لا توجد تهمة توصف الجريمة ولا يوجد نص يحدد عقوبة!

الحكم الجائر بسجن الإصلاحيين يكشف عن مخالفات شرعية وقانونية

يمكن إجمال الملاحظات على صك الحكم الجائر في النقاط التالية:

أولاً ـ مخالفة الحكم لنصوص الأنظمة المتعلقة بالإختصاص النوعي للمحاكم

فقد نصت المادة 128 من نظام الإجراءات الجزائية على أنه ''تختص المحكمة الجزئية بالفصل في قضايا التعزيرات إلا بما يستثنى بنظام..''. وحيث أن التهم الموجهة للإصلاحيين الثلاثة لم تستثن بنظام، فإن المحكمة التي أصدرت الحكم غير مختصة. أما ما ذكر في جلسة يوم الأربعاء 7/1/1426هـ الواردة في نص الحكم من أن محكمة التمييز قد قررت أن حكم المحكمة العامة بصرف النظر عن الدعوى استناداً على ما ورد في النظام من تحديد الاختصاص هو قرار في غير محله، واستندت محكمة التمييز في هذا على أن ''ولي الأمر هو الذي أصدر النظام ومن حقه أن يعمل ما يرى فيه مصلحة مادام لا يتعارض مع الشرع، وقد صدر منه أمر خاص بنظر هذه القضية في المحكمة العامة لما رآه من المصحلة..''. إن هذا القرار مضلل ومتسيب من محكمة التمييز وهو يلغي الفروقات بين المرسوم الملكي والأمر الملكي والأمر السامي وغيرها، بحيث أصبحت هذه الأدوات ـ بحسب فهم محكمة التمييز ـ متطابقة ولا معنى للتفرقة بينها. وهذا الفهم لا يستقيم لأن السلطة العليا في الدولة وجهة التشريع قد استخدما المرسوم الملكي والأمر الملكي في نصوص عدة بما يفيد أن لكل أداة من هذه الأدوات استخدام محدد وفروقات بحيث لا يجوز استخدام واحدة مكان الأخرى. وبالتالي لا يجوز إيكال الإختصاص للمحكمة العامة في نظر هذه الدعوى بما يخالف نص المادة 128 من نظام الإجراءات الجزائية الصادر بمرسوم ملكي؛ مع العلم أننا لا نعلم مصدر الأمر السامي الذي أحال الدعوى الى القضاء، ولا نعلم كذلك مضمونه، هل نص على احالة الدعوى (الى القضاء) أم الى (المحكمة العامة).

ثانياً: مخالفة الحكم للنصوص الأجرائية الواردة في الأنظمة

1 ـ العلنية: وقد نظرت الدعوى ـ عدا الجلسة الأولى التي تلى فيها المدعي العام دعواه ـ في جلسات سرية بما يخالف المادة 48 من النظام الأساسي للحكم والمادة 33 من نظام القضاء والمواد 155 و 182 من نظام الإجراءات الجزائية.

2 ـ عدم اشعار المعتقلين ووكلائهم بجلسات المحاكم في وقت مناسب، كما تم استبعاد بعض المحامين بقرار من وزير العدل، وهذا مخالف للمادة 19 من نظام المحاماة والمواد 4 و 119 من نظام الإجراءات الجزائية.

3 ـ بطلان اجراءات القبض على المعتقلين لمخالفتها المادة 35، وكذلك مخالفة إجراءات التوقيف الإحتياطي للمواد 36 من النظام الأساسي، والمواد 36 ، 112 - 114، من نظام الإجراءات الجزائية، الأمر الذي يفضي الى بطلان الحكم الصادر نفسه بناء على المواد 188 و 189، و190 و 192.

ثالثاً: الدفوع الموضوعية

الأصل أنه لا يمكن اعتبار فعل او ترك جريمة إلا بنص صريح يحرم الفعل أو الترك، فلا مسؤولية ولا عقاب على فاعل أو تارك. هذه قاعدة اصولية معروفة. وحيث ان الحكم لم يورد نصاً واحداً يصف بشكل دقيق ومحدد ما قام به المعتقلون الإصلاحيون بأنه فعل مجرم وله عقوبة معينة، وحيث أن جميع الأوصاف التي وردت في الأسباب التي بنى الحكم عليها منطوقة لا تخرج عن إطار التعبير عن الرأي والمناصحة التي أقرتها الشريعة والمواثيق الدولية التي وقعتها الحكومة، وأنها عبارات لا تمثل في ذاتها ما يمكن وصفه بأنه جريمة كـ (مخاطبة الشعب) و (داعين غيرهم لتأييدها). ولأن الحكم استند في التجريم على عبارات لا تعد جرائم كعبارة (فلم يعدوها من المصالح المرسلة) و (جعلوها كما صرحوا به طوق نجاة علقوا صلاح البلاد والعباد على سرعة تنفيذها...) و (جنوحه في تفسيرها الى أقوال مهجورة او مرجوحة) الخ.. فإن الحكم باطل كما هو واضح. فهذه العبارات هي مجرد رأي من حق أي انسان أن يعبر عنه، ولا يمكن ان يعتبر امرؤ مجرماً لمجرد انه اختلف مع رأي الأغلبية. وهل يحق سجن الإصلاحيين لمجرد أنهم لم يعدوا (الإصلاح) من المصالح المرسلة؟ هل هذا جريمة؟ وماذا عن الفقهاء الذين يقولون بهذا الرأي؟ وهل من يعتقد بالرأي المرجوح يعد مجرماً؟ ثم أين النص الذي يجرم هذا الفعل ويحدد له عقوبة من القرآن أو السنة أو الأنظمة؟

والغريب أن الحكم استند على زعم وآراء لم يقل بها الإصلاحيون كزعم الحكم أن أحدهم يدعو الى التحلل من القيم! فمثل هذا الكلام المرسل لا تدعمه ادلة ولم يقل به أحد، بل عكسه ما قاله الإصلاحيون. ولأن الحكم في أسبابه لم يفنّد الدفوع التي وردت في مذكرات الدفاع وخصوصاً الدفع المتعلق بعدم وجود نص يحدد الجريمة ولا العقوبة، وذلك وفق ما قرره النظام الأساسي للحكم، فإن الحكم بسجن الإصلاحيين ست وسبع وتسع سنوات مخالف لأبسط مفاهيم العدالة وقواعد القضاء الشرعي والأنظمة الملزمة للقضاة مما يوجب نقضه وإطلاق سراح المعتقلين الإصلاحيين والحكم لهم بالتعويض المناسب.

الصفحة السابقة