د. مي يماني:

السعودية تعيش أزمة حكم وصراع أجنحة بين الأمراء الكبار

يقدم (المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية) في لندن (تشاتام هاوس) الذي يعد مصادر البحث والمشورة والدراسة السياسية الرئيسية في بريطانيا، الدكتورة مي يماني (السعودية المولد) الباحثة في المعهد على انها أحد افضل المتخصصين البريطانيين او العاملين في بريطانيا الذين يتعاملون مع الشأن السعودي السياسي والاجتماعي. حصلت د. يماني الحجازية النشأة على شهادة البكالوريوس من جامعة براين مور الاميركية في ولاية بنسلفانيا قبل ان تكمل دراستها العليا في جامعة اوكسفورد البريطانية العريقة التي تخرج منها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر ورئيس الوزراء البريطاني الحالي توني بلير ورئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو ورئيسة وزراء الهند الشهيرة أنديرا غاندي وعشرات الز عماء والقادة وكبار العلماء والباحثين على مستوى العالم. ومن جامعة اوكسفورد نالت شهادة الدكتوراه في علم الاجناس الاجتماعية.

وعلى مدى ثلاث سنوات عملت مي يماني محاضرة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة (المملكة العربية السعودية) ثم عملت ولمدة عشر سنوات مستشارة أكاديمية لـ (مركز الدراسات العربية المعاصرة) في جامعة جورج تاون الاميركية الشهيرة في واشنطن. وخلال هذه الفترة واصلت عملها كاستاذة في (مركز الدراسات الاسلامية والقانونية الشرق أوسطية) في جامعة لندن. وهي الآن باحثة مرموقة في المعهد الملكي البريطاني الذي لا يبعد سوى مئات الامتار عن رئاسة الحكومة البريطانية ووزارتي الخارجية والدفاع في العاصمة لندن واختصاصها الرئيسي برامج ومشاريع الشرق الاوسط. وتنشر بين فترة وأخرى مقالات وابحاث سياسية تتتبع تطورات الاحداث والحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية التي تعيش منذ السنوات الاربع الاخيرة في العقد الماضي وحتى الآن تجربة البحث عن مخارج لأزمات متراكمة عديدة بسبب الخلط بين الدين والحياة ومتطلبات العصر من تقدم وتحضر ومواكبة للمفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والمدنية في كافة مجالات الشأن الداخلي والتعاطي مع الغير. وللدكتورة مي يماني عدد من الكتب والمؤلفات أحدثها (هويات متغيرة) (Changed Identities) الذي صدر عام 2002 ويتحدث عن الاجيال الجديدة في السعودية و(حكم القانون في الشرق الاوسط والعالم الاسلامي) (The Rule of Law in the Middle East and the Islamic World) الذي شاركها فيه عدد من كبار الباحثين المتخصصين.

وقبل أيام انتقدت يماني عالمة الانثروبولوجيا، حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السعودية ضد التيار الاصلاحي والليبرالي واعتبرت أن هذه الحملة مرتبطة بانتقاداتهم للعائلة المالكة ومطالبتهم بدستورية ملكية، ولجنة حقوق انسان مستقلة، وهو ما وضعهم في مواجهة مع الامير نايف وزير الداخلية السعودي القوي.


  • بغض النظر عما يمكن ان يحدث، سواء تغيير في النظام او تغير في الاداء من خلال الاستجابة لمطالب الاصلاح، هل سيطول انتظار السعوديين لأحد هذين الامرين؟
  • التغييرات في السعودية حاصلة الآن. هناك الكثير من الامور والمواقف قد تغيرت بالفعل. هناك تنازلات قُدّمت من الحكم لكنها غير كافية. لكن سقوط النظام او التغيير الكامل لن يتم بين يوم وليلة. هناك جملة عوامل لا بد من الاشارة لها في حال حدوث مثل هذا التغيير الرئيسي في المستقبل اذا ما حصل التغيير بالفعل، هي ان سقوط النظام قد لا يتم بطريقة سلمية. اولاً لأن القبائل موضوع مهم في المعادلة السعودية وهذا العامل في تنامي وليس في تراجع. ثانيا: اسم الدولة (السعودية) بات مشكلة الآن. ففي نجران مثلا الاسماعيلون قالوا: نحن اسماعيليون ولسنا سعوديين، وفي عسير قبائل يقولون: نحن يمنيون. وفي الحجاز يقولون: لسنا وهابيين. نحن حجازيون وكنا كذلك في ظل الحكم الهاشمي قبل ان نتعرض الى الاحتلال والضم. والشيعة وكما نعرف في المنطقة الشرقية لهم وضعهم. لذلك فان كل التناقضات والخلافات التي تستر عليها النفط وغطى عليها التسلط والقوة والقسوة، أتت الآن الى السطح وطفت على الواجهة. وصار هناك شك الآن في موضوع الوطنية والانتماء فقد تصدع هذا العامل بسبب سوء الوضع وتراكم الاخطاء والمغالاة في التسلط. وما نجح عبد العزيز في تجميعه باسلوب الفرض قد بدأ يتهاوى. وقد تعوّد آل سعود على القيادة والتحكم بكل شيء لكنهم لم ينجحوا في صهر الجميع في بوتقة واحدة وجعلهم مجتمعا واحدا. لماذا؟ القصة معروفة. وسواء تعلق الامر بآل سعود او بعرب آخرين فان اتباع سياسة التفريق في التعامل بين المواطنين على اساس عرقي او طائفي او ديني، لم ينجح في بناء دولة مستقرة ولا في ترسيخ ولاء من اعتبروا مواطنين من الدرجة الثانية او أقل من ذلك. وفي السعودية مثل هذه الامور واضحة. فليس هنالك من فئة الذين يعتبرون أقل مكانة ومرتبة في المجتمع، مَنْ عُيّن في سلاح الطيران مثلا ولا في المناصب الحكومية العليا. ولم يتم قط تعيين عسيري وزيرا. والثقة معدومة بفئات كبيرة وكثيرة على الرغم من كفائتها وأهليتها.


  • هل يتحمل الباحثون والسياسيون السعوديون قسطا من مسؤولية الصمت والخوف وعدم تنبيه الحكم بخطورة غياب الرغبة الحقيقية في الاصلاح، وهل مارست انت نفسك مثل هذا الدور ام انكم انتم ايضا معشر الباحثين العلميين تخافون من قول الحقيقة؟
  • في أعقاب انفجارات الرياض التي حدثت في الثاني عشر من ايار (مايو) ربطتُ في محاضرة القيتها في هذا المعهد بين الاصلاحات وظاهرة العنف التي بدأت تستشري في المملكة. وقلت أمام السفير السعودي الامير تركي الفيصل الذي زار (تشاتام هاوس) وبحضور عدد كبير من الاكاديميين والسياسيين والباحثين، وكان ذلك في شهر حزيران (يونيو) العام الماضي، انه اذ لم يجد السعوديون المحبطون من النظام واليائسون من امكانية اصلاح الاوضاع في بلادهم بديلا، فليس لديهم من خيار سوى الوقوع في احضان من يعدونهم بان تكون الجنة هي المكافأة على الاعمال الجهادية. وحذّرت وقتها من احتمال تزايد مثل هذه الاعمال في غياب الرغبة الحقيقية في الاصلاح. ووقتها أيضا قلت انه عندنا في المملكة أكثر من قدوة جيدة ومثل داخل ابناء العائلة المالكة مثل الملك فيصل يرحمه الله، وهناك أمثلة اخرى يمكن ان يقتدى بأصحابها. وأوضحت لحظتها بأني عندما انتقد الحكام، فانني لا انتقد العائلة المالكة السعودية كلها. فهم، أي افراد العائلة، بات عددهم اليوم 22 الف أمير من آل سعود وربما أكثر أي انهم عدد كبير، لكن المشكلة التي تعاني منها العائلة المالكة اليوم تتمثل في عدم توفر مركز قيادة داخل العائلة يدير امورها وامور الدولة، قادر على السيطرة على الاثنين: العائلة والحكم بشكل عام.


  • فمن يحكم المملكة الآن إذن؟
  • هذا سؤال مهم. هناك صراع الاجنحة. وهناك أزمة حكم. وهناك مواجهات ومنافسات وصراع حقيقي بين عبد الله (ولي العهد) ونايف (وزير الداخلية). والامر لا يقتصر على الأثنين فقط لأن قول مثل هذا فيه الكثير من التبسيط لحقيقة الاوضاع في المملكة. لذلك عندما تسأل عمن الذي يحكم المملكة الآن لديك حق. فالامر معقد. والاوراق مختلطة. والسلطات تتنازعها مقدرات ومراكز نفوذ متعددة. فمن وجهة نظر الغرب، فان الامير عبد الله هو الحاكم الحالي بفعل المنطق والدستور. لكن على ارض الواقع الامير نايف هو الحاكم الفعلي. هو وأخوانه السديريون. وقول مثل هذا لا يجب ان يفهم منه ان هناك سلطة حكم مركزية في المملكة. واعتقد انك تعرف فداحة الضرر وحجم الخطر من الافتقاد الى آلية مثل هذه. لا اقصد دكتاتورية وانما هناك حاجة الى سلطة للدولة تخطط وترسم وتنفذ وتتخذ القرارات وتستشير باحثين واكاديميين واصحاب رأي وتحكتم للقانون فتكافئ المجد وتعاقب المسيء وتردع الخارج عن القانون. هذه متطلبات اساسية لا يمكن للدول أن تستغني عنها. ثم عن علاقتهم بالمذهب الوهابي والمؤسسة الدينية، وهم جناح الصقور او الطرف المتشدد داخل الحكم. بل ان الطرف المتشدد داخل الحكم، ودون ان يحركهم او يدعمهم نايف باتوا يحكمون فعلا دون خوف او رادع من احد ويتمتعون بسلطات لا يستطيع احد ان ينتقص منها. كما أن الاعتقالات التي حدثت في الاسبوع الماضي تدل على ان الطرف المتشدد قد انتصر. لانهم نظفوا البيت كما يعتقدون (لا نريد اي كلام عن الديمقراطية) لأن هؤلاء قد تمادوا بعدما وجدوا صدى واستجابة وتساهلا مع طلباتهم. كل يوم عريضة وكل يوم يقابلوا الامير عبد الله وهو الذي يسمع لهم ويوحي لهم بالأمل في امكانية الاستجابة لمطالب الاصلاح والتغيير. ثم فجأة ماذا حدث؟ يقومون باعتقال رموز المجموعة التي قابلته.


  • فماذا يعني ذلك؟
  • ان ما يحصل الآن في السعودية ليس أكثر من خطوة الى الامام وخطوتين الى الخلف. وهنالك شخص سعودي يقول الآن اذا اردت ان تكسر حبة بندق فاستخدم المطرقة أي ان التصرف الحكومي السعودي قد تعدى الحدود في قسوة التعامل مع اصحاب مطالب الاصلاح. هذه هي العائلة المالكة. العائلة المالكة عندنا تحولت الى مشكلة كبيرة. أولا هناك الخط الامامي وهي مجموعة الصف الاول او كبار السن من الأمراء، وهؤلاء في حقيقتهم تحولوا الى مجموعة أثرية. والمهم هو ان لا تلجأ الدولة الى اطلاق التصريحات بدون رغبة حقيقية في تنفيذها فيما بعد. لذلك عندما ينسب الى الملك فهد قوله في حزيران (يونيو) الماضي ان السعودية بصدد اجراء اصلاحات مهمة.. فان على المسؤولين عدم الاستخفاف بعقول المواطنين. فإما أن تنفذ الاصلاحات أو ان السعوديين سوف لن يصدقوا مثل هذا الكلام. بعد الروايات والأحاديث والقصص التي يسمعها السعوديون من سنوات عن الاصلاح دون ان يلمسوا شيئا حقيقيا او واقعيا. ليس هناك وقت محدد للاصلاح ولا سقف أعلى ولا خطة. او نسمع ويسمع معنا الاخرون ان هناك توجه لتوفير متطلبات الاصلاح وان البداية تتمثل في توفير متطلبات واشتراطات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. اصلاح القضاء! لكن هل ان اصلاح القضاء سيتم استجابة لتطلعات ومطالب الشعب ام لأنه شرط مفروض عليهم من منظمة التجارة العالمية. وهم يعرفون ان السعوديين يتطلعون الى اعلان حكومي بجدول زمني واضح ومحدد لهذه الاصلاحات.


  • في مقالتك في الهيرالد تربيون الاميركية اشرت الى اعضاء مجلس الشورى السعودي الذين زاروا لندن، وما صاحب اعمالهم من خيبة بعد عودتهم، فهل اعضاء مجلس الشورى مؤهلون وجادون هم أيضا في تحمل مسؤولية قول الحقيقة التي تقود الى التغيير او الاصلاح؟
  • نعم سبق ان ارسلت السعودية اربعة من اعضاء مجلس الشورى الذي يعتبر نواة للبرلمان. هؤلاء أرسلوا الى بريطانيا من اجل التغني بجهود حكومة الرياض الاصلاحية. وقد استقبل الوفد استقبالا حافلا من السياسيين البريطانيين، ونواب البرلمان، وعقدت لهم مؤتمرات صحافية واستمعوا لتعليقات متعاطفة مع السعودية، إلا ان جهودهم انهارت بعد عودتهم الى البلاد.


  • فما وجه الغرابة في الاعتقالات الأخيرة؟
  • هؤلاء الذين اعتقلوا لم يرتكبوا إثما ولا جريمة وجاء اعتقالهم لانهم وقعوا على مذكرات تطالب الدولة بالإصلاح. لا تدعو الى انقلاب على السلطة ولا الى اسقاط الحكم. وقد اعلنوا ان معارضتهم هي في اطار النظام السياسي الذي ينتمون إليه ولا يدعون الناس الى محاربته. لذلك فان الغريب في الامر هو ان الذين تم اعتقالهم هم من الشخصيات المحترمة الذين قابلوا ولي العهد الامير عبدالله شخصيا. واكثر من هذا فقد كانوا يمثلون التيار الأكثر اعتدالا في صفوف الاصلاحيين السعوديين. وهم الذين كانوا سيدعمون ويساعدون الحكومة على تحقيق الاصلاحات، والتي زعمت الحكومة انها تريد القيام بها، في محاولة منها للتصدي لعدد من الهجمات ونشاطات المتعاطفين مع القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن.


  • ما هي المشكلة واين تكمن؟
  • المشكلة هي في ان لا احد يعرف من هي الجهة التي تحكم البلاد داخل هذه العائلة المالكة. وهذه مشكلة كبيرة وخطيرة. نعم هناك أزمة حكم في المملكة. وهذا واضح وجلي ومعروف للسعوديين في الداخل تحديدا وللغير أيضا ولم يعد سراً. ثانيا: هناك الجيل الثاني من الامراء. وهم صغار السن من ابناء العائلة وهم ايضا يريدون وظائف حساسة وعليا ومهمة. ويريدون منافع وامتيازات مثل الكبار ويعتبرون ان ذلك حق مكتسب لهم. يريدون مرتبات امراء تتوافق ومكانة كل منهم في المجتمع السعودي. لا يريدون التخلي عن امتيازات تمتع بها من سبقهم مثل الوصول الى المطار في اي وقت والحصول على كل مقاعد الدرجة الاولى على طائرة الخطوط الجوية السعودية للأمير ولافراد عائلته وحاشيته وبدون مقابل او حجز مسبق ودونما اعتبار لمن حجز قبله من المواطنين. وأن يحصل على أكثر من حاجته من الماء والكهرباء والاتصالات دون مقابل مهما كان حجم الاستهلاك. كما أن الأمراء يرفضون ان يحاسبهم القانون على أي أمر أو فعل. لذلك فهم يرفضون وسيقاومون اي تغيير او رغبة في التغيير في نظام الحكم على نحو من شأنه ان يدفع الى مساءلتهم او محاسبتهم على افعالهم وتصرفاتهم وتطاولهم على المال العام. لأن المحاسبة تخيف الامراء الذين هم في الواجهة أكثر من الديمقراطية.


  • فهل هو رفض للاصلاح أم خوف من المحاسبة؟
  • الخوف من المحاسبة الشعبية تقلقهم وتخيفهم أكثر مما تخيفهم الديمقراطية. نعم الامور بدأت تخيفهم الان بسبب كثرة التساؤلات وحجم التذمر وحدة الانتقادات التي توجه إليهم والتي تنشر على المواقع الالكترونية للسعوديين في الداخل والخارج. وهذه المواقع لم تعد تتردد في قول كل ما يدور في أذهان الناس. وكلها تنتقد العائلة المالكة. فكيف سيمكن السيطرة على الامراء الشبان في ظل اي نظام ديمقراطي او بموجب اي اصلاحات حقيقية؟ عدد الامراء كبير واسرافهم مفرط واستهتارهم بالمال العام والسلطة لا حدود له! وهناك ايضا انفجار سكاني في المملكة اسوة بما هو حاصل في الدول العربية الاخرى. وستحتاج الدولة الى المزيد من المال للانفاق العام. وهناك أوجه قصور فاضحة وبينة في كثير من المجالات وفي اغلب المناطق بما فيها الرياض نفسها. هذه هي بعض جوانب المشكلة.


  • كثر الحديث خلال الفترة الاخيرة عن الوهابية فهل يمكن ان تشكل خطرا على آل سعود او على حكمهم؟
  • هؤلاء هم أيضا مشكلة كبيرة ومستعصية. هناك مجموعة جديدة منهم أكثر تطرفا من سابقتها. وهناك فئة اخرى تشكل طبقة يمكن ان يطلق عليها مصطلح الاندر غراوند موفمنت (الحركة الخفية). وبالنسبة لي فقد سبق وان القيت محاضرة عن الحركة في هذه المؤسسة (المعهد الملكي للشؤون الدولية) واشرت فيها الى خطورة هذه الحركة التي يدفعها اليأس والحرمان وغياب الفرص الحقيقية في التوظيف او التمتع بالعدالة الاجتماعية او ضمانات العيش الكريم. وهم مثل كل مواطني الدول الاخرى لا يريدون أكثر من معاملة تحفظ لهم كرامتهم وتحقق لهم روابط الولاء والانتماء. والوجه الآخر للمشكلة يكمن في أن العالم الغربي والاعلام الدولي يجهل حقيقة الكثير من الامور في المجتمع السعودي. فيعتقد او ربما من الاسهل له ان يطلق اسم القاعدة على كل من يختلف مع النظام او مع الغرب وان ينسب اي حركة معارضة او عمل عنف او رد فعل على انه من فعل القاعدة. وهذا خطأ. فهؤلاء ليسوا كلهم القاعدة وان كانت لديهم نفس الفلسفة او الفكر الديني المتزمت. وسبب صعوبة التغلب عليهم يعود الى انهم مجموعات متعددة الاطراف والرؤوس.


  • من الذي يتحمل مسؤولية ظهور وتعاظم هذه الحركة؟
  • النظام الحاكم في المملكة هو الذي يتحمل مسؤولية ظهور هذا الوحش ورعايته. الحكم السعودي هو الذي خلق هذه الموجة الجديدة من جيل المتطرفين من خلال تبنيه للفكر الديني المنغلق والنظام التعليمي والدعم المادي الذي توقف فجأة وانقلب من رعاية الى عداء ومطاردة.


  • ما الذي يمكن ان يحدث الآن؟ ماهي تصوراتك لما يمكن ان يقع من تطورات في هذا المجال؟
  • الجميع يريدون الاصلاح كل بطريقته الخاصة. وثمة ثلاثة خيارات او طرق يمكن اتباعها. هناك ثلاثة امور باعتقادي. او اربعة في الحقيقة. هناك شريحة من السعوديين تريد الاصلاح واحلال الاستقرار والأمن في البلاد. وستضغط عليهم السلطات بكل الوسائل لاجبارهم على التعهد بعدم تكرار المطالبة بالاصلاح والديمقراطية والتوقف عن الاشارة الى الفساد الاداري والمالي والتخلي تماما عن توقيع العرائض والمطالب والمذكرات الداعية والناصحة بالاصلاح وعدم تأييد اصحابها. اي التعهد بالتخلي عن حقوقهم والقبول بتجريدهم من دورهم الوطني. ولذلك فانهم أما ان يخافوا من الموت او السجن على أيدي الحكم.

    وهناك فئة صامتة، او فضلت الصمت خوفا من العقاب والبطش. ويمكنك ان تتابع سيل المواقع الالكترونية السعودية التي يكتب فيها المواطنون وجهات نظرهم، ويتحدثون علانية عن معاناتهم وسخطهم وعدم رضاهم على ما يجري وعلى طريقة ادارة امور البلاد. وقبل ايام كان هناك من يتساءل عن الرجال (أين هم ولماذا لا يتكلمون عن الاعتقالات والمعتقلين؟) وقد رد البعض على هذه التساؤلات بالقول: نخاف من الموت ونخاف على ابنائنا. نعم من حقهم الخوف لانهم سيواجهون السجن حتما. والفئة الثالثة ليس امامها خيار غير الوقوع بيد القاعدة او الجهاديين الذين يعدونهم بالجنة مقابل الشهادة. والشهادة تعني تفجيرات او مواجهات دموية.


  • وماذا عن الفئة الرابعة؟
  • هي الفئة التي اختارت الهجرة الى الخارج للاقامة والعمل والكتابة والنشر والبحث العلمي تحاشيا للمنع من ممارسة هذه الحقوق في الداخل او السجن. وأنا مثلا، كنت امارس التدريس في جامعة الملك عبد العزيز خلال الفترة من عام 1982 والى عام 1984 وجئت الى بريطانيا واكملت الدراسة وحصلت على شهادة الدكتوراه. وكنت بصدد العودة الى البلاد للاستقرار والعمل. وكان من الطبيعي ان يتطلب عملي العلمي والاكاديمي مواصلة التنقل ما بين السعودية وبريطانيا. لكن قبل ثلاث سنوات وانا في لندن فوجئت بإبلاغي أمرا من الامير نايف (وزير الداخلية) بأن أوقف كتاباتي ونشاطاتي. وأفهموني بان سبب هذا الامر يعود الى كتابي عن الجيل السعودي الجديد (هويات متغيرة).


  • هل أعلنت الحرب على آل سعود في هذا الكتاب كما فعل البعض وقبض ثمنا ليتوقف عن توجيه مثل هذا النقد؟
  • اطلاقاً. الكتاب اكاديمي. ولو كان الحكام عندنا مهتمين حقيقة في الاصلاح، لاستفادوا من الكتاب. ولرأوا في عبد الرحمن ومحمد (الاول سلفي والثاني براغماتي)، و(منى) التي تعيش أزمة صراع بين التقاليد والحضارة والمدنية والتطور التي تسود العالم الحديث.. نماذج من الشبان السعوديين.


  • وماذا احتوت أوامر وزير الداخلية أيضا؟
  • طُلب مني أن لا أتحدث أو أكشف عن مثل هذه الرسالة، وأن لا أبدي أي تذمر أو رد فعل عليها وأن لا يعلم بها أحد سواي. وقال لي من حمل هذا الامر: (أحمدي ربك انك لم تسجني خمسة سنين على الأقل).


  • بصراحة دكتورة مي، هل هناك فجوة كبيرة بين الحكم والسعوديين وأي فئة منهم وهل لمثل هذا الامر اسباب داخلية ام خارجية؟
  • الاثنين معا. فعندما حدث ما حدث في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 واتضح كم هو عدد السعوديين المشاركين في خطف الطائرات الثلاث ونسبتهم العالية التي تشكل ثلثي منفذي هذه الاعمال، بامكانك ان تدرك حجم الاحباط الشعبي السعودي من النظام ومن الغرب على السواء الذي دعم هذا النظام رغم الاداء السيء والوضع غير المقبول. نعم عندنا مشكلة حقيقية خطيرة. وهذا ما قلته في التلفزيون. وهو ان هناك كره وعداء للغرب ولأميركا بالذات. وإلا بماذا نفسر كل هذا العدد من السعوديين بين من اختطف الطائرات الثلاث؟


  • هل تقبل الحكم السعودي ملاحظاتك هذه، كيف قابلها؟
  • بعد أن قلت ذلك، اتصلوا بي مرة اخرى، ووبخوني بدعوى: لماذا اقول مثل هذا الكلام؟ بينما نحن كلنا نعرف الحقيقة ونعرف اسباب ذلك أيضا. والعالم كله يتابع حرق الاعلام الاميركية من اندونيسيا الى المغرب. وقالوا لي بعدها: ان المرأة دورها في البيت والانجاب وليس في السياسة.


  • كيف تعامل انسانة مثلك مرموقة علميا في مجال البحث والفكر بهذه الطريقة وانت تعملين في واحد من أرقى مراكز الدراسات السياسية في بريطانيا والعالم؟
  • انه اسلوب تكتيكي متبع لاسكات الآخرين. نحن نعرف اننا في أزمة. وان هناك حالة ضغط وانفجار وشيك بسبب عدم الاستقرار. ثم ان زيادة العنف ليس إلا واحداً فقط من الأدلة. وأنا اتكلم الآن عن السعودية، لأن هناك في الدول العربية الاخرى أزمات شبيهة او مختلفة حسب طبيعة المجتمع ومشاكله التي يعاني منها لكن هناك احباط عام من الحكام ومن طريقة الحكم. ولدينا في المملكة هذه الدولة الاغنى بين دول المنطقة باعتبارها أكبر منتج ومصدر للبترول في العالم، لدينا نسبة عالية من البطالة. وهناك سوء تخطيط. وهناك ضياع اجتماعي وتفرقة بين المواطنين في الوظائف والمناصب والمكانة الاجتماعية. وهذا يولد درجة عالية من الخوف من المستقبل. وكل هذا معروف. لكن الذي يجب ان نتحدث عنه الآن هو خوف القادة او العائلة المالكة من التطورات والعواقب.


  • كيف ومم تخاف العائلة المالكة؟ هل تخاف من الضغوط الخارجية ام من المطالب الداخلية أيهما يقلقها أكثر؟
  • الانفتاحيون ودعاة التحديث انقسموا والتحرريون (الليبراليون) سجنوا والسؤال هو: ما هو باعث الخوف الذي تشعر به العائلة المالكة ومم؟ هل يخافون من الجهاديين الذين يواجهون أجهزة الأمن والشرطة؟ أم من التحديثيين والاصلاحيين؟ الظاهر أنهم خائفون من الناشطين الاصلاحيين لانهم نوع من المعارضة المنظمة التي تحمل برنامج عمل واضح ومعد. بينما الجهاديون ينشرون الفوضى والموت فقط.

    أم انهم خائفون من الولايات المتحدة التي تطالبهم بالاصلاح؟

    باعتقادي ان كل هذه الاسئلة، أسئلة متشابكة ومترابطة. فهم في حالة من الفوضى والهلع لأنهم بين ضغوط اميركا وبين مطالب الشعب.


  • هل هناك توازن في الخوف بين هذا الطرف (الشعب السعودي) وذاك الطرف (أميركا)؟
  • بالضبط. وقد اشرت الى ذلك قبل حرب الخليج التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق. وقتها قلت ان هناك ميزاناً للخوف. فهم في فترة يخافون أميركا أكثر من الشعب. ووقتها لايعيرون أهمية للشعب. ثم فجأة يكتشفون انهم ذهبوا بعيدا في تجاهل الشعب والتقليل من شأن خطورة رد فعله. لكنهم الآن في وضع مختلف. فالمواطنون يتساءلون بما يشبه الرفض أن يكون اسم بلادهم على اسم عائلة. فهي ظاهرة نادرة في العالم. إذ ليست هنالك دولة تحمل بأكملها اسم شخص مثل السعودية. فالمملكة الاردنية الهاشمية لا تقول انها هاشمية وانما اردنية. بينما في السعودية تقول انها اي الدولة سعودية نسبة الى العائلة المالكة. وربما كان ذلك مقبولا من الشعب عندما كان للعائلة هيبة.


  • ماذا عن الضغط الاميركي الذي يطالب الرياض بالاصلاح والديمقراطية، هل هو ضغط حقيقي وهل سيقود الى نتيجة؟
  • نحن نعرف الفوقية والتعالي والازدواجية الاميركية في المواقف والمعايير وتقييم الامور. ويتحدث الاميركيون أنفسهم عن ذلك سواء كانوا رسميين أومفكرين أوسياسيين طالما انهم خارج السلطة. لا سيما عندما يتعلق الامر بطريقة تعاملهم مع العراق في الثمانينيات ومن ثم في التسعينيات. ويتطرقون الى اختلاقهم مبررات الحرب التي اسقطت النظام في بغداد. وقبل شهر واحد كنت في أميركا وشاهدت في مكتبة تبعد امتاراً عن البيت الابيض، عشرات الكتب التي تتهم وتثبت ان الرئيس الاميركي الحالي جورج دبليو بوش كذاب. نحن نعرف ان الديمقراطية في الولايات المتحدة مرتبطة او متوافقة مع مصالح أميركا ومع ارادة راسمي سياستها ومع أمزجة كبار المسؤولين فيها. ونعرف ان هناك عدم ثقة الى حد ما بالديمقراطية الاميركية لأن واشنطن لم تظهر في أي وقت اي شكل او نوع من الاهتمام بسوء علاقة الحاكم بالشعب، ولا بحجم التعدي على الشعب ولا بسوء استخدام السلطة. ومن أيام جمال عبد الناصر وثم الخميني وعرفات وغيره. لكن، في كل الاوقات خلال العقود الأربعة الاخيرة ظل الاميركان يدعمون ويحمون النظم الدكتاتورية طالما انها تخدمهم وتقدمهم على شعوبها وتلبي ارادتهم اي الارادة الاميركية. والسبب معروف وهو ان النظم الدكتاتورية قادرة على السيطرة على شعوبها بالقوة والتنكيل وايضا لان هذه النظم غير الديمقراطية لا تستند الى الشرعية ولم تصل الى الحكم بارادة مواطنيها لذلك فانها مقتنعة بأن بقاءها في الحكم يعتمد على رضا الاميركان عليها.


  • فهل اختلف الوضع الآن وتغير الموقف الاميركي من الحكم في الرياض؟
  • المشكلة الآن ان الاميركيين عندما يتحدثون عن الديمقراطية فانها بالنسبة لهم (وهذا ينطبق على العراق بوضعه الحالي) سوف لن تخدم مصالحهم ولن تحقق لهم اهدافهم. لذلك فان الولايات المتحدة، وفي ظل تغير موازين القوى في العالم صار لديها أصدقاء جدد. ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي فان السعودية فقدت دورها القيادي وبالمقابل نرى ان هناك دولاً أكثر قرباً وتقارباً مع اميركا مثل الكويت وسواها. ولكن طالما أن أميركا هي التي تحمي المنطقة، فان من ضمن مهامها او في مقدمتها، مهمة حماية النظم من الشعوب. وهي تفعل ذلك للحفاظ على مصالحها. وفي حقيقة الأمر، فان المسألة تبدو كما لو ان أميركا قد استأجرت بعض هذه الدول. اشترت النظم والحكام وليس الشعوب. وهذه هي المشكلة. وجوابا على سؤالك: هل ستفرط أميركا بالحكام الذين حمتهم؟ والجواب: هذه هي أميركا. الكلام عن الديمقراطية وحقوق الانسان عندها او لديها يرتبط بالمصالح. وعندما نرجع للاميركان لنتعرف على حقيقة وجدية مطالبهم من الحكم في المملكة، فان الجواب لن يأتي من خارج هذا السياق. وسبق لي أن مثلت أمام إحدى لجان الكونغرس الاميركي وقدمت شهادة تنسجم مع هذه الحقيقة وكان ذلك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.


  • فماذا ستفعل واشنطن للحفاظ على مصالحها وعلى مصداقيتها وهي تنادي بالديمقراطية وشرق اوسط جديد؟
  • قبل عدة سنوات، بحث الاميركيون عن أمير انفتاحي متحرر. وفي البداية وضعوا آمالهم في ولي العهد الامير عبد الله. لكنه لم يستطع التوافق مع التطورات المفترضة واخفق بالتالي في تحقيق الاصلاح الذي يتطلع اليه المواطنون. وتعطلت آلية تعديل البرنامج التعليمي والمناهج الدراسية. لذلك فان من ضمن الاسماء التي استطلع اعضاء مجلس الكونغرس عنها خلال جلسة الاستماع، الامير الوليد بن طلال. الاميركان يعتقدون ان المال يمكن ان يتحول تلقائيا الى قوة تقود الى السلطة. وهم في الحقيقة يجهلون طبيعة النظام او الاوضاع في المملكة.

    كمثال على ذلك فان مارتن انديك وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية وسفير سابق لاميركا في تل ابيب، كان جالسا الى جواري خلال جلسة الاستماع وكنت العربية الوحيدة التي تقوم بمهمة اطلاع الكونغرس الاميركي على حقيقة الامور في بلادي. انديك قال ان هناك تقدما لا ينكر في الاوضاع في السعودية. وانا اعرف انهم يخافون من تنامي ظاهرة التطرف المعادي لهم في بلادنا. ولعل دورهم في اغلاق الجمعيات الخيرية والانسانية الاخرى، يدخل في هذا النطاق لانهم يخشون من ان تذهب أموال التبرعات والمحسنين التي تقدم لهذه الجمعيات الى القاعدة والجهاد. انديك قال ان الجانب السعودي بات يتعاون الآن مع الجهات الاميركية وان هناك تقدما في هذا المجال لاسيما في قضية الزكاة التي قال انها شهدت الكثير من التطوير في مجالات الاستفادة من اموالها في غير دعم من اسماهم بالارهابيين. لذلك تعمدت قبل الاجابة على السؤال التالي الذي طرح علي، اردت ان اوضح نقطة مهمة تتعلق باشارة مارتن انديك للزكاة، فقلت ان ما ذكره انديك من ان الحكم في الرياض نجح في تغيير الاساليب التي اتبعت في المملكة العربية السعودية على مدى الف واربعمئة عام، غير صحيح لعدة اسباب اولها ان السعودية لم تكن موجودة طوال الف واربعمئة سنة لانها لم تطلق على نفسها مثل هذا الاسم قبل عام 1932. وبالتالي لم تكن هناك مساجد عبر الصحراء التي تقع ضمن حدود الدولة الحالية. ثم ان الزكاة احد اعمدة الاسلام الخمسة وانتم ايها الاميركان لا بد وانكم تعلمون ان بلادنا كلها باتت معادية لكم بسبب مواقفكم وبسبب دعكم وحمايتكم للنظم الدكتاتورية المتسلطة والآن تأتون لتدعون بان الحكم في المملكة استجاب لمطالبكم بالاصلاح فاخترع قضية الزكاة وهي عمود اساس في الاسلام. الاميركان عامة حينما دخلوا الى العراق لم تكن لديهم خطة او مشروع متكامل ونحن نعرف ذلك. لم يكن هناك تصور واضح لمرحلة ما بعد الحرب. بل على العكس بدا انهم يعانون من ضعف في النظر او عمى في البصيرة.


  • لماذا نلقي باللوم على أميركا في كل شيء وكأنها دولة عربية عليها ان تنظر بعيون العرب وتفكر بعقل عربي وتتبنى المصالح والتوجهات والحقوق العربية بينما هي دولة عظمى تحكم العالم وعليها ان تحافظ على خطوط توازن مع كل الاطراف الاخرى؟
  • تعرض العرب الى ظلم شديد من قبل الاميركان ليس في قضية فلسطين والانحياز الى اسرائيل فقط وانما في عدم مساعدة الشعب العربي في تطوير نظامه السياسي واصلاح اخطائه وفي مسائل كثيرة اخرى. لكن الطامة الكبرى في الصراع العربي الاسرائيلي فقد شل عملية الاصلاح وعطلها وابقى على اوضاع الفساد السياسي والاداري والمالي وساعد النظم الدكتاتورية والشمولية على البقاء في السلطة. مشكلة فلسطين جعلت من الاصلاح العربي قضية مؤجلة. لانها اعطت للحكام عذرا.


  • فما هو الحل الممكن إذن؟
  • لنعد الى دولنا وشعوبنا ونبدأ بتنظيف بيوتنا اولا ولننسى أميركا. لو أمكن تضييق الهوة بين الحكام والمحكومين فان الهوة بين العرب انفسهم كدول ستغدو ممكنة لاستعادة الامال بالوحدة او التكامل الاقتصادي والاجتماعي والعلمي. مشكلتنا تكمن في البحث عن اعذار وحجج للاوضاع التي آلت الى ما نحن فيه الآن. وهكذا يقال ان الاصلاح يجب ان يكون شأن داخلي وان لا يسمح للغير بانتقادنا على ما نحن فيه من اوضاع. والحجة الجديدة ان مطالب الاصلاح طالما انها واردة من أميركا فلايجب بالتالي القبول بها لانها قد تخدم اسرائيل! الخلل والنقص في المادة التعليمية والضعف والمرض في المناهج يجب ان يظل لان الانتقاد جاء من الخارج!


  • ما هو المفيد بالنسبة لنا؟ ما الذي يتوجب على العرب فعله؟
  • يجب على العرب ان يتفهموا ابعاد السياسة الامبريالية الاميركية وان نتخوف منها ومن حقنا ان نشك فيها لكن قبل ذلك علينا ان نراجع سياساتنا وسلوكنا وان نشخص اخطاءنا وان نعالجها وان نطور انفسنا. وقبل اسبوعين تحدثت حنان عشراوي الوزيرة والمفاوضة السابقة وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني خلال عشاء خيري هنا في لندن، عن كل خلفيات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعن التطورات والاوضاع الحالية والموقف الدولي. عشراوي متحدثة لبقة وجيدة وعلمية وتحدثت باسهاب وطلاقة وبمنطق سليم عن التهويد واضرار استمرار المخطط التوسعي الاسرائيلي وعن جرائم الاحتلال ثم فجأة وقفت لتقول: لنسأل أنفسنا ولنحاسب انفسنا ونحاسب السلطة الوطنية الفلسطينية أولا وحكوماتنا العربية ونراجع ونسلط الاضواء على اخطائنا. هناك الكثير الذي نلوم عليه الاميركان بسبب سوء سياستهم في الشرق الاوسط. والكثير من الجرائم والممارسات التي تلام عليها قوات الاحتلال والحكومة الاسرائيلية. لكن هناك الكثير او الاكثر الذي نلام عليه نحن العرب. هناك اخطاء لا حصر لها. شريط طويل من احداث وخطوات السقوط والاصرار على التمسك بالخطأ. علينا الآن ان نكون واقعيين وان نعود الى مواطنينا ونسألهم ونستفسر منهم ونستمع اليهم عن طبيعة تصوراتهم حيال ما يجري. عن وجهات نظرهم بالاصلاح او الاوضاع الحالية. عن معاناتهم وعن طموحاتهم.


  • هل الاميركان جادين في مشروع الاصلاح في الشرق الاوسط، وهل ستعيد واشنطن النظر في سياساتها وتحالفاتها وارتباطاتها السابقة وتبادر الى تصحيح اخطائها في المنطقة لتسهيل قبول الناس لمشروعها وابعاد او تقليل حالة الشك بين خطوط مشروعها وحقيقة نواياها في المنطقة، او باختصار ماذا تريد اميركا من السعودية او الحكم في الرياض؟
  • السعودية مهمة جدا بالنسبة لأميركا بسبب البترول. فهي الاكثر انتاجا وقدرة على التصدير وايضا الاكبر احتياطي ثم انها حليف قديم. لذلك فانهم سيظلون يحتفظون بعلاقات قوية ومتينة مع السعودية. الاميركان وقد سمعت ما سأقوله من مسؤولين وسياسيين وباحثين في عدة مناسبات، يريدون حماية العائلة المالكة السعودية. خوفهم او باعثهم في هذا هو مخاطر تسيد المتطرفين الاسلاميين للساحة وربما الحكم. نعرف ان النظام في المملكة لا يمكن ان يمضي أبعد مما فعل في اطار الدين وبعد طالبان ليست هناك صورة قاتمة أي انه ليس بمقدور أحد ولا الحكم السعودي ان يغالي في الدين اكثر مما فعل حتى الآن. والاميركيون يعملون بمبدأ الشيطان الذي تعرفه افضل من الشيطان الذي لا تعرفه: The devil you know is better than the devil you don't know لذلك فانهم ربما يظلون حريصين على الابقاء على آل سعود في الحكم. خصوصا وانهم اظهروا طاعة مفرطة لأميركا. ونعرف ويعرف العالم ان السعودية تطوعت في كل المرات التي حصل فيها نقص في المخزون الاميركي الاستراتيجي من النفط او في المعروض منه في اسواق العالم، وبادرت الى سد هذا النقص. وقدمت للعالم النفط باسعار رخيصة. كما انهم اي العائلة المالكة السعودية اثبتوا مرارا للاميركيين ان بامكان واشنطن ان تعتمد عليهم على الدوام.


  • ماذا عن الجانب السعودي، هل يشعر بالحرج من الشارع او العالم وماذا عن موقف السعودية من احتمال تخلي واشنطن عن حماية النظام الحالي او استبداله بآخر لاسيما وان مثل هذه الاحاديث مطروحة وتجربة العراق الحالية تجعل من كل الاحتمالات والبدائل قائمة؟
  • بالنسبة للسعودية، فان الجيل الثاني من الامراء او الجيل الثالث منهم أقرب الى الغرب من سواهم من ابناء الاسرة فهم يرتدون ملابس غربية ويحرصون على أناقتهم ويجلسون مع الاميركان ويتحدثون بمنطق ولسان تحرري ولا تنقصهم المقدرة على الاستعانة بكل المصطلحات السياسية والاقتصادية الجديدة المرتبطة بالعولمة والرأسمالية وحقوق الانسان. كما ان لغتهم الانجليزية رائعة وسليمة. وهذا الكلام يشمل قطاع واسع من الامراء الذين تقل اعمارهم عن ستين عاما. واعتقد ان الاميركيين مسرورون لهذه الفئة الجديدة من الامراء. ولكن عندما يعود هؤلاء الامراء فانهم يتصرفون على نحو مختلف لانهم يصطدمون بواقع يجبرهم على ذلك.


  • فهل يدفع كل ذلك واشنطن الى التغاضي عن مطالب الشعب السعودي او عما يجري في المملكة، وهل يمكن ان يدفع بهم الى حد التخلي عن مطالب الاصلاح؟
  • المشكلة الآن تكمن من خلال ظاهرة استشراء العنف في البلد وتكمن في حجم وجود ونفوذ واتباع القاعدة في المملكة وعدد المتعاطفين معها والمتبرعين لها. وهم قلقون أيضا من احتمالات تطور الامور نحو الاحسن في المواجهة بين المطالبين بالاصلاح والانفتاح والتغيير وبين الذين لا يريدون التخلي عن مكاسبهم وسلطاتهم وسطوتهم على المال والناس. والحقيقة ان الامراء الحكام لم يعودوا قادرين على الظهور بمظهر المتحكم بكل شيء كما كان عليه الوضع من قبل. فالامور خرجت من ايديهم ولم يعد بالامكان تجاهل الحاجة للاصلاح او مطالب الاغلبية. وبندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن أكد مرارا من قبل ان كل شيء تحت السيطرة! وهي مقولة كررها أيضا عادل الجبير المتحدث باسم الامير عبد الله، وجاءت فترة لم نعد نقرأ فيها إلا مثل هذه التصريحات. الملك فهد بنفسه في اعقاب تفجيرات تشرين الثاني (نوفمبر) التي تعرضت لها الرياض، صرح بأنه سيقاتل الجهاديين ويضربهم بيد من حديد. وهو يتحدث عن القبضة الحديدية في مواجهة الجهاديين بينما هم جميعهم فتية متوحشين ملغمين انفسهم بالقنابل! مفخخين. وفضلا عن ذلك فانهم مقاتلون منظمون ومندفعون في ظل حماس كبير. فماذا يقصدون بأن كل شيء تحت السيطرة؟


  • وهل تعتقد الولايات المتحدة ان الوضع سيتحسن فعلا او يختلف عما كان عليه ما لم تتم الاستجابة لمطالب الناس بالاصلاح الحقيقي؟
  • نحن في السعودية ليس لدينا لا احمد جلبي سعودي ولا حميد كرزاي سعودي. ليس لدينا مثل هؤلاء الذين يمكن لاميركا ان تنيط بهم مهمة التغيير. وليس بمقدورهم، اي الاميركان اختراع واحد من هذين الاثنين بمقاسات سعودية. فمن أين يأتون بنسخة سعودية من كرزاي الافغاني ويلبسونه عباءة وقفطان متحضر ومصمم بأيدي افضل الاسماء الاوروبية والاميركية النابغة في مجال الازياء والصرعات ويسمونها تقليدية.


  • ما هي قراءتك للأمور، كيف سيتصرف الاميركيون في الشأن السعودي وهم بالمناسبة يتدخلون ويتصرفون في كل أمور العالم وهذا عهدهم وعصرهم وهو شأن القوى الكبرى التي حكمت العالم طوال التاريخ؟
  • واضح ان الاميركيين في حيرة الآن فيما يتعلق بالموضوع السعودي. نحن نعرف انهم يحمون السعودية. وعندما أعدت الادارة الاميركية تقريرها الكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وحجبت منه 82 صفحة عن الجزء الخاص بالسعودية، برر البيت الابيض والخارجية الاميركية اسباب حجب هذه الصفحات عن الملأ على اساس انها حساسة جدا ووقتها رفض الديمقراطيون مثل هذا التبرير من الادارة الجمهورية. لكن القصد الحقيقي كان حماية العائلة المالكة السعودية لانهم بحاجة اليها.


  • مرة أخرى لماذا؟
  • هناك سبب آخر يعود الى حالة عدم الاستقرار في العراق. الاوضاع المتفجرة وغير المستقرة في العراق وفي فلسطين تجعلهم لا يستطيعون المغامرة بالسعودية التي يعتبرونها أهم بلد في المنطقة. يعني اذا نظرنا اليوم الى البلاد العربية والاميركان ايضا اذا نظروا الى منطقة الشرق الاوسط فان البلدين الاكثر أهمية لهم هما العراق والمملكة العربية السعودية. والخطر الذي قد ينجم من عدم الاستقرار، كبير جدا. ليس لأميركا فقط وانما لدول الجوار أيضا.


    (نقلاً عن مجلة المشاهد السياسي ـ العدد 421، 4/4/2004)

الصفحة السابقة