تستخدم أسلحة محرمة دوليا ضد اليمنيين

السعودية.. لتحقيق النصر يجوز فعل كل قبيح!


■ عسيري: استخدمنا القنابل العنقودية؛ وأمريكا: نعم زوّدنا السعودية بها!

■ دول العدوان ـ كما اسرائيل ـ لم توقع اتفاقية 2008 بحظر استخدام القنابل العنقودية التي تصنعها شركة تكسترون للأنظمة (Textron Systems Corporation)

■ اليونيسيف: أعداد الأطفال اليمنيين المعرضين لخطر الموت بسبب الجوع ونقص الخدمات الصحية، أكبر مما تسببه القنابل والرصاص

عبد الوهاب فقي

حين شنّت الرياض عدوانها على اليمن توقعت ان تكون معركة سهلة لن تزيد مدتها عشرة أيام، وستحقق انتصاراً مكلّلاً بالغار.

الحقيقة صدمت الأمراء، فقد توسّع نفوذ الجيش اليمني المتحالف مع جماعة أنصار الله، ومُني أتباع السعودية بهزيمة كبيرة كان وقعها مؤلماً، خاصة خسارة عدن، المدينة التي كان يحلم ال سعود أن يأتوا بهادي اليها (ملكاً)!

مقابل الفشل العسكري في تحقيق أيّ من الأهداف، صعّدت الرياض قصفها للبنى التحتية، ثم عمدت الى قتل المدنيين، في حالة مشابهة تماماً لما قامت به القوات السعودية في حربها السابقة على اليمن في 2009.

القيود المفترضة على أداء الرياض الحربي، فيما يتعلق بالإلتزام بقوانين الحرب، لم تعبأ بها، وكلّما تقدّم الوقت لم يعد يهمّها خرقها المرة تلو الأخرى. النصر هو الهدف، ولا تهم كيف تكون الوسيلة. فضلاً عن ذلك، فإن واشنطن والدول الغربية الحليفة لآل سعود توفّر ليس الوقت فحسب لكي يمارسوا القتل والتدمير، وإنما توفّر أيضاً الغطاء السياسي والإعلامي لكل الأفعال المشينة.

استخدمت الرياض القنابل العنقودية ضد المدنيين اليمنيين، مثلما فعلت في حرب 2009، بالرغم من تحذير المنظمات الحقوقية الدولية، وطلبت وعداً بأن لا تستخدمها في الحرب هذه المرة، لكن الرياض لم تقدّم وعوداً، ونفت انها استخدمتها. اما واشنطن فاعترفت بتزويدها الرياض بتلك القنابل، وقالت بأنها ستواصل تزويدها بها، مادامت الشركة المصنّعة تضمن انفجار النسبة العظمى من القنابل المكونة للشحنة!

واستخدمت الرياض القنابل الفوسفورية الحارقة ولم يعترض عليها أحدْ.

وهناك شكوك حول استخدام قنابل كيمياوية.

كما أن الرياض عمدت الى قصف المدنيين علناً، وقالت بأنها ستقصف المدنيين وطلبت منهم الرحيل في صعدة ومرّان في تصريحات واضحة لا لبس فيها. ومع هذا لم يعترض أحد من الدول الحليفة!

اعتدت الرياض على مخازن الغذاء، ثم على مخازن منظمات الإغاثة الإنسانية (اوكسفام) وغيرها، ودمّرت عشرات المستشفيات، بالقنابل الخارقة للتحصينات، وبقي الصمتُ سيّد الموقف!

التدمير والقتل منهجٌ سعودي

قنابل سعودية تسقط على رؤوس اليمنيين

منذ بداية العدوان، أرسلت هيومن رايتس ووتش للسلطات السعودية تطالبها بعدم التعرض للمدنيين في حربها، وأن لا تقصفهم بالقنابل العنقودية. المتحدث باسم العدوان اللواء عسيري، نفى استخدام اسلحة محرمة، ولم يعد بعدم استخدامها. بعدها قالت هيومن رايتس ووتش أن السعودية انتهكت بشكل واضح قوانين الحرب حين شنّت غارات جوية على مخازن للمساعدات في اليمن تابعة لمنظمات دولية اغاثية انسانية. وكانت الطائرات السعودية قد قصفت مخزنا لمنظمة اوكسفام في محافظة صعدة، مع ان المنظمة الخيرية زودت السلطات السعودية المعنية مباشرة بالحرب بإحداثيات المخزن لحمايته من الإستهداف، ما ادى الى مقتل عدد من الأشخاص وجرح آخرين.

وشددت المنظمة هيومن رايتس ووتش على أن الوضع الإنساني المتردي في اليمن يزداد سوءا بفعل الهجمات على إمدادات الإغاثة. ودعت السعودية ومن يشاركها الحرب الى التحقيق بنزاهة في الغارات الجوية التي ضربت بضائع مدنية ومباني ومخازن لا تُستخدمُ لأغراضٍ عسكرية. وقال جو ستورك، نائب المدير في المنظمة: إن تدميرَ مستودعٍ لمنظمةِ إغاثة يؤدي لإلحاق الضرر بكثير من المدنيين، حتى أولئك الذين ليسوا على مقربةٍ من منطقة القصف، ويهددُ إيصالَ المساعداتِ في كل مكان في اليمن. واضاف بأن التصريحات السعودية بأن الهجمات الجوية قد انتهت، لا تنهي الالتزامات بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب، وان على السعودية التحقيق في الحادث وتعويض الضحايا.

من جهانبها أصدر منظمة أوكسفام بيانا أدانت فيه بشدة قصفَ منشآتِها؛ وقال المتحدث باسمها: (إنه من المثيرِ للقلق أن تتعرضَ المنشآتُ الإنسانية للهجومِ، وخاصة عندما ينظر المرء إلى حقيقة إعطائنا المعلومات التفصيلية لمواقعِ مكاتبِنا ومنشآتِ التخزينِ لقواتِ التحالف.. لم يكن لمحتوى المستودع أي قيمةٍ عسكرية. بل كان الموقع يحتوي فقط على الإمداداتِ الإنسانية المرتبطة بتسهيل الحصول على المياه النظيفة لآلاف الأسر في صعدة). لكن القصف قضى على ابرياء وقطعت شظية احد اليمنيين الى نصفين!

وذكَّرت هيومن رايتس ووتش السعودية وحلفاءَها بأنه وفق قوانين الحرب عليها ان تسمحَ وتسهِّلَ المرورَ السريع والخالي من العوائق للمساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين، وضمان حرية تنقل موظفي الإغاثة الإنسانية. واعتبرَت هيومن رايتس الهجومَ على مخزن أوكسفام متعمداً، محذرةً من أن الانتهاكاتِ الخطيرةَ لقوانينِ الحرب، يعاقب عليها القانون الدولي.

واكدت هيومن رايتس ووتش قصف السعودية لمناطق مكتظة بالسكان في صنعاء ومدن يمنية أخرى، وكذلك قصف مخيماتٍ للنازحين أسفرَ عن مصرعِ عشراتِ منهم، بالإضافة الى استهداف مصانع بينها مصنع البان.

من جهتها، وصفَت منظمة العفوِ الدولية غاراتِ السعودية على اليمنِ بأنها وحشية وينبغي التحقيق فيها على وجهِ السرعةِ في مقتلِ مئاتِ المدنيين، بما في ذلك عشراتُ الأطفالِ، وإصابةِ الآلافِ خلالَ حملةِ الضرباتِ الجويةِ السعودية الوحشيةِ على مختلفِ أنحاءِ اليمن. وقال سعيد بومدوحة، نائبُ مديرِ قسمِ الشرقِ الأوسط في العفوِ الدولية، إن الضربات الجوية السعودية أرغمت ملايين الأشخاصِ على العيشِ في رعبٍ تام، ويشعرُ الكثيرون أنهم لم يعد لديهم خيارٌ سوى الرحيلِ عن قراهم المُدمَّرة لكي يواجهوا مستقبلاً غيرَ معلوم.

ووثقت العفو الدولية ثماني ضرباتٍ في خمسٍ من المناطقِ المكتظَّةِ بالسكانِ (وهي صعدة، وصنعاء، والحُديِدة، وحجة، وإب)، ما يثير الشك في تقيدِ السعودية بقواعدِ القانونِ الإنساني الدولي. وحسب بومدّوحة، فإن الرياض لم تعبأ لخسائر المدنيين او الإضرار بالبنى التحتية، ودعا الى تحقيقٍ مستقل ونزيه في انتهاكات الرياض للقانون الإنساني الدولي.

ايضا اكدت العفو الدولية ومنظمات دولية اخرى، بأن القصفَ الجويَ السعوديَ دمر المستشفيات والمدارس والجامعات والمطارات، والمساجد وسيارات نقل الأغذية، والمصانع ومحطات الوقود، وشبكات الهاتف ومحطات الطاقة الكهربائية والملاعب الرياضية، أو ألحق أضراراً بها بشكل متعمد.

استخدام القنابل العنقودية

أصابت الذخائر العنقودية التي استخدمت في الغارات التي تقوم بها السعودية في اليمن قرى ومناطق سكنية فعرّضت حياة الناس إلى الخطر. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه توجد أدلة ذات مصداقية على أن التحالف الذي تقوده السعودية استخدم ذخائر عنقودية محظورة، في غاراته على الجيش وقوات الحوثيين في اليمن، مؤكدة على ان الذخائر العنقودية تشكل خطرا طويل الأمد على حياة المدنيين، وهي محظورة بموجب اتفاقية اعتمدها مئة وستة عشر بلدًا في 2008.

وظهرت منذ منتصف أبريل الماضي صور ومقاطع فيديو وأدلة أخرى تؤكد استخدام ذخائر عنقودية في الغارات الجوية التي شنتها السعودية على محافظة صعدة شمال اليمن. وخلصت هيومن رايتس ووتش عبر تحليل صور القمر الصناعي إلى أن هذه الأسلحة استخدمت بالقرب من عدد من القرى يتراوح عددها بين أربع وست.

وقال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة في هيومن رايتس ووتش: (لقد أصابت الذخائر العنقودية التي استخدمت في الغارات التي تقودها السعودية مناطق قريبة من قرى محلية، فعرّضت حياة الناس إلى الخطر. ولأن هذه الأسلحة محظورة في جميع الظروف، فإن السعودية والدول الأخرى المشاركة في التحالف، ومعها الولايات المتحدة التي صنّعت الأسلحة، تضرب عرض الحائط بالمعيار الدولي الذي يحظر استخدام الذخائر العنقودية لأنها تعرّض حياة المدنيين للخطر على الأمد الطويل).

وتتكون الذخائر العنقودية من عشرات أو مئات القنابل الصغيرة التي صممت كي تنفجر على مساحة واسعة، أحيانا تكون بحجم ملعب لكرة القدم، وتجعل المدنيين المتواجدين في تلك المنطقة عرضة إلى الموت أو الإصابة بجروح. إضافة إلى ذلك، قد لا تنفجر بعض القنابل في وقتها فتتحول إلى ألغام أرضية فعلية تبقى مصدر تهديد لحياة المدنيين لفترات طويلة.

في 17 أبريل، نشرت قناة تلفزيونية محلية مقطع فيديو صامت تظهر فيه أشياء تنزل من الفضاء في مظلات. ثم يقوم المقطع بتكبير الصورة فيظهر انفجار في الجو تصحبه سحب من الدخان الأسود الناتج عن انفجارات أخرى. وبتحليل صور القمر الصناعي، تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد موقع هذه الانفجارات، وهو الشعف في منطقة ساقين، غرب محافظة صعدة.

وأطلع ناشط يقيم في العاصمة صنعاء هيومن رايتس ووتش على صور حصل عليها من أحد سكان محافظة صعدة قام بتصويرها في موقع استهدفته إحدى الغارات في منطقة العمار في الصفراء، على مسافة ثلاثين كيلومترا جنوب العاصمة صنعاء. وبتحليل الصور، تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديد بقايا اثنين من أسلحة استشعار تصنعها شركة تكسترون للأنظمة (Textron Systems Corporation) والتي قامت واشنطن بتصديرها للسعودية والإمارات في السنوات الأخيرة.

يذكر ان البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب وقطر والسودان والإمارات العربية المتحدة، وهي دول مشاركة في العدوان على اليمن، لم توقع على اتفاقية حظر الأسلحة العنقودية في 2008، وبالطبع معهم اسرائيل التي قصفت جنوب لبنان وغزة بالقنابل الفوسفورية والعنقودية.

بعد صدور بيان هيومن رايتس ووتش متضمنا الادلة الدامغة على استخدامها، قال الناطق عسيري بأن السعودية ستحقق في القضية، والبيانات الواردة. اما امريكا فاعترفت بتزويد السعودية بالقنابل العنقودية، وهو ما احرج عسيري، فأقرّ بأنّ بلاده بالفعل تستعمل تلك القنابل، ولكنه زعم أنها تستهدف الآليّات العسكريّة فقط، وانه يُسمح باستخدامها قانونياً.

حصار شعب اليمن جريمة

أدانَت هيومن رايتس ووتش الحصارَ على الشعبِ اليمني، وتعويقَ نشاطِ منظماتِ حقوقِ الانسان.. ورأت أن الحصارَ المفروضَ على اليمنِ يمنعُ وصولَ الوقودِ اللازمِ لحياةِ السكانِ اليمنيين، في انتهاكٍ لقوانينِ الحرب. وتمسُ حاجة ُ اليمنِ إلى الوقودِ لتشغيلِ المولداتِ في المستشفيات التي تواجهُ طوفاناً من الجرحى جراءَ القتالِ والقصفِ العنيفِ، ولضخِ الماءِ إلى المدنيين.

جاءت الإدانة هذه، قبلَ اعلانِ الهدنةِ وبَدءِ وصولِ موادِ الاغاثة، رغم قلتها وتعويق الرياض وصولها. وقال جو ستورك: (إن الخسائر المدنية المتصاعدة جراء القتال قد تتضاءل بجانب الضرر اللاحق بالمدنيين بفعل منع التحالف للوقود من الوصول). وقالت المنظمة بأن وضع المدنيين اليمنيين شديد الحرج؛ وقال يوهانس فان در كلاوف، المنسق الإنساني لليمن بمكتب الأمم المتحدة بأن مطارات اليمن وموانئه تمثل شرايين الحياة، بالنظر لاعتماد اليمن على الواردات لتغطية تسعين بالمائة من طعامه ومعظم وقوده. لكن تلك الشرايين انسدت مع إغلاق معظم مطارات اليمن في وجه النقل المدني، كما تخضع عمليات النقل البحري لنظام التحالف للتفتيش. من جهة اخرى، ذكرت اليونيسيف أن أعداد الأطفال اليمنيين المعرضين لخطر الموت بسبب الجوع ونقص الخدمات الصحية، أكبر مما بسبب القنابل والرصاص.

وقد عملَ نقص الوقود على مفاقمة محدودية الوصول إلى الماء، بالنظر إلى اعتماد اليمن المكثف على شاحنات الماء ومضخاته. وأثر نقص الوقود أيضاً في العديد من مستشفيات البلاد التي لا تملك ما يكفي من الوقود لتشغيل مولداتها. وأشارت منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرهما من الوكالات الإنسانية إلى توقف المستشفيات والخدمات الطبية الوشيك بسبب نقص الوقود والمستلزمات الأساسية.

وأكد المجلس النرويجي للاجئين أن عددا من عملياته المهمة والتي تنطوي على تدخلات لإنقاذ الأرواح قد تضررت جراء نقص الوقود. وقال هانيبال أبيي وركو، مدير المجلس النرويجي للاجئين: أصبح من المستحيل بالنسبة لنا أن نعمل في صعدة والحديدة. وقد تسبب القصف المكثف ونقص الوقود مجتمعين، في توقف عملياتنا في الشمال... وحتى في محيط صنعاء وفي الجنوب حيث توجد أكبر عملياتنا.

لهذا كله، ترى هيومن رايتس ووتش بأن حصارَ اليمنِ ليس شرعيا، فالغرض منه تجويع اليمنيين وحرمانهم من السلعِ التي لا غنى عنها لبقائهم أحياء، وهو مخالف لقوانين الحرب.

الصفحة السابقة