سعودي بدون هويّة وطنيّة

في السبعينيات الميلادية الماضية كتب المرحوم صلاح خلف، المناضل والقيادي الفلسطيني كتاباً بعنوان: (فلسطيني بلا هوية) حكى فيها مذكراته. وأظنّه لو كانَ حيّاً ولم يقتله الصهاينة لأشفق على كثير من العرب وبينهم السعوديين، او المُسَعوَدين، فهناك الملايين لا يمتلكون منزلاً يسكنونه، وملايين أخرى لا وظيفة لها، وملايين تعيش تحت خط الفقر، ومئات الألوف ـ وهنا مربط الفرس ـ بدون هوية، كحال كثير من الفلسطينيين، ويعاملون في وطنهم الذي وُلِدوا فيه وتربوا هم وآباؤهم وأجدادهم، معاملة الأغراب، بلا وظيفة ولا تعليم، ولا ضمان صحي، ولا هوية تمنع من ترحيله حتى! بل حتى الهوية لا تفيد كما حدث لعمر عثمان الذي وجد نفسه في الصومال منذ عام وحتى الآن!

ليست القضية بضعة أشخاص، وإنما حياة مئات الألوف من البشر في جدة ومكة وفي مدن الجنوب وفي الشمال! تتصاغر مشاكل بدون الكويت بل بدون العالم العربي كافة حين تُقارن بمصيبتهم بل مصائبهم دونما أُفق لحل!

هذه حكاية أحدهم: عبدالرحمن الشمراني، توفي والده في الطائف قبل ولادته بثلاثة أيام، وها هو اليوم وبعد عشرين عاماً يطارد المؤسسات الحكومية بين جدة و الرياض لاستخراج هوية دون جدوى. كل ما يتمناه هو ان يكمل دراسته الجامعية، وأن يتوظف وأن يرعى والدته! علق أحدهم على قصته بالقول: (أن يكون سعودي بدون هوية وطنية يعيش منذ ولادته خارج الوطن، فلذلك سبب. لكن ان يكون بيننا، فكلّ الأسباب مرفوضة).

قضية البدون كبيرة، بل هي قنبلة موقوته، في ظل بلد سائب بكل معنى الكلمة، فكم من مواطن سحبت جنسيته او عطلت بلا سبب.

قضية البدون كبيرة، بل هي قنبلة موقوته، في ظل بلد سائب بكل معنى الكلمة، فكم من مواطن سحبت جنسيته او عطلت بلا سبب.

ولزيادة الألم تلك العنصرية البغيضة؛ التي أدّت الى ترحيل مواطن أسمر اللون الى نيجيريا، لمجرد لون بشرته، وقد بقي هناك لثلاثة أسابيع مشرّداً ينام تحت الشجر حتى ان عائلته توقعت انه مات!

لا شك ان بعض القراء يتذكرون اشهر ناشط في العمل الخيري في السعودية وهو عمر عثمان الذي ولد في السعودية لأب سعودي، وإخوته سعوديون، ولديه سجل مدني، وجواز سفر ايضاً. لكن أمراً جاء العام الماضي من وزير الداخلية بترحيله الى الصومال لأن أمه من أصول صومالية! ولازال بعد أربعة عشر شهراً هناك. يا لها من مملكة إنسانية!

عمر عثمان لازال متفائلاً مسلّماً بقضاء الله وقَدَرِهْ، يرى الإبتلاء خير كلُّه. بعد عام من تهجيره قسراً عن بلده ذكّر أصدقاءه والمسؤولين بمقالة عنوانه (لا تخونوا قِيَمَكُم)! لم يخونوا يا عمر، لكن من خان الأمانة والقيم والدين والأخلاق والوطن وبنيه هم أمراء آل سعود!

ل بدّ ايضاً أن المتابعين للشأن السعودي، والمهتمين بالشأن الحقوقي، صادفوا قضية المواطن عادل علي حامد فلمبان، من مكة المكرمة! أبوه كان جندياً في الجيش السعودي، وإخوته لديهم هوية، إلاّ هو، وهو الآن في الخمسينيات من العمر. طاف على كل المؤسسات ولا من حل! لم يبق له إلا الدعاء. وهكذا حوّل حسابه على تويتر وعلى الفيس بوك، للدعاء على الظّلَمَة دون تخصيص قد يأتي بمشاكل أكبر! يكرر دائماً: (ربِّ قد مسّني الضرّ وأهلي وأبنائي وأنتَ أرحم الراحمين. ربّ إني مغلوبٌ فانْتَصِرْ. فيا الله: مزّقهم شرّ ممزَّقْ، وشَتِّتْ شملَهم وأموالهم)! ومن أدعيته على الظالم: (اللهم اسلبهم الأمن والإستقرار والأمان في قصورهم وتنقلاتهم وحصاناتهم)؛ (اللهم إني لستُ دابّةً عثر عليها في أرض الشام؛ بل عبدٌ في بيتك الحرام مكة؛ مضطهدٌ فيها؛ غيرُ آمن؛ وفي مسجد من مساجدك الآن، فهل يرضيك يا الله؟). (يا ودودُ اغفر حَوْبِي، وارحمْ ضعفي، واقبلْ وكالتي، لكَ مني في شأني كلّه، وحقّي المنتهك بيد الظلمة. فيا عزيزُ انصرني، وانتقم منهم يا مُنتقم!).

اللهم انتقم من آل سعود، وارفع ظلمهم عن عبادك داخل البلاد وخارجها.

الصفحة السابقة