المنافي تنتظر المثقفين السعوديين

تحوّل الوطن السعودي ذاته الى منفى.

فالذي يشذّ عن القطيع الوهابي ولا يبارك ولي الأمر وإخوته يقصى من عمله ويمنع من السفر، ليتمتع بالمنفى الداخلي سنوات وسنوات، كما مئات من المواطنين، وربما الآلاف منهم، من الذين رفضوا ان يسايروا قطعان الصرب الوهابية.

ولذا يشعر المثقفون وأصحاب الرأي بغربة حقيقية، خاصة ان جرّدوا من أدوات المعرفة والإتصال، ومن أهم سلاح لديهم وهو القلم.

عشرات الكتاب والمفكرين ممنوعون من الكتابة، وممنوعون تحت طائلة الاعتقال من الظهور على الفضائيات، والقليل منهم تحرر وصار يكتب في صحف خارج المملكة بعد أن منعوا من داخلها. لن نذكر سوى أمثلة قليلة: النقيدان، تركي الحمد، وأمثالهما.

صارت أمنية الكثيرين أن يتقاعدوا خارج بلادهم!

في لبنان أو مصر أو أي بلد أوروبي.

تركي الحمد قال بأن تهديدات قتله والضغوط الكثيرة التي يتلقاها قد تجبره على مغادرة المملكة الى المنفى الإختياري.

سبقه في هذا أحد أكبر النقاد السعوديين، محمد العلي، الذي اختار المنفى (بيروت) منذ سنوات طويلة.

ومنصور النقيدان اختار الإمارات، وآخرون يمضون أوقاتاً طويلة في الكويت والبحرين ومصر، ويعدون عدتهم للبقاء معظم الوقت من السنة.

لماذا يبقون في السعودية؟

هل هي جنة الله في أرضه؟!

هل هي بلد التوحيد وغيرها بلد الشرك والكفر البواح؟!

أم هي الحرية السياسية والفكرية المعتقلة التي هي من صلب انسانية الإنسان، هي ما يفتقده الأحرار؟!

لو خيّر الكثير من الممنوعين من السفر من قضاء منفاهم في الخارج، على أن يبقوا حبيسي الداخل (النايفي الوهابي) لاختاروا الخارج بكل تأكيد.

ما قيمة الوطن بدون حرية، وبدون كرامة، وبدون احترام.

ما قيمة وطن يتلاعب فيه المهووسون بالدين الوهابي، وبالأمن المسعود؟

وطن يحكمه غربان الطالبان، ومعتقلات آل سعود، ليس وطنَ الأحرار، بل وطن العبيد.

لسان حال هؤلاء ما قاله الشاعر الكويتي فهد العسكر الذي ندب حظّه العاثر مع متطرفي السياسة والدين، مع أن الكويت حين تقارن بالسعودية تعد جنّة الله في أرضه. يقول في قصيدة له مطلعها:

كفّي الملام وعلليني

فالشكّ أودى باليقينِ

الى أن يقول:

وطني وما أقسى الحياةَ

به على الحرّ الأمينِ

وألذّ بين ربوعه

من عيشتي كأسَ المنونِ

ماراع مثل الليث يؤسرُ

وابن آوى في العرينِ

والبلبلُ الغرّيدُ يهوي

والغراب على الغصونِ

وطني وما ساءت بغير

بنيكَ يا وطنني ظنوني

أنا لم أجدْ منهم خديناً

آه مَنْ لي بالخدينِ

رقصوا على نوحي وإعــ

ــوالي وأطربهم أنيني

وتطاول المتعصبونَ

وما كفرتُ .. فكفّروني

وأنا الأبيُّ النفس ذو

الوجدان والشرفِ المصونِ

لا درّ درّهمُ فلو

حزتُ النضارَ لأكرموني

أو رحتُ أحرقُ في

الدواوين البخورَ لألّهوني

أو بعتُ وجداني بأســ

ــواقِ النفاقِ لأنصفوني

فعرفتُ ذنبيَ أن كبشــ

ــيَ ليسَ بالكبشِ السمينِ

يا قومُ كُفّوا دينكمُ لكمُ

وليْ يا قومُ ديني

الصفحة السابقة