الغرب يحمي الرياض ويغطي سوءتها

مراجعة سجل السعودية الحقوقي في جنيف

محمد الأنصاري

من غير المرجح أن تتم إدانة الحكومة السعودية خلال المراجعة الدورية الشاملة الثانية المنتظرة لسجلها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف، أواخر هذا الشهر/ اكتوبر. ربما لن يكون هناك سوى المزيد من التوصيات، رغم ان المزاج العالمي يميل الى ادانة نظام الرياض الذي يعيش خارج التاريخ، وليس فقط لا يعترف بحقوق مواطنيه الأساسية، رغم توقيعه على العديد من المواثيق الدولية.

السبب الأساس لهذا التوقع، هو أن مجلس حقوق الإنسان تابع للأمم المتحدة، والسياسة ليست بعيدة عن حقوق الإنسان، وإن كان هناك من يريد ان يضع حداً فاصلاً بين الموضوعين السياسي والحقوقي. فالدول المؤثرة في المجلس، هي عينها الدول الحليفة للسعودية والتي تنظر اليها، كبطة تبيض للغرب ذهباً. ولو أن خروقات حقوق الإنسان قامت بها دولة أخرى غير السعودية، لوجدتَ الإدانة الصارخة، ولوجدتَ الإعلام العالمي يتحدث عنها.

الرياض تموّل وتفاخر بأنها تمول المفوضية السامية لحقوق الإنسان. فالمال كان ولازال حاجباً عن الحقيقة. وحقوق الإنسان لمواطني المهلكة السعودية تضيع امام المظلة السياسية الحمائية التي يوفرها الغرب وإعلامه. حتى الإدانات الخفيفة فإنها لا تجد صدى كبيراً في الإعلام الغربي، رغم أن نشطاء حقوق الإنسان في تلك الدول تضغط على حكوماتها من اجل محاصرة تطرّف النظام السعودي وانتهاكاته الفاضحة.

كمثال واضح، فإنك لن تجد ادانة لاستخدام النظام الرصاص ضد المظاهرات السلمية وقتله ١٩ مواطناً حتى الآن. ولن تجد ادانة صريحة لما يفعله النظام بنشطاء حقوق الإنسان، الذين تزايد عددهم في السجون.

وما بين مراجعة ملف الرياض الحقوقي عام ٢٠٠٩، واليوم سنوات أربع، ازدادت فيها الإنتهاكات، وكأن التوصيات التي قدّمت لم تغير من سلوك آل سعود، الذين ينظرون اليها باستخفاف، والى الدول الأخرى كقابضة لرشاويهم، وان المال يصنع المعجزات في كل الأحوال!!

المراجعة هذه المرة تختلف في أمر أساسي واحد، وهو حضور المجتمع المدني السعودي الذي قدم تقاريره او لنقل مررها عبر المنظمات الدولية الاخرى. اي ان هناك تقارير مقابلة للتقرير السعودي الرسمي حول تقييم حالة حقوق الانسان في المهلكة ومدى التزام الرياض بها.

لقد تقدمت الرياض بتقريرها الذي يوضح التزامها بالمواثيق الدولية في هذا الشأن، ووضعت جرداً بما نفذته من توصيات كان المجلس قد تقدّم بها عام ٢٠٠٩ في المراجعة الأولى.

وفي المقابل، وكإجراء ضروري، فإن عدداً من المنظمات الحقوقية الأهلية تقدمت بتقارير مقابلة، قبل مراجعة الملف السعودي، أكثرها تمّ عبر منظمات أخرى. من التقارير التي قدمت اواخر سبتمبر الماضي، تقريراً مطولاً من هيومن رايتس ووتش.

لخص التقرير تقييمه  بأن السعودية مستمرة في ممارسة انتهاكات واسعة للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وأن الأكثر عرضة لها هم النساء والفتيات والعمال المهاجرون والأقليات الدينية. أيضاً فإن السعودية مستمرة في اضطهاد النشطاء السياسيين والدينيين بشكل واسع، وقدم التقرير عرضاً للإنتهاكات بين عامي ٢٠٠٨ و ٢٠١٢.

النظام القضائي السعودي من وجهة نظر التقرير الحقوقي ينتهك معظم معايير ومبادئ القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، والمعتقلون يواجهون انتهاكات منهجية في محاكمات غير عادلة ومسيّسة. النقطة المركزية في فساد النظام القضائي السعودية ـ كما يراها التقرير ـ تكمن في غياب تقنين القضاء خاصة في مجال  العقوبات، ما ينتج عنه عدم معرفة المواطنين والمقيمين في السعودية ما هو جريمة وما هو مسموح به، ويمنح القضاة مساحة هائلة لإصدار أحكام اعتباطية. ولاحظ التقرير ان الحكومة السعودية لم تطبق توصيات المراجعة الشاملة عام ٢٠٠٩، فيما يتعلق بتقنين العقوبات وحقوق السجناء وغيرها من القضايا، وفق المعايير الدولية.

ومضى التقرير الى انتقاد المحاكم التي أقامتها السلطات السعودية عام ٢٠٠٨ للمتهمين السياسيين ومعتقلي الرأي، ولكن تحت مسمّى مكافحة الإرهاب، وقال أن المحاكمات فيها لا تمنح المتهمين الحق في محاكمة عادلة. وأكد التقرير أن المعتقلين كانوا عرضة للتعذيب وإساءة المعاملة والتي تم توثيقها. ودعا تقرير هيومن رايتس ووتش مجلس حقوق الإنسان الدولي الى الزام السعودية بالتحقيق في الجرائم التي تقوم بها قوى الأمن، بما فيها التعذيب واساءة المعاملة واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين في المنطقة الشرقية.

فيما يتعلق بحرية التعبير والمعتقد والتجمع، قال التقرير ان الحكومة السعودية لم تطبق توصيات اللجنة الدورية للمراجعة الشاملة السابقة، وقال أنها تمارس تمييزاً منهجياً ضد الأقليات المسلمة من مواطنيها كالشيعة في المنطقة الشرقية والإسماعيليين في نجران. وقال التقرير بان الشيعة يقدرون بنحو ثلاثة ملايين مواطن، وان التمييز بحقهم يؤثر على حريتهم الدينية كما يؤثر على توظيفهم في المؤسسات الرسمية وفي سلك التعليم، واشار الى منع المواطنين الشيعة من تدريس مادة الدين، وأنهم يعانون تمييزاً في القضاء، ومثلهم الإسماعيليون أيضاً.

ولاحظ التقرير انه منذ بداية التظاهرات في المنطقة الشرقية عام ٢٠١١، عمدت السلطات الى استخدام القوة المفرطة بما فيها استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين الشيعة ما ادى الى مقتل ١٢ شخصاً وجرح العشرات، وبناء على هذا نصحت هيومن رايتس ووتش الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بأن تلزم الحكومة السعودية بالتالي:

أن تعلن الحكومة السعودية رفضها لخطاب الكراهية ضد الشيعة والإسماعيليين والأقليات الدينية والأثنية الأخرى؛ وان تؤسس هيئة وطنية لإنهاء التمييز معززة بالسلطة اللازمة لمعالجة ومراجعة سياسات وممارسات التمييز الرسمي؛ إيقاف الرقابة التي تمارسها وزارة الاعلام ووزارة الشؤون الاسلامية فيما يتعلق بالمواد التي يمتلكها وينتجها ويتداولها المواطنون الشيعة والإسماعيليون؛ وإصدار قانون يحمي من سياسات التمييز الحكومية المتعقلة ببناء أماكن العبادة للأقليات الدينية، والسماح لها بتعليم أبنائها عقائدها الدينية دونما تهديد؛ وضع وتطبيق قانون لعمل منظمات المجتمع المدني قانونيا بدون تدخل السلطات.

وفيما يتعلق بحقوق المرأة في السعودية، فإن التقرير لاحظ ان الرياض وافقت في المراجعة الدورية السابقة على التوصيات 18، 19، 20، التي قدمها مجلس حقوق الإنسان لتطوير وضع المرأة، لكن القليل منها قد طبق، بما فيها فشلها في ضمان إنهاء العنف ضد المرأة وتغيير القوانين المؤدية الى ذلك. واوصى التقرير بأن تُلزم الحكومة السعودية بالغاء نظام (ولي الأمر) الذي يعيق المرأة من ان تكون فاعلة ذات شخصية مستقلة.

وفيما يتعلق بالعمالة المهاجرة والتي يزيد عددها على التسعة ملايين، أوصى تقرير هيومن رايتس ووتش الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان الدولي بأن تضغط على الحكومة السعودية من أجل الغاء نظام الكفيل؛ والغاء اجراءات فيزا الخروج؛ وتمديد الحماية للعاملين في حقل الزراعة وخدم المنازل، والتعاون مع الدولة المصدرة للعمالة لمراقبة اوضاع العمال وتحصيل حقوقهم، وخلق ملاجئ للعمال والخدم تقدم لهم الرعاية القانونية والصحية والتحقيق في مزاعم التعذيب التي يتعرض لها هؤلاء على يد موظفيهم او غيرهم ومحاسبتهم.

بالطبع هناك تقارير أخرى تقدمها منظمات عربية ودولية تقابل التقرير الرسمي وتفضح ممارسات انتهاكات الرياض لحقوق مواطنيها الأولية. ولكن السؤال: الى أي حد ستستجيب الدول في المجلس لتوصيات تلك المنظمات، وما هو المدى الذي ستذهب اليه في الضغط على الحكومة السعودية لتستجيب لتلك التوصيات؟

الصفحة السابقة