برسم راعي الحوار بين الأديان والمذاهب

الفوزان: لا تعدّدية مذهبية ومن يعتنقها لا مكان له بيننا

يحي مفتي

دعوات الحوار بين المذاهب، والأديان، وغيرها تتلاشى سريعاً عند أول فتوى تصدر عن عضو في هيئة كبار العلماء. ما يسيء في أحيان كثيرة حين تتزعّم السعودية وهي مصدر التطرّف الديني، وعقيدة التنزيه، والاقصاء بكل أشكاله، دعوة الحوار والتسامح وهي لم تتخلص بعد من تراث الكراهية المتفشي في أدبياتها ومصادرها العقدية، وفي سجلات علمائها، وفتاوى مشايخها. والحجة دائماً أن ليس لدينا سلطة على المشايخ، فكيف يصح ذلك وقد أجبرتموهم على تبني مواقف مناقضة لمعتقداتهم، حتى أغلقوا أبواب الخروج على الفساد والكفر البواح، وكيف تعينيون أناساً لا يمتثلون لسياسات الدولة في الحوار والتسامح. لا ينبري أحد ويقل بأن ذلك من باب احترام الرأي والرأي الآخر، فهذا القول أبعد ما يكون عن هذه الدولة وعن مؤسستها الدينية!

المشكلة الأخرى، أن الحكومة توهم الرأي العام المحلي والعالمي بأن ثمة طفرة تاريخية حصلت في تفكير المؤسسة الدينية، ولكن حين تسبر أفكار القوم لا تجدها قد تغيّرت قيد أنملة، فلا زال تكفير المسلمين سمة عامة في كتاباتهم وخطاباتهم، وإن تلبسّوا أردية لا تليق بهم أو تفوق لياقتهم الذهنية والنفسية على تقديم ما لا يطيقون من مواقف عجزوا عن تبنيها في حال الشدّة فكيف يعتنقوها في حال الرخاء..

الشيخ الفوزان الذي لا يشعر بضغط السلطة عليه، يجد نفسه مرتاحاً وهو يؤكّد ما التزم به سابقاً بل يفصح عنه بجرأة رغم مصادمته لدعوى الحوار المذهبي، بل إن مواقف الفوزان المنشورة في موقعه على النت تتناقض تماماً مع كل ما يطلقه الملك عبد الله من شعار التسامح والانفتاح والحوار بين المذاهب والاديان والحضارات، فهذه دعوات تعتبر في نظر الفوززان منكرة، وهي تتعارض مع صميم المعتقد الذي هو عليه، ويراها محاولة للجمع بين الضلال والهدى والكفر والايمان..

لقد رفض الفوزان الاعتراف بحق الاخر في الاعتقاد، ولن يقرّ له بأن يعبّر عن نفسه في أي هيئة يشاء، لأن ذلك يعترض مع عقيدة أخرى وهي تمكين الكافر من نشر ضلاله، وهذا ما لا يصح، ولأن كلمة أولياء الله وأصحاب العقيدة الصحيحة هي العليا، ووحدها التي يمكن ان تنتشر وأما الحوار الذي يسمح بتعدد الآراء والمعتقدات فذاك يتناقض أصلاً وفصلاً وحكماً مع عقيدة الفوزان.

وكأنما اقترف جرماً كبيراً أولئك الذين نادوا بالسماح لخطباء من مذاهب إسلامية أخرى في المملكة بأن يعتلوا منابر المساجد ويخطبوا في الناس بحسب ما يرونه في موضوعات الاسلام الخاضعة لاجتهاد البشر وتبدّل أفهامهم..فقد انبرى من ألف الواحدية في الاعتقاد والتفكير ولم يسمح لسوى ما يراه أن يشاع ويروج، ظنّاً منه بأن ما عليه الحق المطلق وما عليه غيره الباطل المطلق..

الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، وأحد رموز الواحدية المذهبية في المملكة السعودية، انبرى لأولئك الرهط الذي خرج عن الجادة من وجهة نظره، ونادوا بالتعددية المذهبية والسماح لمشايخ المذاهب الاسلامية الأخرى بأن يحوزوا على مساحة للتعبير عن وجوداتهم الفكرية والاجتماعية، وعلّق الفوزان في ردّه بتاريخ 3 يناير الجاري على ما بدر من هؤلاء المشايخ ونشر في صحيفة (الشرق) بعنوان: (أكاديميون وباحثون يطالبون بتمكين خطباء المذاهب من صعود المنابر، وإضافة آراء مختلفة في منهاج الدين)، فقال: (حصلت الصحيفة على تصريحات جماعة من الكتاب حول هذا الموضوع، وهي آراء متباينة، ولكن الصحيفة حبكت العنوان وجعلته متضمناً لرأي بعضهم دون اعتبار لرأي الآخرين، وهذا يخالف ما تتجه إليه الصحيفة من طلب التعددية في الرأي، فلماذا هذا الانحياز الذي يخالف ما تدعو إليه).

هذا في الشكل، أما في المضمون فراح الفوزان يسهب في عرض عقيدته التنزيهية وقال بأن المنهج الحق يقضى بأن يكون المسلمون أمة واحدة في عقيدتها وفي منهجها وفي مناهج تعليمها وجميع توجهاتها. وثانياً، عدم جواز الاختلاف في العقيدة (لأنها توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها).

وعليه، فإن (المخالف في العقيدة لا يكون مسلماً حقيقياً يفسح له المجال في إبداء رأيه فيها في مجتمع مسلم متمسك بالعقيدة الصحيحة). وهذا يعني أن الفوزان يخرج غالبية السكان من الإسلام، كما هي عادته غير الكريمة التي عبّر عنها في كتابه (التوحيد).

وثالثاً، قال الفوزان، أن (الخطابة على المنابر يوم الجمعة والعيد تكون على المنهج الصحيح في تعليم المسلمين أمور عقيدتهم وأمور دينهم، وتنبيههم على الأخطاء التي يقعون فيها، أو يقع فيها بعضهم، وتتضمن وعظهم وتذكيرهم بما ينفعهم، ونهيهم عما يضرهم في دينهم ودنياهم، كما كانت خطب النبي – صلى الله عليه وسلم – وخطب خلفائه وأصحابه من بعده، ولا تكون الخطب بحسب المذاهب والأفكار المنحرفة التي تفرق المسلمين وتضلهم عن سواء السبيل).

ورابعاً: (ومناهج التعليم تكون على وفق المنهج الصحيح من تعليم أبناء المسلمين علوم العقيدة الصحيحة والفقه والتفسير والحديث واللغة العربية. والعلوم الدنيوية التي يحتاجها الفرد والمجتمع، لأن هذه العلوم ضرورية للمسلمين، ولا يمكن توفرها إلا بالتعليم).

وخامساً (هذا هو المنهج الإسلامي الصحيح الذي يجب على كل مسلم ناصح أن يبينه للناس ويحثهم عليه. وأما من يدعو إلى التعددية في الأفكار والمذاهب فهذا غاش للمسلمين يريد أن يفرقهم ويضلهم عن دينهم، فلا مكان له بيننا).

الصفحة السابقة