تمكين المرأة بين المزايدة والحقيقة البائسة!

يحي مفتي

جدل حسم بطريقة خاطفة، ولكنّه لم يقدّم علاجاً شاملاً لمشكلة أكبر، فقد جاء الرد على انتقادات وزير الرياضة البريطانية ضد غياب المرأة في المملكة عن أولمبياد لندن بطريقة لافتة، ومن شخصية تصنّف باعتبارها معادية للمرأة. فقد أعطى ولي العهد ووزير الداخلية نايف بن عبد العزيز الضوء الأخضر لمشاركة المرأة في المملكة في دورة الألعاب الأولمبية في لندن العام 2012، وعلى وجه الخصوص في الرياضات التي تتناسب مع طبيعة المرأة وحشمتها. شمل السماح للمرأة بالمشاركة في ثلاث أنواع للرياضات التي لا تتعارض مع تعاليم الشريعة. وجاءت الموافقة الرسمية عقب اجتماعات بين اللجنة الأولمبية السعودية واللجنة الأولمبية الدولية في لوزان السويرية، وقدّمت خلالها اللجنة السعودية قائمة بأسماء رياضيات مؤهّلات للمشاركة في المنافسات.

ولأن قراراً في هذه القضية يتطلب غطاءً شرعياً، فما كان بالأمس محرّماً سياسياً ودينياً، باتت حليّته السياسية مشفوعة بحليّة شرعية أيضاً، فقد صرّح الشيخ صالح السدلان لصحيفة (الشرق) الصادرة في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية من المملكة، بجواز حضور المرأة الملاعب لمشاهدة المباريات ومشاركتها في الأولمبياد شريطة الإلتزام بالضوابط الشرعية. وقال بأن حضور الملاعب جائز شريطة أن يخصص لها أماكن بعيدة عن الرجال وبمداخل خاصة بعيدة أيضاً عن أعين الكاميرات. وأضاف (إذا فُرض حضور النساء للملاعب بسبب اشتراطات دولية، فينبغي في هذه الحالة تخفيف الشر ما أمكن، بإيجاد أماكن مخصصة في كل الملاعب بحيث يراعى فيها أن تكون لها بوابات منفصلة وبعيدة عن بوابات الرجال). ولفت الى أن (القضية ليس فيها ابتداع، وحضور المرأة للملاعب أمر اعتيادي إذا روعيت فيه الضوابط الشرعية..).

ولكن ثمة تناقض واضح في تصريحات السدلان في هذا الشأن، حيث قال (لو كان الأمر يرجع إلى الرؤية الشرعية فالأولى أن لا يكون). ولكنه استدرك (لكن مادام ولاة الأمر حفظهم الله قد درسوا الأمر من كل النواحي وحرصوا على اصطحاب الاحتياطات المانعة من وجود مخالفات شرعية في المشاركة، وذلك بممارسة رياضات في أماكن مخصصة لهن تحفظ فيها كرامتهن وسترهن واحتشامهن وتتفق مع الأدلة من الكتاب والسنة فهو أمر مطلوب بل ينبغي تأييده مادام ولاة الأمر حرصوا على الالتزام بالضوابط الشرعية في المشاركة).

ويظهر واضحاً أن تصريحات السدلان جاءت في ضوء إرادة سياسية (من ولاة الأمر)، حيث تجاوز التحريم في الحكم الأولي، ولكنه في العنوان الثانوي جرى إقرار حليّته طالما أن ولي الأمر رأى غير ذلك.

الصحافي أحمد عدنان علّق في مقالة له نشرت في صحيفة (الشرق) في 30 آذار (مارس) الماضي على رأي السدلان بجواز حضور المرأة الملاعب شريطة أن يخصص لها أماكن بعيدة عن الرجال وبمدال خاصة بعيدة أيضاً عن أعين الكاميرات، وقال عدنان (ويبدو لي أن (السدلان) يقصد في هذا الرأي ملاعبنا المحلية لأننا لو أردنا تفصيل العالم على عاداتنا فتلك كارثة).

نشير هنا الى أن المملكة سوف تستضيف نهائيات كأس آسيا لعام 1919، وبدأت الاستعدادات اللوجستية لتأمين مدرّجات نسائية، باعتبارها شرطاً أساسياً لاستضافة البطولة.

تلك الصورة الجدلية بكل ما تحمله من لغط وتبسيط شديد لقضية المرأة في هذا البلد الذي يفتقر الى تشريعات دستورية تحدّد الحقوق والواجبات للمواطنين نساءً ورجالاً، وتنظّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم (ذكراً وأنثى)، فإن مظالم المرأة لا يجب حصرها في المشاركة الرياضية التي هي لها امتدادات خارجية أكثر من كونها قضية رأي عام نسوي، أو مطلب جماعي..

في بحث بعنوان (تمكين النساء في المجتمعات الخليجية..مراجعة لأوضاع النساء في دول الخليج) للباحثة هالة الدوسري، جرى تقديمها في ملتقى النهضة الشبابي الذي عقد في الكويت شهر آذار (مارس) الفائت. وتناولت الدوسري في بحثها مفهوم تمكين المرأة الذي يتحدد عبر خمسة عناصر أساسية وهي: إحساس المرأة بقيمتها الذاتية، حق المرأة في اتخاذ القرار والتحكم في خياراتها، حق المرأة في الحصول على الفرص و الموارد، حق المرأة في التحكّم بمقومات حياتها داخل و خارج المنزل، قدرة المرأة على إحداث تأثير اجتماعي يسهم في العدالة الاجتماعية و النظم الاقتصادية محلياً وعالمياً.

وناقشت الدوسري موضوعة المساواة والعدالة بين الجنسين في ضوء الجدلية القائمة على أساس التمايز بينهما، وعرّفت المساواة بين النساء والرجال باعتبار (أن كل الأفراد “رجالاً و نساءً” أحراراً في تطوير قدراتهم الخاصّة و تقرير خياراتهم بدون القيود المفروضة عليهم بسبب الأنماط الاجتماعية، أو الأدوار المتوقّعة من نوعهم الإجتماعي وبلا تحيّز ضدهم). كما تعني (أن التصرّفات المختلفة والتطلّعات والاحتياجات الخاصّة بالنساء والرجال معاً هي محطّ الاعتبار والتقدير بلا تمييز لجنس بعينه. ولا تعني المساواة بين الجنسين أن كلا منهما متماثل تماما بل أن حقوقهما ومسؤولياتهما والفرص المتاحة لهم لا تتحدّد بناء على الجنس البيولوجي الذي ولدوا فيه). كما تعني العدالة بين الجنسين العدالة في المعاملة بينهما بحسب احتياجاتهما، وهي إما تعني المساواة في المعادلة أو التكافؤ في الحقوق والمزايا والالتزامات والفرص.

وفي تطبيق ما سبق على قضية تمكين النساء في المجتمعات الخليجية، عقدت الباحثة الدوسري ما يشبه المقارنة بأوضاع المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال التمييز المفروض على المرأة حيث يتم استعبادها وتقييد حركتها على أساس الجنس ما يؤول الى جحود جزئي أو كلي بحقوقها الإنسانية وبحريّاتها الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إضعاف أو إحباط تمتّعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل .كما لفتت إلى النظام الأبوي الذي يجعل الرجل في مواقع القوة وصنع القرار في مقابل تهميش متعمد للمرأة. فالرجال دائماً في المناصب العليا والنساء في المناصب الأدنى باستمرار.

وتلفت الدوسري الى أن سياسات التمييز النساء لا تؤثّر فحسب على المرأة وتدّني ظروف معيشتها وصحّتها وصحّة أطفالها ولكن على الدولة ككل، فيؤدي منع النساء من المشاركة المدنية الفعّالة من حرمان الدول من فرص الحصول على أفضل المهارات والمواهب – بغض النظر عن الجنس- للدفع بجهود التنمية. وعلى المستوى الاقتصادي، تعاني النساء بصورة أكبر من التعرّض لأشكال الفقر بسبب محدودية فرص الكسب والتملك مقارنة بالرجل، حيث تصل نسبة المشاركة الإقتصادية للنساء في الدول العربية إلى أدنى معدل لها في العالم بالرغم من توفر الأيدي العاملة والزيادة الملحوظة في نسب تعليم الفتيات وتناسب فئاتهن العمرية للعمل والكسب، فلا تتراوح نسبة مشاركة النساء خليجياً في سوق العمل في أفضل الأحوال (الكويت) 27 % من مجوع العاملين، أي إمرأة واحدة تقريبا قادرة على الكسب و الإنتاج من بين كل خمسة نساء فقط.

وترى الدوسري بأن النساء في المجتمعات الخليجية تعيش في ظل أنظمة أبوية جمعيّة و ذكورية و(تحت سياسات ملكية مطلقة في الغالب). فحصول المرأة على المناصب الرسمية يبدو شبه معدومة، وبحسب الدوسري (ولا تصل خليجياً في أقدم الدول ممارسة للتمكين السياسي (كالكويت مثلاً) إلى أعلى من %14 أو امرأة واحدة لكل عشرة سياسيين أو وزراء تقريباً، بينما تمثّل النساء في دول الخليج ما معدّله 49 % من عدد السكّان بشكل عام). أما نسبة مشاركة النساء في أماكن صناعة القرار والتأثير الأعلى فهي متدنية وتتراوح بين 14 % في الكويت و1% في قطر بما لا يحقق مباديء التمكين بشكل عام.

على مستوى التمثيل السياسي للمرأة في الجهاز البيروقراطي في المملكة السعودية، ليس هناك أي تمثيل للمرأة في مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، والمجالس البلدية، وليس للمرأة أي دور في مركز صنع القرار، وإن تعيين الدكتورة نورة بنت عبد الله الفايز في منصب نائبة وزير التربية والتعليم لم يحظ بترحيب نسوي باعتبار أن المنصب ذا طابع شكلي وأن الاختيار تمّ بعناية فائقة من عوائل مقرّبة من النظام السعودي، أما في مجلس الشورى حيث تم تعيين 12 إمرأة غير متفرّغة في لجنة استشارية غير فاعلة. نشير هنا الى أن المرأة لم تشارك في انتخابات المجالس البلدية عام 2005م، وهي أول نصف انتخابات في تاريخ هذا البلد، حيث لم تشارك المرأة لا مرشحة ولا ناخبة، بالرغم من أن السعودية وقّعت في العام 2000 على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة. وحتى القرار الصادر من الملك عبد الله في إبريل من العام الماضي 2011، بخصوص مشاركة المرأة في مجلس الشورى والانتخابات البلدية بعد انتهاء فترة المجلس الحالي عقب أربع سنوات.

وحتى في سوق العمل، فإن معدلات دخول النساء لسوق العمل في الخليج ما بين 57% في قطر فيما تصل في السعودية الى 11% تقريباً، فيما تشير بعض التقارير الى أن النسبة تتراوح بين 7ـ9% فقط من سوق العمل، ويقتصر مجال عمل المرأة على التمريض والتعليم وبعض المصارف، فيما لا تتجاوز مشاركة المرأة في القطاع الخاص نسبة 2.6% من مجموع القوى العاملة، ولا تستطيع المرأة إجراء البيع والشراء ومزاولة التجارة الا عبر وكيل أو ما جرى استحداثه مؤخراً من منصب مدير أعمال. ونشير هنا الى نتائج الدراسة التي أعدّتها سلوى عبد المنعم، أستاذة الإقتصاد في جامعة الملك فيصل، حيث بلغت نسب البطالة بين الحاصلات على شهادة البكاليريوس 46.5% وبين حاملات شهادة الثانوية 21.4% وأن 65.9% من العاطلات غير المتزوجات مما يؤكد عدم وجود تشريع يكفل تطور المرأة وتقدمها بمساواة مع الرجل.

ومن المفارقات المذهلة في موضوع التمييز بين الجنسين، بحسب ما ورد في تقرير الفجوة الجنسية على المستوى العالمي، حيث يبدأ الترتيب بين الدول من واحد ـ الدولة الأفضل في مكافحة التمييز وتحقيق المساواة بين الجنسين وحتى 135 أقل دولة في تحقيق المساواة بين الجنسين وتتحدد نتيجة الفرق بين الجنسين في أي دولة بناء على الفروق بين الجنسين في أربعة مؤشرات: المشاركة والفرص الاقتصادية، التعليم، الصحة ومعدلات الحياة، والتمكين السياسي، فجاء ترتيب دول الخليج على النحو التالي: الكويت 105 البحرين 110 قطر 111 الإمارات العربية 103 عمان 127 المملكة العربية السعودية 131.

في المجال القضائي، ليس هناك تمثيل قانوني للمرأة، ولا يحق لها الترافع في المحاكم الا في قضايا الأحوال الشخصية فحسب، ولا يجوز لها الحضور الى المحاكم بدون محرم، ما يعني أن القضايا المرتبطة بها متوقّفة على موافقة المحرم. نشير هنا الى ما ورد في دراسة الدوسري من غياب قانون واضح ومحدد للأحوال الشخصية، وفي الغالب يعتمد صدور الأحكام على اجتهادات القاضي وآرائه، المستمدة من مدرسة فقهية واحدة، وكونه خريج الدراسات الشرعية يكون غالباً غير مطّلع على قوانين الاحوال الشخصية.

كما لا تستطيع المرأة السفر والعمل والتعليم وإجراء عملية جراحية إلا بموافقة ولي الأمر، وقد يتم تطليق المرأة دون علمها ولا حضانة لها. إن قانون المحرم هو ما دفع الناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر لأن تصف السعودية بأنها (أكبر سجن للنساء في العالم)، فالسعودية هي أكبر سجن للنساء.. كما وصفته الناشطة الحقوقية وجيهة الحويدر، فكما تقول أيضاً: (إن قانون المحرم السعودي حول النساء إلى سجينات من المهد إلى اللحد لا يمكن أن يخرجن من زنزانتهن (بيوتهن) أو سجنهن الأكبر (البلد) سوى بتصريح موقع ومصدق من إدارة السجن).

الصفحة السابقة