العودة والقرني

الشهرة في التماهي مع الطغاة

حظي الطغاة بمدح فرسان الصحوة مثل الشيخين سلمان العودة وعايض القرني
ولم يكن أي منهما مضطراً، ما لم تكن لهما مآرب أخرى خاصة

عمر المالكي

لم تكن زيارة الشيخ سلمان العودة والشيخ عايض القرني إلى ليبيا العام الماضي وبصورة متعاقبة زيارة عادية، أو حتى تأتي في سياق النشاط الدعوي، كما هي عادة مثل هؤلاء المشايخ الذين يجوبون العالم من أجل الدعوة والسياحة معاً. فالعودة والقرني مغرمان بهذا النوع من النشاط، خصوصاً بعد تطليقهما الصحوة في شكلها الإحتجاجي، والتماهي مع صحوة مهادنة، وادعة، متصالحة مع الأنظمة السياسية، على اختلاف أشكالها بما فيها الأشد دمويّة، مثل النظامين التونسي والليبي.

عائض القرني
سلمان العودة

على أية حال، زيارة العودة والقرني إلى ليبيا كانت بدعوة رسمية، فالعودة تلقى دعوة من سيف الإسلام القذافي، الرجل الثاني في ليبيا، كما كشفت عنه ثورة 17 شباط (فبراير)، حيث ظهر هذا الرجل الذي لا يمسك، ظاهراً، بمنصب رسمي ويكتفي بمسمى رئيس مؤسسة القذافي للجمعيات الخيرية بأنه يملك سلطة تكاد تأتي في مرتبة موازية لسلطة والده، كما جاء في عرضه الذي قدّمه في خطابه الشهير المتلفز بعد أن دخلت الثورة منعطفاً يقترب من النصر المؤزّر. أما القرني فكانت دعوته من عائشة إبنه القذافي، وهي الأخرى ترأس جميعة خيرية بإسم (واعتصموا)، ولكن تبيّن لاحقاً بأن هذه المرأة نافذة في شؤون الحكم الليبي.

إنّ أول ما يتبادر للذهن في رد العودة والقرني على سؤال حول تلبية دعوة سيف الإسلام وإخته عائشة، أن مبلغ علمهما حول عائلة القذافي لا يتجاوز ما تعارف الناس عليه من أن عدداً من أفرادها يدير نشاطات خيرية في ليبيا وحول العالم. حسناً، هذا جواب وجيه في حال كانت هذه المعرفة العابرة مقتصرة على سيف الاسلام القذافي وإخته عائشة، فماذا عن تونس والجزائر وغيرهما فضلاً عن أمراء آل سعود الذين حظوا بإطراء العودة والقرني. وماقيمة عالم الدين الذي يزعم بأنه يمسك بجوهر العلوم وأكرمها، وحتى أرذلها أيضاً، وهو لا يستطيع أن يقرأ واقع الحال في بلدان معروفة بأنها محكومة بأنظمة قمعية وخصوصاً تونس وليبيا. ومن عجائب ما تقرأ أحياناً في مقالات الشيخ العودة بأنه تنبأ بوقوع ثورات شعبية في هذه البلدان، فإذا كان الأمر كذلك، هل كان قدومه الى هذه البلدان بدعوة من طغاتها إصراراً على التماهي مع الطغاة؟ لأن التنبوء بوقوع ثورة ما لابد أن يستند على قراءة دقيقة لشروط الثورة وعوامل اندلاعها، كوجود طغيان وظلم شديدين إستدعيا بزوغ حركة إحتجاجية شعبية ضد الطغاة.

حسناً أيضاً، هل هو نشر الدعوة ما يدفع إلى جردة حسابات مختلفة، وأنّ تقدّم الدعوة إلى ماسواها مبنيٌ على قاعدة: جلب المصلحة مقدّمة على درء المفسدة؟ وهل النتيجة الآن تحققت في ضوء هذا المنطلق، أم أن العار لحق بصاحبه، وكأن الثورة الشعبية في تونس وليبيا هي جواب واضح بأن العودة والقرني أخطئا القصد والمقصد، وأنهما شاركا في ظلم تحت عنوان الصلح وجلب الخير. فلم يكن الإطراء المقيت لنظام بن علي المخلوع مبرّراً، لأن العالم بزمانه لا تهجم عليه العواصف، ولا المدح المثير للشفقة والمتلفز لسيف الإسلام بن علي كفيلاً بأن يمسح الوصمة، فقد حظي الطغاة بمدح دعاة لم يكن أي منهما مضطراً له، مالم تكن لهما مآرب أخرى، وفي الغالب خاصة.

في الأول من تموز (يوليو) 2010 وصل الشيخ سلمان العودة إلى ليبيا، والتقى سيف الإسلام القذافي، رئيس مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية، وذلك تلبية للدعوة التي وجهّها له الأخير. الهدف من الزيارة كما هو معلن هو (تعزيز مشروع المصالحة الوطنية بين الجماعة المقاتلة والدولة). العودة رأس ندوة في مسجد (جمعية الدعوة الاسلامية) حول كتاب الدراسات التصحيحية شاركت فيها قيادات الجماعة المقاتلة مثل عبد الحكيم بالحاج وسامي الساعدي. من جهة ثانية، شارك العودة في جولة دعوية واسعة النطاق في أرجاء ليبيا، وكأن إبن القذافي أراد منه جمع ما نشره من أفكار وسط الشباب الليبي في الخروج ضد الدولة، فكان يلتقي مجاميع شبابية في طرابلس وبنغازي والبيضاء، كيما يعود بتلك الأفكار الى منبعها في السعودية.

وقد ظهر في اللقاء بأن العودة كان داعماً رئيسياً لمشروع المصالحة بين الجماعة المقاتلة والسلطات الليبية بقيادة سيف الإسلام القذافي. ولم يكشف الأخير عن المكافأة التي حصل عليها العودة من الوساطة، على غرار وساطة الأمير بندر بن سلطان في ملف لوكربي والتي حصد من الجانب الليبي نحو مليار دولار، وقد ألمح معمر القذافي إلى ثمن الوساطة، كيما يقطع الطريق على الأمير بندر بأنه قام بذلك تطوّعاً. وسنأتي على ما قاله سيف الإسلام لـ (العربية) حول العودة والمشايخ عموماً الذين يأتون لزيارة ليبيا.

على نفس المنوال، جاءت زيارة الشيخ عايض القرني الى ليبيا والتي جاءت عقب زيارة العودة، حيث بدأت الزيارة في 16 رمضان سنة 1431هـ الموافق 26 أغسطس 2010، وهي الأول من نوعها بدعوة من جميعة (واعتصموا) للأعمال الخيرية والتي ترعاها عائشة إبنة معمر القذافي، والهدف من الزيارة هو (دعم مشروع الحوار بين السلطات والجماعة الإسلامية المقاتلة).

أما لماذا اختيار العودة والقرني للدخول على خط الوساطة بين الجماعة الإسلامية المقاتلة والسلطات الليبية. هذا يستدعي تعريفاً مقتضباً بالجماعة التي كان عناصرها ينضوون تحت (الجمعية الليبية المقاتلة) والتي تأسست سنة 1990 بعد عودة الأفغان الليبيين. إلتزمت الجماعة السريّة المطلقة في نشاطها داخل ليبيا بسبب هيمنة الجهاز الأمني وسطوته، واكتشفت الحكومة الليبية تحرّكاتهم في 1995، ودخلت الأجهزة الأمنية الليبية في مواجهة مع الجماعة دامت حتى عام 1999، وكان أبرز قيادات الجماعة أبو صهيب الليبي. وبحسب مؤلّف كتاب (القاعدة وأخواتها) كميل الطويل، فإن الجماعة لم تكن على الأرجح مرتبطة بتنظيم القاعدة إرتباطاً تنظيمياً. ولكن سيف الإسلام القذافي أعلن عن أن (الاسلاميين المعتقلين في السجون الليبية والمقربين من تنظيم القاعدة قطعوا أي صلة لهم بالتنظيم الذي يتزعمه اسامة بن لادن)، وهو ما سهّل إجراء حوارات مع قياداتهم في السجن منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، تحت رعاية سيف الإسلام القذافي، ونتج عن هذه الحوارات مراجعة فكر المجموعة بخصوص حمل السلاح ضد الدولة، والإقرار بحرمة الخروج على الحاكم، وعدم تكفير المجتمع. وقد أطلق سراح الغالبية العظمى من قيادات هذه الجماعة، وتمّ فتح حوار مع المعارضة الإسلامية في الخارج للعودة تدريجاً إلى أرض الوطن، وتمّ الإفراج عن 200 من أصل 400 معتقلاً على ثلاث دفعات، وكان آخرها الإفراج عن 120 عنصراً من الجماعة في 15 شباط (فبراير) الماضي.

وبحسب الباحثين في شأن تنظيمات السلفية الجهادية في المغرب العربي وشمال أفريقيا أن تيار الإسلام السياسي السلفي في ليبيا يعدُّ الحلقة الأضعف في منطقة المغرب العربي، ويرجعون ذلك إلى مقاربتين في تعامل السلطة مع هذا التيار: المقاربة الأمنية، بتوجيه ضربة موجعة إلى قيادات وقواعد هذه الجماعة، والمقاربة السياسية من خلال تضييق الخناق على الجماعة، والإفساح في المجال أمام التيار الديني المعتدل والوسطي، وهو ما أثمر في نهاية المطاف في اعتناق رموز التيار السلفي المفرج عنهم أو العائدين الى ليبيا من الخارج خيار النأي عن العمل السياسي، والإنصراف نحو النشاط الدعوي المحض.

وكما هو واضح، فإن الجماعة الإسلامية المقاتلة لها جذور سلفية وهابية، وكان العودة والقرني من الذين استلهمت الجماعة منهم أفكاراً في الجهاد والخروج على الدولة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وفيما تراجع العودة والقرني عن أفكارهما في الجهاد والخروج على الدولة وتكفير المجتمع، وتماهيا مع الدولة بكل أشكالها (بما فيها الظالمة والمستبدة)، فإن الجماعة بقيت أمينة على أفكار العودة، الأمر الذي تطلّب دعوته لإقناع الجماعة بأنه بالفعل قد تراجع عن أفكاره السابقة، أو بالأحرى عطّل مفاعيلها إلى حين، بحسب أحد المقرّبين به الذي نقل عن العودة بأنه لم يتخلَ عن ماقاله سابقاً وهي مازالت صالحة ولكن الظروف لا تسمح بالبوح بها أو تسييلها في الميدان.

هناك من يشير الى أن العودة والقرني يجدان في ليبيا مكاناً مناسباً لإعادة تأهيل السلفية الوهابية وتعميمها بسبب تقاسم ليبيا ووسط الجزيرة العربية في كونهما حاضنين طبيعيين للأفكار المتشدّدة والإقتلاعية.

العودة وسيف الإسلام

العودة في ضيافة سيف الإسلام القذافي

تحت عنوان (سلمان العودة يمتدح صديقه سيف الإسلام القذافي) ثبِّت مقطعٌ على (يوتيوب) من مقابلة مع الشيخ سلمان العودة على قناة (دليل) التي يشرف عليها، إشتمل على اطراء لافت لسيف الإسلام القذافي الذي يدير الآن معارك دموية ضد الثوّار في ليبيا. تحدّث العودة عن زيارته إلى ليبيا، وفي السياق أشاد بصديقه سيف الإسلام بما نصّه:

(أول يوم كان هناك ارتياح، ولكن في المساء كان هناك لقاء مع الدكتور أو المهندس سيف الإسلام إبن معمر القذافي وهذا الرجل وإن كان ليس له منصب رسمي إلا أن له منصب أدبي كبير، وهناك توافق عليه جيد من كافة الأطياف والطوائف وهناك بصمات حقيقة تُحمَد له ويُشكَر عليها فيما يتعلق بتصحيح أوضاع الكثير من الليبيين، عودة الذين في الخارج وهذه بدأت بشكل قوي وآخرون يحتاجون الى وقت حتى يستوعبوا فعلاً أن هناك مرحلة جديد تتشكل وتتكون، خروج الناس الذين في السجن، بدايات بصمات جميلة في موضوع التنمية، في روح استيعابية جميلة وكان اللقاء في الحقيقة مشحون بأسئلة فقهية وشرعية وتاريخية الخ).

لم يكن العودة يتخيّل في لحظة ما أن هذا الرجل الذي أشبعه مدحاً وإطراءً مبالغاً سيظهر على الشاشات ليعلن عن حرب أهلية دموية ضد الثوّار، الذي وصفهم بأنهم من مدمني حبوب الهلوسة والمخدرات، هل وقع العودة تحت وطأة خديعة؟ ربما، ولكن كم يحتاج المرء من الخدع حتى يكون محصّناً أمام هذا النوع من الإقترافات الخطيرة، خصوصاً وأن الدرسين التونسي والليبي كانا واضحين في كون من يحكم تونس وليبيا طغاة عتاة لا يتيه المرء عنهما حتى وإن تلطَّيا وراء دعوات التسامح والاعتدال..

على أية حال، فإن المقطع الذي ثبّت على الـ (يوتيوب) للشيخ العودة وهو يمتدح إبن القذافي قد أثار حفيظة كثير من المواطنين الذين شنّوا هجوماً على العودة، حيث اعتبروا ذلك من باب التزلّف لسيف الإسلام، حسب صحيفة (المصدر) الإلكترونية التي نقلت عن معلّقين على مقطع الفيديو ونشرته على موقعها في 23 شباط (فبراير) الماضي. وذكرت الصحيفة بأن الإنتقادات جاءت بعد أن كشف تهديد سيف الإسلام الشعب الليبي (بسيل من الدماء والدمار والتقتيل، اذا لم يعودوا عن ثورتهم على ديكتاتورية النظام). تضيف الصحيفة في سياق نقد موقف العودة أن (الأحداث كشفت عن فضاعات هائلة أصيب بها الشعب الليبي من قتل وقصف وحرق من قبل النظام الليبي، وهو ما جعل سيف الاسلام القذافي في موقف سيء بعد قيامه بالدفاع عن نظام والده الدموي وهدد الشعب الليبي بالقتل والدمار).

القرني على الأثر

الشيخ عايض القرني الذي لم يركن قصيّاً عن موقف زميله الصحوي العودة، جاء في كلمته (إنني أتيت إلى هذا البلد المعطاء الكبير، بلد المليون حافظ لكتاب الله وقد أسعدت تمام السعادة وانشرح صدري لما رأيت من اهتمام بهذا الكتاب العظيم وإقبال الشعب الليبي المسلم الصادق على ميراث النبوة والوحي الكريم وأشكر أهل الفضل وعلى رأسهم الدكتورة عائشة معمر القذافي على ما تبنته من هذا المشروع العظيم واسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى ولا أنسى أخي الأستاذ احمد كجمان والقائمين على هذا المشروع وهذه الجائزة).

وقد شارك القرني، كما العودة، في تعزيز المصالحة بين الجماعة الإسلامية السلفية المقاتلة ونظام القذافي، ونقل تجربة المناصحة التي كان العودة والقرني من فرسانها وأقطابها، حيث جال القرني على السجون الليبية التي يتواجد فيها عناصر سلفية من الجماعة الليبية المقاتلة، فأبلغهم حينذاك بحرمة الخروج على الدولة، وعدم جواز رفع السلاح في وجه الحاكم، وعدم تكفير المجتمع، ولا ندري أين ستصرف مثل تلك الأفكار بعد أن أقام النظام القمعي الدموي في ليبيا حمامات الدم في كل أرجاء لبيبيا.

ونقل في التقرير عن زيارته بأنه حاضر في أحد سجون بنغازي الذي يُحتجَز فيه عددٌ كبيرٌ من الجماعة الليبية المسلحة والتي ترفض مشروع الحوار والمصالحة الذي يقوده سيف الإسلام القذافي .يقول القرني: (حاورت أكثر من 400 سجين في بنغازي لمدة ساعتين، وكان الحوار مفيداً)، وأشار إلى أنهم (طلبوا شفاعتي لدى السلطات الليبية، ووعدتهم بذلك).

وفيما تسرّب من معلومات لاحقة أن زيارة العودة والقرني جاءت عقب تعثّر الحوار والمصالحة بين النظام الليبي والجماعة الإسلامية المقاتلة، الأمر الذي استدعى تدخّلٍ من قبل صنّاع الفكر الصحوي الذين هم على استعداد لتلبية مثل هذه الدعوات، وقد قام الرجلان بجولات متعاقبة على شمال أفريقيا يشرحون فيها السلفية المعتدلة بدلاً من السلفية الجهادية. وكما تكشف كلمات القرني والعودة فإن لهم حظوة لدى النظام الليبي، وهو ما ظهر في كلمات القرني سالفة الذكر، كما ظهر في تطورات لاحقة، حيث لجأ أبناء القذافي إليهما من أجل التدخّل لمنع سقوط النظام في طرابلس.

يقول القرني بأنه تلقى اتصالاً هاتفياً من الساعدي القذافي في ليبيا، وطلب منه إدانة التظاهرات والإحتجاجات التي تشهدها ليبيا الآن ضد نظام والده. ويضيف القرني بأن الساعدي قال له في المكالمة (إنكم يا شيخ زرتم ليبيا العام الماضي، نريد منكم كلمة عن الأحداث). وعلّق على كلام الساعدي بالقول (وجدتُ من كلامه الظاهر أنه يريد مني إدانة التظاهرات والاحتجاجات على منهج والده؛ فقلت للساعدي بالحرف الواحد: اتقو الله في دماء الليبيين.. إرفعوا السلاح عن الشعب الليبي المسلم.. أنتم قتلتم الآمنين.. ارفعوا المظالم عن الشعب الليبي). ومع التحفّظ على كلام القرني، إذ ليس هناك مصدر محايد لتأكيد ما قاله للساعدي، إلا أن القرني بدا كما لو أنه يريد قطع الصلة بتجربة الوساطة التي قام بها بطلب من أبناء القذافي، ما دفعه للمبالغة في الموقف من النظام الليبي، كقوله (قلت له: لقد قالها قبلكم إبن علي في تونس، ومبارك في مصر، فما نفعهم هذا الكلام. وأكّدت له أن هذا الكلام لا ينطلي على أحد يا الساعدي، يجب أن تخرجوا عن الاتهامات، أنتم تقتلون الشعب أمام العالم الآن).

ولكن ما يلفت حقاً، ولربما يثير الدهشة أن القرني أعاد اكتشاف ليبيا بعد اندلاع الثورة فيها، خصوصاً حين يقارن المديح الذي كاله لليبيا التي وصفها بـ (البلد المعطاء) ولإبنة القذافي وما قاله لاحقاً (قلت له: من المفارقات أنني زرت ليبيا العام الماضي في رمضان، وظننت أن ليبيا التي تسبح على بحر من النفط والغاز دولة متقدمة، وبنيتها التحتية متطورة، والناس أغنياء، ولكنني للأسف وجدت الفقر، وجدت البنية التحتية المهدمة، ووجدت الحاجة عند الناس).

يمضي القرني في نقده للنظام الليبي بالقول (إن هذه الادّعاءات التي يقوم بها الطغاة، واتّهام شعوبهم إذا احتجوا عليهم أو طالبوا بإعادة حقوقهم بأنهم مندّسون، وأنّهم عملاء وخونة، أصبحت لا تنطلي على الشعوب، ولا يصدّقها أحد). حسناً، أليس هو النظام نفسه الذي أراد القرني التشفّع لإطلاق سراح المعتقلين، فكيف أصبح بعد الثورة الشعبية طاغية، فهل أصبح كذلك خلال نصف عام مثلاً؟

يعلّق أحدهم بالقول: لا أدري ما إذان كان القرني يخدع نفسه أم يحاول خداعنا؟ يقول، إنه عندما زار ليبيا في العام الماضي كان يظن أن الناس أغنياء ولكن وجد الفقر والبنية التحتية مهدمه ووجد الحاجة عن الناس. طيب، لماذا لم تقل ذلك في وقتها؟ لنقل أنّك كنت خائفاً. لماذا إذن مدحت إبنة القذافي؟ ولماذا تتبجح بأن المتشددين طلبوا منك أن تشفع لهم عند حكومة ليبيا؟!

عايض القرني يعرف جيداً ماهي تهمه هؤلاء المساجين في سجون القذافي، فهم ليسوا أصحاب سوابق أو تجار مخدرات، إنهم متشددون، لا أدري ما إذا كان عايض القرني يدرك بأن من أنصار ثورة شعب ليبيا هم أنفسهم المتشددون الذين زارهم وحاولوا التهجم عليه، ويتبجَّح إنهم طلبوا منه أن يشفع لهم عند حكومة ليبيا.

السؤال هنا ولا يجيب عنه الا عايض القرني نفسه: هل سيكرر زيارته الى ليبيا بعد نجاح الثورة ويلتقي بالمتشددين الذين هم الآن خارج السجن؟؟

ونختم هنا بما قاله سيف الإسلام عن المشايخ الذين يأتون إلى ليبيا، حيث قال في مقابلة خاصة مع قناة العربية في 27 شباط (فبراير) الماضي ما نصّه: (إن هناك دعاة ومشايخ كانوا يأتون إلى ليبيا، وينافقونهم، ويتملقون إليهم، ويأكلون ويشربون عندهم، ويلعقون أحذيتهم، أصبحوا اليوم ضدهم ويقومون بالتحريض عليهم عبر المنابر ووسائل الإعلام). وقد فهم كثيرون من هذا الكلام بأن العودة والقرني كانا من بين من أشار إليهم سيف الإسلام.

لفتة أخيرة في ردود فعل القرني، أن سيف الإسلام تحوّل الى (زيف الإسلام) كما يحلو للقرني أن يطلق عليه، ولو مازال سيف الإسلام على حاله قبل ثورة 17 شباط (فبراير) في ليبيا، لبقى هو المثقف، والحكيم، وصاحب الأيادي البيضاء..قاتل الله النفاق والتقلّب من حال إلى حال، ولكن هذا حال من ينغمس في مستنقع السلطان فإنه لا يخرج منه إلا ملطّخاً.

الصفحة السابقة