الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الجزء (3 - 4)

سعد الشريف

لا يفتأ مشايخ الوهابية يذكّرون أهل دعوتهم وخصومهم في آن معاً، بأنّ التكفير هو من خصائص أهل التوحيد. فإذا كان التوحيد، في مآلاته النهائية، يستبطن خاصيّة (الإنشقاق) في بنية الأمّة، فذلك لكون هذا (التوحيد) يعبّر، حصريّاً، عن الوعي اللاهوتي الوهابي، فيما تواطأت الغالبية الساحقة من المسلمين على فهم مشترك لعقيدة التوحيد، سوى تفاصيل طفيفة تباينوا حولها، ولكن غير مخلّة بأصل المعتقد التوحيدي.

نقف هنا عند شخصية تكفيرية أخرى، في سياق الكشف عن خبايا الوعي التنزيهي، التكفيري. ورغم ما قد يظهر من تماثل ذهني بين شيوخ التكفير، خصوصاً في المواقف من المذاهب والفرق الإسلامية، فضلاً عن الأديان السماوية الأخرى، وهي مواقف، على أية حال، مستلهمة ومستمدة بدرجة أساسية من تراث الشيخ إبن تيمية، فإن ثمّة ضرورة للتعرّف على طبيعة المقاربات التي يعتنقها شيوخ الوهابية لناحية التأصيل للمواقف التكفيرية.

الشيخ ناصر بن سليمان العمر، أحد كبار مشايخ الصحوة الذي برزوا في التسعينيات من القرن الماضي، وهو أستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. الأهم في الأمر، أن العمر يعتبر من رموز التكفير في السعودية، كما تعكس ذلك عشرات المقالات، والمحاضرات، والبيانات، والمداخلات التلفزيونية. فقد صنّف العمر رسائل وكتب وتقارير تكشف عن النزعة التكفيرية الضارية، الى الحد الذي جعلته مسكوناً بتكفير الآخر، لمجرّد الإختلاف معه أحياناً. ومن يستمع أو يقرأ للعمر يخرج بانطباع مفاده أن نظريّة المؤامرة تكاد تكون المحرّك الرئيس لتنظيراته السياسية والأيديولوجية.

حين يكرر العمر مواقفه القديمة، على قاعدة أنها “اكتشافات مبكّرة” لمن يصفهم بالأعداء، يوحي، إلى حد كبير، بأن ثمة تفكيراً ساكناً قد أحكم قبضته على مجال العقل النقدي، فلم يعد العمر قادراً على مراجعة أفكاره ومواقفه القديمة، بل ثمة عقل اجتراري يكرّر نفسه، ويكرّر في الوقت نفسه مقولات الآخرين من المتماثلين معه عقدياً وذهنياً، وأيضاً نفسياً. فقد يتوهّم العمر، أحياناً، بأنّ ما يذكره يمثّل درراً في الفكر والعقيدة، فيما الواقع يفيد عكس ذلك، فمثل الآراء التي يتداولها العمر أو يشتغل عليها ويعيد إنتاجها لم تعد صالحة في المجال الإسلامي، فضلاً عن المجال الإنساني، لأنها تنتمي الى عقود، وربما قرون، غابرة خلت.

مصنّفات العمر وكتيّباته لا تحمل جديداً على مستوى الفكر الديني، وغالباً ما يكون تجديد الفكر الديني آخر ما يمكن لمشايخ الوهابية الإشتغال عليه، ولذلك، فإن نتاجات العمر مقروءة ومسموعة، شأن نظرائه في المذهب، لا تخضع لقراءة حقوقيّة أو فكريّة، بل هي لا تبرح المجال المذهبي الذي تسبح فيه، ويعاد توليدها فيه. وشأن كل المذاهب المغلقة، فإن الوهابية تحوّلت الى أيديولوجية دينية لذاتها، فلا تسمح بفتح قنوات مثاقفة متبادلة أو تفاعل ثقافي مع الآخر. والسبب في ذلك كله، أن قوة الوهابية تكمن في قدرتها على توفير تحصينات والإنغلاق والتمحوّر على الذات، شأن كل مذاهب الأقليات في العالم. ولذلك، فلولا الدعم المالي السعودي لتلاشت الوهابية في خضّم التيارات المذهبية الإسلامية الكبرى.

لابد من الإشارة، إلى أن افتقار الوهابيّة لعنصري المراجعة والتجديد جعلها حبيسة مقولات مدرسيّة/مذهبية عتيقة، سوى ما يوفّر لها المال والإعلام من عنصري إدامة وتخليد. فالعمر، شأن الفوزان والبرّاك والجبرين وغيرهم، يكتفي بتوفير (دمغة) الإستمرارية للمقولات التكفيرية لإبن تيمية وإبن عبد الوهاب إزاء الفرق والملل الإسلامية. بكلمات أخرى، إن العمر، شارحاً كان أم قارئاً، لا يمدّ جمهوره وخصومه على السواء بأكثر من دليل بقاء الوهابية التكفيرية على قيد الحياة.

التوحيد: تأسيس التكفير

من أي نقطة بدأنا فيها الحديث عن عقيدة التوحيد بحسب التعريف الوهابي، يكون التكفير حاضراً بسطوة. ولأن عقيدة التوحيد، بالمعايير المرصودة في الأدبيات الوهابيّة، تمثّل حجر الزاوية في الرؤيّة الكونيّة للمذهب، لا لكون التوحيد عقيدة ثانوية لدى المذاهب الإسلامية الأخرى، بل هي الأصل الأوّل من أصول الإعتقاد لدى المسلمين قاطبة بكل أطيافهم، ولكن لأنّ الوهابيّة فرضت تصوّراً خاصاً للتوحيد ونبذت أي تصور آخر عداه، ولذلك، فإن كل من لم يعتقد بالتوحيد وفق الفهم الوهابي يكون خارج مسمّى أهل السنّة والجمّاعة، وتالياً خارج دائرة الإسلام.

في قراءتنا المتواصلة لنتاجات شيوخ التكفير، يبرز الموقف اللاهوتي هذا كعامل حاسم وفاصل في التقويم، وكذلك التمييز بين المؤمن وغير المؤمن، واستطراداً تصنيف الأرض التي يقام عليها ما إذا كانت دار إيمان وسلم أم دار كفر وحرب.

في كلام الشيخ ناصر العمر عن التوحيد ما يلفت الإنتباه، لأن ما كان محسوماً بالنسبة للمسلمين قاطبة في أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق والرازق له الأسماء الحسنى وهو المعبود لا إله سواه وهو رب الأرباب، ليس محسوماً في تقييم مشايخ الوهابية قاطبة بدءاً من الشيخ إبن عبد الوهاب وصولاً إلى الشيخ العمر ومعاصريه. بمعنى ما، أن مشايخ الوهابية لا يعتقدون بأن المسلمين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى كما عرّف نفسه جلّ جلاله في كتابه العزيز، أو كما جاء على لسان أنبيائه ورسله.

في حديثه عن التوحيد، ينطلق العمر من أن كل بلايا الأمة من تخلف في العلوم الدنيوية إنما ناشيء عن (تخلي كثير من المسلمين عن صحيح معتقدهم..) وأن الحل، أي رفع البلايا يتوقف على (عودتهم إلى صحيح دينهم وسليم معتقدهم)(1).

لا يعني العمر بالمعتقد شيئاً آخر غير التوحيد، بحسب الفهم الوهابي، والذي على أساسه يتحدّد من هو المسلم. ففي محاضرة مشتركة بعنوان (نهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك)، يرى الشيخ العمر بعد أن يروي حديث الإفتراق (..وستفترق أمتي على سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فسّر العمر كلام الرسول (ص) في الفرقة الناجية: (ما أنا عليه وأصحابي)، بأنها أهل السنة والجماعة، أي منهج السلف، وهو منهج الفرقة الناجية المنصورة. ويرى العمر خطورة تجزئة أهل السنة والجماعة، بحيث يتم فصل العقيدة عن غيرها من الموضوعات، ويرى بأن العقيدة هي أصل السنّة والجماعة، ثم يمضي في شرح التوحيد والتقسيم الوهابي لمفهوم التوحيد..(2).

في السياق، يبدو كتاب (التوحيد أولاً) للشيخ ناصر العمر، الأكثر إثارة للجدل، بسبب لغته الجازمة والصارمة، حيث يرسي، بوضوح، أساس العلاقة في الداخل الإسلامي، أي بين المسلمين بعضهم ببعض، وبين من يصدق عليهم مسمّى (المسلمين) وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.

وفي تقديم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين تلخيص لرسالة الكتاب. يقول ما نصّه: (أن التوحيد العملي القصدي الإرادي الطلبي الذي هو توحيد الألوهية هو الذي دعت إليه الرسل، وأنـزلت به الكتب، وجردت لأجله سيوف القتال، ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممها.

وأنه مع هذه الأهمية قد وقع فيه الخلل والنقص، وقد تهاون به الكثير من الجماهير مع ادعائهم التوحيد، وأن الكثير تجاهلوا ببعض ما ينقصه، وتساهلوا في بعض الشركيات زعماً منهم جوازها أو عدم منافاتها للتوحيد، وأفاد أن هذا خطأ كبير..

ولا شك أن هذه الرسالة من الأهمية بمكان فنهيب كل مسلم أن يقرأها ويطبقها على نفسه، ويدعو إلى العمل بها بعد معرفتها رجاء أن تصلح أحوال المسلمين، ويعودون إلى توحيد الخالق وتعظيمه وحده، وتصغر المخلوقات في نفوسهم..)(3).

إذاً، فإن التوحيد، كما يريد بيانه العمر وأفصح عنه الجبرين، ليس هو ما يؤمن به الكثير من المسلمين، وأن هدف كتاب العمر هو إصلاح عقيدة المسلمين كيما (يعودون إلى توحيد الخالق وتعظيمه وحده..). يقول العمر: “واليوم تشتد الحاجة لإنقاذ الأمة، وإخراجها من ظلمات الجهل والتخلف، إلى نور العلم والإيمان”(4).

والكتاب في مجمله نسج على منوال الكتب الوهابية في التوحيد، القائم على ثالوث توحيد الالوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وأن المسلم الحق هو من يؤمن بالتوحيد بحسب ما عرّفه علماء الوهابية وبالتقسيم الوارد هنا، فلا ينفع المسلم زعمه بالإيمان بالله سبحانه، كما لا تنفعه صلاته ولا صيامه وحجّه وزكّاته وغيرها من الفرائض، إن لم يكن التوحيد بأركانه الثلاثة قد استوطن صميم القلب. يقول العمر: “ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت الرسل، وأنـزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة، وأشقياء أهل النار”. ثم يستدرك “ولا بد مع توحيد الألوهية من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات”(5). ويقول في مكان آخر بأن (هذا التوحيد ـ أي توحيد الصفات ـ لا يكفي في حصول الإسلام، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية والألوهية)(6).

في ضوء ما سبق، ينتقل العمر الى بيان ما يصفه (واقع الأمة اليوم)، ما يتطلب حسب قوله (وقفة مناسبة مع واقع الأمة ليتضح لنا مدى التزامها بالتوحيد أو بعدها عنه)، ويلفت إلى أن (بعض طلاب العلم قد لا يتصور خطورة الأمر، نظراً لأنه يعيش بين أناس هم على عقيدة التوحيد، وتقل بينهم البدع والشركيات، فيتوهم أن أغلب المسلمين هم على هذه الحالة، بينما الحقيقة بخلاف ذلك)(7).

وأرجع العمر إنحراف الأمة عن عقيدة التوحيد الى أسباب من بينها: دور الشيعة (أو الرافضة حسب وصفه)، الذي قال عنهم بأنهم (يضيقون ذرعاً بدعوة التوحيد)، في إشارة واضحة الى الدعوة الوهابية، فلم يقل (عقيدة التوحيد). ما يلفت في كلام العمر أنه ذكر دور الشيعة في انحراف الأمة عن عقيدتها، ولكنّه راح يتحدّث بإسهاب عن نشاط الشيعة في قارات العالم في مقابل نشاط الدعوة الوهابية، وكأنه يريد القول بأن التوحيد صار امتيازاً وهابياً، وأن الأمة لن تؤمن بعقيدة التوحيد إلا إذا أذعنت لنهج الشيخ ابن عبد الوهاب في فهم التوحيد.

سبب آخر ذكره العمر وهو (الخرافيون وتأثيرهم الذي لا ينكر)، دون تحديد هوية هؤلاء الخرافيين. يقول العمر ما نصّه:

(معارك الخرافيين مع التوحيد ليست جديدة، وسعيهم الحثيث لتأصيل البدع ونشر الشرك في بلاد المسلمين يعرفها القاصي والداني، وخدمتهم للاستعمار قديماً وحديثاً ليست بحاجة إلى شرح أو بيان، والذي يتأمل خارطة العالم الإسلامي، ويضع لوناً مميزاً للمناطق التي يكثر فيها هؤلاء يذهل من النتيجة التي سيراها).

بل راح العمر يسهب في بيان طبيعة نشاطاتهم وحجم انتشارهم وبالأرقام دون أن يفصح عن إسم الخرافيين وأماكن تواجدهم، ولم يبد سلفاً سبب إخفاء الإسم، وما إن كان له علاقة بإفشاء أسرار خاصة، أم خشية افتتان الآخرين بهم، أم الإحتقار المعتاد من شيوخ الوهابية لخصومهم. يقول العمر (وقد نشطوا في الآونة الأخيرة، وأقاموا عدداً من المؤسسات التي تدعوا إلى منهجهم وتنفق على مشاريعهم بسخاء). ولبيان الخطر المزعوم/الموهوم، يذكر العمر (أن مؤسسة واحدة من مؤسساتهم قد خصصت ما يعادل (500) مليون ريال لإنفاق استثمارها وريعها على ما يدعم منهجهم وعقيدتهم، وفي إحدى البلاد الإسلامية بلغ عدد المسجلين في الجمعيات الخرافية أكثر من خمسة ملايين عضواً)(8).

السبب الثالث، بحسب العمر، هو الخوارج، فبعد أن يذكر طرفاً من سيرتهم في التاريخ الإسلامي وخروجهم عن منهج أهل السنة والجماعة، حسب قوله، يقول بعد ذلك (..وفي هذا الزمن عادت سوق الخوارج رائجة، وبخاصة مع وجود دولة تدعمهم وتدافع عن مذهبهم وتربي الناس على منهجهم)(9). وليس سراً، أن العمر يومىء الى الأباضية في عمان، الذي نالوا من فتاوى التكفير الوهابي نصيباً كبيراً.

السبب الرابع، هو الشركيات والبدع المنتشرة في العالم الإسلامي يقول (ولو ألقينا نظرة سريعة على واقع البلاد الإسلامية لوجدنا في كل بلد قبراً أو أكثر يعبد صاحبه من دون الله..). ثم يسأل (فكم عدد الذين يزورون القبور من أهل البدع في أنحاء العالم الإسلامي؟)(10). فكم بلد إسلامي جرى وصفه ببلاد الشرك لمجرد فيه قبور للأولياء والصالحين وأن الناس تأتي لزيارتها، وقراءة القرآن عند القبور، والاستلهام منها، فقد عارض مشايخ الوهابية إرسال الملك عبد العزيز إبنه سعود لمصر، لأنها بلاد شرك وقبور، لمجرد أن فيها أضرحة ومقامات تقصدها جموع غفيرة من المصريين.

السبب الخامس، بحسب العمر، هو وجود النصارى في كثير من الدول الإسلامية، بل حتى في دول الخليج، حتى إنه يوجد لهم كنائس معلنة في بعض تلك الدول..(11).

وهناك أسباب أخرى ذكرها العمر مثل وجود الوثيين، والسحرة، والمشعوذين، وانتشار بعض الألفاظ البدعية أو الشرعية وأعمال محرّمة كالحلف بغير الله، والإعتقاد بأن غير الله ينفع أو يضر، وأعياد الميلاد، وتعليق التمائم، وقراءة الكف، والإعتقاد بأثر الأبراج والنجوم..

ثم يخلص للقول (هذه صورة مجملة عن واقع العالم الإسلامي تبين خطورة الأمر، ووجوب المبادرة إلى إنقاذ هؤلاء، سواء أكانوا ممن وقع في الشرك، وهم يحسبون أنهم مسلمون؛ لأنهم يصلون ويحجون، أم كانوا ممن وقع في البدع والخرافة، ويظنون أنهم من أهل السنة والجماعة). إذاً هكذا هي الرؤية الكونية لدى العمر والوهابية بصورة عامة، وهي تعكس الموقف العقدي من المسلمين عموماً. ثم يرسم العمر خارطة طريق لإصلاح الإنحراف العقدي في الأمة (ولو توجهت هذه الصحوة المباركة إلى العناية الفائقة بهذه القضية لتغيّرت الأحوال، وهذا لن يكون إلا إذا كانت هناك أولويات وكان “التوحيد أولاً)(12).

ويرصد العمر في تأمّله لأحوال المسلمين (ضعف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين) ويقول (وهذا ينافي كمال التوحيد، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر)(13). يقول أيضاً (وفصل الدين عن الدولة، وإبعاد حكم الله وشرعه أن يكون حاكماً على الناس هو السائد الآن في أغلب بلاد المسلمين، حيث يحكمون بشرائع وقوانين بشرية ما أنـزل الله بها من سلطان، وهناك من يهون من هذا الأمر ويقلل من شأنه مع أنه كفر بواح)(14).

الخلاصة، أن كل من لا يؤمن بالتوحيد بأقسامه الثلاثه ليس مسلماً. بل قال عنهم العمر بأنهم (كلهم مخطئون، بعيدون عن الصواب، وذلك أن التوحيد أشمل مما ذهب إليه هؤلاء، فمن أخلّ بقسم من أقسام التوحيد فقد أخل بالتوحيد . ولابد من فهم التوحيد فهماً شاملاً بأقسامه الثلاثة ومستلزماتها)(15).

وحتى إذا أقرّ العمر بإسلام كثير من المسلمين على أساس أنهم مدركون لعقيدة التوحيد وأقسامها، فإنه يجد سبباً آخر لضعف إيمانهم بالتوحيد، هو عدم ترجمة التوحيد في السلوك العام للمسلمين (وعند التأمل في واقع كثير من المسلمين يجد الإنسان أنه لا ينقصهم العلم المعرفي، فقد تجد الكثير منهم يعرف التوحيد بأقسامه وتفصيلاته، ولكن عندما نبحث في مدى تأثره وجدانياً لا نلمس أي أثر لذلك، أو قد نجد أثراً ضعيفاً لا يتناسب مع علمه ومعرفته)(16).

يطالب العمر بجمع الأمة على أساس التوحيد، بالمفهوم الوهابي. ويقول بأن (جمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام، ولكن مما يلحظ في هذا الجانب أن هناك من يذكر أن الاجتماع مراد لذاته، بغض النظر عما ينتج منه، وهذا خطأ في الفهم وقصور في التصور؛ لأن الهدف هو الاجتماع على كلمة الحق..)، إذن هو اجتماع، أو بالأحرى وحدة مشروطة، فطالما أن المسلمين لم يحققوا في أنفسهم معنى التوحيد الوهابي، يصبح الإجتماع لغواً، وعبثاً، ويوضّح ذلك، بقوله (والذين جعلوا الإجتماع هو الغاية والهدف، تساهلوا في أمر التوحيد، ولم يجعلوه من الأصول التي يجتمعون عليها، بل تجد بعضهم يمنع أتباعه من إثارة قضايا العقيدة، بحجة أن هذا الأمر سيكون عائقاً أمام وحدة كلمة المسلمين، وتوحيد الصفوف، بل لا يخجل بعضهم أن يقول: إن طرح مسائل العقيدة تؤدي إلى الفرقة والخلاف..)، وينقل العمر رأي الشيخ عبدالعزيز قاري (رسالة العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون) في هذه المسألة: (إننا وجدنا أنفسنا أمام طوائف تنتسب إلى العلم والدعوة والتوجيه تخالفنا وتنازعنا في هذا المبدأ)(17).

نلفت إلى أن العمر قام بإجراء تغييرات على محاضرة (التوحيد أولاً) قبل أن يتم طباعتها في هيئة كتاب، وكان قد ذكر في المحاضرة كلاماً فيه تكفير صريح لمرتكب الكبيرة، بل تبنّى تكفير العموم. وقال مخاطباً جمهوره (تصوّر أن المنكرات الموجودة في مجتمعنا مجرد معاصي، كثير من الناس يتصوّر الآن أن الربا مجرد معصية أو كبيرة، والمخدرات والمسكرات مجرد معصية ، والرشوة مجرد معصية أو كبيرة من الكبائر ، لا يا إخوان، تتبّعت هذا الأمر، فوضح لي الآن أن كثيراً من الناس في مجتمعنا استحلوا الربا ــ والعياذ بالله ــ أتعلمون الآن في بنوك الربا في بلادنا زادوا عن مليوني شخص، بالله عليكم هل كل هؤلاء الملايين يعرفون أن الربا حرام ولكنهم ارتكبوها وهي معصية، لا والله، إذن من الخطورة الموجودة الآن بسبب كثرة المعاصي أن الكثير قد استحلوا هذه الكبائر)18.

في هذا النص مخالفات جمّة، فهو في الوقت الذي ينطوي ليس على مجرد حكم بكفر العموم، بل ينزلق نحو الإيغال في سبر النوايا بطريقة عابثة، فقد كفّر العمر كل من تعامل مع بنوك الربا بحجة استحلال الربا، بناء على اعتقاد قاطع لدى العمر بأن الجميع يدرك حرمة التعامل مع البنوك الربويّة، وأن ما دفع بهم الى فعل ذلك سوى لصدروهم عن استحلال التعامل الربوي ابتداءً. والسؤال: كيف علم بذلك كله؟ فهل فحص نوايا ملايين من البشر ليعرف ما اذا كانوا بالفعل قد استحلّوا، وبصورة إفرادية وإرادية، التعامل الربوي، وإذا كان الحال كذلك، فلا بد أن يكون أغلب المسلمين قد استحلوا محرّمات كثيرة، ولا حاجة للأنبياء والمرسلين والمبشرّين والمنذرين والدعاة والمبلّغين، مادام لا مكان للغفلة، والنسيان، والإجتهاد، والتأويل، وتبدّل الأزمان والأحوال.

في محاضرة له بعنوان (التوحيد واعتزال مواطن الفساد)، على أساس التأمل في أبعاد قصة أصحاب الكهف وإسقاطها على الواقع الراهن، يقول العمر، وهي أن سبب نجاة الفتية الذين آووا إلى الكهف هو التوحيد، ما يلفت إلى أن إسقاط قوم أهل الكهف على أقوام المسلمين في الوقت الراهن، فيما يصبح الوهابيون هم أصحاب الكهف، والمشترك بينهم هو التوحيد. ولعل أخطر ما أورده العمر في مقالته هي القصة التي نقلها على النحو التالي:

قرأت قصة جميلة وعجيبة لشيخنا العلامة الشيخ: محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية أرسلت له جامعة الدول العربية، قبل سنوات – قديمة - ملفاً، إن جامعة الدول العربية بحكم مسؤوليتها عن الدول العربية، تريد أن تعقد مؤتمراً لنقاش توحيد الأهلة بين الدول العربية في رمضان، لأنكم تلاحظون أحد يصوم اليوم الفلاني والثاني يصوم الذي بعده أو قبله، نريد أن نوحّدهم في يوم واحد، ونريد رأيك ياشيخ فيما كتب، وأن ترسل مندوباً يشارك في هذا المؤتمر، أنظروا كيف ردّ عليهم هذا الإمام العلامة الفقيهة ماذا قال؟ قال لهم اختلاف الرؤية قديم، من وقت الصحابة – إختلاف مطالع الأهلة - ليس مشكلة، لكن إن كنتم جادين في جمع الدول العربية فاجمعهم على لا إله إلا الله، أحوج ما تحتاج إليه الأمة العربية والإسلامية على أن تجمع على لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله، لا أن تجمع على توحيد الأهلة، أو المواقف السياسية(19).

لم يخطىء العمر في نقل القصة، ولم يخطىء أيضاً في مقصده، خصوصاً حين نقرأ تعليقاً له بعد القصة سالفة الذكر، يقول العمر: منذ كم أنشئت جامعة الدول العربية؟ الآن لها قرابة أكثر (65 عاماً)، هل رأيتم أو علمتم عن مؤتمر لجمع الناس على لا إله إلا الله في الدول العربية، وأن من يخالف ذلك سيعاقب بكذا وكذا؟!

فالعمر، كما الشيخ محمد بن إبراهيم، يرى بأن المسلمين لا يدركون حق معنى شهادة لا إله إلا الله، وبحسب أصولها، وتالياً فإنهم ليسوا على الإسلام الصحيح، بل إن مقولة العمر بأن (الأنبياء جميعاً يدعون إلى لا إله إلا الله)، تحمل دلالة بالغة بأنّ ثمّة مهمّة مطلوبة بإعادة دعوة المسلمين إلى الإسلام على أساس الفهم الوهابي لعقيدة التوحيد، أي تطبيق دعوة الأنبياء على أقوامهم، وتطبيق حالة فتية الكهف في قومهم وما كانوا عليه (من شرك ومن كفر) حسب قوله. ويخلص العمر للقول (اليوم المجتمعات تعيش معاصي وآثام قد يصل في بعض المجتمعات المسلمة إلى الشرك! كما هو مشاهد..).

يقول العمر في ضوء تأملاّته في سورة الكهف (السورة مليئة بتصحيح القيم، قيم كانت من موروثات الجاهلية فجاءت سورة الكهف تصحّح هذه القيم..). ثم يخلص للقول (فعلينا أن نعرض قيمنا الموجودة الآن في مجتمعنا، هل هي تتوافق مع القيم الحقيقية التي تقررها سورة الكهف؟ أو لا؟ أو هي من آثار قيم الشرق والغرب والجاهلية وغيرها، فلنعدّلها)(20).

في التفصيل كلام خطير وعلى درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للباحث في الفكر الوهابي. فالمطارحات بطبيعة سجالية كما يقدّمها مشايخ الوهابية لا تبتغي شيئاً آخر سوى إثبات أنهم وحدّهم مصداق الفرقة الناجية، وأن ما عليه باقي المسلمين إنحرافات لا بد من تصحيحها بالعودة إلى عقيدة التوحيد، وفق المنهج الوهابي.

في الكلام عن المنهج يطرح العمر سؤالاً كبيراً: أي منهج أسلم؟، وللتوضيح، فإن سلامة المنهج وسقمه لا تخضع لمعيار الخطأ والصواب، بل تتّصل في نهاية المطاف بالإيمان والكفر. العمر يستدرك على كلام لسائل أنكر نصّاً سمعه عن من وصفهم بـ(المبتدعة في العقيدة) يقولون: مذهب السلف أسلم ومنهجنا أعلم وأحكم، فسأل: هل تعلمون مصدر القول في كتبهم؟ فأجاب العمر بما يؤكّد كلام المبتدعة ودفاعاً عنهم، بل اعتبرهم (أهل الحق من أهل السنة والجماعة)، وقال:(أما من يذكر أن منهج السلف أسلم، فبعضهم يريد أنه أسلم وأعلم، وهذا حق، فهؤلاء يعنون به أن غيرهم خرج عن طريق السلامة..). بطبيعة الحال، أن السلف المقصودون هنا هم، بعد عصر الصحابة، كل عالم ينتمي إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل والشيخ إبن تيمية وتلامذته وصولاً الى الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتنزّلين من مدرسته(21). وقد رسم العمر خط السلف بعد عصر الخلفاء والتابعين بطريقة جعل فيها الخط الحنبلي هو الإمتداد الطبيعي لهم. فبعد أن ذكر الخلفاء الراشدين ثم التابعين من أمثال عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد قال (وتمعّن في مواقف الأئمة كأحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، والمجدد محمد عبد الوهاب، وغيرهم من العلماء والمصلحين، وانظر في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، ورسائل الشيخ عبد الله بن حميد، تجد سعة الأفق، وبعد النظر، وفقه الأحداث والنوازل)(22).

وهنا نقف عند الموقف اللاهوتي لدى العمر من التكفير، حيث يبدي، شأن مشايخ وهابية آخرين يتناولون الموضوع نفسه، مرونة مفتعلة كونه يطرق قضية تتطلب توازناً نفسياً وعقدياً. ففي هذا المقام، يصبح العمر مرشداً متسامحاً، وواعظاً منفتحاً، بخلاف الأماكن الأخرى التي يكشف فيها العمر عن شدّة وغلظة.

في التكفير وضوابطه، بدأ العمر بموقف عقدي حاسم، حين نقل ما اعتبره مقرّراً عند أهل العلم، بأن التكفير منه واجب لا يكون إيمان العبد إلاّ به (كالحكم بكفر اليهود والنصارى وغيرهم من الكفّار الأصليين الذين لا يدينون دين الحق ولم ينتسبون إليه، وفي حكم المرتدون الذين أعلنوا الردّة وقامت عليهم الحجّة)(23).

المقدّمة النقدية التي أوحت بأن العمر يسعى إلى نزع سلاح التكفير مطلقاً وبصورة دائمة، عاد لاحقاً ليوجّه نقداً لمن ذمّ التكفير، وقال عنه بأنه (على خطر)، وذكّر بالمقولة الدراجة (تكفير من اقتضى كفره..). ولذلك، شأن علماء آخرين إنغمسوا في تكفير الآخر، ينزع سلاح التكفير من عموم الناس (أو بالأحرى جهّالهم فحسب)، ويضعه في يد من يعتقد العمر وأمثاله، بأنه قد (تمكّن في العلم)، وهنا كلام آخر، لأن السؤال التالي: من يصدق عليه مسمّى العالم؟ فهل العمر أحدهم، وبالتالي يجوز له إطلاق أحكام التكفير والردّة على من يخالف ما يراه في أحد موضوعات الدين والشريعة، ولماذا ينحضر من يحق له تحديد ما يكفّر به وما لا يكفّر في شخص بعينه، وكذلك تحرير الأعذار الشرعية وعوارض الأهلية والنظر في الأعذار وغيرها من الأسباب التي تدخل في باب الحكم بإيمان إنسان ما وكفره؟!

العمر في الوقت الذي يحظر على طلبة العلم مزاولة وظيفة تكفير الآخر، لم يحرمهم من تكفير من كفّرهم العلماء ابتداءً أو أثبتوا كفره مثل الشيعة بأطيافهم الإمامية والزيدية والاسماعلية، والإباضية، والصوفية، والمعتزلة والجهمية وغيرهم. فهو يشرح مقولة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) بأن ذلك فحسب (في من ثبت كفره ابتداء كالكافر الأصلي، أو ثبت كفره كالمرتد بعد إقامة الحجة من أهل الشأن عليه..). فإذا حرم طالب العلم من التكفير، فهل يجوز له مراجعة أحكام التكفير التي أصدرها العلماء، أم أن المطلوب هو تأهيل طلبة علم بمثابة نسخ متماثلة، يجترّون المقولات نفسها، وإن أقصى ما يمكنهم إضافته هو مصاديق جديدة على ما قرّ من أحكام في موضوعات سابقة.

وكما يبدو، فإن المشكلة التي يحاول العمر معالجتها تقتصر على التكفير وسط طلبة العلم، وليس وسط العلماء، بل حتى استعمال التكفير من قبل طالب العلم لا يقاربها عقدياً بل يحاول تقصى آثارها الإجتماعية وما قد تؤول إليه من مخاطر عليه وعلى المجتمع.

وقد سئل العمر: هل التكفير فتنة وجريمة أم أنه دين ندين الله به؟ وسئل أيضاً: إذا تبيّن لي كفر نظام أو منهج أو حتى معيّن فهل يجوز لي أن أتوقّف عن تكفيره.. ثم إذا عاملته معاملة الكافر فهل أنا آثم، وهل ما يراه غيري من المصلحة ملزم لي خصوصاً وإن كان هناك غيرهم من أهل العلم من يرى المصلحة بالضد من رأي الأولون؟

أجاب العمر عن التكفير بقوله: ..فإن كان التكفير وفق الأصول الشرعية، وقد صدر من العلماء المشهود لهم بالعلم والمرجعية فليس بفتنة بل حكم شرعي، دلّت عليه أدلت الكتاب والسنة، ولا بد من الحكم به على من يستحقه كاليهود والنصارى والمشركين والمرتدين، خلافاً لما يطرح في بعض وسائل الإعلام المطالبة بإلغاء هذا الحكم الشرعي والتشنيع على من يقول به).

واعتبر تكفير اليهود والنصارى والمشركين والمرتدين واجب، بحسب الظاهر وأضاف (بل نصَّ علماؤنا على أن من المكفِّرات عدم تكفير مثل هذا). أما تكفير المسلم فيقول العمر (فهو الذي يرجع إلى حكم أهل العلم الراسخين فيه، الذين يعلمون الأصول الشرعية، وضوابط التكفير، وموانعه، فهؤلاء هم أهل تحقيق مناطه لا العامة وطلاب العلم في الغالب..). والخطورة هنا، كما يكشف عنها نصّ آخر (أما بخصوص ما إذا تبين لك كفر إنسان أو نظام فلا يجوز التوقف في تكفيره، ويجوز لك ألاّ تعلن ذلك للناس وأن تكتمه مراعاة للمصالح والمفاسد، أما التوقّف فهو منهج بدعي، فالناس إما مسلم أو كافر، والمنزلة بين المنزلتين منهج المعتزلة)(24).

في محاضرة له بعنوان (تفجير الكنيسة وتفجير المسلّمات) بتاريخ 29 محرّم 1432هـ، عقب تفجير كنيسة الأسكندرية والتي أحاطت الإتهامات عناصر من الجماعة السلفية في مصر، بدا الشيخ ناصر العمر في موقع دفاعي غير معهود، وتخلّى عن لهجة التشدد التي تطفح حين يكون الكلام عن الشيعة أو الصوفية أو غيرهم من الفرق المصنّفة في قائمة أهل الشرك والكفر. والسبب، أن ثمة تداعيات كبيرة على التيار السلفي وعلماء المؤسسة الدينية السلفية وعلى الحكومة الراعية للسلفية. فهو يدعو الى التثبّت وعدم التسرّع قبل أصدار الأحكام، ويحذّر من إلقاء الأحكام جزافاً.

ثمّة أمّة من نوع خاص يتصوّرها العمر، أمة يكون أفرادها متماثلين عقدياً. فهو يدعو من جهة ما إلى ألغاء التباين، وتقويض التعددية المذهبية في المجال الإسلامي لناحية توحيد الأمة على أساس مذهبي. بل يرى العمر بأن التوحيد بالمفهوم الوهابي وحده السبيل الى توحيد الأمة، ويعتب على الدعاة الذين لا يرون ذلك. يقول (فالغاية من خلق الخليقة التوحيد، والهدف من بعثة الرسل الدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك نرى من منتسبي الدعوة من يدعي أن التركيز على التوحيد والبداءة به قد يكون عائقا أمام وحدة الأمة..). ويوضّح العمر ذلك (فجمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام، ولكنه غير مراد لذاته بل لمعاني.. لأن الهدف هو الاجتماع على كلمة الحق، لنصرة الحق..). ثم يقول (والذين جعلوا الاجتماع هو الغاية والهدف، تساهلوا في أمر التوحيد..). ويخلص في نهاية المطاف للقول (لابد أن تبنى الدعوات والتجمعات على أصول وثوابت منبثقة من عقيدة التوحيد، ملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة،). باختصار (ولذلك فلابد عند التوحيد أن يكون (التوحيد أولاً) وإلا فلا)(25).

ثمة موقف لاهوتي لدى العمر يفصح عنه بقصد أو خلافه، ولكن لطالما تكرّر في كتاباته ومحاضراته وبياناته، منها قوله (ويزداد ألمي عندما أجد أن كثيرا من المنتسبين للإسلام، والإسلام منهم براء). ويقول في مكان آخر (والمسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها-إلا من عصم الله- يُحكمون بقوانين الشرق والغرب، بقوانين اليهود والنصارى والوثنيين، ولكنهم لا يخضعون لحكم الله)(26).

وفق هذه الرؤية العقدية النمطية عن المسلمين لدى العمر، فإنه يرفض فكرة الوحدة الاسلامية، ما لم تقم على أساس التوحيد، الأمر الذي يعني تماهي المسلمين مع المذهب الوهابي، إذ لا معنى لوحدة ليست مؤسسة على التوحيد بالمفهوم الوهابي.

في محاضرة بعنوان (رمضان ودروس التوحيد)، يؤكد على أهمية تعلّم التوحيد وفق المنهج الوهابي، حيث اعتبر وجود الصليبيين والعلمانيين واليهود والنصارى خطراً على الإسلام، (وحري بنا ونحن على المذهب الحق والعقيدة الصحيحة أن نحصّ أنفسنا بالتوحيد) بأركانه الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات. ويوصى بتعليم الناس الأصول الثلاثة، وأن يقرأ كتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب في المساجد. كل ذلك، لأن الامة تواجه عدواً شرساً وتواجه حرباً دينية(27).

وشأن مشايخ سابقين قد تعرّضنا لهم سابقاً، من أن لا معنى لكثرة المسلمين إن لم تكن الكثرة قائمة على التوحيد، ودائماً بالمفهوم الوهابي. في محاضرة له بعنوان (تكثير الأتباع بالوحي لا بالإبتداع) يقول فيه (ومما ينبغي أن نتنبه له.. أن كثرة الأتباع، وحشد الجماهير، وتكثير السواد قد يحصل بعضه بالباطل، وقد يكون شيء منه بالتنازل عن الدين، غير أن الكثرة الكاثرة والسواد العظيم المبارك لايمكن جمعهم إلاّ على الوحي الذي يؤلف بينهم..). ويعود للنقطة الجوهرية في مطارحته ضد الرؤية العقدية المتسامحة التي لا ترى بأن الوحدة لا تقوم إلا على عقيدة التوحيد، ويقول (إن تمييع الدين والتنازل عن بعض الثوابت قد يجمع حول الداعية خلقاً بعض الوقت، ثم لا يلبس ذلك الجمع أن ينفض..)، ثم ينتقل الى الواقع الإسلامي (ولو تأملنا في حال المجددين والمصلحين الذين تبعتهم الأمة ورفع الله ذكرهم فيها منذ القرن الأول وإلى اليوم، وجدناهم جميعاً مما يعنون بالوحي وإقامته بين الناس..أما غيرهم فسيضمحل ولو بعد حين..). فالصورة كما يراه العمر في تلك المطارحة تكون على النحو التالي (فإن لم تقم للحق دولة تنصره وترعاه، بل مات أهله في الأغلال والسجون فهو أتمّ لأجرهم، والله يرفع ذكرهم، كما رفعوا دينه الخالص، وتأمل قول بعض السلف: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز! مات أحمد بن حنبل فتبع جنازته أهل بغداد، ومات ابن تيمية فتبع جنازته أهل الشام... ومات ابن أبي دؤاد رجل الدولة فما تبعه عدد يذكر! مع أنه كان جواداً ممدحاً وكانت العامة والخاصة –سوى قلة- كانت تظهر له الموافقة خوفاً من بطش السلطان..)(28).

تركيز العمر على نقد مبدأ الأكثرية، أسوة بمشايخ وهابيين سابقة، يشي بصورة غير مباشرة بعدم إقرار بإسلامها. هكذا أيضاً تكشف النصوص التي توسّل بها لذم مبدأ الأكثرية، وفي نهاية المطاف إدانة الوحدة الاسلامية التي لا تقوم على عقيدة التوحيد بالمفهوم الوهابي. في محاضرة له بعنوان (الحرص على تكثير الأتباع يذم أصلاً ويمدح فرعاً)، استعرض أحوال الأنبياء السابقين وخصوصاً عيسى وموسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، وكيف أن كثرة أتباع عيسى عليه السلام، بحسب العمر، لم تجعله كثرة لقلّة المؤمّنين حقاً برسالته، فقد (لا يجد المتبع للوحي الداعي إليه من يتبعه، لا لخلل فيه وإنما لخلل في مجتمعه ومدعويه..)، حسب العمر.

ماسبق يؤسّس للموقف العقدي لدى العمر إزاء أمة المسلمين، التي تخضع لعملية فحص دقيق (فقد تجد بعض أهل البدع أو أهل الفسق الذين ضعف تمسّكهم بالوحي واتباعهم له قد تجد أحدهم تتبعه جمهرة، وتحتفي به ثلة لا تعبأ ببعض متبّعي الكتاب والسنة، وقد يكون ذلك غير راجع إلى خلل في الداعين ولكن إلى أن تلك الجمهرة لم يرد الله بها ذلك الخير الخاص الخالص..)، ثم يقدّم نصيحة مريحة للدعاة (فلا تغتر بكثرة الأتباع واعرض دعوتك دائماً على الوحيين، وقيمها بناء على ما أفاداً، واعلم بأن الحق ظاهر منصور..). ويشرح ذلك، ودائماً وفق الرؤية الكونية العقدية الوهابية، بأن على الداعية أن يحرص على الإلتزام بخط الدعوة وتحقيق مقصودها (فليس الأصل هو اتباعهم ـ أي الجمهور ـ له في أي طريق وبأية وسيلة، ولكن اتباع الوحي المنزل على يديه..)(29).

وكلام العمر له أصل لدى السلفيين الأوائل من أمثال إسماعيل الصابوني (من علماء القرن الرابع الهجري) (ولا يغرّن إخواني كثرة أهل البدع، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة) وذكر حديثاً ينص (من أشراط الساعة أن يقلّ العلم ويكثر الجهل)، وقال: العلم هو السنّة والجهل هو البدعة(30).

إن طبيعة الوحي الذي عناه العمر في كلامه هو التظهير العقدي والمذهبي للنهج السلفي. وقد سئل الشيخ مقبل الوادعي عن: المنهج السلفي في الحكم على فرقة أو جماعة بأنها جماعة، ومتى يمكن إخراجها من دائرة أهل السنة والجماعة، فأجاب:

منهج أهل السنة والجماعة هو الالتزام بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح (31).

وكان الصابوني يستعمل أسماء متعددة لجهة واحدة، فحين يقول أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وأهل الحديث، وأهل السنة والجماعة فإنما يقصد بهم فئة محدّدة تنتمي الى الخط الحنبلي حصرياً. توضيح ذلك ذكره الشيخ محمد السفاريني (1114 ـ 1188هـ) ما نصّه (المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي عنه مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية، ونحو هؤلاء..)(32).

وبحسب السفاريني، فإن مذهب السلف ينسب إلى أحمد بن حنبل، وهو (المذهب المأثور والحق الصابت المشهور لسائر أئمة الدين وأعيان الأمة المتقدّمين..) ثم قال (هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر المعروفين بالسنة المقتدى بهم فيهان وأدركت من أدركت من علماء العراق والحجاز والشام عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهم مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن سبيل النة ومنهج الحق) وخلص (وهو مذهب الإمام أحمد وإسحاق وبقى بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم)(33).

وقال عن مذهب السلف بأنه (المذهب المنصور، والحق الثابت المأثور، وأهله هم الفرقة الناجية، والطائفة المرحومة، التي هي بكل خير فائزة ولكل مكرمة راجية، ومن الشفاعة والورود على الحوض ورؤية الحق وغير ذلك..)(34).

فمن هو غير السلفي إذاً؟، يجيب الشيخ مقبل الوادعي (..فإذا ارتكب البدع.. وإذا خرج عن منهج السلف إما إلى التصوّف، أو التشيع أو إقامة الموالد أو الترحيب بالقوانين الوضعية، أو الولاء الضيق كالحزبية، التي هي ولاء ضيق فيوالي من أجل الحزب ويعادي من أجل الحزب..

فإذا كان سلفيا وهو يؤمن بالديمقراطية، فهذا ليس بسلفي ولا كرامة، وإن كان يؤمن بأن الله مستو على عرشه ويؤمن بأسماء الله وصفاته كما وردت في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم)(35).

حين يقتصر الحديث على المنضوين تحت لواء السلفيّة، تصبح هناك أحكام ومواقف مختلفة عن تلك التي تطرح إزاء غير السلفيين.

العمر يدعو السلفيين الى النأي عن استخدام سلاح التكفير ضد أهل دعوتهم من السلفيين، ويقول:

(الأصل أن تحمل حال المسلمين على السلامة؛ السلامة من الكفر والبدع والمخالفات، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، ويتأكد هذا مع من يرفع راية الإسلام ويدعو إليه، ومن باب أولى مع من يدعو إلى منهج السلف ويذب عنه ويزعم الانتساب إليه)(36).

بطبيعة الحال، فإن للعمر رأياً آخر، حين يتعلّق الأمر بغير السلفي، فالتسامح الديني قبالة السلفي تقابله كراهية فائضة إزاء المسلم الآخر، الصوفي والشيعي والأباضي وحتى السنّي الأشعري والمعتزلي..

فهو حين يدعو إلى وحدة المسلمين، لا يعني (أن نجمع أهل الحق وأهل الباطل في صعيد واحد..فلا يصح أن يسوي بين من باين بينهم الله تعالى، كما لا سبيل إلى توحيد الحق مع الباطل)(37).

وقد ذكر اشيخ بكر أبو زيد، عضو سابق في هيئة كبار العلماء، ورئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي سابقا، في كتابه (تصنيف الناس بين الظن واليقين) ما نصّه (إن كشف الأهواء، والبدع المضلّة، ونقد المقالات المخالفة للطتاب والسنة، وتعرية الدعاة إليها، وهجرهم، وتحذير الناس منهم، وإقصاءهم، والبراءة من فعلاتهم، سنة ماضية في تاريخ المسلمين في إطار أهل السنة..)(38).

ولعل ما توهّمه العمر، أو أراد تسويقه على أنه تسامح ديني لدى الشيخ بكر أبو زيد حين انتقد أولئك الذين يرمون الناس بنعوت مثل: خارجي، معتزلي، أشعري، طرقي، إخواني، تبليغي، مقلد متعصب، متطرّف، متزمت، رجعي، أصولي..وغير ذلك إنما يحاول درء التمزّق داخل المجتمع الوهابي، حين يتقاذف أفراده مثل هذه الإتهامات بعد أن تفشّت ظاهرة الرمي والقذف وتفتيش النوايا وتصيّد العثرات، والتطاول وتمزيق الشمل والتقطّع في المجتمع الوهابي(39).

بل الكتاب كله يتحدث عن أحوال المجتمع الوهابي وما تفشّى فيه من أمراض الحسد والغيبة والتقاذف، والتنابز، والاستهزاء، والسخرية، والاستخفاف، والتشنيع المتبادل. فالحديث جلّه، إن لم يكن كلّه، يحوم حول حمى المذهب الحنبلي وامتداده الوهابي، وقد نقل نصوصاً في أسباب الألحاد، أولها (القدح بالعلماء)، وكلها حول الشيخ أحمد بن حنبل، كقول الدّرورقي (من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام)، ونقل أيضاً (أحمد محنة به يُعرف المسلم من الزنديق)، ثم يخلص (فأهل السنة يُمتحن بمحبتهم فيتميز أهل السنة بحبهم، وأهل البدعة ببغضهم)(40).

وخصّص أبو زيد الدفاع عن ابن تيمية، وثم انتقل الى علماء السلف في قلب الجزيرة العربية، ودعاة السلفية عموماً(41).

يقول (وهذا الإنشقاق في صف أهل السنة لأول مرة ـ حسبما نعلم ـ يوجد في المنتسبين إليهم من يشاقهم، ويجنّد نفسه لمتافتهم، ويتوسّد ذراع الهم لإطفاء جذوتهم، والوقوف في طريق دعوتهم، وإطلاق العنان للّسان يفري في أعراض الدعاة ويلقي في طريقهم العوائق في:”عصبية طائشة)(42). ويقول (إن تحرّك هؤلاء الذين يجولون في أعراض العلماء اليوم سوف يجرون ـ غداً ـ شباب الأمة إلى مرحلتهم الثانية: الوقيعة في أعراض الولاة من أهل السنة..) وقد وضع هامشاً بعد كلمة (الثانية)، وجاء فيها:(وهي نتيجة حتمية لمنهجهم، فلهم بالأمس أسلاف في حادثة الحرم “السوداء” عام 1400هـ..اختلفت الأساليب والغاية واحدة)(43).

يبقى أن أبو زيد خصّص باباً للحديث (إلى كل مسلم)، وفيه كلام عام حول سلامة حال المسلم، وتحريم النيل من عرض المسلم، ولا يخرج عن هذين الأصلين إلا بدليل مثل الشمس في رائعة النهار على مثلها..(44). ولكنه جعل الكلام عن المسلمين على سبيل العموم وجعل الدعاة ـ من أتباع المذهب الوهابي، على سبيل الخصوص(45).

(إعلم أن “تصنيف العالم الداعية” ـ وهو من أهل السنة ـ ورميه بالنقائص: ناقض من نواقض الدعوة، وإسهام في تقويض الدعوة، ونكث الثقة، وصرف الناس عن الخير..)(46).

وقد يكون هذا الباب من النوادر في الأدبيات السلفية، لكونه أعذر اجتهادات علماء المذاهب الأخرى من أهل السنة، مثل أبي حامد الغزالي وغيرهم. على أية حال، لقد تحدّث أبو زيد عن القدح الذي ناله لأنه لم يلتزم حرفياً بتقاليد السلفية في خطب الصلاة، وفي المنهج السلفي في الحديث والفقه. ومع ذلك، فإنه قال كلاماً لو جمع مع أقوال أخرى وجدته مسيئاً في مقصده، كقوله:

(أما المبتدعة فلا والله، فإنا نخافهم ونحذرهم، ولواجب البيان نحذِّرهم من بدعهم، فاحذر مخالطتهم، والتلقى عنهم، فإن ذلك سم ناقع)(47).

فالعمر يتمسّك بأن لا مناص من التوحيد، بالمفهوم الوهابي، كشروط لازم لوحدة المسلمين، وهذا ما يعمل دعاة الوهابية على تحقيقه. ويطمئنهم بنصوص مختارة (وعلى دعاة التوحيد ألا يغتروا بتلك الدعوات الهادية إلى الإنحراف بالمسيرة، بل ليكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم”لا يزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك”..كما أن عليهم أن يدركوا أن قيامهم بالدعوة إلى التوحيد وما يقتضيه تتضمن الدعوة إلى الدين كله..)(48).

من مصاديق الرؤية العقدية الكونية لدى العمر، ما ذكره في حكم الدخول في البرلمانات، وهل يتعارض مع السياسة الشرعيّة. وللإجابة، يفرّق العمر بين ثلاث أنظمة حكم: نظام إسلامي عادل، ونظام إسلامي ظالم، نظام يحكم بالكفر. في حالة نظام الحكم الإسلامي العادل، فإن إنشاء هذه المجالس والمشاركة فيها جائز وفي بعض الحالات يكون واجباً إذا أمر ولي الأمر بذلك. أما إذا كانت الدولة إسلامية ولكنها ظالمة، فإن الدخول في المجالس والمشاركة فيها (يتوقف على صيغة نظام المجلس، ومدى تحقق المصالح ودفع المفاسد، وذلك بمراعاة قواعد تحصيل أعظم المصلحتين، ودفع أكبر المفسدتين، بحيث لا يترتب على مشاركته مفسدة أعظم، أو يفوت بتلك المشاركة مصلحة أكبر). والأصل في المشاركة هو الجواز، والمنع طارىء، أما إن كان النظام كافراً (فإن الأصل هو عدم جواز المشاركة في تلك البرلمانات..). ولكن ثمة استثناء في المشاركة يذكره العمر وفق ضوابط محددة: 1- ألاّ يترتب على المشاركة إقرار للكفر أو عمل به. 2- أن تكون مصلحة المشاركة ظاهرة متحققة لا خفية أو موهومة أو لا اعتبار لها. 3- ألا يترتب على تلك المشاركة مفسدة أعظم من المصالح المُراد تحقيقها، أو المفاسد المُراد درؤها ودفعها.

ويستدرك العمر، ليضع اعتبارات أخرى للمشاركة في المجالس منها: أن حق التشريع مقصور على الوحي، ولا يجوز لأحد من البشر مزاحمة هذا الحق. أن المشاركة في هذه المجالس لا تلغي مبدأ الولاء والبراء، بل يجب أن تكون هذه المجالس ميداناً لبيان هذه القضية وتحقيقها والصدع بها حسب مقتصيات المصلحة الشرعية، أن المشاركة في هذه المجالس ليست بديلاً عن المنهج النبوي في إقامة دولة الإسلام وتغيير الواقع الكفري، وإنما هي من أجل تحقيق المصالح وتخفيف المفاسد، وأن المشارك في هذه المجالس يجب أن يُظهر للناس أن مشاركته لا تستلزم الرضا بواقع هذه الأنظمة المخالفة للشرع ومؤسساتها الديمقراطية.

فكيف يمكن تحقيق مبدأ أن حق التشريع مقصور على الوحي في ظل دولة كافرة؟ وكيف يكون تطبيق مبدأ الولاء والبراءة في حال المشاركة في مجلس برلماني في دولة كافرة؟(49).

العمر والشيعة

حين يتعلق الأمر بالشيعة، فإن الشيخ ناصر العمر لا يبدي أي تحفظ من أي نوع، بل لا يلتزم بأي معيار بخصوص تكفير المعيّن أو العموم، ولا يتوقّف بحال عند الضوابط المرصودة في التكفير، أو بالأحرى في موانع التكفير. ربما يكون تواتر تكفير الشيعة في المصنّفات السلفية، وعلى وجه الخصوص منذ زمان الشيخ إبن تيمية حرم شيوخ الوهابية من مجرّد النظر ـ وليس إعادته أو مراجعته ـ فيما جاء في المصنّفات تلك. ولذلك، فإن العمر يسوق حكم التكفير دون ضوابط لا في الشكل اللفظي ولا في المضمون الحكمي، فضلاً عن النزعة الاجترارية لدى العمر، والتي تدفع الى تكرار ذات الحكم، وبالألفاظ نفسها التي وردت إما في كتب إبن تيمية وتلامذته أو ابن عبد الوهاب وعقبه.

جاء في إجابته عن موقفه من الشيعة بأن (موضوع الروافض ـ أي الشيعة ـ من أخطر المواضيع في هذا الزمان، والذي أراه أن الروافض [ولاسيما المدركين لحقيقة المذهب القائلين بها قد يكونون] أخطر من اليهود والنصارى)، وفي الواقع، ليس هو من يرى ذلك ابتداءً، بل سبقه عشرات من مشايخ السلفية من إبن تيمية وصولاً الى علماء الوهابية المعاصرين. يقول العمر (وقد بينت رأيي في الرافضة وخطورتهم قبل قرابة أربعة عشر عاماً في المذكّرة التي قدّمتها إلى هيئة كبار العلماء بعنوان (الرافضة في بلاد التوحيد) وأشرت إلى هذا في عدد من دروسي ومحاضراتي..). ويسوق العمر أمثلة لإثبات ما يعتقده تحقيقاً لما توصّل إليه قبل أربعة عشر عاماً ـ بل وحتى الآن. لهذا السبب، يرى العمر بأن (محاولات التقريب والدعوة للتقريب فهذه كلها تخدم العدو..)(50).

في تقريره (واقع الرافضة في بلاد التوحيد)، الذي رفعه لهيئة كبار العلماء في 10 ذي القعدة 1413هـ كتب العمر ما نصّه: أمّا الطامّة الكبرى فهي أن عدداً من المدارس الإبتدائية في القطيف وقراها يقوم المدرسون الرافضة بتدريس المواد الشرعية كالقرآن والفقه والتوحيد , بحكم أنه لا يشترط في مثل هذه المرحلة التخصص!”(51).

وحول تدريس المدرّسات الشيعيات، فقال بشأنهن: (إن المدرسات الرافضيات كثيرات فمنهن من يدرس في القطيف وقراها ومنهن من يدرس في ديار أهل السنة قريبة كانت أو بعيدة، قال أحد رجال الحسبة - في حفر الباطن-: ( إن بناتنا يعدن بعد المدرسة فنفاجأ بثنائهن على مدرساتهن الرافضيات ونحس بتأثير معاملتهن عليهن ). ويعلّق (فأي خطر على معتقدات أهل الإسلام أعظم من أن يكون قدوة شبابهم الرافضة ومعلموهم المبتدعة؟)(52).

في المقابل، يذكر (أن غالب مديري ووكلاء ومرشدي مدارس القطيف وقراها من الرافضة، مما يحول بين الطلاب وبين المدرسين من أهل السنة, ولذا فطالما أخذت العهود والمواثيق على مدرسي التربية الإسلامية بأن لا يتطرقوا إلى موضوعات خارج المقرر المدرسي – كي لا يتحدث عن معتقداتهم -, وفي المقابل يفتح المجال للمدرس الرافضي للدعوة في صفوف الطلاب وللتنفير من أهل السنة حتى لا يأخذ الطالب عنهم علماً ولا يرعى لهم سمعاً)(53).

فالعمر، بحسب قراءة هذه الفقرات، يخوض نقاشاً من نوع خاص، لا ينتمي للنقاشات الحقوقية أو السياسية، فهو يرفض أن يكون معلمو الطلبة الشيعة من أتباع المذهب الشيعي، ويعدّ ذلك أمراً منكراً، بينما المطلوب، كماه يراه العمر، هو أن يفتح الباب أمام المعلّمين الوهابيين للتبليغ بالعقيدة السلفية وسط الطلبة الشيعة. قد يبدو العقل الحر عاجزاً عن استيعاب هذا الجنوح الجنوني، خصوصاً في ظل ثورة حقوقية جعلت من حرية الاعتقاد والتعايش بين المعتقدات ركيزة السلام الأهلي، فيما لا يزال شخص أو بالأحرى جماعة مفتونة بمخلّفات القرون المظلمة التي تنادي بسياسة التطهير الطائفي والعرقي واقتراف جريمة الإبادة الثقافية (Cultural Genocide).

ما يبعث على الغرابة كلامه عن غياب مشايخ وهابيين في القطيف، فيما يكثر مشايخ وعلماء الشيعة في مناطقهم (إن المتأمل في حال المنطقة الشرقية ليداخله كمد وأسى لما يرى من قلّة وندرة علماء أهل السنة فيها. أما بالنسبة للرافضة ففي القطيف ونواحيها يوجد كثير من علماء الرافضة الكبار ولهم طلاب وأتباع جادون في العمل بين أبناء ملتهم ومذهبهم. ولا تخلو قرية من قرى القطيف من عالم رافضي)(54). للتذكير فحسب، تعتبر محافظة القطيف شيعية خالصة.

وينكر العمر على الشيعة دفاعهم عن مذهبهم وردّ الإتّهامات التي تنال من عقيدتهم، وينكر على الشيعة عدم سماحهم لعلماء الوهابية بالدعوة في أوساطهم، ويعتبر ذلك من التقصير!

الأنكى من كل ما سبق هو ما ورد في توصيات تقرير العمر، والذي جرى حذفه من التقرير في سنوات لاحقة، حيث تشتمل التوصيات على ما يمكن وصفه بـأدلّة دامغة على (جريمة الإبادة الجماعية). حيث طالب العمر بإيقاف نشاط جميع علماء ودعاة وملالي الشيعة، وفرض الإقامة الجبريّة عليهم، ومنعهم من التدريس أو الحديث للناس في مجامعهم ومنتدياتهم، أو تأليف الكتب وكذا سائر الأنشطة الأخرى، وإيقاع العقوبة الرادعة لم يثبت منه مخالفته لذلك، ومنع الشيعة من تولي المناصب العليا وتسنم المواقع المهمة: كأستاذية الجامعات، وإدارة المدارس، ورئاسة الأقسام، والدوائر، وجميع الوظائف والرتب العسكرية، وجميع الوظائف التي لها علاقة وصلة بالمجتمع كالأمن، والصحة، والإعلام، فضلاً عن الدوائر الشرعية كالقضاء، والهيئات، ووزارة الحج، كما أنهم يجب أن يُمنعوا من التدريس بكل قطاعاته وتخصّصاته وبخاصة تدريس المرحلة الإبتدائية لما يُخشى من تلويث فطرهم والتأثير على معتقدهم.

ويمضي العمر في تدابير سياسة التطهير، ومنها: إيجاد حل سريع لمدّهم، وتكاثرهم، وزحفهم المخطط على المنطقة الشرقية وعلى غيرها من المناطق الأخرى، لما في ذلك من الخطر على معتقدات وأمن هذه البلاد. وأيضاً: أن ينتدب طائفة من العلماء وطلبة العلم أنفسهم لتلك المنطقة: فينشرون العلم والدعوة، ويُعلّمون السنة، ويقمعون البدعة..وكذلك: أن يكثّف أهل السنة نشاطهم الدعوي، ببث الدعاة في جميع الأوساط لتبليغ المعتقد السلفي السليم من شوائب الابتداع – وبخاصة في مناطق وجود الرافضة -.

وقد وضع العمر خطّة متكاملة لكيفية إرغام الشيعة على التحوّل الى المذهب الوهابي من خلال تكثيف حملات التبليغ والدعوة وتوزيع الكتب والأشرطة وإقامة الإمسيات (لبيان المذهب الحق وبيان ماهم عليه من باطل وزيغ)، والهدف هو (فلعل هذه الجهود أن تثمر، وأن يرغب المبتدعة في دين الإسلام وبذلك تقوم الحجة وتبرء الذمة ويحتفظ أهل السنة بسلامة معتقدهم)..

يقدّم العمر ذلك وهو يستحضر فتوى 1927، التي صدرت عن علماء الوهابية في الرياض حين تقدّموا بما يشبه مانيفستو وهابي، طالبوا فيه إبن سعود بإرغام الشيعة على التحوّل الى المذهب الوهابي. يزيد العمر على ذلك بالمطالبة بشن حملّة كراهية في سائر أنحاء الجزيرة (عن خطر التشيّع والرفض على الإسلام ـ أي الوهابية ـ وبيان زيغه وضلاله وفضح ذلك المذهب وأتباعه على رؤوس الأشهاد).

وختم توصياته بجملة تنمّ عن عقلية مأزومة ومؤامراتية بامتياز (وليُعلم أن ما تُرك وجُهِل فوق ما ذُكِر وعُلِم..).

في سياق نزعته التكفيرية بخلفية طائفية، يعتبر العمر في مداخلة له تلفزيونية، الحرب ضد الحوثيين بأنها (حرب عقدية)، ما يعني أنها حرب بين الحق والباطل والإيمان والكفر(55).

وفي محاضرة له حول الصحافيين، إستكمل فيها ما اعتبرها العمر قائمة الأعداء. فبعد أن صنّف الشيعة واليهود والنصارى كأعداء، أفرد محاضرة خاصة حول رجال الأعلام والكتّاب في الصحف المحلية واعتبرهم منافقين وهم شركاء مع الشيعة واليهود والنصارى في العداوة ضد المسلمين (= الوهابيين). وكان قد نظّر طويلاً حول تحالف الليبراليين والرافضة واليهود والنصارى.

جاء هجوم العمر كرد فعل على انتقادات الصحافيين والكتّاب لتصرّفات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجاوزاتهم، حيث اعتبر العمر تلك الانتقادات بمثابة تجاوزات على الشريعة. في الواقع، كان العمر يدافع عن الانتقادات ضد الشيخ صالح الفوازان ومواقفه التكفيرية، والتي اعتبرها العمر (هجمة شرسة)(56).

التكفير مفتوح

في سياق تكفير الآخر، يدلي العمر بدلوه في موضوع دارج في موضوعات التكفير الوهابية، وهو السفر الى بلاد الغرب، أو بلاد الكفر، بحسب القاموس اللاهوتي الوهابي. فقد سئل عن حكم السفر الى بريطانيا، لتعلم اللغة الانجليزية، حتى مع الحاجة اليها في الدراسة الجامعيّة؟ وبحسب السائل: مع العلم أني سأسكن مع عائلة مسلمة.

جاءت إجابة العمر على النحو التالي: لا يجوز للمسلم السفر إلى بلاد الكفار للإقامة فيها إلا لضرورة أو حاجة ملحّة معتبرة، كطلب علمٍ لا يوجد في بلادهم من علوم الدنيا، والأمة بحاجة إلى هذا العلم، أو للدعوة إلى الله، أو للعلاج، وما شابه ذلك من الحاجات الضرورية؛ لأن الإقامة بين ظهراني المشركين محرمة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين” (أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن من حيث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه)، والمهم أن تكون إقامة المسلم في بلاد الكفر لسبب مشروع.

ومن سافر إلى هناك لسبب مشروع فعليه بإظهار دينه، وإلا فليرجع إلى بلده.

وتعلم اللغة الإنجليزية لا يحتاج إلى سفرٍ وتعرضٍ للفتن، بل مراكز تعليم اللغة الإنجليزية منتشرة في جميع أرجاء البلاد، فلتتق الله أيها المسلم، ولتحرص على الابتعاد عن مواطن الفتن، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه(57).

في ختام قراءة المواقف التكفيرية للعمر، تبدو الإجترارية سمة بارزة في كتاباته، فهو لا يتجاوز التكفير الوهابي في الشكل والمضمون، وحتى الموضوعات المراد مقاربتها تبدو متطابقة، وكأن العقل الإجتراري لا يكف عن النأي عن خط التجديد والتطوّر، ويبقى أميناً لسلفيته الساكنة، حتى في بعدها التكفيري.


المصادر

1 ـ ناصر بن سليمان العمر، الحديث عن التوحيد، بتاريخ 5 صفر 1427هـ أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/83159

2 ـ ندوة مشتركة بعنوان (أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك)، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/cat_audio/151?page=2

3 ـ الشيخ ناصر العمر، التوحيد أولاً، نسخة على برنامج وورد، ص 1 ـ 2، أنظر رابط الموقع والكتاب:

http://almoslim.net/naser/all_book_naser

4 ـ الشيخ ناصر العمر، المصدر السابق، ص 4؛ 5 ـ المصدر نفسه، ص 12؛ 6 ـ المصدر نفسه، ص 13؛ 7 ـ المصدر نفسه، ص 19؛ 8 ـ المصدر نفسه، ص 20؛ 9 ـ المصدر نفسه، ص 21؛ 10 ـ المصدر نفسه، ص 22؛ 11 ـ المصدر نفسه، ص 23؛ 12 ـ المصدر نفسه، ص 23؛ 13 ـ المصدر نفسه، ص 24؛ 14 ـ المصدر نفسه، ص 26؛ 15 ـ المصدر نفسه، ص 29؛ 16 ـ المصدر نفسه، ص 35؛ 17 ـ المصدر نفسه، ص ص 46 ـ 48؛

18 ـ عن شبكة السلفي، أنظر:

http://alsalafy.com/vb/showthread.php?t=231

19 ـ ناصر العمر، التوحيد واعتزال مواطن الفساد، بتاريخ 11/9/1432هـ، ليدبّروا آياته (3) - الحلقة العاشرة، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/151229

20ـ الشيخ ناصر العمر، محاضرة بعنوان (تصحيح العقيدة والفكر) بتاريخ 6 رمضان 1432هـ، أنظر الرابط التالي:

http://almoslim.net/node/150895

21 ـ ناصر بن سليمان العمر، في المنهج(1): أي منهج أسلم؟، بتاريخ 10/11/1426هـ، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/83034

22ـ الشيخ ناصر العمر، فقه الواقع، ص 31 ـ 32، نسخة الكترونية محفوظة في موقع (المسلم) على الرابط التالي:

http://almoslim.net/naser/all_book_naser

23 ـ الشيخ ناصر العمر، التكفير: ضبط وتحدذير، بتاريخ 24 محرم الحرام 1431هـ في موقع المسلم أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/122524

24 ـ مقابلة مطوّلة مع الشيخ العمر مع موقعه (المسلم) بتاريخ 23 /6/1427هـ أنظر الرابط التالي:

http://almoslim.net/node/132564

25 ـ الشيخ ناصر العمر، التوحيد وشبهة الوحدوية، بتاريخ 19/8/1431هـ، موقع المسلم، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/131991

26 ـ الشيخ ناصر العمر، أسباب تخلّف المسلمين، كتاب محفوظ على برنامج ورود على الرابط التالي:

http://www.4shared.com/document/W5_7VAMO/___-__.htm

27 ـ الشيخ ناصر العمر، رمضان ودروس التوحيد، أنظر الرابط التالي:

http://www.almoslim.net/node/88093

28 ـ الشيخ ناصر العمر، تكثير الأتباع بالوحي لا بالإبتداع، موقع المسلم، بتاريخ 27/12/1430هـ، أنظر الرابط التالي:

http://almoslim.net/node/121457

29 ـ الشيخ ناصر العمر، الحرص على تكثير الأتباع يذم أصلاً ويمدح فرعاً، ثبّت في موقع (المسلم) بتاريخ 19/12/1430هـ، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/121121

30 ـ اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، عقيدة السلف وأصحاب الحديث..أو الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، دراسة وتحقيق، د. ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع، دار العاصمة، الرياض، ط2، 1998، ص 148

31 ـ أنظر الرابط

http://www.muqbel.net/files.php?file_id=5&item_index=5

32 ـ العلامة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهيّة وسواطع الأسرار الأثرية..شرح الدرّة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضيّة، دار الخاني، الرياض، ط3ـ 1991، ص 20

33 ـ السفاريني، المصدر السابق، ص 21؛ 34 ـ السفاريني، المصدر السابق، ص 25

35 ـ أنظر الرابط:

http://www.muqbel.net/files.php?file_id=5&item_index=5

36 ـ الشيخ ناصر العمر، الإنقسام السلفي..أسبابه وعلاجه، ورقة منشورة بتاريخ 17 ذي القعدة سنة 1432 هـ في موقع (المسلم)، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/154296

37 ـ الشيخ ناصر العمر، التفريق بين المسلمين، بتاريخ 30/4/1429هـ، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/92990

38 ـ بكر بن عبد الله أبو زيد، تصنيف الناس بين الظن واليقين، دار العاصمة، (د.ت)، ص 8

39 ـ بكر بن عبد الله أبو زيد، المصدر السابق، ص 10؛ 40 ـ المصدر نفسه، ص 27؛ 41 ـ المصدر نفسه، ص 28؛ 42 ـ المصدرالسابق، ص 40؛ 43 ـ المصدر السابق، ص 54؛ 44 ـ المصدر السابق، ص ص 75، 76؛ 45 ـ المصدر نفسه ص 78؛ 46 ـ المصدر نفسه، ص 79؛ 47 ـ المصدر نفسه، ص 92.

48 ـ الشيخ ناصر العمر، دعوة التوحيد للانطلاق لا الجمود، بتاريخ 19/12/1428هـ، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/84308

49 ـ الشيخ ناصر بن سليمان العمر، الدخول في البرلمانات.. هل يتعارض مع السياسة الشرعية؟، بتاريخ 26/12/1425هـ، نشر في موقع (المسلم)، أنظر الرابط:

http://almoslim.net/node/82533

50 ـ مقابلة مطوّلة مع الشيخ ناصر العمر مع موقعه (المسلم)، بتاريخ 23/6/1427هـ، أنظر الرابط التالي:

http://almoslim.net/node/132564

51 ـ ناصر العمر، واقع الرافضة في بلاد التوحيد، رسائل العقيدة، نسخة الكترونية، نشر سنة 1413هـ/1992، ص 6؛ 52 ـ المصدر السابق، ص6 ـ 7؛ 53 ـ المصدر السابق، ص 7؛ 54 ـ المصدر السابق، ص 12

55 ـ (رؤية شاملة في أحداث الحودثيين) مثبّتة في موقع العمر (المسلم) بتاريخ 22/11/1430هـ:

http://almoslim.net/cat_audio/151?page=1

56 ـ ناصر العمر، منافقو الصحافة، محاضرة بتاريخ 27/8/1427هـ، أنظر الرابط التالي:

http://www.almoslim.net/cat_audio/151?page=3

57 ـ نقلاً عن موقع الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت، أنظر الرابط:

http://ar.islamway.com/fatwa/12700

الصفحة السابقة