قراءة أطراف الصراع القطري السعودي

اتفاق على المبادئ واختلاف حول الوقائع!

محمد شمس

هنا قراءة ما صدر إعلامياً عن الجانبين القطري من جهة، والسعودي/ الاماراتي/ البحريني من جهة أخرى، فيما يتعلق بمزاعم الإتفاق السعودي القطري، ومناقشة مقولة ان قطر قد خضعت للرياض بشكل مذلّ، وذلك في الإجتماع الذي عقد في قاعدة عسكرية خارج الرياض لوزراء خارجية دول مجلس التعاون.

القراءة القطرية

في موقع (العربي الجديد) المموّل قطرياً وبإدارة النائب السابق في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة، نشر مقال في 19 إبريل الماضي بعنوان: (لا تنازلات من أي طرف في اتفاق المصالحة الخليجية)، نفى فيه بصورة قاطعة تطرّق اجتماع الرياض للمسألة المصرية، وأنها لم تكن مطروحة للنقاش. وبحسب مصادر الموقع: فإن موضوع مصر لم يناقشه أحد، ولم يطالب به أحد من أطراف الإتفاق الذي جرى من خلاله التوصل لآليات تتعلق بالمستقبل، وليس بالماضي.

يأتي كلام الموقع الالكتروني للرد على «ما يروج عن إغلاق قناة الجزيرة أو المس باستقلاليتها، وإغلاق مراكز أبحاث وغير ذلك»، حيث ثبت بأن «كله كلام لا أساس له». وأن الموضوع الرئيسي هو «التعامل من منطلق ميثاق مجلس التعاون في عدم مس أي دولة من دول المجلس بأمن أي دولة أخرى وسيادتها». وبالتالي، لا تغيير في خطاب الجزيرة في تغطيتها للموضوع المصري، ولا إبعاد لسياسيين وشخصيات يقيمون في قطر.

وفي مقالة للكاتب والاكاديمي القطري من أصل سعودي محمد صالح المسفر بعنوان (وزاري «التعاون» في قاعدة عسكرية) في موقع (العربي الجديد) في 20 إبريل الماضي، تساءل المسفر عن سبب الاجتماع في القاعدة الجوية في مطار الرياض، ولم يتم في مقر الامانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، أو في مقر وزارة خارجية الدولة المضيفة، أو لماذا لم يتم في دولة الكويت، باعتبارها الوسيط في الخلاف بين قطر وشقيقاتها الثلاث.

المسفر لم يشأ التوقّف عند مكان انعقاد الاجتماع رغم الاسئلة المشروعة والكبيرة التي طرحها حول المكان، خصوصاً وأن الأطراف المجتمعة ليست في حال حرب حتى يتطلب اجتماعاً في مكان ذي طبيعة عسكرية. ولكنه توقف مليّاً في ألفاظ البيان الصادر عن الاجتماع من قبيل عبارة «التزام حرفي باتفاق الرياض»، وتساءل: «فهل يعني اتفاق الرياض القبول والتوقيع على الاتفاقية الأمنية والالتزام بها؟ في هذا المجال، وقعت كل دول مجلس التعاون على تلك الاتفاقية، إلا أن لبعضها تحفظات على بعض بنودها، وهذا طبيعي، وإذا كان هناك اتفاق آخر، فلماذا لا ينشر في وسائل الإعلام، كما هي الاتفاقية الأمنية نفسها، والتي تعد أهم اتفاق بين القيادات السياسية الخليجية».

في ضوء ما سبق، توقف المسفر عند احدى نقاط البيان الصادر عن اجتماع الرياض مثل «تتوقف دول المجلس عن احتضان وتجنيس المعارضات الخليجية»، ورجّح خيار عدم امتناع دول المجلس «عن احتضان بعض أفراد المعارضات الخليجية وتجنيسهم، بدلا من انتقالهم إلى دول أوروبية، لأن تلك الدول تؤمن بحرية الرأي، وتمنح الاطراف المعارضة حق اللجوء السياسي، وتسهل عقد مؤتمرات لمعارضين لهذا النظام أو ذاك»، بمعنى آخر، أن يبقى المعارضون داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي على أساس أن دوله لا تمنح حرية الرأي أو حق اللجوء السياسي، ولا تقدّم تسهيلات لعقد مؤتمرات وتجمّعات، كما هو حال معارضين خليجيين يعيشون في قطر بمن فيهم المسفر نفسه، الذي يحمل رأياً مخالفاً للنظام السعودي، ولكنه آثر البقاء في قطر والحصول على جنسيتها والعمل فيها. وضرب مثلاً بالمعارضة البحرينية التي تنشط في بريطانيا، وقبل ذلك المعارضة الايرانية بقيادة الخميني حين كانت في العراق قبل ان تنتقل الى فرنسا، والمعارضة العراقية في الخارج وتأليبها الرأي العام الدولي ضد نظام صدام حسين.. على أية حال، تبدو دعوة المسفر غير متوازنة رغم أنها تلبي حاجة خاصة.

توقف المسفر أيضاً عند عبارة «التوقف عن دعم الحوثيين»، وحاول أن يقذف بالتهمة بعيداً، أي الى ايران، وتساءل (إذا كان المقصود إيران فما شأنها بـ «بيان الرياض»)؟ في حقيقة الأمر، أن العبارة موجّهة لقطر، التي تتهمها السعودية والامارات والبحرين بدعم الحوثيين في مواجهة حلفاء السعودية في اليمن.

وفي تواصل مع قراءة البيان الصادر عن اجتماع الرياض، توقف المسفر عند مطالبة السعودية والامارات والبحرين بوقف بث قناة (الجزيرة) وتعرّضها لمصر، وقال: (هناك أكثر من وسيلة إعلام لدول خليجية في الشتات تعمل على تحريض الرأي العالم العربي والدولي على قطر، فلماذا تغضب بعض دول مجلس التعاون عندما تتناول «الجزيرة» أخبار مصر بموضوعية؟ أليس من حق قطر ممارسة حرية الإعلام في الشأن العربي؟ وهل المطلوب من قطر ان تكون نسخةً طبق الأصل لوسائل إعلام خليجية؟).

وتساءل: (يا سادة الخليج: هناك أكثر من ثلاثين وسيلة إعلام مرئية ومسموعة موجهة ضد دولة قطر، فهل أسكتّموها كما تحاولون إسكات «الجزيرة»؟).

في مقالة أخرى لرئيس تحرير صحيفة (الراية) القطرية صالح الكواري في 21 إبريل الماضي بعنوان (قطر.. تسامح وثبات على المبادئ والمواقف) أكّد على أن بيان الرياض لم يكن موجّهاً لقطر وحدها بل «أن كل دول مجلس التعاون معنية بتنفيذه وملزمة بما جاء فيه».

مقالة الكواري تأتي، حسب ما جاء في سياقها العام وفحوى عباراتها، للرد على انتشار الكثير من الشائعات والأخبار المفبركة والمضروبة التي تدّعي حسب قوله «أن قطر قدمت تنازلات لطي صفحة الخلاف في وجهات النظر مع شقيقاتها.. أو الإيهام بأنه تم منحها مهلة لمدة شهرين لتأكيد التزامها وحسن نيتها..».

نفى الكواري كل ما قيل عن تنازلات قطرية أو عن مواقيت محددة لتنفيذ بنود الاتفاق، وقال لكل من يروج لتلك الشائعات «قد خاب فألكم وخسر رهانكم..». وأكّد على «أن تعامل قطر مع الأزمة الطارئة مع شقيقاتها.. كان تعاملاً صائباً وحكيماً وراقياً لأبعد الحدود..). ونفى أن يكون اجتماع الرياض قد تطرّق الى ملف مصر وأكّد (أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون لم يتطرقوا لهذا الملف في اجتماعهم الأخير ولم يطرحوه البتة للمناقشة ضمن أجندة اجتماعهم). وقال بأن قطر ليست مع الاخوان أو مع أية فئة أو جماعة ضد أخرى، وأن الاخوان متواجدون في منطقة الخليج منذ عشرينيات القرن الماضي، وقال بأن (قطر مع الشعوب المقهورة والمضطهدة والمغلوبة على أمرها..).

القراءة السعودية الإماراتية

وحدها صحيفة (العرب) اللندنية المموّلة من الامارات والسعودية والتي تعكس توجهات نظام آل سعود ووزارة الداخلية على وجه التحديد، انفردت بأخبار عن ضغوط خليجية على قطر في اجتماع الرياض، ونقلت عن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة قوله بأن عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر مرتبطة بتطبيق اشتراطات مؤتمر الرياض.

وأوردت الصحيفة في 25 إبريل الماضي خبراً عن الوزير البحريني بأنه أحبط المساعي القطرية لنفي وجود أي تنازلات تمّ الاتفاق عليها خلال توقيع قطر على آلية تنفيذ وثيقة الرياض التي تلزم الدوحة بتعديل سياساتها المؤيدة للإخوان المسلمين والمعيقة للاندماج ضمن موقف خليجي موحد. وقالت الصحيفة بأن الدوحة تسابق الزمن للتخلص من الإخوان المصريين الموجودين على أراضيها حتى لا تجبر على تسليمهم للقاهرة، وأول الخطوات إرسال دفعة منهم عبر تركيا إلى ليبيا التي تعيش أوضاعا مضطربة ما يسهل على الإخوان الاختباء فيها.

وكان وزير الخارجية البحريني أكّد خلال افتتاح مؤتمر دول مجلس التعاون في المنامة بأن «مسألة الحديث عن عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة مرتبطة بتطبيق اشتراطات مؤتمر الرياض، حيث تم منح الدوحة فترة زمنية لتطبيقها». ونقلت الصحيفة عن مصادرها ان اللجنة الخليجية تعقد اجتماعات مكثّفة من أجل عرض نقاط الاتفاق علىى وزراء الخارجية قبل أن تعمل قطر على تنفيذها «وستكون تحت مجهر اللجنة خلال شهر مايو وإلى أجل يستمر قرابة الثلاثة أشهر». وهذا ما تنفيه قطر جملة وتفصيلاً.

وتحدثت الصحيفة عن نقاط اعتبرتها جزءً من التعهد القطري يقوم على «تسليم عناصر الإخوان المقيمين في قطر إلى دولهم، خاصة مصر حيث يقيم في الدوحة عدد من الأعضاء الهاربين من القضاء المصري وأبرزهم طارق الزمر» وأيضاً «التزام قطر بتعديل سياسة شبكة قنوات الجزيرة وإبداء حسن التعامل مع الشؤون العربية، ووفقا لما تقتضيه المواقف الخليجية المشتركة». وهذه الشروط نفت قطر ورودها في البيان الصادر عن اجتماع الرياض.

وتمادت الصحيفة في الحديث عن استجابة قطر للشروط الخليجية ومن بينها أن طائرات مدنية وعسكرية قطرية هبطت في مطار «معيتيقة» بالعاصمة الليبية طرابلس، وتقل على متنها قادة الصف الأوّل والثاني لجماعة الإخوان المسلمين الذين قررت الدوحة إخراجهم من أراضيها.

صحيفة العرب سعت الى تحقيق ما تعتقده سبقاً صحافياً ولكنها تعرّضت لهزّة عنيفة في مصداقيتها، حيث نفت السلطات السعودية في 29 إبريل الماضي الأنباء التي نشرتها صحيفة «العرب» ونسبتها لوزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل حول تفاصيل ومعلومات وقعت داخل اجتماعات وزراء الخارجية بدول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب معلومات حول اتفاق «الرياض.”

وجاء في تقرير نشر على وكالة الأنباء السعودية الرسمية «صرح مصدر مسؤول بوزارة الخارجية بأن ما نشرته صحيفة العرب اللندنية بتاريخ 27/4/ 2014، تضمن تصريحات منسوبة لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية لم يدل بها».

وجاء في التقرير أن المصدر الذي لم يُذكر اسمه أكد على «احتفاظ وزارة الخارجية بالحق في اتخاذ الإجراءات النظامية حيال ذلك».

وباسلوب يتّسم بالخفة وعدم المهنيّة ورغبة في الشهرة والانتشار ردّت الصحيفة على تصريح الخارجية السعودية في اليوم التالي، وأكدت صحة ما نشرته «حول التنفيذ القطري للالتزامات التي تضمنتها آلية تنفيذ وثيقة الرياض». وأكّدت بأنها «استقت معلومات خبرها المذكور من عدة مصادر موثوق بها، ولم تأخذه مباشرة من الأمير سعود الفيصل، كما أشار المصدر السعودي»، والحال، أن الصحيفة نسبت الخبر بكل تفاصيله الى سعود الفيصل وإن ارجعته الى ما أسمته «مصادر موثوق بها».



الصفحة السابقة