في جلسة الاستماع بإدارة لجنة الحرية الدينية الدولية في الكونغرس:

السعودية تبشّر بالكراهية الدينية محلياً وعالمياً

عقدت اللجنة الخاصة بالحرية الدينية الدولية جلسة إستماع بواشنطن في الثامن عشر من نوفمبر تحت عنوان: (هل تمثل السعودية تهديداً إستراتيجياً: التبشير العالمي بالتشدد)، بإدارة كل من مايكل يونج، رئيس اللجنة، ونينا شيا، نائب الرئيس ومدير مركز الحرية الدينية لدار الحرية، وخالد الفضل الاستاذ الزائر للقانون في جامعة ييل، وريتشارد لاند رئيس لجنة (سي إي أو) للحرية الدينية، والبروفسور بريتا بانسال الاستاذ الزائر في كلية جون كينيدي في جامعة هارفارد، والسيدة باتي شانج رئيسة سي إي أو لمؤسسة المرأة في كاليفورنيا. كما شارك في الجلسة عدد من الباحثين والخبراء، ومن السعودية شاركت الدكتورة مي يماني.

من الجدير ذكره، أن اللجنة الخاصة بالحرية الدينية الدولية تأسست من قبل الكونجرس لغرض تقديم توصيات للرئيس الأميركي، ولوزير الخارجية، وللكونجرس بخصوص الطرق التي يمكن للسياسة الأميركية أن تكون عليها بصورة فاعلة من أجل تطوير الاحترام في الخارج للحرية الدينية والاعتقاد المعترف بهما دولياً. وهذه الهيئة تعتبر مؤسسة مستقلة ومنفصلة عن السلطة التنفيذية والكونجرس، ويتم تعيين أعضاء اللجنة من قبل الرئيس وقيادة الكونجرس الممثلة من الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي.

في كلمته الافتتاحية قال رئيس اللجنة بأن ليس هناك حرية دينية في السعودية، كما ذكرت ذلك تقارير اللجنة ووزارة الخارجية في مناسبات مختلفة. إن الحكومة السعودية تقوم بفرض حدود صارمة وربما تامة من أجل قصر الممارسة العلنية للتعبير الديني على، ما يعرف في الغرب، الوهابية. ونتيجة لذلك، فإن السنّة من غير الوهابيين، والشيعة، والصوفية والجماعات الاسلامية الاخرى، وهكذا أكثر من مليوني مسيحي، وهندوسي وآخرين من غير المسلمين من العمال الاجانب الذين لا يعتنقون التفسير الديني الحكومي، يتعرضون لانتهاكات صارخة في مجال الحرية الدينية. إن جوهر هذه السياسة الصارمة على الحرية الدينية يكمن في نظام التعليم، الذي يحتوي على مواد هجومية وتمييزية في المنهج الديني، ويتم تدريسها بصورة إلزامية في المدارس الحكومية.

وأضاف: لقد كرّست اللجنة قدراً كبيراً من الاهتمام للسعودية قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث توصلت اللجنة الى أن ثمة قضية نابعة مباشرة من السياسات المتشددة والقمعية داخل البلاد. فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان هناك عدد متزايد من التقارير تفيد بأن المساعدات التي تقدّمها الحكومة السعودية كانت تستعمل لتمويل مدارس دينية ونشاطات أخرى تقوم بنشر الكراهية، وعدم التسامح، وفي بعض الاحيان العنف، الذي تقوم به جماعات دينية مسلحة ومتطرفة في عديد من مناطق العالم.

وتابع رئيس اللجنة: تثير هذه التقارير أسئلة مزعجة حول دور الحكومة السعودية في التبشير العالمي بأيديولوجية غير متوافقة مع الحرب على الارهاب والضمانات المعترف بها دولياً حول حق حرية الدين والاعتقاد. إن الظروف السائدة في السعودية وهكذا إمكانية أن تكون الحكومة السعودية قد لعبت دوراً في نشر الكراهية وعدم التسامح ضد المسلمين وغير المسملين لها دلالات قوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. ولسوء الحظ، فإن تشجيع حقوق الانسان، بما يشمل الحرية الدينية لم تكن ميزة عامة في العلاقات السعودية الأميركية، وقد أوصت اللجنة بأنه يجب أن يكون لهذة الميزة وجود في العلاقات بين البلدين.

على صعيد آخر.. أوضح خلال جلسة الإستماع عدد من الباحثين والخبراء في مجال حقوق الانسان والقانون آراءهم في هذا المجال، وكانت من بينهم الدكتورة مي يماني، عضو المعهد الملكي للشؤون الدولية وإستاذة القانون في جامعة لندن. إستلهاماً من عنوان الجلسة (التبشير العالمي بالتشدد ـ أوعدم التسامح) أثارت الدكتورة يماني سؤالاً افتتاحياً: هل السعودية بريئة أم مذنبة؟ لتبدأ في سرد تجربتها الذاتية من أجل تشكيل رؤية حول السؤال المطروح. وفيما يلي نص الكلمة:

وُلِدتُ كمواطنة سعودية، ولكنني تلقيت تعليمي في سويسرا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وكنت محاضرة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ونشأت بعقلية منفتحة، تحترم القوانين والعادات في الدولة السعودية، بما يشمل الرقابة، والحجاب، والنظام الأبوي الاضطهادي. لقد قبلت بكل ذلك، الى أن بلغت هذه القوانين والعادات حد التهديد بإسكاتي.

إن هذه التهديدات لم تأت في الصف المدرسي في جدة أو الرياض أو أي مكان آخر داخل حدود المملكة، ولكنها جاءت في لندن قبل ثلاث سنوات من قبل مسؤولين سعوديين في شكل رسالة من وزير الداخلية. وقد تم إبلاغي بعدم الكشف عن محتويات الرسالة أو مصدرها لأي جهة كانت، وهذه تعتبر تكتيكات تقليدية في التهديد. وكان الطلب الرسمي هو: التوقف الفوري عن الكتابة والتصريحات الكلامية حول السعودية، وأن أعتبر نفسي محظوظة كوني لم أُعتقل قبل نحو خمس سنوات على الأقل.

ومن أجل وضع ذلك كله في سياقه يمكنني القول، إنني كباحثة زميلة من المعهد الملكي للشؤون الدولية، وحاملة شهادة من كلية برين ماور، وحائزة على الدكتوراه من جامعة أوكسفورد، قد أٌمرت من قبل مسؤول عال المستوى في المملكة السعودية بإغلاق فمي. وجريمتي هي كتاب (الهويّات المتغيِّرة) وهو عبارة عن مجموعة مقابلات أُجريت مع عدد من الشباب السعوديين الذين تحدثوا عن تطلعاتهم، إحباطاتهم، وآمالهم. وكباحثة أكاديمية وليبرالية، فإنني أعتقد بأن الكتاب يساعد الحكام على فهم رعاياهم الشباب، وهو شيء جوهري إذا ما كانوا جادين في الاصلاحات. إن رد فعلهم يتحدث عن نفسه. والمفارقة هنا أنه في مقابل كتاباتي الليبرالية، التي أثارت غضبهم، تلقى الكتابات الاسلاموية المتشددة، انتشاراً واسعاً ومدعوماً، وهذا جوهر الأزمة السعودية.

إن المسؤول السعودي نفسه الذي أراد مني أن ألوذ بالصمت يدفع الآن باتجاه الاصلاحات واللبرلة. فهذا التحوّل السريع يطال المصداقية الى حدودها القصوى، والحقيقة أن العائلة المالكة لم تبدِ أي ميل نحو إصلاحات جوهرية، ولو كان الأمراء جادين حول الاصلاح لتقرّبوا من الطبقة الوسطى الليبرالية والنخبة الفكرية. ولكنهم إختاروا الا يفعلوا ذلك، ليس لأن الدولة تتبنى المتعصبين، فهؤلاء هم الدولة، وهم منضوون بالكامل في تركيبتها.

وللقيام بتحليل ذلك يمكن القول أن العائلة المالكة عميقة الصلة بالمؤسسة الدينية الوهابية؛ وبصور عديدة فهي حكومة إئتلافية. فالأمراء قد أمدّوا المؤسسة الدينية بالسلطة والمال في مقابل الحصول على المشروعية الدينية. فالمؤسسة الدينية تمسك ببعض أهم مفاصل السلطة مثل: النظام القضائي، ونظام التعليم الديني، ووزارة الشؤون الاسلامية، ووزارة الحج والاوقاف الاسلامية، وكذلك كما هو معروف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بموظفيها المعروفين بالمطوعين، أو الشرطة الدينية. إن هذه الفرقة الحائزة على قوة هائلة تتحكم في تعيين الائمة، الذين يقومون بممارسة التبليغ الديني في 71 ألف مسجد في أرجاء المملكة. وبالرغم من الادعاءات بأن عدة مئات من هؤلاء قد تم إخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل تعليمية، فإن العائلة المالكة غير قادرة على عزلهم من مناصبهم، وهذا يعني من الناحية العملية إنها ببساطة قامت بإعادة تعيينهم.

إن الدولة السعودية تعتمد على التعليم من أجل إعادة إنتاج نفسها، إنها منطقة تعكس ذات التوترات الداخلية وهكذا التحالف السياسي. ففي الوقت الذي كانت فيه البلاد بحاجة ماسَّة للعمالة الماهرة، فإن قسماً رئيسياً من منهج المدارس كان مكرّساً للدراسات الدينية الذي يسلّط الضوء على العقيدة الوهابية. ومن أجل توضيح هذه النقطة يمكن القول بأن بعض التقديرات تفيد بأنه أكثر من 50 بالمئة من المنهج المدرسي مكرّس للتعصب والرؤية الوهابية المشككة حول العالم. دع عنك الجوانب الشكلية حيث يتم تخصيص الكتب المدرسية ذات اللون الأزرق للأولاد فيما يكون اللون الوردي من نصيب البنات، فهذه أدوات سيطرة الدولة. فالموضوعات تدور حول كيف يمكن تفادي تقديس الأولياء في درجاته المختلفة، وحول الذنب، والخوف من النار، وإنكار طرق الكفار، وليس الكفار المقصودين شيئاً آخر غير كل الغربيين. إن الوهابيين يرفضون الشيعة ويعدونهم مشركين، وحتى السُنَّة في مكة المكرمة فإنهم يعاملون بوصفهم منحرفين لأنهم لم يعتنقوا الوهابية، وبخاصة من لديهم ميول صوفية.

إن الكتب المدرسية المتداولة في مراحل التعليم الثانوني والمتوسط تضع حدوداً قاطعة ونهائية بين أهل الصلاح وأولئك الذين إنحرفوا عن الصراط المستقيم. إن واجبات الشباب السعودي تحتويها العبارة التالية: الولاء للنظام والعداء للمشركين، ولذلك يمكن رؤية جهاديين غاضبين يتجهون نحو العراق من أجل قتل جنود قوات التحالف. فتلك العقيدة التي يتَّبعونها والقادمة من قلب الدولة السعودية، قد تغذوا عليها طيلة حياتهم التعليمية. مدفوعون بالبطالة، وعدم الاستقرار السياسي، وانهيار المعدلات المعيشية، فإن هؤلاء الجهاديين يمثلون جنوداً سهلين لابن لادن وقضيته، وهم ـ في الوقت نفسه ـ مستعدون للعمل من أجل الفوز بالجنة.

وبالرغم من هيمنتهم على الحياة السعودية، فإن الوهابيين يمثِّلون أقلية تركت الاقسام الكبرى من المجتمع مهمّشة ومعزولة، بدءا من شيعة المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، والحجازيين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والاسماعليين في نجران، فهؤلاء قد يخفون إستياءات طويلة الأمد نتيجة لهذا الخلل. ولكن الكثيرين سيضعونهم جانباً حينما يتم تقديم تنازلات وإدخال إصلاحات، وهذا يعني بأن العائلة المالكة، بإسمها الذي يدمغ الدولة بقوة، ستشملهم في النظام السياسي والقبول بمعتقداتهم الدينية. إن الفشل في القيام بذلك قد يدفع في أسوأ حال مثل هذه الجماعات للانخراط في أذرعة الجهاديين، وفي أحسن الأحوال يجعلهم يغضون الطرف عن التعصب والعنف في بلادهم.

السعودية بناء على ما سبق هي مذنبة في الترويج للتشدد وعدم التسامح، ولكنني مترددة في الاستسلام حيال موضوع التغيير. إن الاصلاحات إذا ما عنت أي شيء، فإن تدابير عاجلة يجب أن تتم على النحو التالي: إنهاء فوري للتمييز في العمل على أرضية مذهبية، إثنية، أو جنسية (ذكر/أنثى)، وهكذا وقف العمل بالقوانين غير العادلة ضد المرأة، وحرية التعبير، والتعبير الديني، وحق الاجتماع والتشكل. إن هذه النقاط كبيرة وحساسة، ولكن إذا ما استمرت العائلة المالكة في دس رأسها في الرمال، فإنها ستبقى ملاذا لمرتكبي العنف، وقوى التشدد التي تهدد بقاءها.

وببساطة، فإن مجموع الحكام الذين تجاوزت أعمارهم الثمانين عاماً لا يستطيعون فهم شعب يشكل فيه 80 بالمئة من سكانه أقل من نصف أعمارهم، وهذا يمثل فجوة خطيرة في العمر والثقافة. في الحقيقة، إن حكام السعودية أسسوا نظاماً لم يكن أبداً مصمماً للتغيير، فهو قائم، كما كان، على الفساد، والاضطهاد، والدغمائية من أجل تخليد سلطتهم، ولم يتبق سوى وقت قصير من أجل إجراء تعديلات على التصميم الأولي.

وبعد نهاية الجلسة، طرح المشاركون عدداً من الاسئلة حول التدابير الحكومية في موضوع التسامح الديني، والاصلاحات السياسية وتنامي ظاهرة العنف. وذكرت الدكتورة يماني في سياق الاجابة عن سؤال حول الوضع الأمني أن الوضع بات خارج السيطرة، فما يجري يمثل أخطر ازمة أمنية يواجهها الحكام السعوديون منذ تأسيس الدولة.

وتؤكد الدكتورة يماني على أن من يمارس العنف في السعودية أو ما يعرف بالجماعات المنضوية تحت شبكة تنظيم القاعدة هم أقلية تنتشر في البلاد. وفي سياق حديثها عن العلاقة بين الاصلاحات والعنف تقول يماني بأن الحكومة لم تقدّم حتى الآن سوى حلولاً وإجابات أمنية، أي باستعمال القبضة الحديدية كما يطلق عليها الملك فهد، أو تصريحات الأمير نايف، فيما لا توجد إجابات سياسية. وحول الاصلاحات المنتظرة أجابت اليماني: (إن من يقول بأننا يجب أن نرى أمراء ليبراليين كيما نعمل سوياً معهم، يجب أن يدرك بأن في العائلة المالكة أمراء ليبراليين، ومحافظين، ومتطرفين، وكلهم متفقون على شيء واحد مشترك وهو الحفاظ على العائلة المالكة والابقاء على مكانها في العرش. فالعمل مع الجناح الليبرالي في العائلة المالكة يعني بصورة غير مباشرة الاعتراف بالأجنحة الأخرى).

وفي سؤال وجهه بريس بانسال للدكتورة يماني حول قوى الاصلاح العاملة في المملكة وما هي الخطوات الأميركية التي إتخذت من أجل دعم هؤلاء الاصلاحيين، أجابت يماني: (إن أحد التبريرات السائدة هو أننا لن نملك صوتاً، أو صوتاً واحداً لكل رجل في وقت ما، لأنه في حال حدث ذلك فسيكون هناك إسلامويون يسيطرون على السلطة، وهذا ليس بالنسبة للسعودية فحسب، بل وحتى بالنسبة للدول المجاورة التي تلقى دعماً وحماية من قبل الولايات المتحدة، فالخوف يأتي دائماً من نشوء نظام اسلاموي. وبطبيعة الحال، فإن الحديث هنا يدور عن المزوّد الرئيسي للنفط ودولة ذات مساحة ممتدة، وكما يقال في الولايات المتحدة الاعتماد على السعودية. فالأخيرة، بعد زوال طالبان، تمثل اليوم النظام الاسلامي المتشدد أو النظام الذي يشرعن نفسه عبر أو بواسطة نوع محدد من الدوغما الدينية، في حين لا يمكن أن تكون السعودية أكثر تدييناً مما هي عليه الآن. بالطبع، ترون هنا الأمراء الليبراليين الذي يأتون ويتحدثون اللغة الإنجليزية، وهم أنفسهم أعضاء تلك الفئة التي كنتم تتعاملون معها. وما هو البديل؟ إن السبيل الوحيد يكمن في النظر الى الاصلاح المباشر والفوري، أي الاستيعاب، إستيعاب الأكثر ليبرالية، ومباشرة. فهناك كثيرون في البلاد، وهناك أيضاً طرق، وليس فقط الكوة التي تطل منها الحكومة، فالاجراءات المبتسرة والوعود تظل بدون جدول زمني. ماذا يمكن للولايات المتحدة فعله؟ نحن ندرك تماماً بأن هناك ثقة قليلة باستطلاعات الرأي، وهناك ايضاً مشاعر معادية للولايات المتحدة، وعليه فإنكم تقدّمون لنا منتجاً ـ ديمقراطياً ـ ولكن كما تعلمون فإن الناس تقول بأن الشخص الذي يبيعنا غير مقبول لدينا وأننا لا نثق بمنتجه).

الصفحة السابقة