أمير قطر الى واشنطن وسعود الفيصل الى موسكو!

السعوديون يبحثون عن تحالفات إستراتيجية لحماية نظامهم

المملكة المحاصرة بوجود أميركي في معظم دول الجوار، والمستهدفة بالضغط الخارجي من أجل فكّ أواصر الإستبداد المحلّي بحيث لا يفرّخ ما اعتبره الغربيون إرهاباً يتقصدهم بالأذى بفعل وجود الديكتاتوريات المحليّة. المملكة في هذا الظرف العصيب تحاول الخروج من مأزق الحليف والحامي والمعين الأميركي الذي تحوّل الى عدو شرس يطالب العائلة المالكة بالتغيير أو الرحيل. ورغم أن التغيير السلمي والهادئ قد تأخر أوانه فيما يبدو، ولم يقبل الأمراء ذلك التغيير الجزئي والبسيط، فإنه كان المخرج الوحيد للدولة والمجتمع من مأزقهما الداخلي والتهديد الخارجي.

المملكة اليوم تتحرك على أكثر من صعيد داخلي وخارجي لتخفيف الحصار من حولها، ليس من بين وسائلها أو أهدافها الإصلاح السياسي. فما عساها أن تصنع؟

على الصعيد المحلّي: فإن النظام عزّز تحالفه مع التيار السلفي، عكس ما يراه معظم المواطنون، وذلك لشدّ أزر العائلة المالكة قبال استحقاقات التغيير.. ولذا عزّز من سلطانهم ومنحهم سلطات واسعة في مجالات إعلامية وتوجيهية وسياسية مختلفة. واستدعى هذا مواجهة كل الأصوات اللبرالية التي تريد إصلاحاً يقلّص من حجم الصوت السلفي الذي لا يعبّر إلا عن رأي الأقلية.

على الصعيد الخارجي: بدأت المملكة بخسارة ما تبقى لها من رصيد بين جيرانها الخليجيات، وبين الدول العربية المجاور كالأردن ومصر وسوريا، وبدأ تأثيرها الإقليمي بالتهاوي.

ولكن المشكلة التي تواجه أمراء العائلة المالكة بصورة ملحّة هي كيفية تفادي الضغوط الأميركية التي بدأت بالتصاعد، وأمام هذه المشكلة تحاول المملكة أن توثّق علاقتها مع الدول المتضررة من احتلال العراق: إيران وسوريا على وجه التحديد، لتوحيد موقفها من الأزمة ومن الضغوط أولاً. ومن هنا جاء اجتماع الرياض الذي أعقب سقوط صدام، وشاركت فيه مصر وتركيا الى جانب الدول الثلاث، لتحقيق هذا الغرض. وفي إزاء ذلك، فالمملكة تبحث لها عن خيارات دولية أوسع توفر لها مظلّة حمائية بديلة.

ضمن هذا السياق يمكن قراءة زيارة سعود الفيصل الى موسكو في الثامن من مايو الماضي، وترتيب زيارة مقبلة لولي العهد الأمير عبد الله في الأسابيع القادمة. ومن المفارقات الجديرة بالملاحظة أن أمير قطر كان في واشنطن في وقت كان فيه الوفد السعودي في موسكو، ليظهر أن هناك خيارين بين دول الخليج مختلفين، فتلك الدول ـ عدا السعودية ـ لا تشعر بالتهديد الأميركي، ولا تراهن على تغييرات استراتيجية في علاقاتها الدولية، بل هي بصدد تعزيز علاقاتها مع واشنطن، ولا ترَ حرجاً أو خشية من التغيير المنتظر عند جارتها السعودية. وبالنسبة للكويت فاهتمامها منصبّ منذ عام 1990 على قيام نظام حكم معتدل وغير عدواني على حدودها العراقية، وهذا يمثل أولوية لها، وهي تنظر الى التغيير في العراق انتصاراً لها، وإزاحة حمل ثقيل عن كاهلها. فيما عدا ذلك، فإن أي تغييرات إقليمية لا يحمل همّاً كبيراً.

السعوديون هنا يختلفون عن جيرانهم الخليجيين، فالمملكة التي سقطت قيمتها من الحساب الأميركي، قد ينظر إلى ضعضعتها وإضعافها على أنه غير ضار على المستوى الخليجي، أو ربما محبّذ، حيث سينتعش دور دول الخليج السياسي في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من أوضاع داخلية وخارجية خانقة. والسعوديون يرون أن مكانتهم العربية والخليجية بغياب العامل الأميركي قد تضعضعت.. وهم الآن ـ ضمن قراءة التحرك السياسي السعودي الأخير باتجاه موسكو ـ قد يعيدون النظر في تحالفاتهم الإستراتيجية مع واشنطن.

فإذا ما قررت الأخيرة الإستغناء عن السعودية أو تغييرها قسرياً، فإن الأمراء لن ينتظروا أن يؤكلوا بدون محاولة تشييد تحالف جديد وسريع مع موسكو ـ عدوة الأمس ـ أو مع دول أوروبية. لكنهم فيما يبدو لا يعوّلون كثيراً على دور أوروبي مستقل، فقد هزمت إرادة أوروبا بسقوط صدام، وتألّقت بريطانيا مجدداً مقابل ألمانيا وفرنسا، وبهذا لن يوفر المزيد من التحالف مع أوروبا حماية حقيقية للعائلة المالكة يعوض فقدان الحليف الأميركي.

الصين هي الأخرى قد تصبح هدفاً سعودياً يخرجها من مأزقها الحالي، وقد نشهد تحوّلا درامياً في السياسة الخارجية السعودية في الأشهر القادمة. ولكن يبقى أن كل التحالفات الخارجية الإقليمية والدولية لا تكفِ لتوفير مظلّة حماية إذا ما قرر الوحش الأميركي إيذاء الأمراء السعوديين وتحطيم ملكهم.

من الغريب والمدهش حقاً، أن العائلة المالكة تجرّب كلّ شيء تقريباً.. إلا أمراً واحداً لم تجرّبه بعد، وليس في نيتها تجربته في المدى المنظور، وهو التحالف مع شعبها وإعادة صياغة علاقتها معه، وتحريك الساكن في الوضع السياسي والإجتماعي والثقافي.

ربما يعتقد الأمراء أن الخطأ يكمن في التحولات الإقليمية والدولية فحسب، وهم لا يشملون أنفسهم في قائمة الأخطاء والمخطئين. وبالتالي يراد إصلاح الآخر وليس إصلاح النفس والإعتراف بالخطأ. ومثل هذا السلوك يقرب المصيبة على السعودية كدولة والعائلة المالكة كنظام حكم بدل أن يبعدهما عن الخطر.

الصفحة السابقة