منها عددان، والمجلة فيما يبدو (ورقية) ولكنها توجد على الموقع التالي: http://www.alhijazi.org. والمجلة رصينة وقوية وتحليلاتها عميقة ومفيدة فيما يتعلق بالشأن السعودي.

* * *

لماذا الاسم مناطقي؟

* * *

وهل هناك إسم غير مناطقي؟ سؤال مهم، وهذه هي أزمة السعودية، نصف القارة! انظر الى الجرائد والمجلات السعودية، فستجدها في الجملة تشير الى أسماء مناطقية: الرياض ـ المدينة ـ عكاظ ـ الندوة ـ اليمامة ـ أم القرى ـ الأحساء ـ دارين ـ نجران ـ تجارة الشرقية ـ تجارة الرياض الخ. وهناك مجلات أكثر ضيقاً من المنطقة أي مشخصنة مثل: الفيصل، الدارة وغيرهما. الغريب أن الرقابة تمنع عدداً من المجلات والدوريات بحجة أنها تشير الى منطقة مثل دورية (الواحة) التي يكتب فيها نخبة من ألمع الكتاب في الشرقية. فإما نختار أسماء عامّة وإلا فحرف الباء يجرّ هنا وهناك!

* * *

من الواضح أنها مجلة مغرضة مصنوعة في كواليس أجنبية، ولا تمت الى ثقافتنا بصله. يحاولون أن يصنعوا مناطقية على مقاساتهم، ولكن الله يأبى. لو كتبوا ملايين الصفحات، فالحجاز ونجد والشرقية بلد واحد منذ العصور السحيقة، والدليل هو القبائل وامتداداتها. فنحن شعب (قبائلي) وليس (مناطقياً) وكلاهما سيء. ولكن هؤلاء يكرهون ذكر القبائلية والحقيقة البشرية، لانهم في الاصل لا يعترفون بالسكان المحليين ولا بقبائلهم ولا ريفهم ولا يرون في الحجاز الا منطقة مقدسة لا يسكنها الا رعاع لا يستحقون التنبه الى جذورهم وامتداداتهم ونسيجهم.

* * *

يكفي ضرباً تحت الحزام. تقول الافتتاحية في نهايتها: (واذا كانت المجلة قد قررت الانضمام الى قائمة الاصدارات الاعلامية في الخارج فإنها لن تحيد عن ثوابتها في الالتزام بالوحدة الوطنية والاجماع الوطني ونبذ كافة اشكال التفرقة والتطرف والعصبية سواء على قاعدة دينية او قبلية او مناطقية، وستؤكد دائماً على مبدأ التعايش وحق كافة الجماعات في التعبير عن ذاتها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً دون إحالة هذا الحق الى سلاح للتعريض بالوحدة الوطنية).

* * *

أم أن اسم الحجاز لا يعجب الكثيرين؟

* * *

فائدة: أول مطبعة تأسست بمكة أسسها المشير المرحوم ''عثمان نوري باشا'' على عهد إمارة المرحوم ''الشريف عون الرفيق''، كانت تصدر في كل سنة ما يسمى ''السالنامة'' ينشر فيها كل ما يتعلق بأعمال الحكومة العثمانية في ذلك العهد، وبالأخص ما يتعلق الحجاز، وبعد أن أعلنت المشروطية والحرية وتأسيس الدستور، أخذ جماعة من موظفي الإدارة التركية يصدرون جريدة باسم ''الحجاز'' صدرت إسبوعيا باللغتين العربية والتركية، ولم تكن لغتها العربية مستساغة، فقد كان ما يكتب بها كلمات عربية بصيغة تركية وهو أمر طبيعي، فإن المهيمنين عليها والقائمين بالتحرير فيها ليسوا إلا موظفي الإدارة التركية، ثم عنّ لبعض من اعتنق مبادىء ''حزب الاتحاد والترقي'' إنشاء صحيفة سميت ''شمس الحقيقة'' للدعاية للحزب، ولفت نظر الاهالي إلى شعاراته ''حريت/ عدالت/ مساوات'' ولكنها لم تدم طويلاً، فقد كان ''الشريف الحسين بن علي'' أمير مكة، إذ ذاك، رحمه الله، لها بالمرصاد. ولما كانت الحالة الفكرية والثقافية الأدبية ذات اتجاه آخر، لم يسبب إغلاقها ضجة تذكر، فحلقات الدرس في المسجد الحرام كانت متجهة إلى العلوم الدينية والفقهية، وكان أغلب من يحضرها المهاجرون والمجاورون بمكة لهذه الغاية، اللهم إلا بعض أفراد من المكيين، والنادر منهم من يكون عنده إلمام بعلوم الأدب والكتابة ودراستها، على أن الطاغي على الأسلوب في النثر كان السجع وفي الشعر عند من يتعاطاه، وما أقلهم، الإفراط في التزام المحسنات البديعية، ولم تكن سوى مدرسة واحدة نشأت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري هي ''المدرسة الصولتية'' لم تخرج عن أوضاع الدراسة في المسجد الحرام، والمدرسة التي كانت تسمى ''بالمدرسة الرشيدية''، كانت تركية لحماً ودماً. ومن الغريب أن النحو العربي كان يعلم فيها باللغة التركية.

والصحافة كما هو معلوم لا تنشأ ولا تروج إلا بين جمهور قارىء، والحال إلى العقد الثالث من القرن الرابع عشر لم يكن الجمهور في مكة كذلك، لهذا لم تجد الصحف والمجلات سبيلا ومجالا، وظلت صحيفة ''حجاز'' هي الصحيفة الوحيدة التي تصدر اسبوعياً إلى زمن ثورة ''الشريف الحسين بن علي''. ولما ثار ''الشريف الحسين'' وبحكم الحاجة والضرورة، أنشأ صحيفة دعاها ''القبلة'' وظلت تصدر إلى أن استولى جيش الحكومة الحاضرة عام 1343هـ على مكة فغير إسمها الى (أم القرى). إلا أنه عندما اعتدت حكومة فرنسا على حكومة ''الملك فيصل بن الحسين'' بدمشق، وقدم مكة المرحوم ''عمر شاكر'' صاحب جريدة ''الفلاح'' من دمشق أعاد إصدار جريدته بمكة، ولكنها لم تعمر طويلا، ومات المشار إليه بعد ذلك في حادث سقوط طائرة. وعند حلول ''جلالة المرحوم الملك عبد العزيز'' بمكة في أواسط عام 1343هـ صدرت بمكة صحيفة دعيت ''أم القرى'' صدرت لتواجه جريدة ''بريد الحجاز'' التي أصدرتها حكومة ''الملك علي بن الحسين'' بجدة للدعاية ضد الاستيلاء النجدي على البلاد، وظلت تصدر إلى اليوم لكنها انكمشت وصارت تصدر أسبوعيا مقصور ما ينشر فيها على المراسيم الحكومية وبعض الإعلانات.

وفي عام 1347هـ أصدرت شعبة النشر التابعة لمديرية المعارف مجلة باسم ''الإصلاح''، لم تعمر، وكانت مجلة دينية. وفي عام 1350هـ صدرت جريدة ''صوت الحجاز'' ودام صدورها بضع سنوات، ثم توقفت عند نشوب الحرب العالمية الثانية، ثم عادت للصدور باسم ''البلاد السعودية''، وظلت تصدر بمكة، ثم في التغيرات الأخيرة التي تمت في شؤون الصحافة، صارت تصدر باسم ''صحيفة البلاد''، ونقلت إدارتها إلى ''جدة''. وقد ظهرت بمكة صحف ومجلات لم تعمر طويلاً فكانت كفقاقيع الماء والصحيفة الوحيدة التي ظلت تصدر إلى اليوم هي صحيفة ''الندوة''.

وللاستاذ ''محمد سعيد العامودي'' كتيب أسماه ''من تاريخنا''، ذكر فيه نبذاً عن تاريخ الصحافة، كما صدر كتاب ''الصحافة في الحجاز'' للدكتور ''محمد عبد الرحمن الشامخ''، يرجع إليه من شاء التوسع في الإطلاع.

* * *

قد نجد العذر لأسماء صحف ومجلات ( قديمة) تهتم كل منها بمنطقتها وأخبارها.. ككل دول العالم. لكن ما يستغرب هو أن مشروعاً يمكن أن يكون إصلاحياً للوطن وباسم الوطن ولكل أبناء الوطن يحمل اسم منطقة معينة (بغض النظر عن الحجاز أو غيره).. هذا ما يترك علامة استفهام مقلقلة.

* * *

وهل ألغي إسمي؟ أطالب بالغاء مسميات جريدة الرياض ومجلة اليمامة.

* * *

بغض النظر عن رأيي في المجلة، وبعيدا عن مضمونها.. سأرد لأن قيئ أحدهم أثارني كما أنه لا بد أن يثير كل انسان سوي.. ها قد أفصحت عما يختلج في نفسك أيها الأعرابي المتعصب. هكذا إذا أنت، لا تختلف قيد أنملة عن الوهابيين وطريقة تفسيرهم للأمور، وأطماعهم في الأراضي المقدسة. وهذا ما يفسر دفاعك المستميت عن الوهابية، وحقدك الفظيع على كل ما هو غير نجدي، وتدليسك للتاريخ والاعتماد في قراءتك له على قراءات ممسوخة وغير نزيهة، وهو ما يفسر كذلك بذاءتك الأخيرة أعلاه على أبناء منطقة وفئة كاملة كان لها النصيب الأكبر والأهم في ما أنت فيه. ألا سحقا لمن لازال يعيش في القرن الواحد العشرين بعقلية الغازي والمستعمر والمغتصب. وسحقا لمن يرى في مخالفي الأيدلوجيا السائدة من أبناء الحجاز والشرقية كل أوصاف الدناءة المستمدة من منطقتهم، بينما لا نسمع الرأي ذاته حينما تكون المعارضة (الفكرية أو السياسية) نجدية وهي الرائدة.

* * *

لا أعتقد أننا كنا بلدا واحدا في القدم.. لا سياسيا ولا إنسانيا.. و اليوم نحن وطن موحد سياسيا.. و لكن ليس إنسانيا!

* * *

وهل يأخذ من هذا المدلس بيان؟! ألا يكفي أن الرجل يقول أن الحجاز ملك لأهل نجد وأنهم هم سكانها الأصليين، ويجرد أهل الحجاز من حق الانتماء المطلق لمنطقتهم، وينعتهم بالرعاع! أي تدليس أشد من هذا التدليس الساذج ؟!

* * *

لا أدري من هم القائمون على تلك المجلة، وكيفية الاتصال بهم. إن كنت تعرف، أتمنى أن تخبرني بذلك، لأني اكتشفت أن المجلة قامت بالاستعانة باثنين من مواضيعي نشرت بطوى دون ذكر المصدر، أو حفظ الحقوق الأدبية.

* * *

تقول: أن القائمين عليها يؤكدون الالتزام بالوحدة الوطنية والاجماع الوطني ونبذ كافة اشكال التفرقة والتطرف والعصبية سواء على قاعدة دينية او قبلية او (مناطقية). وهل تنتظر منهم الإعتراف بالهدف الحقيقي؟ وكيف تفسر نبذ المناطقية والتفرقة مع هذه العناوين: الحجاز السياسي، الصحافة السعودية، قضايا الحجاز، تراث الحجاز، تاريخ الحجاز، جغرافيا الحجاز، أعلام الحجاز، الحرمان الشريفان، مساجد الحجاز، أثار الحجاز، صور الحجاز؟

هل الوطن هو الحجاز فقط ؟

أما الصحف الحالية فهي تحمل أسماء مدن وليس مناطق وفي هذا فرق.

* * *

لقد ذكرت بأن مداخلتي ستكون في معزل عن موقفي من المجلة. وأنا لا أدافع عن المجلة بل أنا ساخط عليها لأنها استعانت بمواضيع لي دون نسبتها، انما أنا أدافع عن شخصيتي وهويتي الحجازية والتي يحاول البعض تجريدي وأهلي منها، وينعتنا بالرعاع مقابل انتصاره لأفكار فئوية متعصبة وتاريخ مدلس غير نزيه، ثم يتبجح بعد ذلك بالوطنية وقمع الفئوية. وأنا إذ كنت ضد ''تنجيد'' الوطن و''توهيب'' الدين، فإني لا آخذ موقفي ذلك كرها لأهل نجد الكرام أو ضيقا بوجود الدعوة الوهابية، بل أفعل ذلك مدفوعا بحب الوطن وخشية تقسيمه. فأنا في الوقت ذاته ضد ''تحجيز'' أو ''تقطيف'' الوطن، وضد ''تصويف'' أو ''تشييع'' الدين في هذا الوطن، نعم أنا ضد تسويد الوطن بثقافة مناطقية واحدة ومذهب واحد أياً كانت تلك الثقافة وكان ذلك المذهب. وهذا لعمري هو مربط الفرس.

أما أؤلئك الذين يرغبون وبشدة تعميم النموذجين النجدي والوهابي على كافة مناطق المملكة، ويعتبرون ذلك التوجه حرصا منهم على الوحدة الوطنية، فإنما هم كاذبون منافقون؛ يريدون تمرير أفكارهم الرجعية السادية المتعصبة تحت ستار الوطنية، بينما هم في حقيقة الأمر أكثر من ''يحقد'' على هذا الوطن، وأكثر من ''يخون'' قضية الوحدة الوطنية.

* * *

هل كل مجلة لها رأي مختلف تكون مجلة مغرضة؟ وما هو دليلك على أنها صنعت في كواليس أجنبية؟ خاصة وأننا مثلك قرأنا ما قرأت ولم يأتنا بعد وحي كالذي أتاك؟ وما هي هذه الـ (ثقافتنا) وانتبه الى (نا) التي لا تمت لها المجلة بصلة؟ هل عندك تعريف خاص للثقافة وهل هناك شيء إسمه ثقافة سعودية مثلاً، أم ماذا. أفتنا مأجوراً؟

أما أن المجلة مناطقية، فمواضيعها العامة تغلب مواضيعها المناطقية، وكثير مما عندنا له هذه الخاصية. قرأت مقالاً في جريدة الرياض لا أعلم متى حول تأسيس مركز لـ (الوهابية) في (دارة الملك عبد العزيز)! فهل هذا هو (ثقافتنا) التي تتحدث عنها؟ أردت ذم المناطقية وذهبت الى أسوأ منها حين مجدت دون أن تشعر (القبائلية). مشكلة المملكة هي أن لا أحد له حق في أن يتحدث عن منطقته إلا نجد. وإذا ما فعل اتهم بأنه مناطقي. وأنا إذ أسوق هذا القول لي تجربة شخصية لا أريد إذاعتها وأتركها بتفاصيلها الى يوم ما فهي موثقة لدي أيما توثيق.

أنت يا أخي تتحدث عن نجد حين تقول بأننا شعب قبائلي.. أنت لا تعرف حجم المدن والمناطق التي لا تقدم القبيلة على غيرها من الإنتماءات الأخرى.. تصور نفسك من أهل مكة أو القطيف أو الهفوف وسألت احدهم من أي قبيلة أنت؟ على الأرجح سيقول لا أعرف. لا لإنه لا ينتمي الى قبيلة بل لأن الموضوع لا يهمه من قريب أو بعيد. الإنتماءات القبلية حاضرة في نجد والجنوب لأسباب معروفة، أما إذا ذهبت الى القاهرة أو دمشق أو بغداد وسألت السكان عن أصولهم القبلية فإنك لن تلق إلا النادر الذي يتحدث عنها، وذلك لغلبة إنتماءات أوسع أخرى: وطنية ومناطقية. حتى المناطقية أوسع من القبلية وأرشد منها. بالمختصر المفيد أنت يا أخي تتحدث وكأن السعودية كلها قبائل مثلما يفعل بعض الباحثين الغربيين الذين يقولون كل السعودية وهابية وكلهم يركبون جمال وكلهم رعاة إبل وكلهم قبليون. وهذا من الجهل، خاصة إذا جاء من مواطن من المملكة. هذا الموضوع يقرأ على خلفية (الإقامة والتحضر) والتحضر يقصد به الإستيطان في الأساس وليس الإنتماء الى حضارة بالمعنى اللغوي.

المهم.. يحق للمواطن أياً كان أن يعبر عن ثقافته الخاصة في البوتقة الوطنية. وهذا ما فعلته مجلة الحجاز، التي آمل ان لا يحجبها الحاجبون بسرعة! ولكني أعلم أن هناك أناساً يموتون بغيظهم إذا ما ذكر في المملكة غيرهم، وإذا ما ظهر صوت لمجتمع غير مجتمعهم الخاص؟ والحجاز واحد من تلك المجتمعات، وكذلك مجتمع الشمال والجنوب. وإذا أردتم الخوض في هذا الموضوع خضنا فيه.

* * *

سلمت عزيزي، قلماً راقياً ولساناً عفّاً. هوّن عليك، فالحجاز اكبر من أن يبتلع، أو تهضمه معدة طائفية أو مناطقية. حول مواضيعك.. لاحظت فعلاً أن المجلة استعانت ببعضها، وهذا تعبير عن قيمتها، وإلا لو كانت تافهة ما نشرت في الأساس. اما حفظ الحقوق فأظن أن مجلة لم يظهر لها عنوان أو تلفون أو أسماء ولم تضع إسماً على مقالاتها لا يمكن أن تكتب على بعضها إسماً (مستعاراً) مثل إسمك يا عزيزي ماس. لقد اشارت المجلة الى موقع طوى فيما أظن فيما يتعلق بأحد الموضوعات بعد أن شذبته بمهارة صحافية راقية. وأقترح ان تنتظر بعض الوقت حتى نحصل على عنوان المجلة أو الموقع لمراسلتهم.

* * *

فعلاً الوطن ليس الحجاز فحسب. والأكثر صحة وانطباقاً: الوطن ليس نجداً فحسب، والدين ليس الوهابية فحسب. هناك مناطق تحاول ان تعبر عن صوت في فضاء وطني وهذا لا يجب التحسس منه. لأن الحكومة عندنا تمنع تعبيراً كهذا في الداخل فإننا سنجده على الإنترنت وورقياً خارج الحدود. لا أجد غضاضة ان تكون عناوين الأبواب لها صلة بالحجاز، فالأخير على أية حال أكثر قداسة من أية منطقة أخرى. وهو في عيون أهله أكثر أهمية، وفوق هذا لم تكن المجلة إقصائية فيما يبدو، فالتأكيد على كلمة الحجاز لا يجب أن تثير لدينا تلك الحساسيات. خاصة وأننا نقرأ ونرى في كل مكان: إسم نجد.

* * *

من حقك الإستفهام حول أن المشروع الوطني الإصلاحي يجب أن يختار إسماً جامعاً. ولكن المجلة حسب فهمي لافتتاحيتها وقراءة موضوعاتها لا تعتبر نفسها متحدثة باسم الوطن كله، وكأنها تريد أن تقول بأن الحجازيين الذين لهم هذه الثقافة الخاصة يرون الإصلاح السياسي على هذا النحو. والمشكل في المملكة أن بؤرة إصلاحية وطنية لم تظهر بعد. فكل من يتحدث يعبر عن منطقته حتى وإن وضع يافطة وطنية. لا يستطيع الحجازي ولا الشيعي في الشرقية ولا المسعري أو الفقيه أو أي معارض نجدي أو طالب إصلاح إلا أن يتأثر بثقافته الخاصة، ولو أن بؤرة وطنية ظهرت من كل المناطق وعبرت عن كل الإتجاهات لكان الأمر مختلفاً، ولكانت وسيلة التعبير مختلفة أو عنوانها على الأقل. في غير هذه الحالة: كل يكتب عن الإصلاح من زاويته وحسب فهمه.

* * *

كم والله أشعر بالألم واللوعة ونحن نجد هذه التفرقة بين أبناء وطن واحد. سواء كانت تفرقة دينية مذهبية او عنصرية او قبلية او مناطقية. لن ادخل في نقاش حول ذلك فالجميع هنا يعرف فكري وتوجهي. نحن جميعا أبناء وطن واحد يضمنا الولاء والإنتماء له بغض النظر عن كل ما ذكر أعلاه من انواع التفرقة.

* * *

ما عهدي بك هذا ان تقول اذا أردتم الخوض فى هذا الموضوع خضنا فيه. لا والف لا.. كلنا فى قارب واحد. العنصرية وحل مستنقع ملئ بالافاعي السامة. نعم للحمة وطنية فى كل الاتجهات.

* * *

العبرة بالمضامين لا بالمسميات.. تخيلوا الأتي: مجلة الوطن، وكل ما فيها تمجيد لنجد، أو الحجاز وهلمجرا.. وعلى أي حال لا ضير في التسمية، إذ أننا في الأساس نتاج المناطقية، ونمت فينا الروح الوطنية مع الزمن. بإختصار: لا نطير بالعجة.

* * *

هو غاضب لأنني ذممت مجلته المزعومة الممتازة، الفكرية، الرصينة التي تتصدر صفحاتها مواضيعه العبقرية. وهو يحاول أن يعطي الانطباع أنني قلت عن الحجاز انهم رعاع، بينما قلت أنه هو وأمثاله وأصحاب المجلة يرون أهل الحجاز رعاعاً لا يستحقون التقدير. ويحاول أن يوهم القاريء أنني أعني بالقبيلة ''مجرد النسب والعرق'' بينما كنت أعني تلك المؤسسة العرقية التي صاحبت الإتسان العربي في مهده عبر التاريخ.. ولم يقارعها و يحد من احتداداتها الا الدولة السعودية الحديثة. أدعو أعزائي القراء إلى التمعن بمحتوى المجلة المزعومة، وسيرون أنني لم أظلم أحدا، فهي مغرضة، لم يكتب فيها قلم حجازي واحد. واسألوا الأخ الذي طرح الموضوع للنقاش وبإلحاح، فقد يكون لديه خبراً عن منشئها. اليوم مجلة الحجاز، وغداً مجلة القويعية، وبعدها مجلة شمر التقدمية الديموقراطية الشعبية.

* * *

سؤالي هو: ماذا عن مجلة ''نجدية'' تصدر وتُطبع من الرياض ومرخصة من وزارة الاعلام؟ إذهب لشراء أي عدد منها، وانظر كيف تكرّس هذه المجلة ''الاقليمية'' حسب عنوانها؟أانا حجازي يا سيّدي ومن أرومة تعانق السماء، ولا يهمني في كثير أو قليل ظهور ألف نوع من المجلات، فهي لا تبرزني. ما يبرزني هو موروثي وما يدلّ عليه، وسلوكي كفرد من مجموعة، وما يعوّل عليه. وكل مجتمع تخلده حضارته.. ذاكرة التأريخ ليست قصيرة، ولا تتوقف عند رأي بمجلة. أحب تراب الوطن يا سيدي من خرخيره لعرعره! واختلف مع الوطن، وأعتب عليه وأحنق منه. ولكن نحنُ كعصافير في هذا العش، لا يسعنا ''التوسيخ'' فيه. احترام الآخرين لنا نابعٌ من نبذ اختلافنا، و إلا لن يحترمنا الغير. وهذه المجلة لن تضيف للحجاز العظيم شيئاً، ولن تنقص من قدر الشقيقات العظيمة الاخرى بالمملكة شيئاً!

* * *

بخصوص سؤالك عن مجلة نجدية.. فالخطأ يا عزيزي لا يبرر الخطأ. ولعلمك هذه أول مرة أعلم أن هناك مجلة بهذا الإسم (نجديّة).

* * *

ما قصدته بالخوض في الموضوع ليس بمعناه السلبي، وإنما بالدخول في تفاصيل مناقشته. أي أنني على استعداد للخوض في الموضوع لا في الوحل العنصري.. اللهم إلا إذا كان الموضوع من أساسه وحلاً، وهذا أمرٌ آخر قد نتفق أو نختلف بشأنه. أنا معك مائة بالمائة فالعنصرية كما ذكرت عزيزي وحل مستنقع مليء بالأفاعي السامة.. ونعم ألف نعم للحمة الوطنية.

* * *

هناك توضيح بسيط، فقد نقلت الموضوع الى المنتدى قبل أن أكمل قراءة مواضيع المجلة.. وهناك أصوات تشير إليّ بأنه قد يكون لديّ معلومات عن القائمين عليها. وأود هنا أن أقول بأنني سمعتُ عنها ـ لأنني أعيش في الخارج ـ من الألسن والهاتف قبل أن تصلني البارحة ورقياً. وقد استلمت عنوانها قبل ذاك على النت فوضعتها في المنتدى. أنا لا أعلن براءتي من المجلة، ففيها ما هو مفيد وما هو غير مفيد. ولكني أقيمها حرفياً ومهنياً وسياسياً بغض النظر عن إسمها، وبغض النظر عن أسماء القائمين عليها، والذين لا أعرفهم. ولو عرفتهم فإني أشك بأني سأطلعكم عليهم طالما هم لم يرغبوا في ذلك في الأساس، حيث لم يضعوا إسماً ولا تلفوناً ولا عنواناً بريدياً حتى. أنا أعتقد بأن المجلة جيدة سياسياً وصحافياً.. اتفقنا معها أم اختلفنا، وكنت أتمنى لو أن نظام المطبوعات عندنا كانت لديه اللياقة لتقبل النشر في الداخل، إذن لاتسع هامش الحرية الصحافية وتخلصت المجلة (الحجاز) من قصورها. ولكن لأن نظام المطبوعات مغلق فسنرى الكثير من الأصوات الوطنية وغير الوطنية تتحدث من خارج الحدود، وهذا لا يعني عمالة وإنما ضيقاً من أصحاب الرأي والمصالح بالكبت.

* * *

جزيرة العرب لم تكن وطنا واحدا.. لان طبيعة الحياة والبيئة لم تكن لتسمح بترف الأوطان والممالك. كانت جزيرة العرب، بلد القبيلة العربية، ولا يمكن ان يدحض هذه الحقيقة أي داحض ولا باحث. جزيرة العرب هي مهد العرب، ولم يسكنها او يسيطر عليها أو يحكمها الا قبائلها ( عدا شوارد قصيرة لا تحسب بميزان التاريخ). لم تتوحد جزيرة العرب سياسيا الا في عهدنا هذا. ولكنها كانت متوحدة دائما عرقيا وثقافيا. فسكانها كانوا هم العرب فقط: عدنان وقحطان (كانت هناك أقليات صغيرة جدا كالاحباش مثلا) ووحدتهم الثقافة.. يكفي أن نذكر اللغة العربية التي يتكلمها أهلها والتي وصلت الى حد عظيم من التطور. ويكفي أن أذكر المعلقات السبع، أو العشر، والتي كانت تعلق على الكعبة لشعراء كلهم من نجد ومن المنطقة الشرقية بالتحديد. مالذي جلب إبداع هؤلاء الشعراء الى مكة اذا لم تكن هناك ذائقة ولغة وثقافة واحدة.

* * *

فيما يتعلق بمجلة الـ (نجدية) أقول: أنا لا أعارض أن تسمى مجلة بإسم الحجاز أو غيره من المناطق.. ولكن الاعتراض على المحتوى. هل ترى في محتوى هذه المجلة ما يبشر بخير. هل تذكر مجلة اسمها ''صوت الطليعة'' كان يصدرها البعث العراقي ومجلة أخرى اسمها صوت الحجاز الحر تصدرها جهة اخرى؟.هذه المجلة لا تختلف عنهم. هل رأيت في هذه المجلة غير لغة التحريض والانتهازية؟ أوافقك أيها العزيز: هذه المجلة لن تضيف الى الحجاز العظيم شيئاً، ولا شروى نقير.

* * *

تقول المجلة: (في بداية عهد الحجاز تحت الإحتلال السعودي.. رغم مرور ما يقرب من ثمانين عاماً على احتلال الحجاز وإنهائه كدولة مستقلة معترف بها على يد القوات النجدية). لا يهم اسمها: الحجاز أو الانجاز، ولكن هل هذا المحتوى العفن الآسن مقبول؟ هل مقبول أن يقال: الاحتلال السعودي؟!

* * *

أنا لا أطالبك بتأييد أو رفض المجلة ومحتوى معظمها إن شئت.. ولكن إسمح لي أن أختلف معك في شيء واحد وهو أن المجلة لا تختلف عن هذه وتلك إلا بمواضيع فلان. واسمح لي أن أختلف معك في (بعض) ما تقول. فمجلة (صوت الطليعة) التي ذكرتها والتي كان يصدرها البعثيون السعوديون، مجلة راقية، وأظنها من أرقى ما صدر عن المعارضة السعودية في بحوثها الإقتصادية والتاريخية. لا تنس إن كان يوجد لديك شيء من أعدادها أن تراقب بحوثها (أكرر بحوثها) والأدب الراقي من شعر وغيره. أنا لستُ بعثياً سياسياً ولم أعاصر تلك المرحلة إلا في أواخرها، ولكن مجلة (صوت الطليعة) وكذلك مجلة (الجزيرة العربية) هما أفضل ما صدر عن المعارضة السعودية بغض النظر عن موقفك من أصل المعارضة ضد النظام.

أيضاً فإن من بخس الناس أشياءهم القول بأن مجلة (الحجاز) لا شيء فيها ذو قيمة. فهذه المجلة تضاهي المجلتين آنفتي الذكر، وأرجوك أن تقرأ التحليلات بعد أن ترفع النظارة السوداء عن عينيك. أنا لا أعتب عليك رفضك للمجلة من إسمها الى أخمص قدميها. العتب فقط هو حول ما إذا كانت المجلة (الحجاز) أو غيرها لا قيمة لها، أو لا تقدم شيئاً جديداً وإن اختلفنا بشأنه. إن الرفض المطلق كالتأييد المطلق، أعمى ومضلّ. نحن نريد أن لا نكون من جماعة سم طال عمرك، ولا نريد أن نتهافت مع أي ناعق ضد النظام. النظام له حسناته وسيئاته، وكلما كنا أقرب الى العقل والمنطق، كلما كنّا أقرب الى (التقوى): ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب الى التقوى. نحن نريد أن نستخدم عقولنا في رفض الشيء أو قبوله، ولا نريد أن نرفض أو نؤيد بالجملة، فهذا هو الذي أورد بلادنا المهالك. كان الأولى بك ان تجرد سلبيات المجلة في قائمة وإيجابياتها في قائمة أخرى. أو تجرد واحدة من القائمتين وتقول هذه ملاحظاتي على المواضيع وعلى التحليلات وعلى الأخبار وعلى المنحى السياسي، وعلى الإسم وعلى كذا وكذا. إن فعلت ذلك فأنا أول من يؤيدك في اعتراضاتك المفصلة أو الموضحة برؤوس النقاط.

* * *

فعلاً كلمة (احتلال سعودي) قاسية. وذوقنا اليوم كمواطنين صار ينظر الى هذه الكلمة بشيء من البشاعة، مع أن الكلمة في زمن ما سابق كانت تستخدم بشكل اعتيادي وطبيعي. لكني احترت فعلاً وأنا أقرأ اعتراضك في توصيف العملية العسكرية التي أدت الى إنهاء دولة الحجاز. في كتب التاريخ المدرسي القديمة كانت تسمى احتلالاً، ثم جرى تسميتها بالإستيلاء، فيقال استولى المغفور له الملك عبد العزيز على الحجاز. كلمة (الغزو) العسكري استخدمت سابقاً وبصورة قليلة، خلافاً لما كان عليه الأمر في الدولتين السعودية والثانية، حيث يؤرخ المؤرخون (ابن بشر وغيره) الأحداث بجملة معتادة: غزا المسلمون بلدة كذا، أو مدينة كذا، وقطعوا النخيل وفعلوا كذا، وقتل من المسلمين كذا، ومن المشركين كذا.. لا يخفى أن الفوارق بين استخدام: الغزو العسكري، والإحتلال العسكري، والإستيلاء العسكري، تكاد تكون متقاربة، ومن هنا فإن توصيف ما جرى في الحجاز يصعب إبعاده عمّا في أذهاننا، خاصة وأنه جاء عبر القوة العسكرية والمذابح (تربة والطائف) وعبر الحصار لجدة والمدينة المنورة مدة تقرب من العامين. والآن لو قلت لك أيها الأخ: ماذا تفضل أن تستخدم؟ فإنك ستجد نفسك في حيرة وورطة، فنحن نريد أن نبتعد عن إرث الماضي والتركيز على المستقبل. وحتى لو استخدمنا كلمة (توحيد) المملكة فإن ذلك لا يعبر بالدقة عن توصيف حدث إنهاء الحجاز وضمه. في اللغة الإنجليزية لا يراعى هذا التباين، فهم يعتبرون ما جرى إحتلالا عسكرياً، واستيلاءً عسكرياً، وغزواً عسكرياً. والإنتقاء بين الألفاظ مسألة مقبولة لديهم ولا تثير اعتراضاً.

ولكن يبدو لي أن ما اشتكى منه الأخ ليس الكلمة (احتلال سعودي) بل الإطار الذي وضعت فيه، والنتيجة التي توصل اليها المقال.

* * *

سأبدأ بمجلة الحجاز المزعومة. قد أكون كل شيء إلا التحجر والمغالاة والانغلاق. ولا يمكن أن يجرني مجرد إسم الى الرفض. أنا يا سيدي أرى أن اللعب بالوحدة الوطنية من أكبر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها ''ابن لجزيرة العرب'' فهل ترى في وصف توحيد البلاد (بالاحتلال) بشرى ثقافية عالية القيمة؟ لا تقل أن ابن بشر قال استيلاء او قال مفردة أخرى. فابن بشر ابن بيئة شفاهية فقيرة بالمفردات والمضطلحات. ولا يصح أن نسحب مفرداته على حياتنا الحاضرة. هل من حسن النية وعلو الثقافة وسعة الوعي أن نقول أن التوحيد كان احتلالا نجدياً؟ هل ترى أن توحيد الجزيرة في زمن الراشدين كان احتلالا حجازياً؟ هل كان توحيد سوريا احتلالا دمشقياً ( منطقة حلب كانت دولة مستقلة)؟ هل توحيد اليمن كان احتلالا صنعانياً؟ ألا يكفي وصف التوحيد بالاحتلال لكي ارفض المجلة جملة وتفصيلا؟

فيما يتعلق بـ ''سم طال عمرك''.. لم يحدث، ولن يحدث أن أقول ذلك على ورقة بيضاء لأي أمير او مسؤول.. فالمسألة أكبر من ذلك. فهي تتعلق بوطن لن يرحمنا أحفادنا اذا تهاونا بوحدته وبقائه. ان المعارضة الحرة والهادفة هي تلك التي تقرأ الوطن جيدا والتي تستند على انتاج فكري وبحثي، وعلى رصيد عميق من الرصد المتواصل لكل دقائق الوطن وتحولاته وانعطافاته.. وأن تحدد خياراتها بعين يقظة تستهدف الشعب وخياراته.. لا الاعتماد على أحداث الاقليم او الاطماع الدولية، وانتهاز مساراتها فحسب. فيما يتعلق بمجلة صوت الطليعة وغيرها: أنا شخصيا لا أرى في الفكر البعثي إلا فكراً فاشيستياً سقيماً، وهذه المجلات التي كانت تصدر وتطبع في العراق، لم تكن الا حرباً إعلامية ضد السعودية.. مثلها مثل برنامج '' المملكة الدموية'' الذي كان يبث من إذاعة بغداد. وهل تعتقد أن البعث العراقي كان يبذل هذه الجهود من أجل سواد عيون شعب الجزيرة العربية؟ لكي أكون على مستوى دماثة خلقك ورقي طرحك، سوف أعود فيما بعد لكي افصل اعتراضي على المجلة المذكورة. شاكرا لك حوارك الراقي. ويا ليتك تخلع النظارة الرمادية.

* * *

وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد

وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي.

فلعلي مثل كثيرين يلبسون النظارات السوداء والرمادية وهم لا يشعرون. يهمني من ردك نقطتان: الأولى هي أننا مطالبون بنقد المحتوى لا نقد النيات. لا أنا ولا أنت نختلف حول أن النظام العراقي كان يمول المعارضة البعثية في المملكة، ولازال حتى اليوم هناك قيادات سعودية بعثية تعيش في العراق. أنا وأنت نعرف الأهداف السياسية وراء هذا النوع من العمل، وهو عمل تقوم به الدول وفي مقدمتها المملكة نفسها، فهي تستضيف المعارضة العراقية منذ ثورة رشيد عالي الكيلاني! ولا يخفى أنه حتى قبل بضعة أشهر كانت هناك إذاعة تنطلق من جدة موجهة الى العراق وضد نظام صدام حسين، بعد استمرار دام أكثر من عقد. لا يجب أن نقول بأن كل ما تنشره الإذاعة من جدة باطلاً لأن هناك أهدافاً سياسية لدى المملكة من ورائها، كما لا يجب أن ننظر الى صوت الطليعة ونقول يكفينا انها ممولة من البعث العراقي. بل نقرأ وننقد آخذين بعين الإعتبار الجهات الدافعة لها إن وجدت.

الثانية استوقفني استنكارك في تشبيه فتح مكة في صدر الإسلام هل يسمى احتلالاً؟ وهذا تشبيه لم يزعمه إلا (الوهابيون) وأضع الإسم بين قوسين. فهم أول من شبه حركتهم الإخوانية بأنها تشبه حركة الرسول من حيث الهجرة (تذكر بناء الهجر) و (الجهاد) و (الفتح). وأظنك قد قرأت شيئاً كثيراً من هذا. وأنا هنا لا أقبل التشبيه: لا أقبل منطق (الفتح) مع أن هناك من وصف فعل الملك عبدالعزيز بأنه فتح الأحساء وفتح مكة وفتح الحجاز الخ. أنا متيقن بأن الأمر لا يعدو احتلالاً عسكرياً، أفضى الى قيام دولة موحدة نأمل لها بالدوام رغم إرث الماضي الثقيل الذي يضغط على نجد وعلى قيادة البلاد وعلى جميع مواطني المملكة. لا يختلف إثنان على حقيقة أن البلاد وحدت بالقوة، ولم تكن ناتجة عن رغبة. ولكن هل هذا التوصيف يبرر اليوم إثارة النعرات من أجل التقسيم؟ هذا غير مقبول.

أيضاً فإننا مطالبون كحكومة وكمواطنين في نفس الوقت بأن نوفر الوسائل لديمومة الوحدة، وأن نتلمس مواطن الوجع والخلل في الإدارة والسياسة والثقافة التي تبقي مسألة التوحيد السياسي وكأنها لاتزال فرضاً وليست رغبة. علينا فيما أعتقد أن نتساءل قبل ذم المجلة (الحجاز) لماذا تصدر بهذا الأسم، وما هي الأسباب العلاجية. هذا فيما أعتقد هو الأجدى.

* * *

أوافقك على كثير من النقاط هنا.. ولكن لي وقفات قصيرة. (الوهابيون) وأضعها بين قوسين لا يشبهون شيء بفتوحات الرسول. أما أنا فأشبه دخول الملك عبدالعزيز لمكة بفتح الرسول لمكة وكذلك دخوله الرياض. أنا أتحدث عن جزيرة العرب هنا، وليس عن الانبياء والرسالات. أتحدث عنها كبلد مجرد بعد انقطاع الوحي. من هنا.. فتوحيد الملك عبدالعزيز للجزيرة يعادل فتح مكة في المنظور السياسي الضيق لجزيرة العرب من الداخل. بل أن الحركة الاصلاحية (الوهابية) هي أشبه الحركات بحركة الرسول. ومفهوم الهجرة عند الحركة أنه أحد أعظم الاصلاحات الاجتماعية في تاريخ الجزيرة العربية. طبعا كلامي هذا لا يعجب الوهابيين ولا الشيعة ولا حتى الهنود. ولكن جزيرة العرب تحكي عن نفسها أمامنا بلا نصوص. أوافقك القول بوجوب نقد المحتوى وترك النيات وهذا ما فعلت. واتفق معك تماما عندما تقول (أيضاً فإننا مطالبون كحكومة وكمواطنين في نفس الوقت بأن نوفر الوسائل لديمومة الوحدة، وأن نتلمس مواطن الوجع والخلل في الإدارة والسياسة).

* * *

مجلة الحجاز هي مجرد اسم، ومحتواها يثبت أنها وطنية وضد العنصرية التي يحاول بعض السادة إلصاقها بها.

* * *

تعليقي على الأستاذ الذي يعتقد أنه (بالمنظور السياسي) فإن توحيد الملك عبد العزيز للجزيرة العربية يعادل فتح مكة، وأن الحركة الوهابية أشبه الحركات بحركة الرسول.. تعليقي هو: لقد ذهبت بها عريضة كل العرض! سواء بالمنظور السياسي أو الديني. لا أظنّ أنك ستجد إلا قلة نادرة يمكن أن تدافع عما دافعت عنه. لا عجب إذن أن ينظر الوهابيون الى قياداتهم بالتقديس والى ما عندهم كأرفع وأرقى ما أنتجته البشرية من اجتهاد ديني. لا عجب إذن ولا غرو أن نجد الكثير من الأنبياء والمجتهدين الذين لم يبقوا مسلماً غيرهم إلا وكفروه وحطّوا من شأنه. ولا عجب بعدئذ إن تساوى محمد بن عبد الوهاب أو ابن سعود مع رسول الله، وفق المنظور السياسي للأخ.

يا أخي إحبب هوناً. الحركة الوهابية قذفت بما يقرب من ثلث سكان الجزيرة العربية وراء الحدود، ستجدهم في كل مكان من عالمنا القريب والبعيد. لا تقل لي الفقر والمجاعة والتصحر والحروب الداخلية، فهذه لها دورها، ولكن الهجرات الكبيرة، وهجرات العقول العلمية الدينية (بمن فيهم الحنابلة) لم تأت إلا على يد هذه الحركة الوهابية التي تقول أنها شبيهة بحركة الرسول. كل معارك الرسول لم يصل قتلاها الى الألف، وانظر الى ضحايا الوهابية. انظر التسامح في حركة الإسلام، وانظر التعصب عند هؤلاء. لا أريد المقارنة حتى لا نخرج عن الموضوع.

* * *

لقد قلت أن الحركة هي أقرب الحركات شبها بحركة الرسول سياسيا وعسكريا.. و أنا اصر على ذلك للأسباب التالية: ـ أنها حدثت في نفس البلاد و المواقع و الوديان (لم تحدث في الصين).

ـ أنها حدثت بين نفس الناس والقبائل والثقافة.

ـ أنها حدثت في نفس الظروف تقريبا ونفس النشاطات البشرية والاقتصادية. لعلك تعلم أن جزيرة العرب لم تتغير كثيراً عند نشوء الحركة عن طبيعتها قبل عشرة قرون.

ـ أنها وحدت معظم جزيرة العرب. لا تقديس يا أخي ولا هم يحزنون. فمحمد بن عبدالوهاب ليس الا ''مطوع'' لا تصل قامته الى ظفر قدم رسول الله. وليس هذا مجال حديثنا ومقارناتنا، ولكن الحركة بالمنظور السياسي حركة عظيمة، ليس في جزيرة العرب فقط، ولكن في كامل الوطن العربي برمته. بل أنها تعادل تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا.

أقول ان الحركة لم تقذف أحداً خارج الجزيرة العربية لانها كانت حركة توسعية فأين تقذفهم؟ هل تقذفهم الى الشام مثلا او العراق، والحركة نفسها كانت تدق أبواب العراق والشام وحتى ديار بكر. نعم.. لقد استغلت القبائل العربية توسع الحركة للرحيل شمالا كعادة قبائل الجزيرة تاريخيا. فهل نعتبر استيطان القبائل العربية أيام الفتوحات الاسلامية في البلاد الأخرى نفيا لها وراء الحدود؟ قد يكون هناك هجرات فردية لا يعتد بها.. أما هجرات جماعية فهذا يحتاج الى دليل. فيما يتعلق بالقتلى في المعارك: اذا تجاوزنا مجزرة الطائف وقبل ذلك بمئة سنة كربلاء، فلن تجد الحركة ذات طابع دموي، ومع أن الحركة لم يكن يقودها نبي يوحى اليه، الا أنها كانت أقل دموية من صراعات جزيرة العرب المستديمة والسرمدية والتي تحالفت مع الجهل والمرض حتى كاد العرب في مهدهم أن ينقرضوا. بل أنها السبب الأول في لجم الصراعات والدماء والانعزالات. أنا هنا لا أدافع عن حركة دينية فيها ما فيها من التعصب، ولكنني أتناول حركة سياسية حدثت في بلادنا، أنتجها شعبنا، وتشكلت حسب ظروف وتجربة هذا الشعب، ولم تنشأ كنبتة شيطانية بلا جذور. لن ينفعنا أن ننظر للحركة بأحكام مسبقة جاهزة، ولا أن نحكم عليها أحكاماً مذهبية ضيقة، فهذا أبعد ما يكون عن العلم والتجرد.

* * *

لم أكن راغباً في الدخول في هذا النقاش حول الحركة الوهابية، ولكن أخي يجبرني على ذلك بإثاراته الشديدة. أنت تقول التالي:

* إن الحركة الوهابية لم تقذف أحداً خارج الحدود لأنها حركة توسعية.

* أنت تستعيد هجرة القبائل بسبب الضغط الوهابي لتقارنها بهجرة القبائل أيام الفتوحات في صدر الإسلام، وقد كان ردي عليك دائماً كما هو هنا إن هناك إشكالاً في الأساس في أصل المقارنة وموضوعيتها.

* أنت يا أخي تحصر ضحايا الوهابية في مجزرة الطائف عام 1924م وكربلاء عام 1216هـ.

* وأنت تهوّن من أخطائها بتبرير أنها جاءت بالأمن وأنهت الصراعات المستديمة التي كادت أن تفني العرب.

* وأنت تدافع عن حركة سياسية حدثت في (بلادنا).. لاحظ الجمع، وأنتجها (شعبنا) لاحظ الجمع أيضاً. وأنها بالتالي ليست نبتة شيطانية بلا جذور.

* وأخيراً انت قلت بأن لدي أحكاماً مسبقة مذهبية ضيقة.

حسن.. في موضوع الهجرة، أقول لك لا يوجد بلد خليجي ولا العراق ولا إيران ولا الشام ولا الهند ولا السودان ولا مصر إلا ويوجد به مواطنون من الجزيرة العربية إما شرّدوا في الهجمة الوهابية الأولى أو في فترة توحيد المملكة. الوثائق بهذا الشأن البريطانية وغيرها متوفرة، وكتب التاريخ ملئى إن لم يعجبك الوثائق، وذاكرة الناس ثقلى، وعلاقات إجتماعية لاتزال تربط بين المشردين أو أحفادهم بجذورهم في جزيرة العرب. وعلى الأقل أتمنى أن تكون منصفاً، وأرجوك رجاءً أن تعود لأهم كتابي تاريخ للحركة الوهابية: تاريخ نجد لابن بشر، وروضة الأفهام لابن غنام. ثم اقرأ كل كتب الحركة المؤيدة (وليست المعارضة) مثل كتابات الريحاني وحافظ وهبة وفؤاد حمزة وفيلبي وصلاح الدين المختار، ستجد نصوصاً ومعلومات يصعب حصرها في هذا الشأن. لن أرشدك الى كتاب لمع الشهاب، ولا إلى كتابات المستشرقين في هذا الشأن ولا كتب الأكاديميين المتعددة. صفة التوسع يا عزيزي هي التي تدفع بهذه المجاميع الى التشرد، وليس العكس، فيد الوهابية لم تكن لتطال كل الدنيا، وحتى الغارات التي وصلت فيها الى العراق والشام، لا تبرر عدم الهجرة اليهما أو الفرار اليهما. كانت القسوة والعنف المترافق مع النهب الإقتصادي والمصادرة أسباباً رئيسية في تلك الهجرات، وكل هذه الأفعال لم تأتِ من فراغ بل جاءت على أساس تبرير ديني.

وحتى هذا اليوم، لا أشك أنك قرأت وسمعت بأن الأكثر التصاقاً بتلك الحركة وبمبادئها، هم الذين يدعون الى طرد المخالف في المذهب: الشيعة في الشرقية وفي الحجاز والإسماعيلية في نجران، ومن يسمونه بالصوفية في الحجاز. لا أظنك إلا اطلعت على ما ينشر من فتاوى في هذا الشأن، ومن استعداء للنظام للقيام بمثل هذه الأفعال في كتب منشورة ومصدقة من أعلى سلطات دينية، وأحيلك هنا الى كتاب واحد هو كتاب ابراهيم الجبهان: (تبديد الظلام وتنبيه النيام الى خطر الشيعة والتشيع على المسلمين والإسلام) فهذا الكتاب يحوي أكثر مما ذكرت لك، وهو مطبوع داخل المملكة، وعلى نفقة الرئاسة العامة للدعوة والإفتاء، ووزع مجاناً (في سبيل الله) وهذا مكتوب على غلافه ط 8 سنة 1408هـ. وأزيدك من الشعر بيتاً، فأنت لا بد تعرف أو سمعت عن سعوديين كثر يعيشون خارج المملكة، لا بسبب خلاف سياسي مع النظام، بل لأن الجو الداخلي خانق، وقد خمّن عددهم في أميركا وكندا ببضعة آلاف وكلهم تقريباً أصحاب كفاءات. بالله عليك من الذي جعل وطننا سجناً هكذا؟ ذات الأمر يمكن قوله حول المجاز، التي اختزلتها في الطائف وكربلاء. أظنك يا أخي بحاجة الى مراجعة الكتب التي ذكرتها لك، والتي هي مؤيدة ومدافعة ومنافحة عن الحركة الوهابية لتعلم أنك لم تقل كامل الحقيقة. حتى فترة توحيد المملكة: قرى بأكملها أحرقت في الجنوب، وفروع قبائل أبيدت، وهجرات واسعة من الشرق والشمال والغرب وقعت. وتفصيل ذلك يستغرق مكاناً أكثر اتساعاً من هنا. أنت يا أخي ترى الجوانب المشرقة في الحركة، أما الذين ابتلوا بها فلا تغضب إن رأوها بنظارات سوداء شديدة السواد والظلمة. قد تكون الوهابية إحدى أعمدة هويتك، ولكنها ليست كذلك بالنسبة للحجازي ولا للمواطن في الشرقية أو الجنوب أو حتى شمال نجد (اقصد بذلك حائل). مجزرة واحدة فقط وفي يوم واحد في القطيف شملت 3000 شخصاً من صغار وكبار حسبما يذكر المؤرخون حين دخلها الوهابيون أول مرة. وفي سيهات قتل القادة الوهابيون الأطفال في المهد. وفي الأحساء أُبيدت قرية كاملة هي جليجلة حسبما أتذكر. هذا غير الهمجية ضد الشجر والنخيل التي تقطع والبيوت التي تحرق. وأكرر إن ما أقوله هنا موجود بوفرة في كتابي ابن بشر وابن غنام فارجع اليهما، حتى وإن كان الكتابان قد جرى تشذيبهما مرات ومرات. نعم.. انت يا أخي تقيس الأمور بنجد، فهي فعلاً كانت تعيش صراعات مستديمة بين البلدات وامرائها المختلفين. ولا يجوز ان تطبق الأمر في نجد على كل مناطق المملكة. فالحواضر كانت مستقرة وإن كانت الطرقات غير آمنة. ولا يخفى أن قيام حكم مركزي قد وطد دعائم الأمن.. هذا لا ينكر، ولكنه يا أخي جاء بثمن باهظ للغاية. ثم يا أخي وأنت تدافع عن حركة سياسية (الوهابية) تجعل قارئك يستنتج أن نجداً هي السعودية وأن الوهابية هي الدين والإسلام. ليس هكذا تورد الإبل يا أخي. حين تتحدث عنها بالقول حدثت في (بلادنا) وأنتجها (شعبنا) فأنت بهذا تختزل الكل في البعض، وتلغي الآخر إلغاء حاداً. لا يا أخي ليس تاريخ المملكة هو تاريخ الوهابية ولا تاريخ آل سعود. نعم الوهابية نبتة (نجدية) وليست نبتة عامة. وإلا على ماذا قتلت الآخرين وكفرتهم وأهدرت دماءهم واحتلت ديارهم؟ ماذا يقول أجدادي الضحايا الكفار عن أجدادك المؤمنين الأتقياء المجاهدين إن كانت هذه النبتة إنتاجاً مشتركاً وقامت في كل الأمكنة وليس في منطقة محددة؟ أنا لا أستطيع أن أتخلص من مناطقيتي أو حتى مذهبيتي. هذا ما أعترف به حتى وإن بذلت غاية الجهد من أجل ذلك. فتركيبة المواطنين النفسية (وهذا يشملك كما يشمل كل واحد منا) هي تركيبة مناطقية قبلية طائفية. وكلما عزف نغم الوهابية ظهرت كعامل انشقاق، واستدعي التاريخ في حروب الإنترنت والورق أيضاً، فضلاً عما هو أكثر من ذلك. الوهابية لا تقدم فكراً جامعاً حتى نختلف بشأنها.. هي لمن يعتنقها نحترمه، وننسى التاريخ. لكن لا تذكرني بأن ذلك الفعل كان صحيحاً، ولا تقل لي اقبل بآرائها وهي لا تزال تكفرني ولا تفرضها علي وتستخدمها ترساً تتحصن به لتقصيني من حقوقي كمواطن. أخيراً أرجوك أن تقرأ التاريخ بعين غيرك أيضاً. حاول. أو لأقل إقرأ مادة واحدة فقط من الإثارة في موقع وزارة الشؤون الإسلامية، لكي ترى أن الوهابية هذه وإن لعبت دوراً بالغ الحيوية في توحيد البلاد عبر استخدام العنف، فإنها اليوم لا تفيد إلا في التمزيق. ومن يصرّ عليها، فإنه بالضرورة يضحي بالوطن وبالهوية الوطنية. هذا رأيي، قد يكون حاداً ولكنه صادق على أية حال. واعذرني أخيراً إن أسأت الأدب أو تجاوزت الحدّ.

* * *

لاحظت ظاهرة غريبة في المنتدى تدعو للتساؤل، وهي نزول عدة مواضيع في المنتدى تصب كلها في خانة العنصرية، وتدفع جميعها الى بث روح تمزيق الوطن. ومن هذه المواضيع وأهمها الترويج لمجلة (الحجاز) المشبوهة! وليس أدلّ على ذلك من كون القائمين عليها مجهولون، وهذا يعيد الى الذاكرة الإشاعة التي راجت خلال حرب الخليج الثانية بأنه كان في المخطط عودة الأشراف لحكم الحجاز، مع ما صادف ذلك الوقت من إطلاق الملك حسين للحيته وإلحاق لقب الشريف بأسمه.. وجميع هذه المواضيع تدفع للترويج لإنفصال الحجاز عن الحكم السعودي. هذا التوجه بدأ من قبل على إستحياء، وكان يؤخذ بحسن نية، لكن بدأت الآن تجتمع الخطوط وتتضح الصورة بشكل أكبر.

المشاكل والمعاناة والأخطاء موجودة في جميع مناطق المملكة، لكننا لم نر مواضيع كتلك تختص بمناطق أخرى كالشرقية والشمال والجنوب والوسطى، مع ان بعض هذه المناطق تعاني أكثر مما يعانيه الحجاز. نتفهم وفي الحقيقة أنها ظاهرة صحية انتقاد الاوضاع وسوء الإدارة بغض النظر عن الإنتماء المناطقي. على سبيل المثال فإن من أسوء الأوضاع المتردية الوضع المزري لمدينة جدة، مع أنها كانت في يوم من الأيام من أكثر مدن المملكة مشاريع وميزانية (أيام الفارسي). عندما ننتقد الوضع في وزارات مثل الإعلام/ المواصلات/ المعارف/ الصحة/ التجارة وغيرها، يجب ان يكون نقدنا على الوزارة والوزير من ناحية الاداء والكفاءة، وليس لماذا الوزير من هذه المنطقة أو تلك. الجدير بالذكر أن البعض لا يشاركون البتة عندما يكون الإنتقاد لأداء وزارات معينة، ولا أعلم إن كانت الوطنية تتوقف هناك؟!

أتساءل بيني وبين نفسي: هل هذا بداية لحلم البعض بعزل الحجاز عن بقية المملكة؟ المملكة بما فيها الحجاز تتوزع فيها القبائل كقريش وعتيبة وحرب وسبيع وعنزه وثقيف وقحطان وغيرها.. اضافة لمن حمل جنسية الوطن بالتجنيس بحكم ولادته مثلا واستقراره في المملكة فأصبح مواطنا له حقوق وعليه واجبات المواطنة، لكن التركيز علي المناطقية والعنصرية شئ مرفوض، ويدعو للشك بل ويؤصل هذا الشك! وعلى الذين يتسترون خلف الدين ومحاربة التشدد المذهبي (ما يسمى بالوهابية!) وإستخدام هذا التشدد سلما للوصول إلي مبتغاهم، حتي لو تشدقوا بإدعاءاتهم الوطنية.. عليهم أن يعوا أن هذه الإدعاءات المزيفة الوطنية مكشوفة للجميع وان لا ينجروا خلف أحلامهم! ومما يبعث على السخرية انهم في الوقت الذي يتجه فيه العالم بأجمعه الى تكتلات اقتصادية وسياسية، يسعي هؤلاء الى بث الروح الإنفصالية في الوطن.

* * *

وسمعتُ أيّها الوضاح أن ربيع دحلان قد أصدر كتاباً يُحارب فيه الوهابية ويتهمها بإحتلال الحجاز ويحذّر وسط بياض صفحاته (السوداء) من خطورة ذلك على أهل الحجاز الذين هم (فقط) ضمن تصوره المريض والمشبوه والشعوبي الأسر الحضرية، والمتجنّسين الذين هم في الحقيقة أو أكثرهم على الأقل من مواطني هذه البلاد. وليس سرّاً أن محاربة الوهابية ليست سوى غطاء يتستّر خلفه هؤلاء المرضى لبث الفرقة بين أقاليمه. ووصل الأمر بهم واستغلالاً لهذه الظروف السيئة إلى التهديد بسحب أموالهم من البنوك والحوار مع بعض رموز الادارة الامريكية للضغط على الحكومة السعودية. فهل رأيت كيف أصبح الوطن مأكولا مذموما عند هؤلاء (الهنود).. أقول بعضهم وليس جميعهم. وأتمنى على كل من يعرف عن الكتاب شيء أن ينقله لنا هنا.

هل سأل أحدكم نفسه لماذا يخصّص أحمد حسن فتيحي منحاً دراسية تقدّر قيمتها بالملايين لمئات من أبناء الحضر وبعض أبناء الجنسيات العربية والاسلامية دون أن تحتوي القائمة على واحد فقط من قبيلة بدوية؟! ربما أكشف المزيد عنهم في موضوع مستقل.

* * *

إطلعت على مجلة الحجاز التي تشير اليها ولم أجد فيها ما تزعمه، بل على العكس تماما فهي ضد العنصرية.. ربما تحتاج الى اعادة قراءتها بعين غير مغرضة.

* * *

هذه المجلة غير مريحة.. فهي أولاً تتسمى باسم منطقة، وثانياً تدور كل المواضيع حول هذه المنطقة وباسم الوطن كله. ثالثاً تدور كل التبويبات على الاهتمام فقط بهذه المنطقة دون سواها. رابعاً سرقة عدد من المواضيع وعدم نسبتها إلى أهلها. خامساً مالكها وصاحبها مجهول الهويه. كل هذه الأشياء مريبة ومرفوضة تماماً، ولا تمت الى الليبرالية والإنفتاح بشئ.

* * *

الدين يُستخدم مطية من الحاكم والمحكوم. من المضطهَد والجلاد على حد سواء. فالوهابية استخدمت لـ (احتلال) الحجاز، عبر شرعنة التوسع وهدر دم الآخر بعد تكفيره وحشد الشارع لقتاله. والوهابية تستخدم اليوم لشرعنة الوضع القائم ومقاومة التغيير. فإذا افترضنا أن ما قلته صحيحاً بأن الهجوم على الوهابية وشتمها ما هو إلا مجرد غطاء أو لنقل مبرر لتحقيق غايات أخرى، فإن من يفعل ذلك لم يخرج عن المألوف السياسي. وطالما أنك أفصحت عن أن هناك أخطاء، فالأولى علاجها، لأنها تشكل مبررات لتفكيك الدولة. ومن وجهة نظري فإن الهاشميين لن يعودوا الى الحجاز، بل سيعودون الى العراق، أما الحجاز فلو تحقق ما أشرت إليه من تقسيم المملكة فلن يكون حكامه إلا منه.

ومجلة الحجاز ـ بيت القصيد ـ سببت صداعاً بسبب إسمها على الأرجح. اما مواضيعها فهي لا تختلف عما ينشر في طوى.

أما أخي الذي تعرّض للدحلان. فأنت تعترف بأنك لم تقرأ كتاب ربيع دحلان. وتقول أنك سمعت!! أنه ألف كتاباً ضد الوهابية. الصحيح أن كتاب الدحلان له مؤلف وهو حسبما أتذكر عبد العزيز الفهيد، بغض النظر إن كان الإسم مستعاراً أم صحيحاً، ولقد اتهم الدحلان بأنه وراء الكتاب، وإن كان من المحتمل جداً أنه لم يكتبه. والكتاب لا يعدو دفاعاً عن النفس في موضوع اتهم بشأنه، فسجن واعترض الأمير ماجد على ذلك فاستقال. هو يتهم القضاء الفاسد بأنه لم ينصفه، وكان ضحية مؤامرة الكبار حسب رأيه، ولذلك جاء عنوان الكتاب: محنة القضاء السعودي. ولم يكن مخصصاً ضد ما تسميه الوهابية. فهو لم يتعرض لعقائد الوهابيين ولم يناقش الموضوع أبداً.

تقول بأن الدحلان يتهم الوهابية بأنها احتلت الحجاز. وهذا في رأيي ليس اتهاماً. وإذا كان اتهاماً فهل ما قاله خطأ؟ بل بماذا تريده أن يتهمها؟ حسبما أذكر أيضاً فإن ذكر الوهابية واحتلال الحجاز جاءت في عبارة ضمن سياق موضوع طويل وفي سياق مختلف. أخيراً الكتاب موجود للقراءة على هذا الرابط: http://kotoop.netfirms.com

إطبع الصفحة الصفحة السابقة