اعتقالات جديدة للإصلاحيين في المملكة

صراع الإصلاحيين مستمر حتى يتحقق الإصلاح

الحدث: اعتقلت السلطات السعودية مساء الجمعة/ فجر السبت (2/2/2007) مجموعة من الشخصيات الإصلاحية والحقوقية الناشطة في المملكة العربية السعودية، بعد أن داهمت منزلاً في منطقة بحرة بجدة، حيث كان هؤلاء يجتمعون، وأعلنت السلطات فيما بعد أن عددهم عشرة أشخاص وأنها اعتقلتهم من المدينة وجدّة. ولم تنشر وزارة الداخلية الأسماء ولكنها اعلنت في بيان للناطق باسمها بأنه وجهت لهم تهمة تمويل الإرهاب.

لكن الذي ظهر أن الحكومة اعتقلت سبعة أشخاص من جدة من الناشطين سياسياً وحقوقياً، ومن المعروفين بالعمل والدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان، ولا يمكن أن يكونوا من الممولين للإرهاب، خاصة وأن آراءهم المنشورة ضد هذا التوجّه.

ومن بين المعتقلين: 1) المحامي عصام بصراوي، وهو مقعد، وهو من خلفية ليبرالية ومن المحامين الذين تولوا قضية الدفاع عن الإصلاحيين الثلاثة المشهورين: علي الدميني، ومتروك الفالح، وعبدالله الحامد. 2) المحامي سليمان الرشودي، وكان ذا منصب كبير في وزارة التعليم، وقاضياً معروفاً، ثم عمل في المحاماة، وكان أحد المحامين عن الإصلاحيين الثلاثة المذكورين. كما كان أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومن الموقعين على عرائض الإصلاح التي رفعت للقيادة السعودية في السنوات الأخيرة. 3) الدكتور سعود مختار الهاشمي، وهو طبيب، وله مقابلات تلفزيونية وصحافية، ومن دعاة الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان. 4) الشريف سيف آل غالب، إصلاحي ومن الموقعين على عرائض إصلاحية، وقد سبق اعتقاله. 5) الدكتور موسى القرني، استاذ جامعي، ومن الموقعين على عرائض اصلاحية. 6) الدكتور عبدالرحمن الشميري، استاذ جامعي، ومن الموقعين على عرائض اصلاحية سابقة. 7) عبد العزيز الخريجي، من دعاة الإصلاح والموقعين على عرائض المطالبة به.

بعد اعتقال المجموعة ببضع ساعات، هاجمت قوات المباحث منزل المحامي عصام بصراوي في الساعة الثالثة من صباح السبت الثالث من فبراير 2007، وأرعبت سكان المنزل، وصادرت جميع الكمبيوترات بما فيها كمبيوتر زوجته، وكمبيوترات أبنائه، كما عبثت بمحتويات المنزل، وصادرت بعض الكتب والأوراق.

دوافعه: تعتقد الحكومة السعودية أنها انتصرت في معركتها على الإصلاحيين الراغبين في إصلاح سياسي جزئي يبقي العائلة في سدة الحكم، ويقدم للشعب بعضاً من مطالبه في الإصلاح، ويحمي البلاد من العنف الذي لم تستطع الحكومة حتى الآن إخماده بشكل نهائي، بل على العكس يتوقع أن ينشط في الفترة القادمة. وبناء على ذلك النصر (المؤقت) الذي تمّ بسبب غياب الضغوط الخارجية، والرشوة المالية السعودية للدول الغربية من البترودولار في صفقات أسلحة وغيرها، يعتقد وزير الداخلية أن اليد صارت مفتوحة أمامه ليعيد عقارب الإصلاح الى ما قبل زلزال 9/11. وما يريده الأمراء بالتحديد: إيقاف أي دعوة أو عريضة تطالب بالإصلاح تتخذ شكل العرائض التي قدّمت سابقاً سواء في السنوات الأربع الماضية أو تلك التي قدّمت في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. أكثر من هذا تريد وزارة الداخلية والامراء النافذين سدّ الأبواب أمام أي إصلاح، وإعادة المجتمع الى هامش الحريّات الضيّق، عبر إسكات منتديات الإنترنت، وإغلاق الديوانيات بصورة شاملة حسبما عمّمت ذلك وزارة الداخلية الشهر الماضي، وعبر تقليص هامش الحريات الصحافية ومن ثم كتم حتى الأفواه الناقدة بالقول، فضلاً عن منع كل من له رأي أن يتحدث الى صحيفة أو قناة فضائية خارجية عربية أو أجنبية عن شأن محلي، أو حتى المشاركة في مؤتمر خارج المملكة أياً كانت صبغته بدون موافقة من وزارة الداخلية.

والإعتقالات الأخيرة جاءت حينما علمت وزارة الداخلية أن بعض الإصلاحيين قد أعدّوا عريضة جديدة بنفس المطالب القديمة، وأنهم بصدد جمع التوقيعات المؤيدة لها ومن ثمّ رفعها الى الملك عبدالله. فجاءت الإعتقالات استباقية لمنع ذلك من جهة، ولإشاعة الخوف والرعب من جهة ثانية في صفوف المواطنين، ومن جهة ثالثة استخدمت الداخلية ورقة (مكافحة الإرهاب ومموليه) لتلصق ذلك بالإصلاحيين الذين هم أبعد ما يكونوا عن دعم العنف.

المتوقع: كما حدث على أرض الواقع، يبدو أن العالم لم يصدق التهم التي قدمتها الحكومة، أولاً لأن المعتقلين معروفون بالإصلاح والدعوة اليه والدفاع عنه وعن القائمين عليه، وثانياً لأن أهم المنظمات الحقوقية الدولية والعربية تعرف هؤلاء ولها صلة بهم بنحو أو بآخر بل والتقت بهم أو ببعضهم، وقد أصدرت تلك المنظمات بيانات سريعة وخشنة ضد الحكومة السعودية، ولم يعد أحدٌ لا في الداخل أو في الخارج يصدق مزاعم وزارة الداخلية التي أرادت من الإعتقالات أن تكون بصمت ولا يحسّ بها أحد. ومن شأن الإعتقالات ثالثاً أن تثير الرأي العام المحلي والدولي، وان تحرّك الحديث عن الموضوع الإصلاحي بعد ركود منذ الصيف ما قبل الماضي حين أُفرج عن الإصلاحيين بعد وصول الملك عبد الله الى الحكم. وبهذا فإن الحكومة السعودية فتحت على نفسها النار من الخارج، وحرّكت أوتار اللعبة الإصلاحية المحليّة. زيادة على ذلك، فإن الإعتقالات جاءت في أسوء وضع للمواطنين، الذين تحول الكثير منهم الى فقراء بين ليلة وضحاها بسبب انهيار سوق الأسهم المحلية، وهو ما قد يدفع ببعض المواطنين الى تبنّي العمل السياسي الصدامي مع الحكومة، فالآفاق الإقتصادية والسياسية إذا ما سدّت بوجه المواطن فقد يلجأ لخيارات العنف، او على الأقل يصبح العنف ضد آل سعود مشرعناً عند بعض الفئات.

المستقبل: أعطت قضية الإعتقالات للإصلاحيين فرصة للتحرك من جديد، وستبقى الحكومة السعودية تحت الضغط لفترة طويلة إلا إذا أطلقت سراح المعتقلين (وهو ما لا يبدو في الوقت الحاضر أن في نيّتها فعله). وبالتالي فقد توفّرت مادة إضافية تجعل الحكومة السعودية ووزارة الداخلية بالذات في فوّهة المدافع الإعلامية والمنظمات الحقوقية الدولية والعربية بما يحمل ذلك من انعكاسات في اتجاهات عدة.

وحتى لو أطلقت السلطات سراح المعتقلين الإصلاحيين، فإن دعوة الإصلاح لن تتوقف على أية حال، والإصلاح يحتاج الى ثمن يجب دفعه، ومن الواضح أن ليس في نيّة الأمراء السعوديين أن يتنازلوا ولو عن القليل من صلاحياتهم بدون ضغوط، وبالتالي فإن الإصلاحيين مدعوون الى دراسة تجربتهم الماضية للإستفادة منها وجعل قضية الإصلاح عملاً مستمراً، وعدم الإكتفاء بالمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين. يجب ان تكتب عرائض جديدة، وتطور وسائل جديدة للمواجهة السياسية، حتى وإن أدّى ذلك الى اعتقال ناشطين حقوقيين وإصلاحيين.

النظام السعودي عصيّ على الإصلاح السهل، وفي ظل غياب الضغوط الأميركية عليه، فإن هذا يجرّد الحكومة السعودية من مزاعمها بأن الإصلاحيين يحملون أجندة أجنبية كما زعمت في السابق. الإصلاح في المملكة بمثابة موج قد يهدأ أحياناً وقد يرتفع بشدّة، ولكنه لن يتوقف حتى وإن تمّ ترحيل الموضوع الى المستقبل كما هي عادة آل سعود. إن العريضة التي أعدت مؤخراً ـ انظر نصها في هذا العدد ـ يجب دعمها والدعوة الى التوقيع عليها، وهي تثبت أنه مهما كان آل سعود أقوياء، ومهما كان رأيهم في حراك الداخل والنظر اليه بشزر، فإن النشاط الإصلاحي في المملكة المتواصل سيعيد يوماً الى آل سعود بعض الرشد، أو ليتحملوا غائلة العنف الذي يسببه سدّ المنافذ الإصلاحية في كل الإتجاهات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والقضائية.



الصفحة السابقة