رجل بين أشباه رجال

لن نعفو عمن أضاع حقوقنا، وسلب أموالنا، ودمّر مستقبل أبنائنا

وقف رجلٌ أمام خالد الفيصل، أمير منطقة عسير، ليقول له أنك كاذب، وأن من حولك لصوص وسرّاق، وأن الشعب لن يعفو عنك. ضارباً عرض الحائط بالخوف والترهيب، ومخالفاً للنهج العام الذي يلزم الصمت أمام الحاكم، ويشتمه من خلفه.

إنها كلمة حق أمام سلطان جائر.

يا صاحب السمو!

عندما نتشرف بلقائكم، نرتدي أغلى الثياب، ونتضمخ بأزكى العطور، وننتقي أجمل الكلمات لمدحكم، والثناء على مجهوداتكم. وبمجرد الغياب عن أنظاركم، والإبتعاد عن مدى سمعِكم، تنقلب المدائح إلى ملحمات هجاء، ونبدأ في التذمر من رداءة المشاريع وسوء الخدمات!

علماء الدين يقولون أن هذا نفاق! وعلماء الإجتماع يقولون أن هذا إحباط إجتماعي! وعلماء النفس يصنفونه كمرضٍ نفسي يسمى (ازدواج الشخصية).

لقد تربينا على هذا منذ الصغر: وحِكمُنا وأمثالُنا تثبت ذلك: (آفتي معرفتي راحتي ما عرف شي/ فم ساكت ما يدخله ذباب/ يكفيك بالهم شفقان القلوب) وهكذا.

جميع المشاريع التي سبق الإعلان عنها، والتي تم الإعلان عنها، وما سيتم في المستقبل، ليس لها أي قيمة تحت وطأة الإنهيار الإنساني، والخلل الإجتماعي، والفساد الإداري. فيجب أن نغير من طبائعنا حتى يتطابق سرنا مع علننا. ويجب أن نتعاون للقضاء على الفساد، لتصرف المبالغ المعتمدة على المشاريع المعلنة.

لقد تولدت لدي قناعة بأن الصدق مع ولي الأمر هو قمة الوطنية وسنام الإنسانية. فعندما قلتم أمام خادم الحرمين أن طرق المنطقة تماثل طرق اوروبا، سمعتم الكثير من الثناء. ولكن الحقيقة أننا كنا نقول في مجالسِنا أن هذا التصريح إستخفاف بعقول أبناء المنطقة، واحتقار لمشاعرهم. صحيح أن طرق الجنوب تتفوّق على طرق أوروبا في النفقات، ولكنها تتفوق أيضاً على طرق جيبوتي في الحفر والمطبات!

أهالي المنطقة يتذمرون من سوء الخدمات الصحية، ويكفي أن ننوه بأن ثلاجة الموتى في مستشفى عسير، أكبر من قسم العناية المركزة.

صحيح أن المدارس انتشرت!، ولكن لا توجد مدرسة مثالية من المدارس الحكومية. ويكفي أن تعلم يا سمو الأمير أن المباني المدرسية المستلمة خلال العام الحالي أصبحت بحاجة إلى ترميم! وهناك مبنى اعتمد له ثمانية ملايين صرفت للمقاول الأول، ونفذه المقاول العاشر بمليون وثلاثمائة ألف ريال بعمالة مجهولة.

وجامعتنا العملاقة لازال طلابها يتلقون محاضراتهم في الهناقر، وحجر الأساس الذي وضعه خادم الحرمين عام 1419هـ لا ندري أين اختفى.

وبناتنا يا صاحب السمو (في الكليات العلمية والأدبية) يدرسن في دهاليز شبيهة بحضائر الحيوانات.

وعندما تسلب حقوقنا، وتهان كرامتنا من الجهات الحكومية المعنية، نتوجه إليكم بالشكوى طلباً للإنصاف، فنفاجأ أن شكوانا أحيلت للجهة (الخصم)، ليبرر أصحابها مواقفهم ويؤكدون لسموكم أننا كذابين (بالمشعاب). مع أن هناك أوامر سامية تنص على عدم إحالة الشكوى للجهة المعنية بها. وقد بني عليها تعميم من سموكم الكريم (وقد حصل هذا الأمر معي عدة مرات آخرها قبل عدة أيام).

نحن نعيش في صراع مع الشكوك التي تحاول أن تهيمن علينا لتثبت لنا أن سموكم على علم بما يُمارس علينا من إسقاطات على مدار الساعة. ويرى الحفر والمطبات، ويعلم عن المشاريع الوهمية والسرقات! وبين حسن النوايا التي تؤكد لنا أن حفيد عبد العزيز وابن فيصل لا يمكن أن يتهاوى إلى هذه المستويات!

إذا كانت الأموال التي تصرف هبات أو صدقات، فلهم الحق بصرف مايشاؤون والإحتفاظ بما يشاؤون. أما إذا كانت موارد وطنية مستحقة لكل من ينتمي لهذا الوطن، فلكل مواطن مطلق الحرية ليطالب بحقوقه ويحاسب كل من يتلاعب بها.

لقد عشنا سنوات من الإهمال، وقذفنا بأبنائنا إلى غياهب الضياع، ونتمنى لإحفادنا بصيص أمل من السعادة المرتقبة في ظِل هذه المشاريع الجبارة.

نناشدكم يا صاحب السمو العمل على تنقية الأجهزة الحكومية التي تتبع لكم من كل مختلس ومرتشي ومتكبر على عباد الله. فلن يعفيكم الله من المسؤولية، ولن نعفو عمن أضاع حقوقنا، وسلب أموالنا، وتلاعب بمصالحنا، ودمّر مستقبل أبنائنا.

الدوائر الحكومية (العائلية) خير دليل على احتكار الوظائف لغير المؤهلين،والقذف بالمؤهلين إلى المقاهي!

يادايم السيـف أنيابٌ تمزقُنا

وأصبح القط يلهو في حمى الأسدِ

فهـل نعيـشُ أذلاءً بموطنـنا

نمشي الهوينا كمشي الغيد بالهجـدِ

وهل نقول لكـذابٍ صدقـت لنا

ونترك الحقد يفني الناس بالبلـدِ

كرامة الناس جـزءٌ منكـمُ أفلا

جعلتمُ الرأس مرفوعاً إلـى الأبـدِ؟

حسبنا الله وكفى...حسبنا الله ونعم الوكيل.


حسن محمــد مخافــة العسيري

أبها/ 21/3/1428هـ

تلفون: (0503755515)

الصفحة السابقة