شبهة العمالة والفتنة

الــوهــابـيــة فـي مــصــــر

سعد الشريف

منذ تولّيه سدّة الرئاسة في العام 1970 أطلق الرئيس المصري الأسبق أنور السادات العنان لبعض الجماعات الدينية لمواجهة التيارات القومية واليسارية التي نشأت في ظل الحركة الناصرية، وكان ذلك إيذاناً بتقويض الأخيرة باعتبارها منافساً ومصدر تهديد لحكمه، لأنها الشريك الطبيعي والشرعي في الثورة الناصرية. أفادت الوهابية من قرار السادات، وبدأت الحكومة السعودية تموّل وتشجّع عدداً من الشخصيات المغمورة في الغالب على تنشئة تيار سلفي داخل مصر، ودفعت به لخوض معارك أيديولوجية ذات طابع طائفي أحياناً عديدة، وساعد ذلك أجواء الحرب العراقية ـ الإيرانية خلال السنوات من 1980 ـ 1988، وإطلاق النظام السعودي لحملة طائفية عبر نشر كتابات سجالية وإحياء ما اندثر من خلافات بين المسلمين الغابرين، من أجل إرساء وجود التيار السلفي. وكما الوهابية التي لم تنشأ إلا على قاعدة خصامية وعدوانية مع الآخر القريب والبعيد، فإن التيار السلفي الوهابي في مصر بدا وكأنه منصرف عن السياسة، ومنشغل بالنشاط الدعوي الصرف، ولكن هذه المواربة لم تكن تنطلي على الشعب المصري الذي اكتشف سريعاً أن التيار السلفي الوهابي في مصر هو مرتبط حميمياً بالنظام المصري، بل تحوّل بعضهم إلى عيون أمن الدولة وسط التيار الاسلامي العام، وكان بعضهم يرصد نشاطات الشخصيات القيادية في الجماعات الإسلامية الكبرى مثل الإخوان المسلمين. نلفت هنا إلى أن العناصر القاعدية المصرية تنتمي إيديولوجياً وحركياَ للتيار السلفي الوهابي الذي نشأ في مصر في مطلع الثمانينات.

أخذت السلفية الوهابية شكلها التنظيمي من خلال جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر (تأسست عام 1926) بمدينة القاهرة، على يد الشيخ محمد حامد الفقي ومشاركة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا وصالح الشريف وآخرين، في رد فعل، حسب الأدبيات الوهابية، على انتشار الشركيات والبدع في مصر، وكذلك تسلّط التصوف والصوفية على المناحي الفكرية والمؤسسات الدينية.

وسافر الشيخ الفقي الى الحجاز لمدة ثلاث سنوات تشرّب خلالها التعاليم الوهابية وحظي بدعم آل سعود، وبعد عودته الى مصر دب النشاط في الجماعة بعد انحسار نشاطها الدعوي. وكان لافتاً أن الفقي تلقى أموالاً طائلة من آل سعود، كما ظهر في الزيادة السريعة والملحوظة لأعداد فروع الجماعة في القاهرة والجيزة والاسكندرية ومحافظات أخرى، فيما تزايد أعداد الأتباع الذين بلغوا الآلاف. كما أنشأ الفقي مطبعة بإسم الجماعة، لنشر كتب إبن تيمية وابن القيم.

توفي الفقي سنة 1959، وتعاقب على رئاسة الجمعية علماء آخرون مثل الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وهو أحد علماء أول هيئة لكبار العلماء بالجماعة. وقد طلب منه مفتي آل سعود الشيخ محمد بن ابراهيم بالسفر الى السعودية للتدريس بدار التوحيد بالطائف، وفي عام 1950 نقل للتدريس بالمعاهد العلمية وكلية الشريعة بالرياض. وتدرّج عفيفي في المناصب الدينية حتى أصبح نائباً لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضواً في مجلس هيئة كبار العلماء الذي شغله حتى وفاته في أغسطس 1994. وقد تولى عفيفي رئاسة الجماعة في 27 أغسطس 1959، فيما كان محمد خليل الهراس نائباً له.

وكان أيضاً من بين رؤوساء الجماعة الشيخ عبد الرحمن الوكيل، وقد انتدب للعمل بالمعهد العلمي بالرياض بصحبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا، أحد المؤسسين الأوائل للجماعة سنة 1952.

ومن علماء الجماعة الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي، مؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، والشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، والشيخ محمد عبد الوهاب البنا المدرس بالحرم المكي.

وقد أوكلت السعودية للجماعة الإضطلاع بمهمة نشر العقيدة الوهابية في أرجاء القارة الأفريقية فأسّست لها فروعاً في السودان وإريتريا وليبيريا وتشاد وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وبعض الدول الأفريقية، وكذلك بعض الدول الآسيوية مثل: تايلاند وسيرلانكا، وفي كل دولة تقريباً يوجد للجماعة مركز تتبعه فروع موزعة على المناطق والأقاليم، إلا أنه لكل جماعة قيادة مستقلة في كل دولة مع أنه يجمعهم جميعاً منهج واحد.

وهدف الجماعة، هو هدف الوهابية المعلن والثابت في المراجع العقدية الخاصة بها هو (العمل على توحيد المسلمين تحت عقيدة واحدة ومنهج تشريعي واحد على أساس من المنهج السلفي ـ لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). أي بكلمات أخرى (توهيب) الأمة، واعتبار أن كل من هو خارج العقيدة الوهابية ليس بمسلم. وكل الاشتقاقات اللاحقة إنما هي فروع على هذا الأصل مثل (الدعوة إلى تجديد الدين على هدي السلف وأئمة السنة، والإجتهاد لمعرفة حكم الله في النوازل والمستجدات حسب الضوابط الشرعية. وإتباع السياسة الحكيمة دون استعجال أو صدام لإقامة شرع الله تعالى في الأرض).

الغريب أن الجماعة وهي تنفي مشتركات النظام السياسي الإسلامي مع الأنظمة الاخرى الديمقراطية والاشتراكية والعلمانية والخ، فإنها لا تحدد شكل الحكم الاسلامي اللهم إلا أن يكون خلافة إسلامية، ولكن دون تحديد آلية تطبيقها، أي آلية تداول السلطة، هل هو بالانتخابات، أو القهر، فذلك لا تفصيل فيه. بل جاء في توصيات مؤتمر الخرطوم عام 1989 الذي عقدته الجماعة بأن (الديمقراطية نظام كافر لأنها تعطي الإنسان حق التشريع..)، ويقبل المشاركة في الانتخابات فقط من باب مزاحمة (أهل الديمقراطية لتقليل شرّهم)، وتنفي شرعية أي حزب سوى الجماعة، وقد جاء في أصول الدعوة (ترى الجماعة شرعية العمل الجماعي ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة، وتقر التنظيم بالضوابط الشرعية).

وتثبّت الجماعة أصولها الفكرية ومرجعيتها على النحو التالي: مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة في الجزيرة العربية والشوكاني والصنعاني والألباني وغيرهم من علماء الدعوة السلفية. نلفت هنا الى أن مشايخ الجماعة لم يصنّفوا كتباً، ولكنهم اضطلعوا بمهمة تأسيس المعاهد والجامعات الشرعية ووضع المناهج في المملكة، ويعلّق الوهابيون بأن ذلك (أثار أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضدهم وتسميتهم بالوهابية).

ولذلك، فإن الجماعة ترى بأن إقامة الدولة الإسلامية (التمكين) لا يتحقق إلا بنشر التوحيد الخالص؛ فهو شرط لتحقيق وعد الله بالنصر وعودة الخلافة، وترفض بشدة العمل المسلح ضد الحكومات، وتعتبره خروجا لا ينتج عنه إلا اتساع دائرة الفتن.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة المصرية قررت إدماج (جماعة أنصار السنة) في (الجمعية الشرعية)، بهدف تحجيم نشاطها السياسي والدعوي بعد أن بدت كما لو أنها تهدف إلى إحداث انقسامات داخلية والتموضع في الساحة على أساس هذا الإنقسام. واستمر الإلتحام بين الجماعة والجمعية حتى عام 1972، ولكن مع وصول الشيخ رشاد الشافعي أعلن عن الجماعة مرة أخرى باعتبارها كياناً مستقلاً، وساعد على ذلك قرار الرئيس المصري السابق أنور السادات بتشجيع الجماعات الإسلامية على الانتشار في مواجهة الأحزاب السياسية والتيارات الناصرية والقومية.

بخصوص الجمعية الشرعية، فقد تأسست على يد الشيخ محمود خطاب السبكي سنة 1912، تحت إسم (الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية)، وكان الهدف الأساسي للجمعية هو الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الالتزام بالسنة ومحاربة البدعة. وأسست لها مئات الفروع في مختلف أنحاء مصر، وحظيت بدعم واسع من السعودية، فكانت تسعى من خلال الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الى تحقيق إنتشارها الإجتماعي. وكان من أهداف الجمعية: نشر التعاليم الدينية الصحيحة والثقافة الإسلامية لإنقاذ المسلمين من المعتقدات الفاسدة، وإنشاء المساجد، والقيام بواجب الرعاية الاجتماعية من خلال إعانة المنكوبين، وإنشاء المستشفيات لمعالجة الفقراء، وتحقيق مبدأ التضامن الاجتماعي من خلال رؤية إسلامية.

وسعى الشيخ السبكي الى إبعاد الجمعية عن النشاط السياسي لتحصينها من غائلة الحكومة، ولطالما كرر في خطاباته بأن جمعيته لا تتعرض للأمور السياسية. ويقول أحد العارفين أن هذا الموقف ساهم في توفير أرضية مناسبة للجمعية في الإستمرار والإنتشار، ولم تجلب انتباه وخوف السلطة منها.

وشأن الجمعية، والسلفيين المستقلين، فإن أغلب الجماعات والتيارات السلفية في مصر تأثرت بنحو وآخر بالسلفية الوهابية السعودية، التي كانت تمدّها بالأفكار والأموال. على سبيل المثال، يعلن أغلب التيارات السلفية في مصر بأنها ضد الانخراط في الشان السياسي، ولكنها على استعداد للخوض في شؤون البلاد السياسية، بل يتحيّنون فرصة الانغماس في الشأن السياسي من باب إبعاد الخصوم عن مجال التأثير في أفكار الناس والتحكّم في مصائرهم. و(كان رموز التيار يبدون آراءهم في الشأن السياسي في جلسات سرية لأتباعهم المقربين، ويقتصر كلامهم السياسي على شرح تصوراتهم للواقع السياسي ومشكلاته، ويعتبرون هذا الكلام من الأسرار التي يكون من المحظور على الجميع إذاعتها خارج نطاق الذين حضروا هذه الجلسات، وقيل أيضا إن أكثر هذا التيار لا يمانع من المشاركة في التصويت في الانتخابات النيابية وغيرها من أنواع الانتخابات لدعم محاولات الإصلاح..)، حسبما جاء في بحث عن السلفية في مصر لصلاح الدين حسين.

وقد برزت الجماعة السلفية في الإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي كأحد أشكال المواجهة العلنية مع تيار الإخوان المسلمين، من خلال النشاط الطلابي في الجامعات، وظهرت الجماعة الاسلامية التي انضم معظم أفرادها الى جماعة الإخوان المسلمين، باستثناء قلة من الطلبة من جامعة الاسكندرية يقودها محمد إسماعيل المقدّم، حيث رفضوا الانضمام لجماعة لإخوان متأثرين بالمنهج الوهابي القادم من خلف الحدود، فشكّلوا نواة لجماعة سلفية أخذت في النمو داخل الجامعة، وأطلقوا على أنفسهم المدرسة السلفية، يديرها محمد عبد الفتاح (أبو إدريس)، ثم أطلقوا على منظمتهم (الدعوة السلفية)، بعد انتشارها في محافظات مصر، ولكن أشتهروا بإسم (سلفيو الإسكندرية). وتستمد المنظّمة أفكارها من مصنّفات الوهابية السعودية، فلا تجد من بين معتنقاتها ما هو غير وهابي، سواء في عقيدة التوحيد، أو الموقف من الكتاب والسنة والسلف الصالح وصولاً الى رؤية الوهابية في مبدأ الجهاد الذي تعتبره واجباً مفتوحاً خصوصاً في حال رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد المناصحة وبيان الحق، فحينئذ ينطبق عليهم الطائفة الممتنعة، فيجاهدهم أهل الحق، حتى يذعنوا لأمر الشرع، ويتخلوا عن الباطل الذي هم عليه. وهناك جماعات سلفية أخرى على غرار الجماعات نفسها داخل السعودية مثل السلفية المدخلية نسبة الى الشيخ ربيع المدخلي، أو السلفية السرورية نسبة إلى محمد سرور زين العابدين..

مهما يكن، فإن الوهابية في مصر بقيت حركة معزولة وتتحرّك على هامش الحراك الثقافي والفكري والإجتماعي في مصر، الأمر الذي ساعدها على المحافظة على سريّة روابطها المشبوهة مع جهاز أمن الدولة، وأدوارها الفتنوية في المحيط الديني والإجتماعي المصري. حين سقط النظام المصري.

وقد كشفت وثائق أمن الدولة ارتباط قيادات الجماعة السلفية الوهابية مع هذا الجهاز، ومن بين الوثائق التي تم العثور عليها وثيقة تعود الى تاريخ 13 آذار (مارس) لعام 2009 من مفتش مباحث أمن الدولة فرع الشرقية عميد مجمد جمال الدين عبد السلام، وموجّهة الى (رئيس مكتب مباحث أمن الدولة) في (العاشر، بلبيس، كفر سقر، منيا القمح، فاقوس)، وفيها توجيهات منها (إذكاء حدّة الخلاف بين الإتجاهين ـ السلفي، الإخواني ـ من خلال القيادات السلفية الدعوية بدعوى تحصين أتباعهم من الإنزلاق لدوائر بعيدة عن المنهج الصحيح، ووفقاً لخطوات مدروسة تتناسب مع الأوضاع الأمنية الراهنة)، و(الإستفادة من تواجد القيادات السلفية الدعوية بجمعية أنصار السنة المحمّدية في توسيع هوّة الخلاف المشار إليه خلال عملهم الدعوي بمساجد الجمعية).

وكان متوقّعاً أن يلعب السلفيون دوراً مغايراً بعد سقوط نظام مبارك، الذي كان يأوي ويتعاون مع الشخصيات السلفية، التي التزمت الصمت حيال المتغير الثوري منذ 25 يناير الماضي. وكان متوقعاً أيضاً أن تدخل السعودية أموالها وأتباعها العقديين من أجل الاضطلاع بدور ما في (الثورة المضادة)، لأن انتقال الثورة الشعبية إلى مرحلة البناء القومي للدولة وتحويل الثورة الى رسالة للشعوب المضطهدة، يعني أن السعودية تخسر ليس على مستوى السياسة بل وعلى مستويات أخرى عقدية وفكرية وإجتماعية وحضارية.

إختار السلفيون أحد الموضوعات ذات الصلة بالإستقرار الإجتماعي والسياسي، وبالسياحة الدينية، وهي قبور الأولياء والمزارات والأضرحة، وهي جزء من تراث مصر الديني والحضاري والإجتماعي. ولطالما نظرت الوهابية الى مصر باعتبارها من بلاد الشرك أو بلاد القبور، وأعربت في أدبياتها عن أسفها الشديد لأن تكون مصر من بين بلدان عربية وإسلامية أخرى قد عمّ فيها مشهد القبور والأضرحة، وقد قام الوهابيون بعد دخولهم الحجاز بهدم بيوت المصطفى صلى الله عليه وسلم وزوجاته وأهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم، حتى أفنوا آثار المسلمين ولم يبقَ سوى قدر ضئيل لا يتجاوز 5 بالمئة حسب قول المعماريين وخبيري الآثار سامي عنقاوي والدكتور عرفان علوي.

ومنذ دخول قوّات إبن سعود مكة والمدينة عمدوا بالهجوم على قبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد سيدنا حمزة ودمّر بشكل نهائي، كما دمّرت في مكة قبب جنة المعلا، والبيت الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وسوي بالأرض. ورغم نفي ابن سعود الأخبار الواردة عن تدمير قواته للآثار والأماكن المقدّسة، إلا أن لجنة وصلت في 22 مايو 1926 ووقفت على الآثار المدمّرة، وتقول اللجنة في رسالة وجهتها الى مسلمي الهند (إننا نشعر بالحزن لإبلاغكم بأن مثل مكة العظيمة ومساجد المدينة المنورة لم تُحفَظ حرمتها، وأن مثل قبب المساجد قد دمرت نهائياً..).

وذكر من بين الآثار المدمّرة: قبة الوحي، وهي دار خديجة أم المؤمنين، ويوجد لها قبة صغيرة كان فيها مولد الزهراء، ومكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والتربة التي وقع عليها ساعة الولادة فقد بني في المكان مسجد، ودار الخيرزان، وهي الدار التي كان النبي (ص) يعبد الله فيها سراً مع نفر من أصحابه، ومولد الخليفة (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه، يقول بورخارت أنه ضمن مسجد يقع في مقابل الحجر الذي كان يحيى النبي (ص) عند مروره به، قبر أبي طالب وقبر السيدة خديجة زوجة الرسول (ص) وقبر آمنة بنت وهب والدة الرسول (ص) وقبر عبد المطلب، ومناف جدي الرسول الأكرم)، وبيوتات بني هاشم التي من بينها البيت الذي ولد فيه الرسول، وبيت النبي إبراهيم عليه السلام، وبيت أبي طالب، وقبور شهداء بدر وعريش تاريخي نصب للنبي محمد(ص) القائد الأعظم وهو يشرف ويقود المعركة، ودار الأرقم وكان يجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم فيه سراً مع أصحابه، وغيرها الكثير.

ولذلك، فإن توجيه الاتهامات الى السلفيين في هدم الأضرحة في بعض أرياف مصر، ناشيء عن وجود سوابق للوهابية في السعودية في مجال الهدم. وقد جاء في تقرير بي بي سي في 6 نيسان (إبريل) الجاري، أن مدينة تلا الواقعة في محافظة المنوفية، وهي بالمناسبة مسقط رأس السادات الذي منح فرصة للسلفيين وجماعات دينية أخرى لمحاربة التيارات الناصرية والقومية في السبعينيات، هي نفسها المدينة التي قدّر لها أن تشهد غارة سلفية على بعض الأضرحة. يقول أحد سكّان البلدة أنه (خرج من منزله في الصباح الباكر منذ عدة أيام على صوت نواح النساء بعد اندلاع الحريق، وأضاف (النيران كانت كبيرة للغاية..أجارك الله وحسبي الله ونعم الوكيل). وما لبث أن تعرّض ضريح آخر في قليوب للتخريب، والمتّهمون في نظر إمام المسجد وبعض سكان المدينة فهم (السلفيون).

وفي حادثة مماثلة لأحد المساجد التي يقول السكان: (إن السلفيين سيطروا عليها رفض الشاب الذي وجدناه الحديث إلينا قائلاً إن “التصوير حرام” وأعطانا بياناً باسم “السلفيين” في المدينة قال فيه أن هناك محاولة للوقيعة بين السلفيين وسكان المدينة). وتعلّق بي بي سي في تقريرها: (لكن العاصفة لم تهدأ بهذا البيان، فعلى بعد عدة كيلومترات بنفس المحافظة المنوفية شب حريق في ضريح آخر). ويقول أحد سكان المدينة إنه استيقط في الفجر ليجد النار تندلع في ضريح (سيدي مشهود) الواقع في قرية تحمل نفس الإسم. تم إخماد الحريق، لكن الجدل لم يخمد حول الفاعل.

السلفيون نظموا حملة إعلامية ومسيرات لنفي الاتهامات التي وجهت إليهم، من جانبهم شن السلفيون حملة إعلامية مضادة لنفي مسئوليتهم عن مثل هذه الحوادث. ويقود الحملة الداعية محمد حسّان، والذي صار ضيفاً في الكثير من وسائل الإعلام لتفنيد الانتقادات الموجهة للسلفيين. وقال حسان لبي بي سي: (أنا لا أوافق على حرق الأضرحة أو التعدي على هيبة الدولة. أؤكد أن التحقيقات ستثبت أن السلفيين لا علاقة لهم بذلك).

ويرى عمار علي حسن، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أن ذلك مناخ مثالي لكي يقوم السلفيون في مصر بتحويل آرائهم من (عالم الأفكار إلى عالم الحركة وتغيير الأمور من خلال ما يسمونه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). من جهته يؤكد أحمد يوسف الأمين العام لجماعة أنصار السنة السلفية على ضرورة التمسك بمبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقال أحمد لبي بي سي إن هدم الأضرحة، التي لا يعترف بها السلفيون، يكون من (خلال هدمها في عقول الناس). لكنه لم يقل ماذا سيحدث إن لم تهدم أفكار الأضرحة بالشكل السلمي أو بمرحلة القول. أو بمعنى آخر يتسائل كثيرون عن إمكانية البدء في مرحلة الفعل (تغيير المنكر باليد) في ظل مناخ عشوائي وغياب أمني تعيشه مصر حالياً.

وقالت صحيفة الفايننشال تايمز في تقرير لها إن نظام مبارك سمح بانتشار (الإسلام السلفى فى المجتمع المصري) لأن رسالته تركّز على الأخلاق بدلاً من السياسة، حيث تم تشجيع التوجه السلفي كثقل معارض للإخوان المسلمين الذين اعتبرهم النظام السابق الخصم اللدود له.

من جهته، نفى الشيخ ياسر برهامي، أحد قادة الدعوة السلفية في مصر، مسؤولية السلفية عن استهداف الأضرحة بالحرق أو الهدم في عدد من محافظات مصر، مؤكدًا أن ما يحدث قد يكون مخططًا خارجيًّا، أو توجهه قوى داخلية للوقيعة بين السلفية والصوفية والأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.

وأكد برهامي، في تصريحات خاصة لـ (الشروق) المصرية: أن الدعوة السلفية أعلنت عدة مرات أنها تستنكر هذه التصرفات، لأنها تؤدي إلى فتنة، مشيرًا إلى أن هدم الأضرحة أو إزالة المنكر ليست مسؤولية الآحاد (الأفراد)، وأضاف: (نحن لا نتبنى مثل هذه الأحداث، فهذا ليس خط دعوتنا). مثل هذا التصريح يخالف تماماً سيرة الوهابية في الحجاز، إلا أن يكون كلام برهامي من باب التورية السياسية.

الغريب أن برهامي اعتبر هذه الاتهامات محاولة (لتحريض الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة ضد الدعوة، سعيًا لعرقلة تقدم السلفية، وخوفا من تواجدها في كل ربوع ومحافظات مصر). فلماذا يتمّ الآن الخوف من السلفية، وقد كانت صديقاً وحليفاً لمثل هذه الأجهزة في أوقات سابقة لمواجهة تيار الإخوان المسلمين.

الصفحة السابقة