من يحمي المصلين من بعض أئمة المساجد؟

عبدالله المطيري

يوفر دعاء القنوت بعد صلاة التراويح فرصة لبعض أئمة المساجد في فرض أفكارهم المؤدلجة والسياسية باسم الله على المصلين. وكأن هذا المنبر الذي تولاه هذا الإمام مكان لإبداء رؤاه وأفكاره الخاصة في السياسة والمجتمع وباقي القضايا. وكأن جموع المصلين الذين يأتمون به أدوات يستخدمها لتحقيق أهدافه ورغباته الخاصة. أذكر أني في صغري كنت أتوقف كثيرا عند بعض الأسماء التي يدعو لها الإمام بعد صلاة التراويح. كانت أسماء غريبة عليّ ولم أكن أتفهم غضب أبي من هذا الإمام لإدخاله المصلين فيما لا يعنيهم. بعد ذلك عرفت أن تلك الأسماء كانت لقادة أفغان وأن الإمام كان يناصر طرفا أفغانيا على ظرف آخر في قتال كان كله بين مسلمين وكان يستغل أكف المصلين البريئة في دعم توجهاته وآرائه الخاصة.

في غمرة المواجهات بين رجال الأمن والإرهابيين في السعودية وجهت وزارة الشؤون الإسلامية أئمة المساجد إلى القنوت والدعاء المخصوص على الإرهابيين، كان التوجيه صريحا ولا يحتمل التأويل (الدعاء على الإرهابيين بالاسم). ذهبنا للمسجد للصلاة وللدعاء مشاركة لرجال الأمن بما نستطيع. وكنا في يد الإمام. بدأ الدعاء وانتهى ولم نسمع كلمة عن الإرهابيين ولا الفئة الضالة كل ما سمعناه دعاء على أعداء الدين بأن يسقط الله طائراتهم ويدمر بارجاتهم وحاملات الطائرات. سألت الإمام: هل يملك الإرهابيون طائرات وصواريخ أم إن الدعاء كان على أمريكا؟ أجابني أن دعاءه عام للكل. فقلت: ألم يكن التوجيه صريحا ولماذا تخصص الشيوعيين مثلا بالدعاء. هؤلاء الشيوعيون ومن شايعهم الذين أكاد أجزم أنه لا أحد من المصلين يعرفهم أو التقى بهم في يوم من الأيام. لماذا تخصونهم بالدعاء وترفضون خص الإرهابيين بمثله؟ شعرت بمرارة كيف يتلاعب هذا بمشاعر المصلين الذين قدموا لمشاركة أبنائهم وإخوانهم رجال الأمن البواسل. كيف يصرفهم هذا إلى قضايا لا تعنيهم. بأي حق وبأي سلطة وإلى من المشتكى والملجأ؟

هذا الاستغلال لمنابر المساجد يتزايد في أحيان كثيرة حتى يصل إلى التعرض لمواطنين بأعينهم يدعى عليهم بالهلاك والمرض وتجميد الدم في العروق. السؤال هنا: من يحمي هذا المواطن من هذا الاعتداء؟ وهل المسجد وأكف المصلين مكان لتصفية الحسابات؟ وهل وصل استغلال الدين إلى هذا المستوى، حتى العبادة لم تسلم من جعلها أداة في يد هذا الإمام الذي نصب من نفسه قاضيا وجلادا يحاكم ويصدر القوانين بنفسه. وهل هذا المواطن الذي يستباح دمه وعرضه بهذا الدعاء لا يجد له نصيرا ولا معينا في حفظ أساسيات لا يمكن أن يعيش الإنسان طبيعيا دون أن يأمن عليها؟

إن وزارة الشؤون الإسلامية المسؤولة عن المساجد مطالبة بكف أذى هؤلاء المتجاوزين عن الناس وإيقاف هذا الاستخفاف بالدين والعبادات من أجل أهداف وأطماع في عقول هؤلاء الأئمة. طبعا إمام المسجد له الحق مثله مثل غيره من المواطنين في التعبير عن آرائه وتوجهاته ولا بد من التأكيد على حقه في ذلك ولكن ليعلم أن هذا الأمر ليس المسجد مكانا له. فالمسجد دار للعبادة يؤمه الكثير من الناس لأداء العبادة والتقرب من ربهم وليس مكانا لاستغلالهم على يد هذا الإمام أو غيره. لا تكفي تعاميم الوزارة التي لا ينفذها أحد ولا يعلم بها أحد. بل أقترح أن تكون هناك حملة توعوية في وسائل الإعلام للمواطنين لتبين لهم حقهم في رفض الاستغلال وطريقة تقديمهم للشكاوى في حال وقوع تجاوزات من هذا النوع كما يجب أن تتخذ إجراءات صارمة في حق المتجاوزين.

لا ينبغي التساهل في هذه الأمور أم إننا لا نتعلم إلا بعد أن تراق الدماء؟ ما الذي سيمنع أحد المصلين من قتل هذا المواطن الذي يُدعى عليه وكأنه إبليس أو من تفجير هذه الجهة التي يوجه لها الدعاء؟ أليس من الواجب عليه تطهير الأرض من هذا الذي يصوره الإمام وكأنه كافر يحيك المخطط تلو الآخر لهدم الإسلام والمسلمين؟ هل نقدم له كل مبررات القتل والتفجير ثم نطلب منه ألا ينفذ وما بين الاعتقاد والتنفيذ إلا شعرة دقيقة ولكنها غالية بالتأكيد. إن ثمنها أرواح ودماء غالية. إن كنا حقيقة نحارب الفكر التكفيري فإن هذه الممارسات تنطوي على تكفير صريح فلو كان يعتقد هذا الإمام إسلام المواطن المدعو عليه لحفظ له حقوق المسلم في الكف عن عرضه ودمه. ولو كان هذا الإمام يقر بشرعية الدولة التي يعمل في إحدى وزاراتها ويتقاضى مرتبه منها لأوكل إليها الأمر وأعطى كل ذي شأن شأنه. ولكف عن تقمص دور القاضي والجلاد في نفس الوقت.

وإضافة إلى مسؤوليات الدوائر الرسمية فإن الجمعية السعودية لحقوق الإنسان مطالبة بممارسة واجبها لحفظ هذه الحقوق الأساسية للمواطنين سواء الذين يُدعى عليهم ويشهر بهم في المساجد أو المواطنين المأمومين الذين يتم استغلالهم من هؤلاء الأئمة. بل أرى أن هذا من أولوياتها التي يجب أن تضطلع بها. فمن أساسيات حقوق الفرد حفظ نفسه وعرضه وماله وكل ما ينتمي له من اعتداء الآخرين ومن المعلوم أن فكرة الدولة تقوم على احتكارها العنف بمعنى أنها وحدها المخولة استخدام العنف اللفظي والحسي دون غيرها من مؤسسات وأفراد المجتمع.

ليس أحد منا بمنأى عن هذا الخطر، حقيقة لا أستبعد أن يرن اسمي في بعض المساجد بعد هذا المقال، ليس أحد بمنأى كل ما هناك أن تختلف مع أحد هؤلاء أو يسمع عنك من أحد القادة ليتم انتهاك أبسط حقوقك وبدون رقيب أو حسيب. وبالتالي فإن المسألة ليست مسألة أشخاص وأفراد بقدر ما هي مسألة فكر متطرف لم يعد يردعه رادع ديني ولا أخلاقي في سبيل تحقيق أهدافه التي تقوم على قمع المخالفين وإقصائهم بسلاح هو من أشد الأسلحة أثرا وهو استغلال العاطفة الدينية عند الناس. والدليل على توحش هذا الفكر أنه يندر أو ينعدم أن نسمع دعاء مخصوصا بالهداية والتوفيق للمخالفين كل ما نسمعه دعاء بالموت والمرض وتجميد الدم في العروق والإهلاك مما يوحي بفكر متوحش يفتقد لأبجديات الإنسانية فضلا عن إفلاسه من أساسيات الحوار والجدل البشري. إنها لغة تدميرية نشاهد آثارها المباشرة في الأعمال الإرهابية التي عانيناها ولا نزال ولا يمكن أن نحاربها إلا بوقفة صادقة وجريئة مع الأفكار التي تغذيها وتدعمها أيا كان مصدرها وأيا كان غطاؤها وستارها.

الوطن 26 أكتوبر 2005

الصفحة السابقة