■ الحجاز السياسي
■ الصحافة السعودية
■ قضايا الحجاز
■ الرأي العام
■ إستراحة
■ أخبار
■ تغريدة
■ تراث الحجاز
■ أدب و شعر
■ تاريخ الحجاز
■ جغرافيا الحجاز
■ أعلام الحجاز
■ الحرمان الشريفان
■ مساجد الحجاز
■ أثار الحجاز
■ كتب و مخطوطات
■ البحث
العدد الاخير
أرشيف المجلة

دولة المنشار!

رحل خاشقجي شهيداً.

نشره محمد بن سلمان بالمنشار، وقطّعه إرباً إرباً، وأخفى جثته، وربما أُهديَ له رأسه في الرياض.

لكن رحيل الخاشقجي لم يكن بلا ثمن، كما حدث لمئات بل لآلاف الأشخاص الذين غيّبهم النظام السعودي المجرم.

لقد فضح دم خاشقجي آل سعود، وكشف سوءتهم، وأبان للعالم همجيتهم ودعشنتهم، وهبوط قيمهم، ومزاعم انسانيتهم، وانحطاط سلوكهم، وضعضع قوائم ملكهم قبل أن تأتي نهايتهم.

الدم البريء لم يفضح محمد بن سلمان وحده، بل فضح أجهزة الدولة السعودية كافة، وخاصة مباحثها ومخابراتها، فضلاً عن إعلامها ووزارة خارجيتها، ونيابتها العامّة.

تفاصيل


اغتيال «إبن النظام» والأسئلة الكبرى

وداعـاً.. خـاشـقـجــي!

بات مؤكداً أن الصحفي جمال خاشقجي، قد دخل قنصلية بلاده في إسطنبول ولم يخرج حيّاً؛ بغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بتقطيع جثته (وهو أمرٌ مؤكدٌ أيضاً)، أو مكانها (وهو أمرٌ مجهول حتى الآن).

القضية اليوم في تداعيات الحدث على النظام السعودي داخلياً وخارجياً، وما إذا كانت هناك إمكانية لصفقة سعودية ـ تركية ـ أمريكية تتوصل الى (لفلفة) قضية مقتل خاشقجي، ليخرج آل سعود بأقل الخسائر، وهي حتى الآن باهظة على صعيد سمعة الدولة السعودية، ومكانة محمد بن سلمان.

بيد أن الأسئلة الكبرى المتعلقة بجريمة القتل السعودي، لموظف الإستخبارات السعودية السابق، لازالت قائمة، ولازال النظام السعودي وأبواقه يرددون بعضها كحجج ومبررات دفاعية، وسنحاول هنا القاء الضوء عليها.

تفاصيل

(١)

لماذا تقتل الرياض خاشقجي؟

حقاً..

اذا كان جمال خاشقجي «إبن النظام»، أي الشخص الذي كبر في حضن النظام، وخدم النظام، وبقي الى الرمق الأخير مدافعاً مخلصاً عنه (رغم نقده له).. وهذا ما اعترف به السفير السعودي في واشنطن، ابن الملك خالد بن سلمان..

واذا كان جمال خاشقجي، لا يعدّ نفسه معارضاً، بل لم يكن يقبل أن يوصف بأنه (منفيّ) كحقيقة حين خرج أول مرة قبل نحو عام هارباً من «جحيم المهلكة» السعودية..

واذا كان الرجل خاشقجي، لا يمثّل خطراً على النظام، كما يقول النظام نفسه..

تفاصيل

(٢)

هل هناك حلٌّ آخر مع خاشقجي؟

دقيق ما قاله أحد المعارضين (د. حمزة الحسن)، وهو أن آل سعود (عارضوا جمال)، بينما هو لم يعارضهم. أي ان المشكلة لم تكن يوماً في جمال خاشقجي، بقدر ما كانت في محمد بن سلمان والنخبة النجدية الحاكمة.

القاتل والقتيل: ألا توجد طريقة أخرى لاستيعابه غير المنشار؟!

مؤكدٌّ أن تطفيش جمال خاشقجي من موقعه الإعلامي خطأ. وإيقافه عن الكتابة في الصحافة المحلية وحتى في صحيفة الحياة كان خطأ. وكذلك منعه من التواصل عبر حسابه في تويتر كان خطأً من ابن سلمان ودليمه (سعود القحطاني) وكتابه.

تفاصيل

(٣)

لماذا إسطنبول وليس واشنطن؟

حسن..

قرر ابن سلمان إخماد صوت جمال خاشقجي الى الأبد. وهو الأمر الذي رحب به أمراء وذباب الكتروني وصحفيون موالون.. شتموا وشمتوا بمجرد ان تناهى الى سمعهم خبر مقتله او اختفائه، بل وعمدوا الى تهديد بقية المعارضين المسعودين المقيمين في الخارج بشكل علني وبأسمائهم الصريحة.

السؤال الذي يتكرر بغرض الاستفهام، او بغرض التعمية وإبعاد الشبهة عن آل سعود هو: لماذا تم اختطاف او اغتيال أو اختفاء أو قتل وتقطيع جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول، وليس في غيرها؟

ثلاثة أماكن رئيسية كان يتنقّل بينها خاشقجي: أمريكا وبريطانيا وتركيا.

وحتى لا نُطيل: الرياض لا تقتل معارضيها في واشنطن أو في لندن. سبق ان اختطفت أمراء من عواصم أوروبية أخرى (سويسرا مثلاً) وهناك دعوى قائمة بسبب اختطاف الأمير سلطان بن تركي.

تفاصيل

(٤)

لماذا لم يكن خاشقجي حذراً؟

اذا كان جمال خاشقجي قد عمل ردحاً من الزمن في جهاز الإستخبارات السعودي، بمعيّة سيّده الأمير تركي الفيصل..

واذا كان خاشقجي يعرف الخطوط الحمراء السعودية، ويعرف إمكانيات الجهاز السعودي، فلماذا لم يدرك تبعات كتاباته ونشاطاته، وتالياً إمكانية استهدافه؟

كيف لشخص مثله، يُقاد بسهولة الى حيث قُتل؟!

لماذا لم يحذر جمال هذين المجرمين بما فيه الكفاية؟

هذه الأسئلة تُستحضَرْ لنفي تهمة قتل خاشقجي عن الرياض.

لا شك أن خاشقجي كان حذراً بقدر غير قليل. وكان حريصاً على ألا يكسر الخطوط الحمر، المتوهّمة في أكثرها.

هو ظنّ أنه يقوم بما يقوم به، ضمن (دائرة النقد) غير المقبولة من قبل ابن سلمان وأجهزته؛ ولكن عزاءه هو أنه (مخلص في نقده)، وأنه (ليس معارضاً) لأصل النظام ويؤمن بضرورة بقائه، وأنه يتفق مع النظام في أكثر سياساته،

تفاصيل

(٥)

لماذا كانت العملية الإجرامية ساذجة فاشلة؟

من التساؤلات المفضية الى التشكيك في دور الرياض في قتل جمال خاشقجي، هو أن العملية الأمنية الدموية مليئة بالثغرات. فهي عملية طفولية، غبيّة، فاشلة. وعليه لا يمكن ان يصدّق بعض الموالين ان تقوم أجهزة الاستخبارات السعودية بهكذا عملية، مفترضين أن السعودية قوية، وجهاز استخباراتها قوي، وأنها اذا ما أرادت قتله، فهي لن ترتكب هكذا أخطاء، وتنحصر في هكذا خيارات غبيّة.

البلطجة والغطرسة سبب الفضيحة!

إذن.. المشكلة بالنسبة لهؤلاء سببها هو أنهم وضعوا جهاز الاستخبارات السعودي في مقام عال، وهو أمرٌ لم يثبت سابقاً ولا لاحقاً. كما يفترض التشكيك أيضاً، أن الأمراء السعوديين، وعلى رأسهم محمد بن سلمان نفسه، لا يمكن لهم ان يسمحوا بالقيام بعملية فجّة خرقاء غير مدروسة جيداً هكذا! فابن سلمان ـ بنظرهم ـ ذكي عبقري لا يقع في هكذا أخطاء.

تفاصيل

(٦)

كيف أخطأ ابن سلمان في حساباته السياسية للعملية؟

لم يكن فريق الاغتيالات السعودي جاهزاً فنياً او كفاءة. كما لم يكن مدبرو الجريمة في الاستخبارات والديوان الملكي يمتلكون من الذكاء أدناه، بحيث يديروا اللعبة سياسياً واعلامياً.

حسابات آل سعود السياسية خاطئة وحمقاء

باختصار لم يكن فريق الاغتيالات، ومن هم وراؤه، يفكر بما (بعد تنفيذ قتل خاشقجي).

لم يكن ليتوقعوا ان تفشل العملية، وهي بالنسبة لهم لم تفشل: إذ تمّ قتل وتقطيع جثة خاشقجي فعلاً.

تفاصيل

(٧)

كيف فشل آل سعود في إقناع العالم بروايتهم؟

كان يمكن للرياض ـ ولو نظرياً ـ لفلفة قضية خاشقجي بثمن أقل.

كان بإمكان آل سعود التفاهم سريعاً مع تركيا، وتقديم كافة المعلومات، والإعتذار، ودفع بعض (الثمن) سياسياً وربما اقتصادياً.

ترامب.. حماية بقرته الحلوب حتى النهاية!

لكن عنجهية الأمراء أبت عليهم التنازل لأردوغان. وكانوا يقولون: ومن هو اردوغان؟ لا شيء! ثم من هو خاشقجي؟ لا شيء أيضاً. وبطريقة محمد بن سلمان الذي سأل حبيبه جارد كوشنير ـ الصهيوني صهر ترامب: (What is a big deal؟)، فهو غير قادر على ادراك سبب الاستياء الأمريكي من قتل شخص مثل خاشقجي!

تفاصيل

(٨)

ماذا يريد أردوغان أن يجني من الجريمة؟

أطاحت الرياض بمشروع أردوغان عبر (الثورات المضادّة) ونجحت حين وجهت ضربة قاصمة لذلك المشروع حين تمت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عبر انقلاب السيسي. منذئذ، وأردوغان يرفل بالهزيمة على مستوى الشرق الأوسط بأكمله. الى أن جاءت الفرصة المناسبة الآن، من الخصم نفسه.

اردوغان: تركيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع قيادة العالم الإسلامي!

يمكن القول بأن إدارة أردوغان لملف مقتل خاشقجي، يحوي شيئاً من الإنتقام من آل سعود وآل نهيان.

ويمكن القول أيضاً أن أردوغان بدأ باستعادة بعض الأنفاس ليكون هو زعيم العالم الإسلامي، وتركيا زعيمة العالم الإسلامي.

تفاصيل

(٩)

ما هي آفاق مستقبل إبن سلمان السياسي؟

باعتراف الرياض انها ارتكبت الجريمة (بشكل غير مقصود)، وانفضاح الكذب، لم يبقَ الا دفع الثمن.

عزل المنشار حلّ مُرضٍ لأكثر من طرف، إلا لسلمان وابنيه!

هناك تزايد المطالب بأن ثمناً ما يجب ان يدفعه آل سعود، حسب كل دولة وكل جهة. البعض يريد مكاسب اقتصادية، والبعض يريد مكاسب حقوقية (اطلاق سراح المعتقلين)، والبعض يريد إسقاط وإزالة محمد بن سلمان من الحكم نهائياً.

إبعاد محمد بن سلمان عن ولاية العهد، بدت مطلباً كبيراً، حين عُرض أول مرة على لسان أعضاء كونغرس عُرفوا بدعمهم للسعودية ولابن سلمان شخصياً.

لكن فكرة الضغط من أجل إبعاده تتلقى زخماً متصاعداً.

تفاصيل

(١٠)

ما هو تأثير الجريمة على السياسة الخارجية السعودية؟

سواء بقي ابن سلمان في السلطة أم خرج منها، فإن ما حدث حتى الآن لا بدّ أن يؤثر على مكانة السعودية اقليمياً، وعلى قدراتها في مواصلة سياسة (الحزم والعزم والظفرات) التي زعمها الملك سلمان منذ توليه العرش.

تداعيات مقتل خاشقجي أخطر من تداعيات ٩/١١ على آل سعود

فقد ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن قضية جمال خاشقجي كانت المناسبة التي انفجر فيها العالم (القريب والبعيد) بوجه سياسات سلمان وابنه.

جريمة قتل خاشقجي أضعفت الحكم السعودي وزعزعته بأكثر مما فعلت أحداث ٩/١١، او غزوة مانهاتن، واتهام آل سعود بأنهم وراءها، وان الـ ١٥ سعودي المشاركين فيها، هم نفس العدد الذي توجه للقضاء على خاشقجي وتقطيعه بالمنشار.

تفاصيل

(١١)

ماذا عن تداعيات الجريمة داخلياً؟

ماذا عن الشعب السعودي، او المسعود؟ أليس لديه كلمة او موقف في هذا الظرف العصيب، ليس على آل سعود فحسب، بل على البلاد وشعبها أيضاً؟

لا شك أن انكشاف جريمة قتل خاشقجي، قد فضحت الحكم السعودي، وهبطت بأسهم آل سعود، وبالخصوص محمد بن سلمان الى الحضيض.

كانت هزّة أصابت الجميع، حتى المؤيدين، الذين انكفأ الكثير منهم ـ وبينهم كتاب مشهورون ـ عن الكتابة، واعتزلوا مواقع التواصل الاجتماعي، او لم يعودوا يكتبون شيئاً او يعلقون على أي حدث.

وقد حاولت السلطة ومباحثها وذبابها الالكتروني تحفيز الحس الوطني للدفاع عن (الوطن = محمد بن سلمان)، ولكن دون فائدة كبيرة، حتى بين المشاهير الذين تعرضوا بالاسم الى هجمة حادة تتهمهم بالخيانة لأنهم لم يقفوا مع الوطن، ولم يتحدثوا عن براءة آل سعود من دم الخاشقجي. ولم تخف التهديدات العلنية على وسائل التواصل الاجتماعي، الا بعد ان استجاب بعضهم، والا بعد أن أعلنت السلطة السعودية نفسها عن اعترافها الصريح بقتل خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول.

تفاصيل


ترامب يدافع عن رهانه على الدمية - الوحش

هل يحمي ترامب ابن سلمان أم نفسه؟

الجريمة التي ارتكبها النظام السعودي في قنصليته في إسطنبول، وراح ضحيتها الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، اثارت عاصفة اعلامية وسياسية على مستوى العالم كله.

واشنطن بوست: انضم ترامب لآل سعود لتغطية جريمة مقتل خاشقجي!

البحث عن مرتكبي الجريمة ومن يتحملون مسؤوليتها، اتجه في مسارين متلازمين:

أحدهما، صوّب على النظام السعودي، وخصوصاً الرجل القوي فيه، ولي العهد محمد بن سلمان.

تفاصيل


استراتيجية الاعتراف لتخفيف الضرر

١٠ خطوات في كيف تغطّي على جريمتك
(النسخة السعودية)؟!

لدينا الاسباب الكافية للاعتقاد، بأن خبراء الدعاية والعلاقات العامة الذين يوظفهم ولي العهد السعودي لتصنيع صورته في الخارج، يعملون دون كلل مع المستشارين المعروفين والسريين في دوائر قصره، لمواجهة المضاعفات الخطيرة التي نجمت عن جريمته، في اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

أنا بريء.. صدقوني!

لم يعد محمد بن سلمان مهتما اليوم بكل ما يمكن ان يقال عن سياساته، وتناقضاتها، والتراجع المستمر في مواقفه، والكذب الصريح في كل ما يعلنه عن اغتيال خاشقجي... فكل همه ان يستطيع النجاة وانقاذ حياته السياسية.. فلطالما منّى نفسه بحكم السعودية خمسين عاما، لم تبدأ رسمياً بعد، وأنه قدر لا يمكن أن يمنعه من الحكم كل تلك الفترة إلا (الموت) الجسدي.. فكيف سيقبل ابن سلمان الآن.. السقوط بعد اقل من ثلاث سنوات على حافة الكرسي الذي يحلم به؟.

تفاصيل

مقتل خاشقجي..
الإنحدارُ السعودي!

تمّت اقالة جمال خاشقجي من رئاسة تحرير احدى الصحف المحلية (الوطن).

ثم مُنع من الكتابة في صحيفة الحياة. وتم التضييق عليه ومنعه ايضاً من الكتابة في تويتر.

ثم بدأت الإعتقالات ففرّ للخارج.

لم يُسمح لزوجته آلاء نصيف التي تزوجها في ٢٠١٠ بالسفر، وتم الضغط عليها لطلب الطلاق. وهذا ما تمّ.

أراد التزوّج بأخرى تركية، بعد فراره من مهلكة القمع، فاشترط عليه ان يأتي بصك الطلاق.

ذهب الى القنصلية السعودية في اسطنبول، فوجدها آل سعود فرصة ونصبوا كميناً، ووعدوه ان يأتي بعد أسبوع لاستلام نسخة من صك الطلاق.

دخل القنصلية وخطيبته تنتظره خارجاً، فاختطفوه.

كادت الرياض واعلامها ان تقولها صراحة، بأن خاشقجي وصل الى الرياض مختطَفاً.

وكاد معارضون وحكومة اردوغان ان يعلنوا اختطافه ووصوله الى السعودية، او تسلميه لإحدى العصابات لقتله خارج السفارة. لم يظهر حينها ان الخاشقجي قد قتل داخل القنصلية السعودية.

كلا الطرفين ـ التركي والسعودي ـ رأى الأمر محرجاً.

الحكومة التركية قالت ان الخاشقجي لازال في القنصلية السعودية، وإن كانت تميل الى ان الرجل قد تم إخراجه منها، الى حيث الهلاك في السعودية أو حتى في تركيا نفسها.

والحكومة السعودية ممثلة في خارجيتها او سفارتها او قنصليتها، تنفي وجود الخاشقجي لديها. تقول جاء وخرج! وحتى لو تم تفتيش القنصلية فلن يجدوه.

المؤلم في قصة جمال خاشقجي، الذي عمل مع النظام، وهو ابن النظام، ان نهايته مؤلمة.

(قد) تكون مثل نهاية المعارض المشهور، ناصر السعيد الذي اختطفه آل سعود عبر سفارتهم في بيروت وسفيرهم هناك علي الشاعر، بالتعاون مع مسؤول جهاز امن فتح (أبو الزعيم) وآخرين.

(قد) يختفي خاشقجي الى الأبد! كما ناصر السعيد.

تراجع الرياض واعترافها باختطافه لم يكن مطروحاً في الأيام الأولى من قضية خاشقجي، لأنه يفجر مشاكل ومواجهات سياسية مع تركيا وغيرها، إضافة الى فضائح تكشف وجه الرياض البشع.

وبالتالي فإن للرياض مصلحة في اختفائه الى الأبد.

ذلك أن تداعيات حدث الإختطاف (حتى الآن)، قد يدفعها للتخلص منه ان وصل الى الرياض، او الطلب ممن سلمتهم إياه (ان كانت عصابة او جماعة داخل تركيا) ان يتخلصوا منه، او كان رجال المخابرات السعوديون قد قتلوه. في البداية لم يدر بخلد أحد ـ حتى بين المعارضين ـ أن تتم تصفيته داخل قنصلية بلاده.

لكن التحليلات الأولية لدخول خاشقجي وعدم خروجه منها، أفادت بأن بقاء الخاشقجي حياً ـ في ظل ما وصلت اليه الأوضاع، وطرح موضوعه إعلاميا بشكل كبير ـ خطر على آل سعود.

لذا فقد كان مؤلما ان يكون هذا السيناريو (وهو الإختفاء الى الأبد) صحيحاً.

ما فعلته الرياض بحق الخاشقجي، كان خطيئة وليس خطأ.

هو تهور وجريمة، ستبقى تلاحقها، كما قضية ناصر السعيد بل أشد.

تفاصيل

الأسبوع الأول:
احتمالات الخطف، والإنكار الرسمي!

انطباعات السعوديين الذين هم خارج البلاد، لم تقبل النفي السعودي بأن خاشقجي خرج من القنصلية، ورجحوا عملية الخطف، وبعضهم احتمل القتل ابتداءً.

الإعلامية السعودية العاملة في راديو مونت كارلو ايمان الحمود، علقت على تبريرات اختطاف خاشقجي فقالت: (لا فائدة تُرجى من التبرير. مرحباً بكم في السجن الأوسط الكبير)؛ وعلقت على كلام عادل الجبير الموجه لكندا: (لسنا جمهورية موز) فقالت: (إننا أوهن من الموز نفسه عندما يتعلق الأمر بكلمة).

المعارض السعودي الإخواني المقيم في تركيا أحمد بن راشد بن سعَيِّدْ، والذي كان ينتقد الخاشقجي، أبدى تعاطفه معه في أزمته، وأضاف: (عُدْ يا جمال، فنحن بالتنوّع نحيا، وبالإقصاء نضيع ونصبح فريسةً للذئاب). رد عليه صحفي النظام محمد آل الشيخ: (علّمْ نفسك يا الِكْمَخَةْ). وعلقت ذبابة سعودية الكترونية فسخرت من السعيّد بأن يقوم بما قام به جمال، أي يخطب له زوجة ويذهب الى السفارة السعودية ليكمل أوراق العرس، حتى يتم خطفه طبعاً.

اما المعارض الآخر، ذو الميول الاخوانية، والذي ترك تركيا مؤخراً فلجأ الى كندا، الأحسائي مهنا الحبيل، فعلق على عملية الاختطاف فقال: (واضحٌ تماماً انه لا حدود لتوحّش الموقف الأمني السعودي، ولا يوجد أي سقف لمراعاة الأعراف الدبلوماسية.. وأجزم بتواطؤ إدارة ترامب) يقصد تواطؤها في عملية الخطف.

المعارض في المنفى اللندني، عبدالله الغامدي، الذي سُجنت والدته الى الآن للضغط عليه، علق بأن هناك معلومات باختطاف وتهريب الخاشقجي الى الرياض وانه وصلها فعلاً، وتمنى ان لا يكون الخبر صحيحا، وتوقع ان لا تقف تركيا موقف المتفرج. وعلق معترض بأن ترامب اهان السعودية والملك سلمان، فردّت عليه بخطف جمال خاشقجي، وختم بالسخرية: (كم أنتِ عظيمة يا مملكة الظلام).

الدكتور عبدالله العودة، ابن الشيخ المعتقل سلمان العودة، علق على عملية الخطف السعودية بأن (العالم يشهد ارهاباً منظماً وسلوك عصابات غير مسبوق). وتساءل بذهول: مالذي يحدث؟ محاكم تفتيش للاصلاحيين، وأحكام بالقتل، والمؤبد، والتجسس على الناشطين في الخارج، وترويع وتفتيش البيوت، والآن أنباء عن اختفاء؟

وفي حين توقّع المعارض عمر عبدالعزيز الزهراني ان يُجبر خاشقجي على الظهور التلفزيوني ليقول انه بخير وعاد لوطنه باختياره.. رأى المعارض الآخر الدكتور حمزة الحسن ان الموضوع اكثر خطورة، حيث توقع انه قد تمت (تصفية) خاشقجي جسدياً وليس فقط (اختطافه)، وعلل ذلك بأنه ليس من مصلحة الرياض إبقاؤه حياً بعد أن جرى ما جرى، فحياة خاشقجي تمثل إدانة لآل سعود، وقتله ـ وليس تغييبه ـ بنظرهم اهون الشرين.

ولأن الموقف صادم، أضاف الحسن: (ليتني استطيع أن أكون متفائلاً). فابن سلمان اظهر الوجه البشع لآل سعود، ومادامت تركيا لم تستطع اقناعهم باطلاق سراح الخاشقجي مع حفظ ماء وجههم، فليس هناك الا سيناريو (ناصر السعيد) الذي اختطف من بيروت عام ١٩٨٠ وقتل في الرياض، دون ان تعترف الأخيرة بذلك الى اليوم.

تفاصيل

الأسبوع الثاني:
بداية التسريبات التركية!

في الأسبوع الثاني، وإزاء توفّر المعلومات الأولية عن خاشقجي، عمدت السلطات التركية الى تسريب بعض المعلومات والفيديوهات عن مقتل خاشقجي، وتقطيعه داخل مبنى القنصلية، وأن خمسة عشر عميلا للمخابرات السعودية ضالعين في مقتله داخل القنصلية، وجاءت بصورهم، وصور رحيلهم في طائراتهم الخاصة.

التسريب بدأ بقناة الجزيرة، التي أحالت بعض أخبارها الى السلطات الأمنية التركية، او مصادر خاصة، او عبر تمرير المعلومات لمواقع حقوقية سعودية، ثم الأخذ عنها. فكان أن كبرت القصة وأصبحت قضية اكبر من (محلية سعودية وتركية) وأكبر من قضية (إقليمية) بل بدأت بالتحول الى قضية دولية، حيث عمدت السلطات التركية الى تحويل التسريبات الى قنوات إعلامية أمريكية: صحيفة الواشنطن بوست، والسي إن إن بشكل خاص.

صُدمت الرياض بالتسريبات، ولكنها بقيت على خطابها الاستعلائي، وعلى سياسة الإنكار، بل والسخرية من الرواية التركية التي وصفتها بالمفبركة والكاذبة والمتآمرة. هي لم تقل شيئاً ذا معنى، كان صمتها نُطقاً، وتركت ذبابها تائهاً بلا توجيه، وطباليها من الكتاب بدون بوصلة يكتبون على أساسها، فيما العالم قد اصبح مقتنعاً بالرواية التركية، وبدأ يستعلن مواقفه المعادية والمستنكرة والمشمئزّة من الجريمة السعودية.

وبعيداً عن اللغط والجدل، فالمؤكد لدى تركيا، في الأسبوع الثاني من الجريمة، هو أن خاشقجي دخل قنصلية بلاده، وأنه قُتل فيها، وأنه تم تقطيعه، وأن جثته أخذت الى مكان آخر، قد يكون بيت القنصل السعودي العتيبي، وقد يكون مكاناً آخر. وكان من الثابت أيضاً لدى الأتراك، أن خمسة عشر شخصاً سعودياً جاؤوا على طائرتين خاصتين بغرض تنفيذ المهمّة. وقد سرّب الأتراك بعضاً من صور الطائرات ووضعوا أسماء الأشخاص وصورهم.

والثابت أمريكياً، حسب ما أعلنه أعضاء الكونغرس، نقلاً عن مصادر في السي آي ايه، أن السعودية خططت لاعتقال أو قتل الخاشقجي، وأن محمد بن سلمان هو من أعطى الأوامر بالقتل او على الأقل بالخطف.

والثابت عالمياً، في الأسبوع الثاني من الجريمة، أن قضية اختطاف وقتل الخاشقجي، قد تلبّست آل سعود من رأسهم الى أخمص قدميهم، بحيث انهم لا يمتلكون دليلاً على خروج الخاشقجي من القنصلية، وان حجتهم بتعطّل الكاميرات الداخلية، وهو أمرٌ زعمه ابتداءً: سفير السعودية في واشنطن، خالد ابن الملك سلمان، يثبت بأن هناك تخطيطا للجريمة.

وبدا أن لا أحد يصدق آل سعود، لا من حلفائهم ولا من خصومهم. حتى ترامب ونائبه بنس اضطرا للتخلّي عن فعل ابن سلمان المشين، بل ان ترامب رجح الأخبار الواردة من تركيا من اختطاف وقتل.

أما الثابت لدى الذباب الالكتروني واعلام آل سعود، وكتابه وطبّاليه، فإن الرياض بريئة من دم الخاشقجي، براءة الذئب من دم يوسف!

تفاصيل

الأسبوع الثالث:
الصمت السعودي يؤكد تهمة القتل!

الأسبوع الثالث من أزمة مقتل خاشقجي كان أسبوعاً حزيناً لمحمد بن سلمان، الذي أصبح يطلق عليه منذ الان لقب (المنشار).

أسبوع كامل والرياض بمسؤوليها وكتابها الأساسيين ومعظم ذبابها الالكتروني صامتة.

لا تستطيع ان ترد على الاتهامات الموجهة لها بقتل خاشقجي، ولا اشعال أزمة ضد دولة بعينها، ولم تنجح في تحفيز حسّ وطني كاذب يدافع عن ابن سلمان وأبيه، ولا تقديم توضيح، ولا أي شيء.

لا شيء غير الصمت والحيرة، لدى صانع القرار، ولدى الكتاب، وأجهزة الإعلام المتنوعة التي بدت وكأنها تعيش عالماً خاصاً بها، وتغطي قصص وأحداث سياسية لا أحد يهتم بها.

الجميع وصل الى النتيجة المؤلمة.

لا يمكن الدفاع عما جرى من قتل وتقطيع جثة خاشقجي.

لا أحد يستطيع ان يجابه العالم كله، وهو يتابع بصحافته وفضائياته وبمختلف لغات العالم، تفاصيل التسريبات المتتابعة عن الجريمة السعودية.

الجميع يتابع بصمت، بعد نحو عشرة أيام من التشكيك ومحاولات الدفاع المستميت والغبي عن (المنشار) محمد بن سلمان.

كان الدفاع عن آل سعود وجريمتهم مغامرة، لكن هناك مغامرون.

العقيد إبراهيم آل مرعي، كتب بغضب نافياً عن آل سعود قتل خاشقجي، وكال الشتائم والإهانات للضحية، يقول: خاشقجي لم يمثل تهديداً للأمن، وهو أقل شأنا من أن يكون كذلك. وأضاف بأن خاشقجي معجب بتنظيم القاعدة واستقر في أحضان الإخوان، وسلّم رقبته لمرشدهم؛ وهو فاسق قليل العقل. وزاد آل مرعي بأن خاشقجي محبّ للشهرة، سطحي التفكير، سهل التسيير، يؤخذ بالمديح، استخدمه الإخوان وقدموه للغرب كشخص معتدل، فحارب وطنه باسم حرية الرأي.

وواصل آل مرعي شتائمه، فقال ان خاشقجي: تجرّد من المهنية والمصداقية، وهو لم يمثّل قيمة فكرية، ولا يملك تأثيراً على الرأي العام السعودي، وفوق ذلك هو منحاز لأعداء المملكة، وتم توظيفه واستخدامه من قبل الأعداء. وختم بأن خاشقجي نقم من وطنه لفقدانه الوجاهة، وتولى مناصب لم يكن أهلاً لها، وأعطي فرصة تلو الأخرى!

موظف وزارة الداخلية الكبير محمد الهدلا يقول ان بلاده تعلمت من درس خاشقجي أن (قطر وبوقها الإعلامي هم عدونا الأول) والدرس الآخر (ان تجسس حكومة اردوغان على البعثات الدبلوماسية ـ في إشارة الى القنصلية السعودية ـ بات حقيقة).

نهلة العنبر تلقي بغضبها على الإخوان الخونة عليهم لعائن الله، ويتعاون معهم الاعلام التركي والقطري. وموظف الاستخبارات سعد بن عمر قلق من أزمة يتمنى ان يجنّب الله المهلكة وحكامها شرورها؛ وقال ان الأزمة تستدعي تنازلات، وينصح بالعودة الى الشعب، وإلغاء بعض القرارات.

عضوان الأحمري يؤكد ان بلاده لن تقبل الابتزاز والمساومة التركية، وأزعجه تصريح أردوغان بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي.

تفاصيل

الأسبوع الرابع:
الإعتراف الصدمة: قتلنا خاشقجي!

وأخيراً.. احتاجت الحكومة السعودية لكل وسائل الضغط السياسي والإعلامي في العالم لكي تعترف بمقتل جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، ولتقول بأنه قتل أثناء التفاوض معه للعودة الى بلاده، وان محمد بن سلمان والحكومة لم تعطِ أوامر بالقتل، فمات بعد ان صرخ وتمّ إخراسه خنقاً. كما قررت الإطاحة بنائب رئيس الاستخبارات احمد عسيري؛ وسعود القحطاني مستشار ابن سلمان في الديوان برتبة وزير، والذي يعرف بمسؤول الذباب الالكتروني، قبل ان يتبين لاحقاً بأنه كان الموجه المباشر لعملية القتل والتقطيع الإجرامية وتوجيه القتل بصورة حيّة ماذا يفعلون وتصويرها عبر سكايب!

وهنا.. أُسقط في يد إعلام السلطة، وكتابها، وذبابها الإلكتروني.

ما توقعوا ان آل سعود قد وصلوا الى هذا المستوى من الإجرام.

ولا توقعوا ان مخابراتهم بهذا المستوى من الإنحطاط الإنساني، والسذاجة في التخطيط والأداء.

ولا توقعوا ان سياسييها بهذا المستوى من الفجاجة والأميّة والنفاق والكذب.

الإعلامية السعودية في باريس إيمان الحمود، سخرت من قتل خاشقجي اثناء التفاوض، وقالت: (أرجو إيجاد صيغة أكثر إقناعاً، فلا أحد يصدّقنا). ولاحظت في التغطية الإعلامية للخبر، كيف ان صورة خاشقجي غطّت الواشنطن بوست لأنه كتبها فيها مدة سنة، في حين ان جريدة الوطن التي كان اول رئيس تحرير لها، لم تنشر حتى صورته، مع الاعتراف بقتله! زاعمة تطبيق عدالة سعودية لا أحد يصدّقها. وسألت (بدون زعل) ما اذا كانت الحكومة ستنشر صور المتهمين بالقتل، وعليها عبارات التخوين بخط عريض، كما فعلوا بالأمس مع الناشطات والناشطين؟

الكاتب رائد السمهوري سخر فقال: (إن أردتَ إقناع أحد بشيء، فأرسل إليه فريقاً للتفاوض). وابن عاتق يرى بان مقتل خاشقجي كان عرضاً لأزمة أدارها من لا يجيد حساب العواقب. جوهر الأزمة بنظره هو إدارة الملفات السياسية بعقلية أمنيّة مفرطة، ما حوّل حتى المؤيدين الى معارضين بالقسر، وأضاف: (من يدير الملف السياسي متخصص في فن صناعة الأعداء). وحذّر بن عاتق من خطورة الاستماع لصوت ورأي واحد والعيش بعقلية الإنكار. ما حدث من صدمة حين اعترفت الحكومة بقتل خاشقجي سببه ـ بنظره ـ تصديق المواطنين لرواية واحدة هي رواية الحكومة. وضرب بن عاتق مثالاً، بما قالته الرواية الرسمية من ان خطيبة خاشقجي صنيعة مخابرات للتغطية على أمور أكبر، وقد ظهر بطلان ذلك.

تفاصيل