مملكة قطع الرؤوس، والفائض للتصدير!

محمد السباعي

عبثاً تحاول حكومة الأمراء إبعاد نفسها عن منتجها (القاعدة وداعش) وكافة التنظيمات السلفية التكفيرية المتطرّفة.

عبثاً هو الزعم بأن الحكومة السعودية تحارب الإرهاب، فالمواطنون أنفسهم، بمن فيهم الكتّاب والصحفيون وأصحاب الرأي والناشطون الحقوقيون والسياسيون، غير مقتنعين بمزاعم الحكومة.

التكفير والقتل الداعشي والقاعدي هو منتج سعودي بامتياز حتى ولو غضبت حكومة الرياض، وحتى لو أعلنت براءتها من منتجها ووليدها المشوّه، وحتى لو أعلنت الحرب على جزء من ذلك المُنتَج، وصوّرت نفسها ضحيّة للإرهاب القاعدي، فيما تستخدمه في دول اخرى.

فكر القاعدة وداعش هو فكر الوهابية في أصوله (الصافية) واعضاء هذه الحركات أكثر أمانة على النص التكفيري من المؤسسة الدينية الوهابية المدجّنة سياسياً ودينياً لتعمل لصالح الأمراء. ومرجعية كل الأجنحة السلفية المتطرفة والقاعدية والداعشية هي السعودية ومشايخها، والأموال التي تتغذّى عليها القاعدة هي أموال سعودية، والعنصر البشري الأكثر فاعلية في تنظيمات قطع الرؤوس جاءت من السعودية، فكيف تعلن البراءة من هذا المنتج؟!

هذا المنتج لم يهبط على السعودية من السماء، ولا استوردته من دول عربية واسلامية ابتليت بالوهابية ومنتجاتها التكفيرية والعنفية، بل هو مستوطن داخل السعودية. هو صنيعة المناهج التعليمية التي تكفر حتى المواطنين، وهو صنيعة خطب وتحريض المشايخ الوهابيين الرسميين وغير الرسميين؛ كما أنه منتج للإعلام الطائفي السعودي، ومنتج السياسة الطائفية داخل الوطن المُسعوَد والتي ينتهجها الأمراء.

فهل إعلان البراءة كافٍ، ونحن نعلم سياسة النفاق السعودي ذات الأوجه المتعددة؟

محمد البرّاك استاذ متخرج من جامعات السعودية، وحصل منها على الدكتوراة في الشريعة، وهو الآن يدرّس في جامعة أم القرى، هو مجرد نموذج داعشي صغير، دعا الى حزّ رأسي المفكر والكاتب محمد علي المحمود، والصحفي يوسف أبا الخيل، وذلك في تغريدة له على تويتر، حيث قال: (لو كان كاتبا جريدة الرياض أبا الخيل والمحمود في زمن الخليفة المهدي رحمه الله والمعروف بقتله للزنادقة لحزّ رأسيهما) في دعوة واضحة، تقوم مقام الفتوى، بجزّ رؤوس المخالفين داخل المهلكة السعودية نفسها. وحين وضع بعض المغردين هاشتاقاً لمناقشة مواقفه، كرر رأيه في مخالفيه في أبيات شعرية: فالعدو ماكر، ولا يجب الخشية من كثرة الأعداء او المخالفين فهم هَمَج الورى، بل هم مجرد ذباب، فهل تخاف من الذباب؟ كما يقول. وعاد في تغريدة له فوصف خصومه بأنهم (جالية ليبرالية) أي ان لا حق لهم في المواطنة في الأساس: (أقولها بكل صراحة، بعض أفراد الجالية الليبرالية يستحقّون جزّ الرؤوس بعد محاكمتهم واستتابتهم).

والمحمود مفكر سعودي، له كتابات معمّقة في تحليل ظاهرة (الوهابية والعنف) او ما يسميها السلفية التقليدية، وهو ناقد متمكّن في هذا الأمر؛ ومثله الصحافي والكاتب أبا الخيل، ما دفع التيار السلفي المتطرف الى تكفيرهما والتحريض عليهما، رغم أنهما ضمن المدرسة الاسلامية العامة الملتزمة.

المفكر محمد علي المحمود ردّ: (لم ولن أهادن هذا الفكر السلفي التكفيري الإرهابي حتى آخر نفس في حياتي ولن أتوقف ولو دفعتُ روحي ثمناً). لكنه رأى عدم رفع دعوى على من كفّره ودعا لقتله، فهذا ليس ضعفاً او مهادنة؛ بل هو استدراج للمتطرفين لينشروا غسيلهم: (امنحوا المتطرفين مساحة أكبر من حرية التعبير. لا تُخوّفوهم بأيّ شيء. دَعوهم يتكلّمون بصراحة عن عقائدهم)، يقول المحمود. وتساءل عما اذا كانت دعوة البرّاك بجزّ الرؤوس جزءً من مخطط التنظيم الداعشي لاغتيال شخصيات مدنية داخل البلاد.

ومن جانبه، فإن الكاتب والصحفي يوسف ابا الخيل علّق على دعوة القتل: (ما أكثر الدواعش بيننا، وما أشدّ غفلتنا عنهم. إذ هم يخرقون السفينة ونحن نيام). واستغرب: (الدواعش يمسك أحدهم رأس المقتول باليد اليسرى، ويرفع سبّابة اليد اليمنى، شكراً وذِكْراً لله عزّ عنهم! أي دينٍ هذا الذي يدّعون وصلاً به؟). ورأى ابا الخيل ان الأمور تتطور الى الأسوأ: (فمعيار إن لم تَكُنْ معي فانتَ ضدّي، تحوّل مع فكر الإستدْعاش الذي يعيش بيننا، ونتنفسه آناء الليل وأطراف النهار، الى معيار: إنْ لم تكن معي فيجب قتلُكْ). ورأى ان سبب دعوات قتله هو أن الغلاة (لا يريدون للصوت الوسطي ان يرتفع)، ووجد أن لا فرق بين من (يفجّرون المستشفيات في اليمن، ومَنْ يخطفون البنات في نيجيريا وبيعهنّ سبايا، وبين من يدعو الى حزّ رؤوس المخالفين. فالمشْرَبُ واحد). انه المشرب الوهابي بالطبع!

تضامن مع المحمود وأبا الخيل جملة من الصحفيين وأصحاب الرأي والناشطين، فيما لزم التيار السلفي المنغلق والتكفيري، وكلّه كذلك، سواء كان رسميا او غير رسمي، لزم الصمت في معظمه، وبادر القسم الآخر الى دعم التكفيري البرّاك في هاشتاق خاص يطالب بمحاكمة الكاتبين اللذين آذيا السلفية المتطرفة في أبحاثهما وكتاباتهما.

أما السلطة السياسية لآل سعود، والتي تتغذّى على الخلافات المجتمعية وتحريض فئات من المجتمع على أخرى، على أسس طائفية ومناطقية وقبلية، فلزمت الصمت، ورفضت حتى الآن الدعوات المتتالية من قبل اصحاب الرأي والكتاب والصحفيين والناشطين الى وضع قانون يجرّم التحريض على الكراهية او العنف. ويبدو ان حكومة الأمراء قد اكتفت بتجريم من ينتقدها ومصادرة حريته لسنين طويلة في السجن.

صالح الصعقبي رأى وجوب (إبعاد تلك العقول المسكونة بالدم والعنف عن المؤسسات التعليمية، إن كنّا صادقين في حماية المجتمع)؛ والصحفي قينان الغامدي علق: (داعش تربّت في مثل هذه المحاضن المتطرف ولا حول ولا قوة إلا بالله). لكن من سمح بتربيتها ولازال يحث الخطى في انتاج الداعشيين والقاعدين والتكفيريين والقتلة؟ اليست جامعات النظام ومؤسساته وإعلامه وأمواله وسياساته التمزيقية؟

الصحفية حليمة مظفّر رأت ان (تجفيف منابع الإرهاب يبدأ بوضع أمثال هذا البرّاك خلف القضبان. حينها لن نجد كل فترة وأخرى خبراً عن خليّة إرهابية). والصحفي عبدالله الكويليت تساءل عن الضحيّة غداً بعد ان تعالت صرخات قتل المثقفين: (الإرهاب يكشّر عن أنيابه دون خوف). وتساءل: متى توجد قوانين تُجرّم الكراهية. هل ننتظر حرباً أهليّة ليتحرّك صانع القرار؟!

لا ننس ان صاحب القرار في تحالف قويّ مع هؤلاء الدواعش والقواعد والتكفيريين. انه يخشى السقوط من العرش. اما ان يتمزّق البلد ويقاتل بعضه بعضاً فأهون من السقوط!

بيد أن الصحفي جبرين علي الجبرين، رأى بمطالب جزّ الرؤوس: (مقياساً دقيقاً لمقدار نجاحنا في محاربة الإرهاب الفكري. ما رأي وزارة التعليم العالي؟). في اشارة الى ان البراك يعمل لديها مدرساً في الجامعة! وأما الصحفي خلف الحربي فكتب عن الموضوع مقالاً في عكاظ تحت عنوان: (دكتوراة في حزّ الرؤوس)! ليسخر: (ما أحلانا ونحن نستمتع بحرية التعبير وقد حُزّت رؤوسنا)، مذكرا بأن هذا الدكتور يذهب يوميا الى جامعته الإسلامية ليعلم الأجيال بأن هذا هو الإسلام وما عداه كفر يستلزم شحذ السيوف وحزّ الرؤوس.

ويواصل الصحفيون والكتاب نقدهم، فهذا الأكاديمي الطريقي يقول: (البرّاك وأمثاله يعلّمون أولادنا وبناتنا؟ أهذا الفكر الخبيث يُعلِّمْ؟. أهذا الفكر يُربّي؟) (كيف يُترك بيننا من هذا فكره؟ هذا وحدهُ كفيلٌ بإفساد جيل).

بالطبع فإن للدواعش انصار بين أتباع المذهب الرسمي المفروض على المواطنين، رغم أقليته، ولكنه سلطان القوّة.

داعشي يريد الجنّة اسمه فوزان الفوزان يسأل الشيخ محمد البرّاك عن صور المحمود وأبا الخيل وأماكن عملهم (فقط لإقامة العدل في هذه البلاد يوم أن عجز الحاكم) أي لكي يقتلهما! وآخر يطالب بصلبهم وتقطيع أيديهم وأرجهلهم! ولا يحتاج الأمر الى محاكمة شخصين من داخل السلك المتديّن! وهذا فرّاج الصهيبي المقدّم في قناة وصال الداعشية الطائفية المدعومة من الأمراء (عبدالعزيز بن فهد مثلاً) يطالب بمحاكمة مخالفيه في الرأي ويتهمهم بما ليس فيهم دون حسيب. وما اكثر الدواعش، فهذا أخوكم عبدالرحمن يرى أن لا حل مع المخالفين إلا (جزّ رؤوسهم بل وسحلهم بالشارع). والشيخ الشَّنَار يعتقد بأن القضاء ربما أمر بجزّ الرؤوس! ونحن مع الشنار في توقعه، فالقضاء ايضاً مصادر سياسياً من آل سعود، ودينياً من مشايخ الدواعش والقواعد، كان وسيبقى الى أن يشاء الله غير ذلك.

حقوقيون نددوا بالشنار، فكان هذا رأيهم:

وليد سليس استغرب وتعجب من صمت الحكومة عن دعوات العنف والعنصرية؛ والناشطة عزيزة اليوسف تسأل الى متى تستمر دعوات القتل التي تنمّ عن تخلّف وعدم فهم للدين؛ والمحامي الحقوقي عبدالرحمن اللاحم رأى ان تغريدة البرّاك تنطوي على سبّ وتكفير وتعدّ جريمة الكترونية بعرف السلطات السعودية، ولكنها لا تفعل شيئاً لأن الكلام لم يوجه للأمراء المؤمنين والأميرات المؤمنات! وتكمل الناشطة سُعاد الشمّري: (البرّاك ورَبْعَهْ مُخرجٌ طبيعيٌّ لدولةٍ سلّمتهم حياتنا. الحكومة وحتى الآن لا تجرؤ على سنّ قانون يجرّم خطاب الكراهية).

المغرد ماجد يرى أن (داعش ليست خارج السياق الممنهج، بل هي ثمرة ونتيجة طبيعية للفكر التكفيري، هي استمرار وليست انبثاق)، ونور تقول ان ثقافة جزّ الرؤوس ليست جديدة وانها سبب تفريخ القاعدة وتوابعها؛ فالقتل لديهم كشرب كأس ماء بارد في صيف حار، والدماء أرخص من ماء المجاري! والشاخوري يرى أن الكلمة مقابل السيف ولكنها أقوى منه. ورأى محمد الحمزة ان تأصيل ثقافة القتل تمثل تردياً اخلاقياً، وإفلاساً علمياً، وانهزاماً ثقافياً؛ لكن الأطرف هو تعليق المغرد سامي: (قلنا لكم: داعش في الأساس هي ابنتهم اللي مشْ راضين يعترفوا بيها).

(٢٧) عبدالعزيز العسيري يبلغنا بأن (الإنسان يُولد جاهلاً، والتعليم السعودي يجعله غبيّاً؛ ثم تجعله الوهابية مجرماً الى جانب كونه جاهلاً غبياً)؛ ليخلص الى أن (القتل أقوى دليل يُقدّمه الوهابي لإثبات صحّة معتقده وبطلان معتقد مُخالِفه). وتُعلّق الشيخة سارة على عدم رفع دعوى قضائية على البراك بسخرية: (القضاء لدينا ولله الحمد على منهج سماحة الوالد البرّاك؛ ومعظم القضاة هم تلاميذ الشيخ، ومن هم على منهج الفرقة الناجية). في حين علقت المغردة وداد منصور: (دكتور جامعة، وهذا أسلوبه! ويزعلون إذا قال عنهم أحدٌ ما أنهم سهلي الإستحمار). وزميلتها المغردة ملاك تقول عن البراك انه داعشي أكاديمي، فحتى الدواعش لهم رُتَبٌ ومناصبٌ وألقاب! وتضيف بأن البرّاك استخدم نفس كلمة الدواعش، ولو اتسع له المجال بأكثر من ١٤٠ حرفاً في تويتر، لأكمل: ويلعبون برأسيهما الكرة. بعد الجزّ طبعاً!

ورأى المغرّد ظافر الشهري بـأن (فكر المحمود وأمثاله يمثل سياجاً منيعاً لوجودنا، وإلا لقُصفنا ودُكّتْ مدننا كما حدث لمدينة أحلامهم قندهار). وتساءل مغرد: (هل البرّاك يتحدّث من المملكة أم من إمارة الرقّة؟). ورأى ثامر أن (مَنْ يدافع عن عقيدته بحزّ الرؤوس، فلا بدّ أن تكون عقيدته مُعتَلّةْ). ومحمد الملحم يرى جزّ الرؤوس من افكار الفرقة الوهابية المارقة من الدين، وهي صفة الخوارج.

وأخيراً فإن شرّ البليّة ما يُضحك: فبعد أن غرّد محمد البرّاك بقتل الزنادقة وحزّ رؤوسهم، يأتينا بعد ساعة وثلث ليوصينا في تغريدة بالإلتزام بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (إيّاكم والغلو في الدين) وليحذرنا من الجهل والحماس وتزكية النفس وسوء الظن بالآخر لأنها مصدر الغلو.

فعلاً المجنون لا يعلم أنه مجنون!

الصفحة السابقة