جمعيات أهلية تكسر الحظر بفرض واقع

ناصر عنقاوي

حين تعجز الدولة عن استيعاب التطورات المتسارعة في البلاد، وخصوصاً المؤسسات الحديثة التي تتشكل في المجتمع، يبادر القائمون عليها على شق مساحة لهم وفرض واقع على النظام القائم وعليه التعامل معه..

أمثلة عديدة في هذه البلاد على تشكّل تنظيمات أهلية حقوقية وثقافية وأدبية ومهنية وفنية غير مرخّصة من قبل الدولة، ولكن يديرها أفراد عجز النظام القائم عن استيعابهم، فقد تتشكل دولة أخرى خارج مجال عمل الدولة الحالي لأن هياكلها تجمّدت ولم تعد قادرة على التعاطي مع الوقائع الجديدة..

الشبكة الليبرالية السعودية الحرّة مثال واضح على إصرار أصحابها على مواصلة السير شاءت أنظمة الدولة وقوانينها أم أبت، وبالرغم من اعتقال مؤسس الشبكة رائف بدوي الا أن الفريق العامل في الشبكة متمسّك بقراره في مواصلة الطريق..وقد قام في نهاية أغسطس الماضي بالإعلان عن الاهداف المستقبلية للشبكة وأسماء القائمين عليها (بعد أن أصبحت عضواً في عدد من المنظمات الليبرالية العالمية، كأول جهة ليبرالية سعودية). وبحسب بيان الشبكة على موقعها الالكتروني بأن خطوتها القادمة هي (الخروج من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع المجتمعي السعودي وانها بصدد انهاء الترتيبات اللازمة لافتتاح مكتب في بيروت). ومن بين الاهداف المعلنة للشبكة: المساهمة في إقامة المنتديات وتجمعات المجتمع المدني ونشر ثقافة الحريات والليبرالية. وتدعيم التواصل بين المهتمين بالحريات والرافـضـين للتطرف الديني والتعصب المذهبي والعنصريات العرقية والطائفية والمناطقية وغيرها من العصبيات المقيتة، والاجتهاد في إقامة منبر للاحتفاء بالإعمال التي تصب في هذا الشأن وتطويرها ودعمها ونشرها. وتشجيع الحوار وتأصيل قيم المجتمع المدني والليبرالية من أجل تعزيز قيم حرية التفكير والتعبير والإبداع والثقافة الحرة. وإيجاد قنوات التواصل مع الأجيال الشابة المهتمة بهذه العناوين ، وتشجيع المواهب على المشاركة في مثل هذه الإنشطة. وتشجيع ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح على الآخرين وترسيخ قيم المجتمع المدني، ودعم السلام والحريات العامة.

تطوّر لافت جرى مؤخراً ومازال يتمثل في قيام بعض المؤسسات المجتمع المدني والحقوقية منها على وجه الخصوص بطلب تراخيص أجنبية بعد أن فشلت الدوائر الرسمية في تسهيل مهمة عمل هذه المؤسسات في الداخل عبر ترخيص وتوفير مستلزمات العمل في الداخل من مواقع ودعم مادي ولوجستي.

وفي تقرير نشرته صحيفة (الشرق) في 21 أغسطس الماضي كشف معدة التقرير فاطمة الديبيس من أن بعض المؤسسات الحقوقية اتجهات لأخذ تراخيص من دول أجنبية لممارسة نشاطها غير الربحي في المملكة، بينما ما زال بعضها في انتظار صدور الموافقة، أو الحكم لها من قبل المحكمة الإدارية بعد رفع مظالم تطالب بإعطاء الجمعيات تراخيص من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، باعتبارها تمارس أعمالاً خيرية غير ربحية، تتوافق كافة أهدافها مع أهداف الجمعيات مع الشروط المفترض توافرها في الجمعيات الخيرية تبعا للائحة وزارة الشؤون الاجتماعية.

وأوضح رئيس جمعية مرصد حقوق الإنسان في جدة وليد أبو الخير، أن الجمعية حصلت على ترخيص بمزاولة عملها الخيري من دولة كندا، حيث بدأت الجمعية عملها في بداية عام 2008م عن طريق الموقع الإلكتروني، وحاول أعضاء الجمعية الحصول على ترخيص من المملكة، ولكن لم يتمكنوا من الحصول عليه، دون إعلامهم بأسباب الرفض، ما أدى إلى توجه الجمعية مباشرة إلى دولة كندا رغبة منها في الحصول على رخصة لمزاولة العمل.

وأكّد أبو الخير أنه يمكن تسجيل أي جمعية خيرية غير ربحية في الخارج، ويكون معترفا بها عالمياً شريطة، أن تخضع لرقابة مالية، ولنظام العمل التابع للدولة المرخصة..

وبين مسؤول قسم الرصد والتوثيق في مركز العدالة أحمد المشيخص، أن المركز زاول أعماله دون ترخيص، رغم أن أغلب تعامله كان مع الجهات الحكومية، منذ عام 2009 بمسمى (شبكة النشطاء الحقوقيين) وسعى منذ بداية إنشائه إلى إيصال صوت كل شخص إلى الجهة المختصة، وأكّد استجابة جهات الدولة وتفاعلها مع ما يرفع لها من تظلّم المواطنين، مؤيّداً أقواله بأن أعضاء المركز عملوا على إيصال صوت 620 مسجونا إلى الجهات المختصة من وزارة الداخلية وجمعية حقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان والإمارة وحدثت استجابات كبيرة نتج عنها الإفراج عن غالبية المسجونين، ووصل عددهم إلى 150 شخصا، مضيفاً أنه يوجد بعض الأحداث، طلبت دار الأحداث من أعضاء المركز الحضور لاستلامهم شخصيا، وإيصالهم إلى أولياء أمورهم، عدا عن المساعدة في الوظائف للمفرج عنهم بعد خروجهم من السجن.

وأوضح عضو الجمعية الأهلية عقل الباهلي، أن الجمعية تقدمت بطلب ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سبعة أعوام، وقال الباهلي في بداية الشروع بالتأسيس تقدم لنا أربعون شخصا بطلب للانضمام للجمعية، لكن عدم التمكن من الحصول على رخصة، جعل الأمر يقتصر على عمل لجنة المتابعة المكون من خمسة أعضاء فقط، ويقتصر عملهم على إصدار بيان باسم الجمعية في المواقف التي تستدعي إصداره.

وبين عضو المجلس الإداري في جمعية الحقوق المدنية والسياسية في الرياض محمد القحطاني، أن الجمعية ما زالت تنتظر صدور الأمر الملكي، علماً أنها مكونة من 11 عضواً مؤسساً، بالإضافة إلى ثلاثين آخرين ينتخبون في نهاية كل عام من كافة شرائح المجتمع، مفيداً أن سبب الانتظار وعدم رفع دعوى. وقال القحطاني (إن الجمعية تعمل على رصد أي حق من حقوق الإنسان، وتوصله إلى الجهة المختصة، وعملنا على علاج خمس حالات بعد إيصال أصواتهم إلى الجهات المختصة، مفيداً بأنه توجد مئات القضايا مقيدة لدى الجمعية، وتقدم الجمعية استشارات لقضايا المسجونين أو إيصال قضاياهم إلى من له القدرة على مساعدتهم).

عضو مجلس الشورى وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان الدكتور عبد الرحمن العناد قال بقرب صدور نظام مؤسسات المجتمع المدني، مرجعا عدم منح وزارة الشؤون الاجتماعية رخص للجمعيات الحقوقية والتطوعية الجديدة انتظار للنظام الجديد.. ويقول العناد بأن النظام وافق عليه مجلس الشورى قبل سنتين ولكنه لم يقر حتى الآن بصورة رسمية، ولا يبدو أن هناك من مؤشرات على قرب صدوره خصوصاً في نظام لم يعتد السير دونما ضغوطات ترغمه على فعل ما لا يطيقه.

الصفحة السابقة