القضاء السعودي يسحق العدالة

ناصر عنقاوي

قام قاض وهابي في بلدة العيينة في نجد، بتطليق امرأة حامل في شهرها الثامن من زوجها، دون رغبة منها أو من زوجها الذي كان يقاتل على الحدود مع اليمن! التطليق جاء بناء على طلب أعمام المرأة، والحجة كانت انها (تميمية) وهو من قبيلة جنوبية أدنى بنظرهم! أمرٌ غريب حقاً، ففجأة يمكن أن يجد المرء انهياراً لعائلته وبيته، مطلّقاً لزوجته، دون أن يعلم بالأمر، في مملكة الشرع الوهابي غير الحنيف.

عنصرية قضاة نجد

 
طلقوه من زوجته بحجة (عدم تكافؤ النسب)!

انها ليست المرة الأولى التي يطلق فيها مشايخ الوهابية زوجان ـ ولديهما احيانا عدة اطفال ـ دون رغبتهما، بحجة عدم تكافؤ النسب! وقد سبق أن هرب كثير من المواطنين الى الخارج للنجاة من هذا الظلم غير المعقول والذي لا أساس له من الشرع، لحماية عوائلهم، وبعضهم يسكن في دول خليجية، وآخرون فرّوا حتى وصلوا الى بريطانيا وأمريكا!

هذه المرة انفجر المواطنون بسبب هذا التمادي في العبث بالدين وبحياة المواطنين.

وصف الإعلامي والكاتب سلطان الجميري ما جرى بقوله: (انها الجاهلية التي يدعمها القانون)، والكاتب رائد السمهوري غضب فقال: (لا تتكلموا عن نهضة، ولا عن رقيّ، ولا عن شيء من ذلك، وأنتم تفرقون بين المرأة وزوجها باسم تكافؤ النسب). وازاء هذه المصائب العنصرية، تذكّر الصحفي فائق منيف بعصر كان فيه الإسلام جميلاً، حسب قوله، وهو يقصد أن هذا العصر يلمؤه القبح والإجرام.

ومن جانبها وصفت الكاتبة زينب غاصب، موضوع تكافؤ النسب بأنه مجرد ذريعة تعبث بالدين وبالقضاء وبالأسرة والمجتمع، وهو يطلق يد الجريمة. ثم كيف يفرّق قاض بين زوج وزوجته رغماً عنهما، في حين ان حبر ندوة (دور القضاء في حماية حقوق الإنسان لم يجف بعد)، يتساءل المحامي عبدالرحمن اللاحم. وأما المحامي سلطان العجمي فيرى أن (القضاء السعودي سبب كل شرّ في بلادنا المنكوبة. بوجودهم يحمون الفساد واللصوص والنصّابين والدجّالين والجهلة).

ورأى الناشط الحقوقي يحي عسيري القضاة بأنهم (يمارسون الجريمة باسم الشرع، ويدافع عن ذلك شهود الزور. تباً لهم ولشرعهم المزوّر. شرعُ الله منه براء). ومن المفارقات حسب الناشطة عزيزة اليوسف أن (الزوج يحمي الوطن، في حين لا يجد من يحمي اسرته الصغيرة من الظلم).

الكاتب خالد الوابل الذي يقول بأن هناك من يتزوج من الخارج دون علم مسبق من تكون زوجته ومن أيّ (فخذ)؛ أما في الداخل: فيتم تقسيم المجتمع حسب (خطوط الكهرباء)؛ أي ١١٠ و٢٢٠ فولت. والكاتب أحمد العواجي يقول متألماً: (لا عجبَ من كثرة حالات الطلاق في مجتمعنا، اذا كان من يفترض بهم السعي للم الأسر، هم أنفسهم مَنْ يسعون في تفريقها)؛ ويضيف بأنها الجاهلية والتخلف والرجعية والبدعة والضلالة التي تتخفّى وراء تبرير (تكافؤ النسب).

وتحدثت الحقوقية هالة الدوسري عن العبث غير المسؤول بمصير الناس، كتفريق زوجين ينتظران طفلاً، وفي المقابل يقوم قاض آخر بتزويج طفلين. كيف لهؤلاء القضاة أن يزوجوا طفلاً في الخامسة عشرة من عمره، ويحكموا في الوقت نفسه على كبار تزوجوا وطفلهم في الطريق بالإنفصال.

 
زواج طفل رسمياً. علق أحدهم: منك البلايستيشن، ومنها الأشرطة!

هل هو القضاء الفاسد فقط؟ وما هي مسؤولية آل سعود الذين مكّنوا مشايخ الوهابية وقضاتهم من رقاب المسلمين. في كل دول العالم يلجأ المظلوم الى القضاء لأخذ حقّه، إلا في السعودية، فحتى المظلوم يقول: اللهم اكفني شرّهم! القضاء السعودي قضاءٌ فوق ما هو طائفيٌّ، عنصريٌّ أيضاً، ويريد إيهامنا بتحكيم الشريعة.

الناشطة الاجتماعية نوال الهوساوي عبّرت عن صدمتها، قالت: (قلبي تألّم لحال الزوجة، وعقلي لا يصدّق ما حدث. كفاءة النسب بدعة عنصرية، وظلمٌ كبير). ترى أين سواسية الإسلام، وأين ما نتعلّمه من أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى، وأين المواطنة وحقوقها، وأين المساواة كأسنان المشط؟

القاضي الجني: براءة!

وفي سياق القضاء السعودي الفاسد، استجدّ أمرٌ جديد، فالقاضي في المدينة المنورة، والذي سرق 500 مليون ريال؛ وحين تمّ ضبطه، هرع مشايخ القصيم، ليبرّؤوه من تهمة السرقة، هو ومن تآمر معه من الكبار والصغار. جاءه راقي شرعي، اسمه فايز القثامي، ومعه اعضاء من هيئة المنكر، وأثبتوا أن القاضي اللص لم يسرق، وإنما هناك جنّي تلبّسه ودفعه للسرقة دون أن يعلم. بقيت القضية في درج المحاكم، لنحو ست سنوات، ليعلن القضاء السعودي النزيه مؤخراً، إلغاء القضية برمّتها ومن أساسها، وأُعلنت براءة القاضي المسحور، ومعه سبعة وثلاثين شخصاً من المتهمين.

ذكرنا هذا الحكم بكلام للشيخ عيسى الغيث، وهو قاض سابق، وعضو حالي في مجلس الشورى يقول فيها: (شهادة لله: قضاؤنا الأنزه عالمياً). الصحافة المحلية غطّت قضية تبرئة قاضي الجن؛ وقالت ان قاضي المحكمة اغلق القضية كاملاً لأن هناك خلل في الإجراءات، لم يكتشفه عباقرة القضاء السعودي إلا بعد ست سنوات. عموماً فأغلب الصحف نشرت الخبر بدون تعليق خوفا من تجاوز الخطوط الحمراء الكثيرة هذه الأيام، حيث حوكم الكثيرون وسُجنوا بتهمة إهانة القضاء. بعكس الحال حين تم الكشف عن الفضيحة اول مرة؛ حيث أفاضت حينها في السخرية بالقضاة الفاسدين وأجرت مقابلات مع راقي القاضي اللص.

وفي هذه المرّة حينما تحدث البعض منتقداً تبرئة القاضي اللص الذي قيل ان الجنّي تلبّسه وأمره بالسرقة، قال شيخ واستاذ في جامعة دينية سعودية بأن (من شكّك في هذه الحادثة فهو كافر تلزمه التوبة). وكانت جرائد النظام قد نشرت خبر اعتقال كاتب سياسي أيّد ناشطي جمعية حسم، وشكك في نزاهة القضاء السعودي، وحكم عليه بالسجن ست سنوات فقط.

مع هذا الضغط، لم يستطع البعض إلا أن ينتقد هذا القضاء، ويسخر من الحكم.

 

فالصحفي صالح الطريقي توقع ساخراً ان يُدان الجنّي بالجريمة (قاتل الله الجن). وفارس الدبوس ذكرنا بقاضي حوطة بني تميم الذي حكم على رجل في الثمانين من العمر بالقتل اعتماداً على شهادة تسعة من الجن في المحكمة! وهو ما فضحه على الفضاء الدكتور مرزوق بن تنباك في إحدى مقابلاته.

وكتب عبدالله العقيل مقالاً ساخراً في الوطن: (مازلنا نُجامل الجنّ) قال فيه ساخراً: (الواجب أن يعاقب هذا الجني، ويُشهّر باسمه، ويُطالب بإعادة الأموال لتحقيق العدالة، وليكون عبرة لباقي الجن، وحمايةً لقضاتنا وباقي المسؤولين. قلت في مقال سابق، إن الجن تمادوا في أفعالهم، ونحن لم نتعرض لهم، ولم نعتدِ عليهم، وها هم اليوم يسرقون منا ملايين الريالات، وما زلنا نجاملهم، وحتى الآن لم يُحاكم أي جني في محاكمنا، رغم أن بلاءهم طال الصغير والكبير)!

وفي صحيفة البلاد مقالة لريهام زامكة بعنوان: (وزْني الشيطان)! قصدها: (وزْني الجنّي)! تقول فيها: (ترى هل توطدت العلاقات والصداقات بين الإنس والجن ـ وأنا ما أدري ـ بحكم التطور التكنولوجي، لدرجة أنهم قد أصبحوا يخططون ويتآمرون ويدفعون البشر للفساد والتزوير والاختلاسات؟! اذا كان الأمر كذلك، فبشرى لكل المفسدين، لقد حصلتم على (شماعة): وهو جنّي مُساعد، لتعلقون عليه اخطاءكم وفسادكم، وما عليكم سوى تبرير موقفكم وأنتم تدافعون عن أنفسكم قائلين: بي مسٌ من جان ولا أعرف كيف (وزّني) الشيطان لعنة الله عليه وجعلني اختلس أو أزور)!

المحامي سلطان العجمي يقصد عكس ما يقوله: (القضاء السعودي يطبق الشريعة، وهو شامخ فوق هام السُّحُب، وكل من يشكك في نزاهته مصيره السجن. اما براءة قاضي الجن وزملاءه فإحقاق للحق)؛ وباعتباره محامياً فإنه يسأل عن مصير الجني، وإذا كان محتاجاً لكفالة فهو مستعد لفعل ذلك.

ويسأل الناشط سعود العامر: أبهكذا مشايخ وقضاة ودعاة ورقاة وحكام، يحق لكم أن تسألوا بعد اليوم عن أسباب إلحاد بعض الشباب؟

الصفحة السابقة