إلى متى يطمسون آثارنا؟

عمرو محمد الفيصل

زرت الأسبوع الماضي مدينة بدر القريبة من المدينة المنورة. أقول القريبة من المدينة المنورة حيث إن كثيراً من الناس في بلدنا الحبيب (صدقوا أولا تصدقوا!) يجهل تماماً أين تقع مدينة بدر.

بدر مدينة صغيرة محاطة بجبال قريبة من شاطئ البحر الأحمر الذي يبعد ثلاثين كيلومتراً تقريباً عنها.

اكتسبت تلك المدينة شهرتها كون أنها المكان الذي دارت فيه المعركة الشهيرة التي سميت باسمها، والتي وقعت في اليوم السابع عشر من رمضان في العام الثاني للهجرة بين جيش المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجيش قريش بقيادة نخبة من صناديدها. وقد انتصر المسلمون على أعدائهم في موقعة وصفها الله سبحانه وتعالى بـ''يوم الفرقان'' حيث كان أول انتصار عسكري للمسلمين المستضعفين في الأرض حتى تلك اللحظة.

الموقعة كانت بمثابة إعلان بأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحت قوة لابد من أخذها في الحسبان في التوازنات السياسية والعسكرية في جزيرة العرب. كما أنها ليست فقط قادرة أن تدافع عن نفسها، بل قادرة أيضا على المبادرة الحربية ومع أقوى قوة عسكرية في منطقتها.

دعيت لزيارة مدينة بدر مع نخبة من كتّاب ومحررين وأعضاء مجلس إدارة جريدة المدينة التي أتشرف بالكتابة فيها، وذلك من قبل أحد أعيان تلك المدينة. وكانت الدعوة بلا سبب محدد إلا تعبيراً عن محبة ذلك الشيخ وأهله الكرام في جريدتنا ورغبة منه لنزورهم في مدينتهم.

كنت متشوقاً لزيارة بدر التي لم أكن قد زرتها منذ أكثر من عشرين عاماً. تجدر الإشارة هنا أنني عدت إلى بدر مرة أخرى بعد أسبوع وذلك بدعوة من السيد محافظ بدر.

لقد سررت بما شاهدته من ترتيب جميل وشوارع (أنظف من جدة ، ورب النعمة!) في مدينة أكبر مما توقعت حيث وصل تعداد سكانها إلى خمسة وثلاثين ألف نسمة. ولكن أكثر ما أثَّر فيَّ هي الحفاوة التي استقبلت فيها ورفقائي. فالإخوة البدريون فرشوا لنا السجاد الأحمر، وبالغوا في آيات التكريم والترحيب، وجالوا بنا في مدينتهم وضواحيها المتاخمة للبحر لكي نأخذ فكرة وافية عن المدينة وما حولها.

كما أنهم شرحوا لنا على أرض الواقع معركة بدر حتى كدنا نرى الجيشين وهما يتقاتلان أمامنا.

على كل حال فأنا أنصحكم أيها الإخوة والأخوات أن تزوروا بدراً لكي تعيشوا يوماً من أهم أيام التاريخ الإسلامي، وتنهلوا من كرم ولطف أهل تلك المدينة السعيدة.

لكن هناك مشكلة حيث إنكم لن تتمكنوا من زيارة بدر بسهولة.

ذلك لأنه لا توجد أي لافتات توجه الزائر إلى بدر.. فلا لوحة ولا إشارة طيلة الطريق تدلكم إلى بدر!

(الناصفة) وهي قرية صغيرة تقطنها ناقتان وعنزة لها إشارات ولوحات طول الطريق أما بدر فهسس!

الأمر كان يمكن أن يفسر تفسيراً بريئاً لهذا التجاهل الذي يثير الريبة لولا شكوى أهل بدر من هذه المشكلة للجهات المعنية في وزارة النقل وعلى مدى سنوات طويلة دون جدوى.

الأمر إذاً أكبر من مجرد سهو أو خطأ، وهذا يتضح جليٌّا إذا أخذنا بعين الاعتبار المجهودات التي تقوم بها بعض الجهات المتطوعة لطمس كل الآثار التاريخية للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في بلدنا الحبيب.

الأمر إذاً أكبر من مجرد سهو أو خطأ، وهذا يتضح جليٌّا إذا أخذنا بعين الاعتبار المجهودات التي تقوم بها بعض الجهات المتطوعة لطمس كل الآثار التاريخية للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في بلدنا الحبيب.

صحافتنا تعج بأخبار هؤلاء الذين أخذوا عهداً على أنفسهم لمحو كل أثر لنبينا عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام بحجة محاربة البدعة. فقبور صحابة تُنبش، ومساجد تاريخية تُهدم، وحتى غار أحد لم يسلم من هؤلاء''.

إلى متى ستستمر هذه المواجهة مع ذاكرتنا البنائية والجغرافية؟

على كل حال ، في السابع عشر من رمضان القادم (إن الله أحياني) سأكون في بدر مع أصحابي البدريين وغيرهم لإحياء ذكرى هذه الموقعة التاريخية وسيرة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم رغماً عن أنف ''الدنمارك'' وأهلها.

صحيفة المدينة ـ 5 مارس 2006

الصفحة السابقة