الحامد يعتبر الملك خصماً ويطالب بجلوس ممثلة (الإدعاء العام) في مستوى المتهمين!

دعاة الإصلاح يدشنون أول محاكمة علنيّة في تاريخ المملكة

فور الانتهاء من انعقاد الجلسة العلنية لمحاكمة الاصلاحيين الثلاثة في التاسع من أغسطس الماضي بدأت تقارير وانطباعات وروايات الشهود تصدر تباعاً، من بينها مواقع الحوار الالكترونية مثل دار الندوة، وموقع شعاع، وغيرها إضافة الى وكالات الانباء مثل فرانس برس وبي بي سي، وهكذا رسائل وصلتنا ممن حضروا المحاكمة ونقلوا الينا تفاصيل ما جرى داخل قاعة المحكمة. وقد لحظنا ثمة تطابقاً شبه تام بين الشهادات المنقولة وقمنا بالدمج بينها اعتماداً على ما ورد في شهادة أحدهم في دار الندوة والتي طعمناها بجزئيات أخرى ربما سقطت سهواً وفيما يلي نص الشهادة:

محاكمتهم العلنيّة ستكشف زيف القضاء والداخلية

ما إن إقتربت الساعة الثامنة من صباح يوم الإثنين حتى بدأ عدد كبير من الناس بالتوافد الى المحكمة الكبرى بالرياض لحضور محاكمة الاصلاحيين الثلاثة بعد مرور خمسة أشهر على إعتقالهم ودخولهم السجن.. بدأت مجموعات من الناس بالحضور مبكراً رغم أن موعد الجلسة المقرر كان في الساعة العاشرة صباحا فقد تدفق هؤلاء الناس الى الدور الخامس في محمكة الرياض لعلهم يحضون بشرف اللقاء أو الحديث مع والسلام على المعتقلين وهذا كان أكبر طموحهم وأقصى توقعاتهم..

لقد تباينت أنواع الحاضرين وتعددت مشاربهم وعلاقتهم بالقضية ولكن الملفت للنظر هو العدد الكبير من أقارب وأصدقاء المعتقلين الذين حضروا من جميع أنحاء المملكة، كما حضرت زوجاتهم جميعاً وأطفالهم واثناء الحديث مع بعض الحاضرين وجدت أن بعضهم قد تكبّد عناء السفر ومنهم من قدم من منطقة الجوف ومن المنطقة الشرقية وبعض المناطق الأخرى، كما حضرها عدد من المهتمين والمحامين ومندوب لجنة حقوق الانسان بالمملكة ولجنة حقوق الانسان أولاً وبعض مراسلي الصحافة ووسائل الأعلام، وكان ملفتاً أيضا حضور عدد لابأس به من الشباب المثقف والواعي والمتحمس لهذه القضية.

ومع اقتراب الساعة الى العاشرة صباحاً حتى إمتلأت الممرات بانتظار بداية المحاكمة، ولكن فجأة تم الاعلان عن تأجيل الجلسة الى الساعة الحادية عشر واستبدال قاعة المحاكمة بأخرى في الدور الحادي عشر. وفور بدء انعقاد الجلسة طلَّ علينا الابطال الثلاثة بشموخهم وقوة عزيمتهم وما أن شاهدهم الناس حتى أقبلوا يسلِّمون عليهم ويحيونهم ويقبِّلون رؤوسهم، وتدافعت زوجاتهم وأولادهم وأقاربهم للسلام عليهم في منظر عاطفي رهيب إختلطت فيه دموع النساء مع دموع الرجال والأحباء ولم أتمالك نفسي وأنا أقبل رأس الدكتور عبدالله الحامد والدكتور متروك الفالح والأستاذ علي الدميني حتى تمالكني شعور كبير بالسعادة والفرحة حتى لم أستطع أن أمسك دموعي من الهطول.

تحدثت مع الفالح طويلا والحقيقة إنها المرة الأولى التي أقابله فيها منذ أكثر من عشرة سنوات ووجدته في قمة ثباته وطموحه وكبريائة. سألته بعد أن عرّفت بنفسي له، هل أنت سعيد فقال: أنا في منتهى السعادة ولم أندم يوما وحدا على مافعلت ويكفيني حب الناس .لقد ملأ الفالح المكان بحركته وتفالعه مع الحضور ونشاطه وكان يسأل كل شخص يقابله عن إسمه ويشدُّ على يده، وقد تركته يتحدث مع مندوب وكالة الأنباء الفرنسية وذهبت الى الدكتور عبدالله الحامد، لم أشاهد بحياتي أكثر قوة وشدة من هذا الرجل فقد كان مؤمنا بكل كلمة يقولها وكان طول اللقاء يردد الدستور الدستور هوأساس المجتمع المدني سألني من أنت فقلت له أنا مندوب الأنترنت فقال بلغ سلامي للجميع وقل لهم بأن من يؤمن بمبادئة فلابد من أن يضحي ونحن ضحينا ليس من أجل انفسنا ولكن من أجل وطننا ونحن بدأنا المسيرة ولابد من الشباب من إكمال المسيرة ولا نجاح بدون تضحيات من أجل المبادي. ورغم كبر سنه وتدهور صحتة إلا أنني وجدته قمة في النشاط والحيوية حتى أنه صعد من الدور الخامس الى الدور الحادي عشر عن طريق السلم ورفض أن يستخدم المصعد.. إلا أن أروع مارأيت هو منظره وهو يحتضن أولاده وأحفادة ويقبلهم ويداعبهم بكل حب وعفوية.

أما الشاعر علي الدميني فقد كان في روح معنوية عالية جدا والإبتسامة لم تكن تفارق محياه وهو يسلم على زوجته وإبنته وعلى محبيه وقال لي بالحرف الواحد بلغ سلامي لجميع أعضاء دار الندوة.

صعد الجميع الى الدور الحادي عشر عن طريق السلّم كما طلب الحامد منا وتوقع الجميع بعد ذلك بأن المحاكمة سوف تكون سرية ومقتصرة على المتهمين ومحاميهم وبدأ الجمبع بالتحضير للمغادرة ولكن المفاجأة عندما أبلغنا رجال الأمن بأن القاضي قد سمح للجميع بحضور المحاكمة حسب ما تتسع له القاعة وأن المحاكمة سوف تكون علنية.

لقد إمتلأت القاعة بالجميع، جلس الابطال الثلاثة بالصف الأول الى جانب محاميهم ثم صفوف الرجال أما ألنساء فقد ملأن الصفوف الخلفية، وهن بالمناسبة لسن فقط أقارب وزوجات المعتقلين بل إن هناك عدداً كبيراً منهن من المهتمات والمتابعات للقضية، أما أنا فقد جلست بالمقعد الخلفي لمقعد الفالح مباشرة.

عند حلول الوقت المحدد لبداية الجلسة، إنتظر الجميع دخول القاضي، لقد دار في مخيلتي أثناء الانتظار أن أشاهد قاضيا بارعا وكبيرا في السن وخبيراً بمثل هذه القضايا المعقدة ولكن يالهول المفاجأة عند دخول القاضي الخنين لم يكن بالنسبة لي يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر حتى تذكرت فورا ذلك القاضي الشاب الذي شاهدناه في محاكمة صدام مع فارق التشبية، بعد أن تم التعريف بالمتهمين سأل القاضي الشاب هل لديكم محامين؟ فرد الحامد نعم لدينا تسعة من المحامين وقام بعدِّ أسمائهم رغم أن بعضهم لم يكن متواجداً لعدم تبليغه بموعد المحاكمة.

ولكن هول المفاجأة عندما أعلن القاضي بأن لديه أوامر من وزير العدل بمنع ترافع المحامين الوهيبي والرشودي والناصري عن المتهمين وطلب منهم العودة الى الصفوف الخلفية، لقد كانت مفاجأة كبرى للمحامين الذين لم يبلغوا بمثل هذا الامر من قبل وعندما أعترضوا على ذلك قال لهم القاضي أذهبوا ألى وزير العدل فهذه أوامره رغم إمتعاض الحضور.

بدأت المحاكمة الصورية بقراءة بيان المدعي العام مندوب هيئة التحقيق والإدعاء العام والحقيقة فإن البيان طويل وممل واستغرفت قراءته حوالي الخمس عشرة دقيقة وكان مليئاً بالأخطاء الإملائية والنحوية مما جعل الحامد يحتج على تلك الأخطاء!!

إن مضمون هذه الاتهامات لا يختلف كثيرا عما تداوله سابقا فقد تم تكرارنفس المصطلحات والكلمات ونفس الاتهامات السابقة من العمل على إثارة الفتن والمشاكل، وعدم طاعة ولي الأمر، وخلق الاضطرابات، والدعوة الى تجمعات غير مسموح بها، وكتابة البيانات التحريضية، والعمل على زعزعة أمن البلاد، والعمل على فصل السلطات الثلاث!!، والتقليل من سلطة الملك، ومخالفة الدستور، ومحاولة بث الفرقة والفتنة، والدعوة الى تبني التعددية ومصطلح المجتمع المدني الغريب على بلادنا!!، والتشكيك بالقضاء والقضاة، والتصريح لوسائل الأعلام الخارجية، والكتابة بالانترنت!!، وغير ذلك من التهم الغمضة والملفقة والمضحكة والتي لا يقبلها عقل ولا منطق.

وبعد الفراغ من تلاوة بيان المدعي العام تم توزيع نسخة منه على المتهمين والمحامين ثم طلب القاضي من المتهمين تحديد المدة الزمنية التي يحتاجونها للرد على هذه الاتهامات فاتفقوا على مدة أسبوعين من تاريخه.

بعد ذلك طلب الدكتور الحامد الكلام فسمح له القاضي بذلك، فقال أولاً أحب أن أشكر القاضي للسماح بأن تكون هذه المحاكمة علنية في قضية سياسية، وهذا تطور أيجابي يحدث لأول مرة في المملكة. ولكنه إشتكى بأن خصمه الدولة ممثلة بالادعاء العام الذي يجلس في مكان مرتفع وبعيداً عن المتهمين، ولذا فقد طالب بأن يجلس الخصم في ذات الصف الذي يجلس فيه المتهمون، وليس بجانب القضاة كما حدث في الجلسة، ووعده القاضي بتنفيذ طلبه في الجلسة القادمة.

إشتكى الحامد أيضاً وبقوة لعدم السماح له بمقابلة المحامين واللقاء معهم، وقال بأن رجال المباحث في عليشة يمنعون المحامين من الدخول والزيارة، وقال أنه في مرات عديدة لم يستطع أن يقابل أيا من محاميه وأنه في المرات القليلة التي يسمح للمحامين بالدخول يكون ذلك بعد محاولات عديدة، وقال بأن ذلك يتنافى مع أبسط حقوق المسجون التي كفلها له القانون والنظام.

كما قال الحامد بانه لم يكن يعلم بموعد بمحاكمته، بل أن الأستاذ علي الدميني قال بأنه قد تم ابلاغه بذلك قبل ساعة واحدة فقط من موعد المحاكمة، واحتج الحامد بشدة على ذلك، وطلب أن لا يتكرر ذلك في المستقبل وذلك بعد نقاش وشد طويل مع القاضي الذي لم يستطع أن يباريه بحجته ومنطقه.

بعد ذلك قام أحد المحامين وأخرج قصاصة وهي عبارة عن صورة من جريدة الرياض بعنوان مشروع الملك فهد الإصلاحي، وقال بأن الإصلاح ليس تهمه تستحق المحاكمة، وأن الاصلاح الذي يتبناه المعتقلون هو نفس خط الاصلاح الذي تتبناه الحكومة وقال بأنهم لا يعملون ضد الحكومة ولا من خلفها ولا من الخارج. كما طالب المحامي بالافراج الفوري وغير المشروط عن جميع موكِّليه بكفاله، وقال بأنه ليس هناك أي مبرر لإبقائهم مسجونين، وقال بأنه يمكن إستكمال القضية وهم خارج السجن مع أهاليهم. عندها قال الحامد: لن نهرب خارج البلاد لأننا لو أردنا الهرب لفعلنا ذلك منذ زمن طويل وليس الآن.

استمر الحامد بالحديث كثيرا واشتكى بإمتعاض من تدهور حالته الصحية وسوء الخدمات الصحية في السجن، وقال بأنه رجل كبير وأنه مصاب بمرض السكر، وأنه تعرض إلى نوبات إنخفاض السكر بالسجن كادت أن تقضي على حياته دون أن يجد أي أهتمام ورعاية من المسؤولين في السجن، ثم قام بإحضار كيس من حبات التمر يحملها في جيبه قال أنه يتناولها عندما يحس بنوبات إنخفاض السكر لديه، وشكى كثيرا من نقص الادوية وقال بأنه في عدة مرات كان بحاجة الى النقل الى المستشفى ولكن لا يتم نقله، وقال بأن أسنانه قد تكسرت بالسجن، وأنه أصبح لا يستطيع مضغ الطعام، وأنه بحاجة ملحّة الى طبيب أسنان ولكن لم يتم توفيره له، وقال بأن ذلك يخالف أبسط قواعد الانسانية، وأن ذلك لا يقبله منطق ولا عقل ولا دين. كما شكى الفالح من تدهور صحته وقال بأنه في عدة مرات كان في حاجة الى الدواء ولم يتم توفيره له.

وقد استغرب الحامد عدم معرفة القاضي بما يحدث داخل السجون، وقال أنه لم يشاهد قاضيا يتفقد السجن من قبل، وقال بأن ذلك من واجبات القاضي، واستشهد بأدلة من التاريخ الأسلامي على ذلك، ولكن هذا الكلام يبدو بانه لم يعجب القاضي الذي بدا الغضب عليه، ولكنه كان يتجنب النقاش العميق مع الحامد لأنه يعرف أنه لا يستطيع أن يجاريه في هذا المضمار.

تكلم مرة أخرى أحد المحامين وقال بأن القضية ما كان يجب أن تصل الى المحكمة وقال بأنه قد قابل الامير محمد بن نايف وتوصل معه الى صيغة إتفاق بين المعتقلين ووزارة الداخلية، يتم من خلاله التوقيع على تفاهم بينهما يرضي الطرفين، وأن الامير محمد بن نايف وافق على ذلك وهكذا موكِّلوه، ولكنه تفاجأ بأن هيئة الادعاء العام قامت بتحويل ملف القضية الى المحكمة بدون علم الامير محمد بن نايف، وأن هذه الهيئة ما كان يجب أن تقوم بذلك وأن مديرها المهوس قد تصرف من نفسه بدون علم وزارة الداخلية.

لقد التزم القاضي طوال الجلسة بموقف محايد ولم يتخذ موقفا معينا مما أثار إنطباعاً بأنه فاقد للصلاحيات المنوطة به كقاضي، فقد كان يكتفي بالقول: سوف تتم دراسة الموضوع، وأن التحقيق مازال مستمراً وأن ملف القضية لم ينته بعد.

لقد إنتابني إحساس بأن القضية أكبر بكثير من قدرة هذا القاضي، وأن الحكم النهائي قد تم طبخه على أعلى المستويات، وأن ما حدث في الجلسة الأولى لم يكن أكثر من جلسة صورية، وأن هناك الكثير من الامور التي تخفى علينا ومازالت خلف الابواب.

من جهة ثانية، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن متروك الفالح قوله إنه وزملاءه أعلموا بالمحاكمة قبل يوم من بدئها، مضيفا إنهم لم يكونوا على علم بالتهم الموجهة إليهم.

وفي مقابلة أجرتها بي بي سي العربية قبل يوم من المحاكمة مع فوزية العيونى زوجة الشاعر والروائي علي الدميني، قالت إن القضية تتابعها منظمات لحقوق الإنسان، وأعربت عن أملها بأن تكون المحاكمة علنية، ويواجه الثلاثة تهمة التحريض وتهديد الأمن.

هذا وكان وزير العدل قد قرر استبعاد خمسة من أعضاء هيئة الدفاع معللا ذلك بأنهم من ضمن الموقِّعين على عريضة الإصلاح التي تضمنت أسماء 12 شخصاً، ومن بين المستبعدين المحامي عبدالله الناصري الذي كان من المقرر أن يتولى المرافعة نيابة عن زملائه. وشهدت قاعة المحاكمة مداخلة مفاجأة من الدكتور عبد الله الحامد الذي أشار إلى أن القاضي هو الخصم والحكم كون مرجعيته وزارة العدل التي تخضع لوزارة الداخلية. كما شهدت المحاكمة اقتياد عدد من رجال المباحث للصحافي علي خليل مندوب وكالة الأنباء الفرنسية بسبب تدوينه بعض الملاحظات والمعلومات أثناء انعقاد المحاكمة.



الصفحة السابقة