مملكة الصمت تقتل حرية التعبير

سعدالدين منصوري

لا يكاد يمرُّ يومٌ بدون أن تقترف حكومة آل سعود جريمة بحق مواطنين حسب قانون او نظام المعلوماتية، وهو قانون رسمي يجرّم حرية التعبير في أدنى صورها، من قول أو كتابة مقال، أو حتى تغريدة. وما أكثر المعتقلين بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، أو التعليق حتى على أحداث سياسية معيّنة، فجاءت جملة لم ترضَ عنها العائلة المالكة، فاعتقلت القائل، وأغلقت الوسيلة، أو منعت البرنامج.

حرية التعبير في مملكة آل سعود مخنوقة، رغم تطور عصر المعلوماتية من حيث تبادل المعلومات والأفكار.

ذلك أن حرية التعبير تتناقضُ مع احتكار وسائلِ الاعلام لصالح السلطة السعودية.

وحرية التعبير تتناقضُ مع منع الرأي الآخر من خلالِ مؤسساتٍ اعلاميةٍ ضمنَ اطارِ القانون، او بصورة فرديةٍ في مواقع التواصل الاجتماعي.

المعتقل الدكتور زهير الكاتب

وحرية التعبير تتناقضُ مع شراءِ السلطات السعودية الاعلام والإعلاميين لصالحها ومن أجل تغطيةِ جرائمِها، والترويج لسياساتِها المخالفةِ لحقوقِ الانسان. كما أن حرية التعبير تتناقضُ مع ملاحقةِ كل مَن ينتقدُ النظام،َ حتى ولو كان من جنسية أخرى وفي بلد آخر غير خاضع للدولة السعودية، كما هو الحال في تعميم الرياض لتكميم الأفواه في بلدان الخليج وملاحقة الكتاب والمغردين هناك.

حرية التعبير هذه مفقودة ٌ في السعودية، لأن آلَ سعود ببساطة لا يؤمنون بها، ولا يَرونها في مصلحتهم، حتى ولو كان من باب التنفيس من أجل عدم انفجار الوضع بوجههم.

صحيفة لوموند الفرنسية نشرت مؤخراً تقريرا عن الوثائق السعودية المسربة عبر موقع ويكيلكس، أشارت فيه إلى سعي السعودية لشراء ذمم مجموعة من الوجوه السياسية والإعلامية المعروفة في لبنان، عن طريق دفع مبالغ ضخمة لهم بشرط التقيد بالتعليمات الصادرة عن السفارة السعودية في بيروت. وقالت الصحيفة، إن زعماء الأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية في لبنان، الذين يمتلكون طموحات كبيرة ولكن تعوزهم الأموال، يمكنهم في كل وقت التوجه نحو السعودية للحصول على الدعم؛ فالنظام الحاكم فيها سخي جدا مع من يدافع عن مصالحه ويتقيد بتعليماته. أما من تسول له نفسه انتقاد بيت آل سعود، فإن مصيره التعرض للضغوطات والحرمان من التمويل.

واعتبرت صحيفة لوموند أن تدخل المملكة السعودية في غرف الأخبار ومكاتب التحرير اللبنانية لا يمكن إنكاره، ففي رسالة من ثلاث صفحات موجهة عام ألفين واثني عشر إلى صحيفة السفير، يقوم السفير العسيري بتوبيخ رئيس التحرير طلال سلمان، بعد نشر مقال ينتقد السياسة السعودية في المنطقة. كما نقلت الصحيفة أن السفير السعودي أرسل تعليمات تقضي بمواصلة دعم صحف الجمهورية والنهار، والمستقبل التابعة لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في مقابل مواصلة هذه الصحف مهاجمة كل من يتعرض لصورة المملكة.

في إطار العقوبات السعودية في محاصرة شعبها، اعتقلت السلطات السعودية الدكتور زهير كتبي بعد أن أبدى ملاحظات معيّنة في برنامج تلفزيوني عن الملك سعود، الذي سبق أن عُزل من منصبه، وطُرد من المملكة، ومات خارجها في اليونان. وكان كتبي قد قال على موقعه في تويتر بأن توجيهات من جهات عليا لم يسمها قد أصدرت امراً بإيقافه عن الكتابة والظهور الإعلامي، وذلك بسبب لقائه مع قناة روتانا. وبعد أربع ساعات من تغريدته تلك، ظهرت تغريدة على حسابه تقول: (تم القبض على د. زهير كتبي الساعة السابعة والنصف صباحاً من منزله في مكة المكرمة)، وقد أخذ الى سجن المباحث ابتداءً، ثم الى سجن ذهبان في جدة.

وفي حين حمّلت زوجة كُتبي، الحكومة عواقب اعتقال زوجها خاصة وأنه يعاني من أمراض عديدة، وقد سبق للسلطات أن اعتقله ست مرات، ولمدد غير قصيرة، وكلها تتعلق بحرية التعبير.. فإن إبنه الدكتور جميل كتبي قد حاول زيارة أبيه في السجن يوم العيد ولكنه منع من ذلك، وقال ان والده (سجين رأي) وأن التهمة التي وجهت لوالده هي (تأليب الرأي العام)، وناشد الملك سلمان بإطلاق سراح والده، وأضاف بأن والده تم اعادته فوضع في (قيادة التوقيف الموحد) بمكة المكرمة، مشيراً الى أن مكان الحجز (في منتهى السوء، ولا يليق بأي إنسان أن يبات به ليلة واحدة). وسخر د. جميل كتبي من تحويل قضية والده الى دائرة (الأمن الوطني والإرهاب بالرياض)، مضيفاً: (لم أر والدي يوماً حاملاً سلاحاً أو حزاماً ناسفاً. رحماك).

عبدالله المديفر مقدم برنامج في الصميم

وسرّب المعتقل الدكتور زهير كتبي تغريدات الى الرأي العام، قال فيها (إن هذا التوقيف قرار نهائي بأن مؤسسة العرش لا ترغب في الإصلاح.. كما أن كل ما يطلقه كبار القيادات السياسية هو شعارات للاستهلاك الإعلامي). وأكد كتبي أن اعتقاله جاء بتوجيهات من جهات عليا وقال ساخرا: (سوف التزم بتوجيهات ولاة الأمر حرسهم الله)، وشدد على أن كل ما يطلقه كبار القيادات السياسية، انما هي شعارات للداخل وللاستهلاك الإعلامي الخارجي، موضحاً إن المثقف والمصلح لا قيمة له في هذا الوطن ويحارب.

وكانت مدينة الملك عبدالعزيز قد قامت بحجب موقع د. زهير كتبي الرسمي دون سابق إنذار أو أي إجراء رسمي، فتساءل: (هل من حق الوزارة ممارسة هذا القمع، ولماذا هذا التصعيد السريع؟).

مرصد حقوق الانسان اصدر بيانا  بالمناسبة اعتبر فيه ان اعتقال الدكتور زهير كتبي إجراءٌ غير قانوني يتنافى جملة وتفصيلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه السعودية في 2009. وندد البيان بما أسماه الإعتقال التعسفي الذي يتنافى مع أبسط مبادئ العدل وحقوق الإنسان، واعتبره إجراءً غيرَ قانوني يتنافى مع حق المواطنين في حرية التعبير. وأعرب المرصد عن قلقه الشديد بشأن صحة المعتقل كُتبي، داعيا السلطات إلى إطلاق سراحه فورا دون قيد أو شرط، وضمان سلامته الجسدية والنفسية والصحية، وكذلك الإفراج عن جميع المعتقلين من الناشطين والمدافعين السلميين عن حقوق الإنسان في السعودية.

قمعٌ مستمر للحريات

وكان الملك قد أمرَ بإيقاف برنامج في الصميم الذي تبثه قناة روتانا التي يمتلكها الوليد بن طلال، ومحاكمة مقدم البرنامج عبدالله المديفر، وضيفه الناشط الإخواسلفي محسن العواجي، لأن الأخير أبدى تعليقات سلبية عن عهد الملك عبدالله، وحمّل المسؤولية للملك ووزير الداخلية، وليس البطانة، كما يقول.

من جهةٍ أخرى أصدرَت المحكمة الجزائية المتخصصة حكماً يقضي بإدانة مواطن بتهمة إعداد وإرسالِ ما من شأنِه المساسُ بالنظام العام من خلال قيامِه بكتابةِ تغريداتٍ في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر). وقالت المحكمة إن المُدانَ اعترفَ في التحقيق بأن التغريداتِ صدرَت منه وهو في حالِ غضب، وكانت رداً على أحد الأشخاص، وليست على سبيل الابتداء، كما أن المدعى عليه قد تعهد بعدم تكرار ما بدر منه.

وقررت المحكمة تعزيره على ذلك بسجنه عشرة حسب المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، مع وقف تنفيذ عقوبة السجن لمدة خمسة أشهر، كما قرر ناظر القضية مصادرة جهازه الجوال المضبوط بحوزته ومنعه من السفر مدة مماثلة لسجنه اعتباراً من تاريخ خروجه من السجن.

فتخيل عزيز القارئ، هذا الحكم القراقوشي الظالم، مع ان المحكمة لم تذكر اسم المتهم، ولا التغريدات التي على أساسها جاء الحُكم.

ومن غرائب حرية التعبير في السعودية، أن الهاتف المحمول الذي يتعبر من اعظم اختراع القرن، صار يفزع الدكتاتورية السعودية؛ واعتبرت كاميرا الجوال سلاحاً ضد تجاوزات النظام ومؤسساته الأمنية والدينية، فكل مواطن يستطيع ان يصور الحدث في حينه، وان يصور الفضائح التي يقوم بها المسؤولون. لا غرابة اذان أن تصبح كاميرا الجوال عين المواطن، وبمثابة الرقابة الشعبية، وأداة التوعية الأساسية.

غير أن لآل سعود رأيٌ آخر..

فقد أصدرت الحكومة قراراً بالسجن لمدة سنة والغرامة بنصف مليون ريال، لكل من يصوّر مسؤولاً دون علمه!

وقال ابراهيم الأبادي، العضو السابق بهيئة التحقيق والادعاء العام، إن تصوير أي مسؤول من خلال كاميرات الجوال أو ما في حكمها دون علمه، يُعد من الجرائم الموجبة للعقوبة كونه يعتبر تشهيراً بقصد إلحاق الضرر عبر وسائل تقنية المعلومات، مشيرراً الى أن بعض المسؤولين ربما يخطئ بسبب عدم خبرة، وأن التشهير به ينال منه ويقلل من كرامته، مؤكداً أنه من الأولى مناصحته وإبلاغ مسؤوليه، وتثبيت ما وقع منه بشهود.

وكانت قد ظهرت في الآونة الأخيرة تسجيلات مصورة، فضحت فساد مسؤولين وكيفية تعاملهم مع المراجعين، ما سبب موجة من الاحتجاجات ضدهم من قبل مغردين ونشطاء في السعودية.

الصفحة السابقة