أول بادرة تشير الى ضيق الشعب بمناطقية نجد وتسلّطها

تأسيس لقاء وطني في الأحساء، واعتقال أمينه العام

هل كانت تأسيس اللقاء الوطني الإسلامي في الأحساء مؤشراً إنفصالياً في دولة بدأت تتهاوى ولم يعد يحكمها سوى القوة؟

أم هل كان مجرد بوابة لدخول المعركة السياسية المنتظرة؟

أم أن اللقاء ذاك، والذي أُعلن عنه من منبر قناة الجزيرة ، كان بمثابة تأسيس حزب سياسي في الأحساء؟

وهل كان اعتقال مهنا عبدالعزيز الحبيل أمين عام اللقاء الإسلامي الوطني في الأحساء في السادس من أكتوبر تعبير عن ضيق الحكومة بجرأة أولئك الأشخاص الذين يرون لهم حقوقاً سياسية في بلد يعيش أحادية في كل أموره، ويستبدّ بالأمر في كل شؤونه؟


بيان التأسيس

في أواخر سبتمبر 2004 الماضي، أعلن عن بيان تأسيسي للقاء الوطني الإسلامي، وقد جرى الإعلان عنه عبر قناة الجزيرة، وبصوت الشيخ مهنا الحبيل. لقد كان البيان مقتضباً ولكن مداليله كانت غاية في الأهمية. يقول نص البيان:


اللقاء الإسلامي الوطني لإقليم الأحساء

البيان التأسيسي

إن من مقومات ومبادئ التشريع الإسلامي التعاون على البر والتقوى وصد الإثم والعدوان لتعزيز صفوف أبناء الأمة جماعيا وأبناء الأوطان الإسلامية كل على ثغرته في وطنه لحماية وحدة الأمة وصد مخططات النيل منها وعدم تمكين عدوها الدولي والإقليمي وخاصة القوى الصهيوينة المعادية.

هذا في ظروف الرخاء والطمأنينة، فكيف في الظروف الصعبة والمدلهمة التي تمر بها الأمة، وقد مضى أكثر من عام على الأحتلال الغاشم لأرض العراق، وإفرازات هذا العدوان لا تزال تتقاطر على المنطقة، والأحساء الإقليم المجاور لأرض الرافدين، والمستهدف استراتيجياً من أعداء الأمة، مما يستوجب توحيد الجبهة الداخلية لأبناء الأقليم.

لذا تداعى عدد من أبناء إقليم الاحساء مستشعرين مسئوليتهم تجاه هذه الأحداث الجسام لتاسيس اللقاء الإسلامي الوطني عبر الأهداف التالية:

1- لقاء دوري شهري يسعى لجمع أطياف المجتع الاحسائي لوحدة الصف ودعم مبادئ الوحدة مع الدولة التي تمثلها المملكة العربية السعودية بحدودها وشعارها وفقاً لمبادئ الإسلام.

2- توثيق العلاقات بين أبناء المجتمع الأحسائي لتعزيز وحدتهم التي تصب في وحدة الدولة.

3- تنسيق المطالب لاستعادة الحقوق الفكرية والاقتصادية للأحسائيين.

4- إبراز هوية الإقليم العربية الإسلامية التي يمثلها مجتمعه من جميع الشرائح الاجتماعية حاضرة وبادية.

5- تعزيز التعاون مع الفعاليات الوطنية والإسلامية في جميع أنحاء المملكة لتظافر الجهود في مسيرة الإصلاح الحقيقي والفعال.

6- العمل على التواصل مع إخوانهم أبناء الطائفة الشيعية لدرء الشحناء والقطيعة ولقطع الطريق على مؤامرات المتربصين إقليمياً ودولياً وإحباط التعامل مع الأجنبي ضد هوية الدولة ووحدتها.

7- العمل على تحقيق التضامن الإسلامي مع قضايا الوطن العربي والأمة الإسلامية.

8- اللقاء يؤمن ويلتزم كلياً بالعمل السلمي في تحقيق مبادئه وأهدافه.

وقد أجتمعت الهيئة التأسيسية للقاء وهم:

1 ـ عبد العزيز عبد الله إبراهيم آل الشيخ مبارك.

2- عبد الله بن عبد الرحمن الحبيل.

3- السيد عبد الله بن محمد الهاشم.

4- منذر إبراهيم الجعفري.

5- مهنا عبد العزيز الحبيل.

وقد انتخبت الهيئة الشيخ/ مهنا بن عبد العزيز الحبيل أمينا عاماً للقاء لمدة عامين.

(انتهى)


ملاحظات

يمثل خطاب التأسيس نزعتين متناقضتين، الأولى تلك التي تؤكد على وحدة الدولة ومعها، والثانية تلك المتعلقة بما يمكن اعتباره (الهوية الأحسائية) والتي جرى حصر البيان بما يتضمن من مهمات بها. وهاتان النزعتان قد لا يكونا متناقضتين، ولكن التشديد على (الأحسائية) يفهم منه إحياء لروابط المنطقة، الأمر الذي يجعل الدولة تخشى من ذلك، لأن الهوية الوطنية ضعيفة من جهة، ولأن آل سعود عموماً لا يفهمون موضوع الهويات ولا يعتقدون أن بالإمكان التعبير عن الهوية المناطقية ضمن البوتقة الوطنية. ومما لا شك فيه أن الإهتمام بأطياف المجتمع الأحسائي وعلاقات أبنائه والحفاظ على التسالم الإجتماعي هدف نبيل، كذلك فإن إحياء هوية الإقليم وتراثه العربي والإسلامي ضرورة للهوية الوطنية أيضاً وليس للهوية الخاصة بالمنطقة فحسب.

يميل البيان الى الإقرار بحقيقة هضم الدولة لحقوق الأحسائيين، وقد اعتبر البيان أن من واجباته الدفاع عن تلك الحقوق، سواء بالشكل المباشر أو عبر التواصل مع الفعاليات الوطنية وتعزيز مسيرة الإصلاح السياسي. والحقيقة أن كل المناطق في المملكة تشعر بالغبن، كونها غير ممثلة في جهاز الدولة، وكون حصصها من الخدمات قليلة، وكونها تعاني الإستبداد والضغط في الحفاظ على هويتها الخاصة، ويلاقي مواطنوها العنت في التعبير عن تلك الخصوصية، لصالح الفئة المستبدة والمتسلطة والمستأثرة بمغانم السلطة والحكم (نجد).

إن بيان التأسيس، كونه ممثلاً لتوجه ديني محدد، يعطي الإنطباع بأنه يمثل إرهاصات حزب سياسي، ولا ضير في ذلك، ولربما فهمت الحكومة الأمر على هذا النحو. ولكن ينبغي التأكيد بأن الوجود السنّي في الأحساء عريق جداً، وأن الأحساء كانت بيئة علم حيث المدارس الفكرية لكل المذاهب منتشرة. ومعلوم أن بيت آل المبارك يمثلون قيادة المذهب المالكي، وآل عبد القادر يمثلون قيادة المذهب الشافعي، في حين يمثل آل الملا قيادة المذهب الحنفي، فضلاً عن وجود الشيعة وغيرهم. وهذه المدارس الفكرية تعرضت جميعاً للتصفية والإستئصال تحت القيادة النجدية منذ احتلال الأحساء عام 1333هـ، حيث تم تسويد المذهب الوهابي، وضربت تلك المدارس العريقة ومنعت من أداء مهامها. ولعلّ في نشاط الشيخ عبد الحميد المبارك والحبيل محاولة لاستعادة دور الأحساء الذي انطفأ بفعل القمع والعنف الوهابي ـ السعودي ـ النجدي، وهو أمرٌ جرّ الى اعتقالهما.

لا تتسامح السلطات الوهابية ـ السعودية إزاء بروز أي قيادة دينية تنافس القيادة الوهابية الرسمية، مثلما لا تتسامح بشأن بروز قيادات سياسية غير نجدية. فالسلطة والدين محتكران لنجد، وما يأتي من اقتصاد وغيره يجري احتكاره تباعاً.

وقد حاولت السلطات السعودية من خلال اعتقال الحبيل إثارة موضوع أن الرجل انفصالي، أو أنه (غير مستقرّ نفسياً) وهي نفس التهمة التي ووجه بها الشيخ المبارك، مع أن الرجلين دافعا عن وحدة المملكة، وكل ما أراداه هو تحصيل حقوق المواطنين في الأحساء شيعة وسنّة، والسماح لهم بحقوقهم الفكرية والتعبدية. ومن شأن الضغط على الأهالي أياً كانت هويتهم، تعزيز نزعتهم الذاتية، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، وهو ما حذر منه الحبيل في مقابلاته بعيد إعلان تأسيس اللقاء.

والمعلوم أن سنّة المنطقة الشرقية معتدلين في توجهاتهم، ولا يشاركون الوهابيين المتطرفين تكفيرهم للمسلم، وعلاقاتهم مع إخوانهم الشيعة متسامحة، وهذا ما لا يرضي المتطرفين القابعين في نجد، والذين يريدونها معركة استئصالية على مستوى العالم كله وليس في الأحساء وحدها. يقول الحبيل: (ما اعتقد أنه الأصل في التعامل هو الإحسان والبر، وهذا لا يلغي حق المسلم ومن يعتقد برشد مذهبه وصوابه من مناقشة الآخر والتعبير له عن رفض قناعاته بأدب، حسب المبررات الشرعية التي يعتقدها، دون أن يحصر أمرا اجتهاديا بفهمه او فهم علماء البيئة التي نشأ فيها).

الصفحة السابقة