إنه وقت صناعة التاريخ

الهياج السعودي، واختيار الملك

كريستوف ويلكى

باحث في هيومن رايتس وتش

لن يحتاج الملك عبدالله أن يكسر حصالته ليحقق وعده بمنح 36 بليون دولار للمواطنين السعوديين. فوجود احتياطي من النقد الأجنبي يتجاوز 440 بليون دور، وأسعار النفط التي تتجاوز 100 دولار للبرميل، تجعل يوم الاحتياج بعيدا.

كريستوف ويلكى

لكن من غير المرجح أن الحزم النقدية سترضي مطالب السعوديين. الملك يحتاج أن ينفق من رأس المال السياسي.أصبح الشباب السعودي محتشدا سياسيا ويطالبون بتغييرات لحكم أسرة آل سعود المطلق والذي عفا عليه الزمن. ويريدون أن يكون لهم قول في شئون بلادهم الخارجية.

علق الكثير من السعوديين الأمل على عبدالله حين تولى العرش في 2005.الملك الجديد كسر المحرمات بتعزيز دور المرأة، وإعلانه بشكل علني احترام الأديان الأخرى.ودعم أيضا تعبيرا أكثر حرية وقضاء أكثر عدلا. لكن بالنسبة للسعوديين العاديين، ظلت التغييرات الملموسة بعيدة المنال، والاضطهاد اليومي للبيروقراطية التافهة وغير الخاضعة للمساءلة، والحكام غير القابلين للمس والسياسات القمعية تحولت لإنتاج نوع من القيود المدعومة، خاصة للشباب السعودي (حوالي 40% منهم عاطلون عن العمل).

في يناير/كانون الثاني 2011، مات على الأقل عشرة أشخاص في فيضانات بجدة،والتي وجه لها الكثيرون اللوم بسبب البنية التحتية سيئة التخطيط. المشاهد الدرامية للإنقاذ بالهليكوبتر ذكرت السعوديين بفيضانات مماثلة هناك في نوفمبر/تشرين الثاني والتي قتلت ما يزيد على 120 شخصا. وقتها، طالب الملك بالمساءلة. وبعد عام، لم تعد المساءلة تلك الكلمة الطنانة.

ضد جدار الصمت

منصات التعبئة في السعودية عام 2011، كما في أماكن أخرى في العالم العربي، فيسبوك وتويتر. خلال غياب الملك مدة ثلاثة شهور مؤخرا للعلاج، أصيبت الحكومة بالشلل حيث تبعت الجماهير المسحورة الانتفاضات الشعبية التي تكشفت في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا. حتى خالد التويجري رئيس الديوان الملكي، قام بفتح صفحة على الفيسبوك ليسمح للمواطنين بعرض وجهات نظرهم (سرعان ما تم تجاوز الاشتراك بها) أنشأ الشباب السعودي صفحات خاصة بهم على الفيسبوك تحت شعار (الشعب يريد إصلاح النظام).

المطالب تظل، في الوقت الراهن، مقتصرة على شاشات الكمبيوتر، وحتى الآن لم تنبعث من شوارع مدن السعودية رائحة المطاط المحترق، وقد تم تجنيب الناس حصاة في رأسه أو ضربة من هراوة شرطي.

تمنع السعودية المظاهرات العامة.لا يوجد أحزاب سياسية. الملك يصنع القانون السعودي و يفرضه وله يد في تعيين القضاة. ومن المقرر أن التسجيل للمرشحين لخوض الانتخابات البلدية في إبريل/نيسان 2011، لكن من المحتمل ألا تشارك فيها النساء.

هناك رقابة صارمة على المطبوعات والتلفزيون المحلي؛ وزير الإعلام (أيضا على الفيسبوك) أعلن موافقته على محتوى رؤساء التحرير والرقباء. اللائحة التنفيذية لأول يناير 2011 تسعى للتضيق على وسائل الإعلام على الإنترنت، وحتى المبادرة الملكية على الفيسبوك كانت السلطات تغلق مواقع حقوق الإنسان بشكل متكرر (والمواقع الخطيرة الأخرى) على الفيسبوك وفي أي مكان آخر.

يظل الكلام بشكل علني مخاطرة بالنسبة للسعوديين. في 16 فبراير، مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمثقفين والذين أعلنوا نيتهم لتكوين حزب سياسي، الحزب الإسلامي الوطني، تم القبض عليهم من قبل المخابرات الداخلية. على نطاق أوسع، يبدو أن المسؤولين يحسبون أن بإمكانهم إعادة جني مطالب المشاركات الشعبية داخل الزجاجة بإمطار المواطنين بالنقود، وتخفيف القيود قليلا على بعض التعبيرات المعتدلة، بينما تضيق الخناق على هذه المظاهر من المعارضة المنسقة.

الإفراج عن بعض المساجين السياسيين جزء من هذا المزيج؛ من بينهم الأستاذ الجامعي فهد العبدالكريم والذي تجرأ على أن يفكر على صفحته على الفيسبوك حول مستقبل المملكة بدون الأسرة الحاكمة. لكن رد الفعل المتسق للأسرة الحاكة قمعي. في 2004، اعتقلت عناصر المخابرات منظمي الالتماسات المطالبة بملكية دستورية، تعليم أفضل وإنهاء الفساد. في 2007، قاموا باعتقال ناشطين يخططون لتشكيل مجموعات سياسية - والتي لا يزال أعضاؤها في السجن. في يونيو 2010، كان لدى الحاكم المحلي داعية حقوق إنسان مزعج،شيخ مخلف الشمري، وتم اعتقاله واتهامه (بإزعاج الآخرين) الآن يواجه تهم متعلقة بالإرهاب حول مقالات ينتقد فيها رجال الدين المتطرفين.

لكن وسط هذا النمط من التضييق، حدث شىء جديد: كسرت السعودية حائط الصمت والخوف. عقلانية مطالبهم انعكست في رسالة على الفيسبوك موجهة للملك في 23 فبراير: مراجعة للقوانين الأساسية، وبرلمان منتخب، ومحكمة دستورية، وحماية لحقوق الإنسان، وتعزيز لوضع المرأة.

الملك عبدالله في الثامنة السبعين، ولي العهد سلطان أصغر سنة بالكاد ونائب رئيس الوزراء الأمير نايف (الثالث في الترتيب) في أواخر السبعينات. الملك يفقد الوقت : كلا من حسابه الخاص، ومن نموذج حكومته التي عفا عليها الزمن.السعوديون يعرفون ذلك، حين ينظرون حولهم في المنطقة ليكتشفوا أن قيادتهم التي لا تستجيب تصبح الاستثناء وليس القاعدة.

إنه وقت صناعة التاريخ، والملك عبدالله لا يزال يحوز احترام شعبه ليفعل ذلك. لكنه يحتاج ليكشر حصالة رأس المال السياسي ليحول السعودية إلى دولة حيث يسيطر الحكام عن رضا وحيث المواطنون - رجال ونساء على السواء - أحرار في التعبير عن أنفسهم والمشاركة في تشكيل السياسة.

الصفحة السابقة