الإصلاحي الحامد وشقيقه الى السجن مرّة أخرى

المباحث ولاة أمر، والقضاة شهود زور!

خالد شبكشي

لا يستفزّ المراقب الحقوقي سجن الإصلاحي الدكتور عبدالله الحامد، المرة تلو الأخرى، ويطرد من الوظيفة، ويمنع من السفر، ويراقب على مدار الساعة من قبل أجهزة المباحث.. لا يستفزّ المراقب هذا السلوك الطغياني المتعود عليه من دول اعتادت انتهاك حقوق مواطنيها، وانعدمت لديها الرؤية، ورأت أن حكامها الفراعنة أرباباً من دون الله.. بقدر ما تستفزّه الإتهامات التي خرجت عن سياق المعقول، والتي لا يصدقها المواطن ولا الحقوقي لا في الداخل ولا في الخارج.

د. الحامد: ثمن الحرية غال!

التهمة التي أدخل على أساسها (الحامدان) السجن هذه المرة لا تختلف عن سابقاتها، فالرجل حسب المدّعي المباحثي العام، طالب بعقابهما لأنهما (حرضا على ولاة الأمر) وأنهما (يدعمان الإرهاب).. وهي ذات التهمة السابقة التي اعتقل والإصلاحيون على أساسها لسنوات.

المسألة اختلفت هذه المرة بشأن التحريض على ولاة الأمر. فمن هو المحرّض (بفتح الراء وتشديدها)؟

الذين حرضهم الحامد على ولي الأمر كانوا مجموعة من النسوة اللاتي اعتقل أبناؤهن وأزواجهن وآباؤهن، ولم يحاكموا وفق القانون بعد أكثر من ثلاث سنوات من الإعتقال، ولم توجه لهم تهمة، ولم يعين لهم محام، فقامت النسوة بالإحتجاج السلمي الصامت أمام مبنى المباحث في القصيم!

هذه هي كل الحكاية! وبدل أن يتحرك المسؤولون فيعيدوا الأمور الى نصابها القانوني، القانون الذي وضعته وزارة الداخلية نفسها، والذي يقول أنه يجب تقديم المعتقل الى المحاكمة العلنية في مدة لا تزيد عن ستة أشهر.. بدلاً من ذلك، قام رجال المباحث باعتقال النسوة، ودسوا في منزل إحداهن أسلحة! لأنها طالبت بحقوق زوجها الممرض المعتقل والذي شوي جسده بالتعذيب. اعتقلت النسوة، وساعد في اعتقالهن رجال الهيئة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) المنكرة قولاً وفعلاً، ووجهت لهن تهمة الإخلال بالأمن والتطاول على ولي الأمر ودعم الإرهاب بالسلاح!

أما الحامد وآخرين فاعتقلوا وأطلق سراحهم بكفالة، ثم وجهت لهم تهمة تحريض اولئك النسوة على ولاة الأمر، وبأنهم يدعمون الإرهاب!

هكذا هي حكاية المعتقلين السياسيين في السعودية، خاصة الإصلاحيين منهم، وبالخصوص أكثر الدكتور عبدالله الحامد الذي صمد مراراً وتكراراً أمام القضاء الفاسد ووزارة الداخلية المتغولة في جرائمها واستبدادها. وقدم الحامد ومحاموه مرافعات تفضح كل الزيف الديني عن الحكومة، وتكشف أن الإتهامات المتعود عليها لا تشرف الحكومة السعودية نفسها.

تساءل الحامد والحقوقيون في الداخل والخارج: متى كان تشجيع النساء المثكولات بأبنائهن وأزواجهن وآبائهن على الإعتصام السلمي جريمة؟! وفي أي قانون غبي كتب ذلك؟! ينسى القضاء السعودي الفاسد، ورجال المباحث المسعورون، ومن وراءهم من وزير الداخلية ومسؤوليه، أن هذه التهم تشكل في اساسها فضيحة للعدالة والإصلاح السعوديين المزيفين. ولكن ماء الحياء جفّ من وجوه الطغاة، ولم يعودوا يهتمون إلا بإدانة الحامد وزملائه الإصلاحيين المسجونين في جدة وغيرها، وقبلهم مئات من البشر المضطهدين في سجني الحائر والرويس.

مشكلة الحامد ـ إن كانت هناك مشكلة ـ هو أنه يتمتع بالشجاعة والجرأة في الدفاع عن حقوق المواطنين، ومشكلته أن آل سعود ووزير داخليتهم لا يخيفونه بالإعتقال والطرد والتعذيب. ومثل هذا الرجل الصامد كالجبل الأشم لا بدّ من كسره، لإن زبانية آل سعود يعتقدون بأن كسر الحامد وإخوته من الإصلاحيين يعني كسر المطالبات بالإصلاحات السياسية وغيرها. الإصلاحات التي يزعم آل سعود أنهم يقومون بها ويروجون لها في الخارج، ويقولون بأنهم إصلاحيون منذ (تأسيس مملكتهم السوداء) وأنهم إصلاحيون بدون أجندة إصلاحية وبدون فعل إصلاحي، في حين أن كل أفعالهم تشير الى مناقضة كل ما يمت الى الإصلاح بصلة.

المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن علقت على اعتقال الحامد: (هذا الحكم ضد الشقيقين عبد الله وعيسى الحامد يعزز من حقيقة أن المحاكم السعودية متواطئة في حرمان المواطنين من الحق في التجمع السلمي وشرعية انتقاد السلطات). وفندت ويتسن مزاعم الحكومة السعودية وتعهداتها بإجراء إصلاحات وقالت: (إن الحكم ضد الشقيقين الحامد يُظهِر أن حديث الحكومة السعودية عن الإصلاح بمجال حقوق الإنسان ليس أكثر من كونه كلاماً).

وطالبت ويتسن من الملك عبدالله الإفراج الفوري عن المعتقلين الإصلاحيين، وإلغاء الحكم الصادر بحق الحامد وأخيه عيسى بالسجن لمدة أربعة وستة أشهر على التوالي.

وفي المملكة لم يصدق الناس مزاعم المباحث بشأن دعم الإرهاب، وأبدوا تقززاً من اعتقال النساء اللاتي يطالبن بمحاكمات عادلة لذويهم، بل واستنكروا فعل المباحث بدس أسلحة في بيت إحدى النساء القياديات في الإعتصام. وفي الجملة، يتأكد يوماً بعد آخر، أن النظام السعودي ليس فقط غير قادر على إصلاح نفسه، بل أن حركة الإصلاح نفسها مقبلة على تقديم الكثير من التضحيات لتحقيق المنجز الإصلاحي رغم أنف آل سعود ومباحثهم وزبانيتهم، ورغم فساد القضاء السعودي والقضاة الذين اشتراهم آل سعود.

الصفحة السابقة