اعترف بأن مواطنيه يضطهدون

تركي الفيصل والوجوه العشرة

تركي الفيصل، السفير السعودي في واشنطن، قال كلاماً جديداً.

بعضهم رآه تخابثاً لا يعكس الحقيقة. وبعضهم رآه مجرد كلام للإستهلاك (الأميركي)، وآخرون عرب اندهشوا وظنّوا ان السعودية تغيّرت فعلاً، وآية التغيير ما قاله تركي الفيصل، أحد عظام الرقبة في هيكلية الحكم السعودي!

تركي الفيصل يلقي كلمته

ماذا قال تركي الفيصل؟

أولاً، قال أن بلاده لا تعتقد بوجود (هلال شيعي) ولا تؤيد مقولة الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، عن (هلال شيعي).

صحيح ان المملكة لم تستخدم رسمياً مقولة (الهلال الشيعي) ولكنها تؤمن بوجوده، وترسم سياساتها وفقه. خاصة وأن مؤسستها الدينية الرسمية (الوهابية) هي من صنّعته قبل نحو 15 عاماً، وهي التي تنفخ فيه ولاتزال، كما أن السعودية شريك رسمي ـ غير معلن ـ في الفتن الطائفية القائمة اليوم في أصقاع مختلفة من العالم العربي والإسلامي، ومن ضمنها العراق ولبنان والباكستان وحتى الجزائر والمغرب. ربما يقال هنا، بأن مقولة (الهلال الشيعي) التي قالها الملك الأردني، وأيدها كتاب سعوديون محسوبون على النظام من خلال مقالاتهم ونقاشاتهم المنشورة في حينه، لا تمتلك المصداقية الكافية، وأن العالم العربي رآها باباً للفتنة لصالح إسرائيل وأميركا. لا ننسى أن إسرائيل، على الأقل منذ حربها الأخيرة مع حزب الله، أخذت تستخدم مقولة ذلك الهلال، حتى أن بعض الكتاب الإسرائيليين روجوا لمقولة (البدر الشيعي). ولقد قرأنا الكثير من التصريحات الصهيونية التي تنفخ في (الخطر الشيعي) ضد السنّة، وقد جاءت من كبار المسؤولين والمعلقين السياسيين. وزيادة على ذلك، فإن اللقاء الذي رتبه الملك الأردني في قصره بين أولمرت ورئيس الموساد مائير داغان مع الأمير بندر بن سلطان، بحث حسب رويترز نقلاً عن صحيفة يديعوت أحرنوت مواضيع مختلفة من بينها ارهاب حماس (وانتشار الإرهاب الشيعي في المنطقة).

والخلاصة أن السعودية ضالعة في أكثر الفتن الطائفية، وأن سياستها ترسم وفق التوجهات الطائفية، وأنها تجد ما تعتقده (الخطر الإيراني) أو (الخطر الشيعي) أكبر من أي خطر صهيوني مزعوم! وهذا ليس قولا مفتئتاً على السعوديين ومؤسستهم الدينية التي تنظّر لمثل هذه المقولة منذ أمدٍ طويل، بل أنهم يروجون لذلك علناً في المنتديات، وما على المرء إلا أن يقرأ.

ثانياً، اعترف تركي الفيصل ـ حسب تعبير صحيفة النهار اللبنانية في 5/10/2006 ـ بأن الأقلية الشيعية المهمّة في السعودية ـ أيضاً حسب توصيف النهار (قد عانت تاريخيا في المملكة وتعرضت للتمييز والاغتراب الاجتماعي وحتى السياسي) ولكنه تدارك فقال، بأن الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومنذ أن كان ولياً للعهد (مدّ يده لهم وأدخلهم) في العملية السياسية!

الغريب في الأمر هنا، أن صحيفة سعودية واحدة لم تشر الى ما قاله تركي الفيصل، بشأن الخطر الشيعي أو بشأن (الأقلية الشيعية في المملكة). فقد غطّت الصحافة السعودية كلمة الأمير تركي التي ألقاها مؤخراً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، دون أن تشير الى هاتين النقطتين المتميزتين. ربما لأن أحداً لم يقتنع بما يقوله تركي، أو أن الأوامر من وزير الداخلية بعدم نشر ذلك، خاصة وأنها تحوي اعترافاً بالتقصير، والحكومة لا تقصر والخطأ لا بد أن يحمل للطرف الآخر. أو ربما لأن ما قيل للإستهلاك الخارجي ولا يجب أن يعرض للإستهلاك المحلّي، فالمواطنون لهم (علف إعلامي) مختلف، ويتناسى صناع الإعلام السعودي، أن ما يقوله رموزهم لا يمكن تغطيته، وينشره الجميع الذين لا يدركون أصول اللعبة الإعلامية والسياسية المحلية السعودية، ينشرونه عن غير قصد للإساءة بالطبع كما هو حال صحيفة (النهار) الناطق الأكبر بلسان 14 آذار.

ثم، هل هناك لعبة سياسية أدخل الملك السعودي الشيعة فيها؟! لا توجد اية لعبة؟ ولا توجد أية مشاريع إصلاح سياسي ولو بحجم ثقب الإبرة يمكن للآخرين المهمشين أن يدخلوا منها للمشاركة في صناعة القرار السياسي. وفضلاً عن هذا، هل لم يتبق من المهمشين سوى الشيعة؟ إن المواطنين في المملكة جميعاً مهمشون، اللهم سوى فئة الأقلية الحاكمة القابضة على كل شيء في الدولة، وهي فئة أهل التوحيد الوهابي، التي يجري في عروق أتباعها الدم الأزرق!

ثالثاً، من النقاط التي أثارها تركي الفيصل ولم تحظَ أيضاً بالإهتمام أو حتى بالإشارة في الصحافة والإعلام المحلي، تلك المتعلقة بموضوع إيران، ورأي الفيصل يقول بأن الحوار مع إيران مهم في تعزيز الأمن، واعتبر رفض أميركا الحوار معها خطأ، وذكّر بالتجربة السعودية التي قال انها أظهرت أنه عندما تكون هناك قطيعة مع إيران، فإن المشاكل تزداد، بينما تحسنت العلاقات جذرياً بعد الحوار السعودي معها.

ما قاله الأمير تركي صحيح، وهذه هي السياسة المتبعة بين دول مجلس التعاون عامّة تقريباً. لكن الشيء الذي لم يذكره تركي الفيصل، هو أن الصدام الأميركي المسلح مع إيران، سيجعل الأخيرة توجه سلاحها الى دول الخليج التي تعتقد أنها ستكون القاعدة التي تنطلق منها لحربها، وقد تقوم بقصف المنشآت النفطية في الخليج وتشعل الإضطراب فيه. على هذه القاعدة تخشى السعودية الصدام الإميركي الإيراني، ولهذا سافر قبل بضعة أشهر الأمير بندر بن سلطان الى موسكو طالباً منها أن تحدّ من اندفاعة المحافظين الجدد في واشنطن باتجاه الحرب مع طهران.

لكن المهم هنا، هو لماذا لم ينشر هذا القول في الصحافة السعودية؟

هل هذا يشير الى أن هناك سياسة جديدة؟ وأن السعودية باتت تؤمن وتدعم استخدام العمل العسكري الأميركي ضد إيران؟

رابعاً، النقطة الأخرى التي غيّبها الإعلام السعودي من كلمة تركي الفيصل هي أنه رفض التقويم القائل بأن العراق مقبل على حرب طائفية قد تؤدي الى تفكيكه على أسس دينية أو أثنية، وزاد بأن الروابط بين السنّة والشيعة، والعرب والاكراد قوية وتتخطى قدرة أي طرف على تفسيخها. وحذر من ان تقسيم العراق يعني التطهير العرقي والهجرات الجماعية والتقتيل الجماعي، ولذلك لن يحصل مثل هذا التقسيم كما لن تحصل حرب طائفية.

والحقيقة فإن ما يقوله تركي هنا هو ما يتمنى أن يكون، هو ما يؤمله لا ما هو واقع، وما قاله أيضاً لا يتفق مع الرؤية السعودية الرسمية، ولكنه يتفق مع آمال الحكومة السعودية بأن لا يتقسم العراق، لأن ذلك سينعكس سلباً على السعودية نفسها، وقد يأتي الدور عليها.

خامساً وأخيراً، فإن النقطة التي شغل الإعلام السعودي نفسه بها واستلّها من خطاب الأمير ما يتعلق بالعلاقات السعودية ـ الأميركية. وملخص ما قاله الأمير هو: ان العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية هي في أقوى حالاتها أبداً، على المستوى الرسمي بين البلدين. وهذا زعم غير صحيح، وهو مجرد تمن أكثر منه واقعاً. فرغم أن العلاقات تحسنت في العام الماضي بين الطرفين، إلا أن العلاقات اليوم ليست في أحسن حالاتها بالمطلق. والأمير تركي له خطاب واضح في هذا الشأن، هي أن ابن لادن يريد أن يوتر العلاقة بين البلدين، والنتيجة أن البلدين لا بد أن يعملا معاً ضد ابن لادن ويزيدا من تحالفهما لا أن تقوم أميركا بنقد السعودية. وأضاف: (ان الإرهابيين اساءوا التقدير في محاولتهم الايقاع بين البلدين، وان كان ما فعلوه هو أنهم حازوا التصميم لدى البلدين على زيادة التعاون والتنسيق بينهما. وقال ان البلدين أدركا بعد أحداث 11سبتمبر ان العلاقة التي تجمعهما تتجاوز النفط والحرب على الإرهاب).

وهذا القول غير صحيح بالطبع. إن أية استراتيجية أميركية سعودية لا يكون النفط والحرب على ما يسمى بالإرهاب محورها، لم تخلق بعد. النفط ركن مكين في تلك الإستراتيجية، والحرب على ما يسمى بالإرهاب هو الذي دفع بواشنطن الى تجميد دعواتها للإصلاح في السعودية. ثما ما هي السعودية، لولا النفط والغطاء الديني الذي تستثمره واشنطن في استراتيجياتها مرة ضد عبدالناصر واخرى ضد الشيوعية وثالثة ضد الشيعة ورابعة ضد الإرهاب الإسلامي؟!

لقد انتقد تركي الفيصل منتقدي آل سعود، واعتبر انتقادهم غير بناء، و(كلام طنان) لا يؤدي الى أي نتيجة. وعزف على مقولة أن أميركا لا تستطيع وحدها مواجهة مشاكل الإرهاب، وأنه لا بدّ من تعاون الآخرين والمملكة في مقدمتهم بالطبع. وخاطب تركي المنتقدين متحدياً إياهم زيارة المملكة ليقفوا على الوضع! زاعماً أن (المملكة بدأت عملية اصلاح شاملة في كل الميادين والمستويات)! وتابع: (الإصلاح جار على قدم وساق في المملكة غير اننا لا نقوم بالتغيير والإصلاح لأنكم تقولون لنا ان علينا أن نفعل ذلك، اننا نقوم بتغيير وإصلاح مجتمعنا لأنه الأمر الصحيح الذي علينا ان نقوم به لمصلحة أبناء شعبنا وبلدنا، وسنقوم بذلك بطريقتنا الخاصة بما يتناسب مع تقاليدنا وثقافتنا).

إذن لننتظر (الطريقة الخاصة) لذلك (الإصلاح الشامل) الذي لم نرَ منه شيئاً حتى الآن. لمن نرَ سوى السراب. سراب الوعود والكلمات المعسولة. وليت الأمير قدم للحضور جرداً بإنجازات الإصلاح الشامل السعودية! وخلص بندر الى أن (علاقة المملكة بالولايات المتحدة قد نضجت. وهي تعرضت لامتحان عسير بأحداث 11سبتمبر، ولكنها خرجت من ذلك الامتحان أقوى مما كانت، والمسؤولون في البلدين أدركوا أن عليهم بناء أطر مؤسساتية من أجل تصليب هذه العلاقة، وان هذه الأطر تعمل جيداً).

الصفحة السابقة