كل السجناء منسيّون عند النظام

حملة احتجاج ضدّ اعتقال الناشط الحقوقي البجادي

ناصر عنقاوي

ثلاثون ألف معتقل رأي في السجون السعودية.

الناشط الحقوقي محمد البجادي

هذه تقديرات حقوقية محليّة، كجمعية حسم. أما المنظمات الدولية فتقدّر عدد المعتقلين بنحو يقلّ قليلاً عن عشرة آلاف معتقل.

أما وزارة الداخلية السعودية، فلم تقدّم رقماً عن عدد المعتقلين لديها، والذين يحرمون من أبسط حقوقهم في المحاكمة العادلة.

أصل المحاكمة غير موجود. أكثرية السجناء لم يحاكموا رغم مضي تسع وعشر سنوات على اعتقال الكثير منهم.

والمعتقلون لا يتمتعون بأدنى حقوقهم في توكيل محام، ولا في التمتع بأدنى العناية الغذائية والصحيّة، بل أن حرائق وقعت في السجون المكتظة، وتوفي العديدون؛ كما شكا الكثير من الإصلاحيين من سوء المعاملة داخل السجون السعودية، بما في ذلك التعذيب والشتم والإهانة والمضايقات والتهديد بالإغتصاب وغير ذلك.

بسبب العدد الهائل من السجناء في كل المناطق، وبسبب إهمالهم في السجون دون محاكمة وبدون حقوق تليق بالكرامة الإنسانية، يمكن اعتبار هؤلاء السجناء منسيّين من قبل النظام، كما هم نظرائهم في الشرقية، والذين اعتقلوا منذ 17 عاماً بتهم ملفقة تتعلق بتفجير الخبر 1996 الذي قامت به القاعدة، وأُلصق بناشطين شيعة، لم يحاكموا، ولم يدانوا، ولم يطلق سراحهم حتى الآن.

لكن قضية السجون السعودية وسجناء الرأي الكثر، شكّلت عقدة الإجماع الشعبي ضدّ النظام. لقد أراد وزير الداخلية قمع المجتمع وكتم أنفاسه من خلال الضغط على الجمهور، وترويعه بأن مصير من يعارض حكم العائلة المالكة هو (السجن) و(النسيان)!

عبثاً حاول الحقوقيون والكتاب وحتى بعض الإصلاحيين السياسيين والمشايخ المقربين من السلطة، حاولوا إفهام العائلة المالكة، بأن الإعتقالات الإعتباطية الكثيرة هذه، تؤجّج النقمة على الأمراء. كان رأي نايف إبقاء السجناء تذكار لمن يعارض.

لكن الذي يحدث الآن، وبعد أن بلغ السيل الزبى، هو أن قضية المعتقلين تمثل أحد أهم دوافع تأجيج النقمة، وإخراج المواطنين للشارع احتجاجاً.

تماماً مثلما رأينا موضوع سجناء الرأي (خاصة من سمّوا بالمنسيين في الشرقية) كيف حرّك النساء اعتصاماً، والشباب والرجال تظاهراً، يرفعون صورهم، ويصرخون منددين بمن اعتقلهم، ويطالبون بإطلاق سراحهم. بهذا تحوّلت قضية المنسيين في الشرقية الى محفّز ودافع للإحتجاج والتظاهر، عكس ما أراد الأمراء: أداة للتخويف والترويع والإرهاب وتكميم الأفواه.

نفس الموضوع بدأ ينقلب على آل سعود في مناطق أخرى. فاحتجاجات النساء واعتصاماتهن أمام وزارة الداخلية منذ العام الماضي، كان وراءها ألمٌ وغضبٌ من أهالي المعتقلين: آبائهم، أمهاتهم، زوجاتهم، بناتهم وأبنائهم. لكن النظام، ورغم قمعه لمثل هذه الإحتجاجات، واعتدائه على النساء المعتصمات المطالبات بإطلاق سراح ذويهن، لم يهديء الشارع ولم يفد إلا في زيادة التعاطف الشعبي مع قضية المعتقلين، التي بدأت تكبر، وأخذت مساراً شعبياً أكثر من ذي قبل، بل أن جمعية حسم، تقدمت بدعاوى قضائية غير مسبوقة ضد وزارة الداخلية، لن تسفر فيما نظن عن أية حلول، ولن يقبلها القضاء او الداخلية المتحكمة فيه، في نهاية الأمر.

الأمر المؤكد اليوم، هو أن قضية معتقلي الرأي في السعودية أخذت الصدارة في الإهتمام، كما زادت من جرعة التحريض على التظاهر ضد ممارسات القمع، بالرغم من تحريم مشايخ السلطة لكل وسائل الإحتجاج بما فيها التظاهر. ومن المؤكد اليوم أن شرائح شعبية عديدة تصاعد تفاعلها مع قضايا المعتقلين، وهناك آلاف الأصوات المنددة باستمرار الممارسات القمعية المخالف لشرع الله، ولشرعة حقوق الإنسان!

الآن بدأت الحملات المناهضة للإعتقال التعسفي تتصدر اهتمامات المواطن العادي؛ وأخذت جرأة الأفراد في الإحتجاج في الإزدياد، حيث النقد العلني، وحيث الكتابة علنية، وحيث (التغريد في تويتر) علني بالصورة والكلمة.

هناك أمثلة عديدة لهذا التفاعل الشعبي. من بينها مشاركة المواطنين والناشطين في إضراب بعض المعتقلين عن الطعام، وتزايد الدعوات الى الصيام تضامناً معهم، فضلاً عن الاعتصام والتظاهر والكتابة. آخر قضايا التفاعل بل التحول في المزاج الشعبي، ما حدث من حملة على (تويتر) تضامناً مع الناشط الحقوقي والكاتب والمغرّد، محمد البجادي، والذي أمضى حتى الآن سنة في الإعتقال.

محمد بن صالح البجادي، مواطن من بريدة بمنطقة القصيم، يبلغ من العمر 34 عاماً، له ابنة/ لارا (8 سنوات) وإبن/ تركي (3 سنوات). يعيش محمد حالة ميسورة، وكان على الدوام يردد بأنه بحاجة للحرية. سجن محمد ثلاث مرات، وكان دائم الكتابة عن (الجهاد السلمي) وكان كثيراً ما ينظر لهذه القضية. توفي والده وهو في السجن لأول مرة عام 2005، لمشاركته في اعتصام مع أهالي المعتقلين.

ثم سجن مرة أخرى عام 2007، بعد أن أُفرج عنه، عقب تصريح أدلى به لإحدى القنوات حول السجين اليمني سلطان الدعيس، حيث دافع عنه. وحين خرج محمد من السجن ثانية، واصل نضاله ووقوفه مع المعتقلين، وكان يقوم بعمله بصمت، ولم يكن معروفاً أو يبحث عن الشهرة والأضواء.

في يوم الأحد، 15 ربيع الثاني 1432هـ، الموافق 20 مارس 2011م خرج محمد مسافراً من القصيم إلى الرياض ليشارك في اعتصام مع أهالي المعتقلين أمام مبنى وزارة الداخلية، مع أنه لم يكن له معتقل من أقاربه، إذ كان غرضه إنسانياً بحتاً، نابعاً من الشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية. يومها طلب البجادي مقابلة الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية وابن الوزير من أجل الحديث معه حول المعتقلين، ولكن رفض طلبه.

وذكر محمد البجادي في حسابه على تويتر عن ذلك الاعتصام، بأن أحد رجال الأمن سأله: هل لك قريب سجين؟ أجاب: المساجين كلهم أهلي! وكأن البجادي أصبح قدوة لغيره، فهناك زميل له في شرق المملكة هو فاضل المناسف، شاب حقوقي، دافع عن الآخرين، وأُدخل قبل نحو ستة أشهر السجن الذي خرج منه تواً لمجرد سؤال عن شخصين مسنّين اعتقلا ظلماً من أجل الضغط على ابنيهما لتسليم نفسيهما الى الأمن!

وفي مساء الاثنين، 16 ربيع الثاني 1432هـ، الموافق 21 مارس 2011، تم اعتقال محمد البجادي ولازال منذئذ في السجن. بقي البجادي أربعة أشهر في زنزانة انفرادية، قبل ان ينقل الى سجن جماعي، ومن داخل السجن لازال يمارس دوره الإنساني مع زملائه، صامداً من أجل الإنسان في مملكة يريدها آل سعود للعبيد!

وقال الناشط الحقوقي والمحامي السعودي، وليد أبوالخير، إن البجادي مضرب عن الطعام وهو ممنوع من التواصل مع أحد في سجنه، ولم تتم محاكمته، كما لم توفر السلطات له فرصة الحصول على محام أو الاجتماع بعدد من المحامين المتطوعين للدفاع عنه.

وكانت هيئات دولية قد أثارت قضية البجادي أكثر من مرة، وبينها (منظمة العفو الدولية) التي قالت في بيان لها هذا الشهر، إنه اعتقل في منزله كما جرت مصادرة كتب ووثائق من منزله ومكتبه، إلى جانب جهاز الكمبيوتر المحمول خاصته، وأضافت بأن سبب اعتقاله هو تعبيره الحر عن رأيه.

في يوم الثلاثاء، 29 ربيع الأول 1433هـ، الموافق 21 فبراير 2012، أعلن البجادي إضرابه عن الطعام استمر عدّة أسابيع، احتجاجاً على اعتقاله، ما دفع الحقوقيين والناشطين السياسيين وغيرهم الى القيام بحملة تضامن معه، انطلقت في الساعة التاسعة مساء يوم 4 مارس الجاري، وخلال أول ساعة بلغ عدد التغريدات المشاركة 17000 تغريدة، وصلت لقرابة 25000 تغريدة بمرور ساعة ونصف (بمعدل 5 تغريدات كل ثانية) وقد وصلت الحملة الى نحو مليوني ونصف المليون متابع على تويتر، دون احتساب متابعة الشخصيات المشهورة التي لها مئات الآلاف من المتابعين.

لا شك أن هكذا حملات يشارك فيها نخبة الكتاب والشخصيات المشهورة، تحاصر النظام وقمعه، وهي قد جعلته لا يدري ماذا يفعل، فالإبقاء على معتقلي الرأي لسنوات دون محاكمة، بات اليوم في غير مصلحة حكم العائلة المالكة.

الصفحة السابقة