يـا راجـل فـيـن الـبـاقـي؟*

جميل فارسي

أخي الدكتور حسن وأنا وصديقي الطبيب الماكر (صاحب اقتراح سداد الدين العام في خطة من أربع كلمات!) سافرنا في أوائل السبعينيات الميلادية للدراسة في جامعة القاهرة، فكنا نذهب يوم الخميس للسينما.

والسينما هناك أمرها غريب، حيث يمرّ بائع الكوكا كولا وسط اظلام السينما لخدمة الرواد.

كان سعر الزجاجة خمسة قروش، وكنا حين ندفع له الجنيه يستغلّ ظلام السينما ليختفي وسط ذلك الظلام فيصبح السؤال الملحّ طوال الفيلم: (فين الباقي).

كان سعر الزجاجة خمسة قروش، وكنا حين ندفع له الجنيه يستغلّ ظلام السينما ليختفي وسط ذلك الظلام فيصبح السؤال الملحّ طوال الفيلم: (فين الباقي).

فالظلام دائماً يخلق سؤال: (فين الباقي)؟

تذكرت عبارة (فين الباقي) عندما قرأت رد سعادة وكيل وزارة المالية الأستاذ محمد البازعي على الأستاذ تركي الثنيان (الوطن عدد 2020) مبيّناً (إن الوزارة تبحث فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع المباعة تماشياً مع دول الخليج لتمويل الخزينة بقصد تعويض النقص في الإيرادات الجمركية نتيجة الإنضمام لمناطق تجارة حرّة)!

بإمكاني أن أُقدّم له عدّة مقترحات لتخفيض بعض مصروفات الخزينة والتي تبلغ الواحدة منها أضعاف المحصل من الرسوم الجمركية.

ولكن دعنا من بند (مصروفات) الخزينة، ولنركز على (إيراداتها) حيث أعتقد أن إيراد البترول وحده أكثر من كاف لتمويل الخزينة سواء حُصّلت أيّ رسوم جمركيّة أم لم تُحصّل.

ولإثبات ذلك لنأخذ مسطرة وقلماً وآلة حاسبة وفرجار ومنقلة ولنحسب:

365 يوماً في السنة مضروبة في متوسط عدد البراميل المنتجة مضروبة في متوسط سعر البرميل، ثم حاصل الضرب هذا، لنطرح منه الرقم المذكور في الميزانية كإيرادات الخزينة!!

والآن: (فين الباقي)؟

لهذا تذكرت ظلام السينما المذكورة في أول المقال.

فعلاً.. فالظلام يخلق السؤال: (فين الباقي)؟

حسب إجابة الآلة الحاسبة، فإن الباقي يكفي للصرف على مشاريع تمتص البطالة، وتفعّل صندون معالجة الفقر، وتخفض الدين العام!

ولكن دعنا أولا (نجد الباقي) نفسه قبل أن نبحث في (أوجه صرفه)!

العجيب في الأمر أن ولي الأمر شكّل مجلساً للشورى من خيرة رجال البلد، وفي كل دورة يزيد لهم من الصلاحيات، حتى اصبح بإمكان أي عشرة منهم مناقشة أي موضوع كان، ولم يقيّد حريتهم بأيّ قيد إلا ضمائرهم وثوابت الشريعة!

ومع ذلك لم يخطر في بال أي عشرة منهم مجرد سؤال: (فين الباقي)؟!

ثم على افتراض أني ضعيف في جدول الضرب (رغم حصولي على ترخيص محاسب قانوني) أو أن إجابة سؤال: (فين الباقي) مبهمة، فسيظهر سؤال آخر هو:

هل من العدال أن تمول الخزينة من تلك الضريبة؟

البنوك وحدها تربح خمسة عشر الف مليون ريال في السنة، لا نأخذ على هذه الأرباح الفاحشة أي ضريبة، ثم نأخذ ضريبة من الأب إذا اشترى لإبنه شنطة المدرسة؟

لا نأخذ ضريبة دخل على الشركات، ونأخذ من الزوج إذ أحضر ربطة الخبز للغذاء؟

لا نشاهد من يخطط أرض لبيعها بمئات الملايين، رغم أنها لم تكلفه اصلاً أي ريال، ونترصّد للموظف إذا اشترى غترة؟

الذي يحالفه الحظ في سوق الأسهم ليربح ألف مليون ريال، وسط آهات ودموع وحسرات مراقبي المؤشر الأحمر، ننساه، ونتذكر فقط الأرملة إذا اشترت مكينة خياطة لتعمل عليها بدلاً من ذلّ السؤال، لنقول لها: أين ضريبة القيمة المضافة؟

يا راجل فين الباقي؟

أخيراً أقول:

إن من يدفع تلك الضريبة، يحقّ له أن يسال أين صرفت؟

أليس كذلك؟

أنا شخصياً سأسأل، فهل الإجابة جاهزة أم ستلحق بإجابة (فين الباقي)؟!


* (مقالة قدمت للنشر في 24/4/2006 ورفضت، فانتشرت عبر الإنترنت)

الصفحة السابقة