الفوزان يقود حملة ضد الملك من المسعى

علماء الوهابية: ظاهرة إنشقاقية!

إعداد: سعد الشريف

الشيخ صالح الفوزان، عضو في هيئة كبار العلماء، برع في خوض أشد المسائل الشرعية حساسية، وامتاز بشجاعته الإستثنائية والإنتقائية في مقاربة الموضوعات الخلافية التي تتطلب قدراً كبيراً من الجرأة والجرعة العالية من الجدل والمحاججة العلمية، وغير العلمية. يتمسّك بشدّة لافتة بمبدأ ولاية العلماء، وأنها متفوّقة على ولاية الأمراء، وإذا ما تطلب الأمر قسمة بين الطبقتين، يكون فضاء الشؤون الدينية الخالصة للعلماء أوسع من فضاء شؤون الدنيا، إذا صحت هذه القسمة في الإدراك الديني، الذي ينبذ بعنف أي شكل من أشكال الفصل بين الدين والدنيا.

موضوع بيان الشيخ الفوزان، كما تشي محتوياته، من الموضوعات السيادية التي لا يجوز لغير العلماء البت فيها، وهو النظر في توسعة المسعى بين الصفا والمروة، والذي أحاله الملك على هيئة كبار العلماء لإصدار حكمهم فيه. ما يلفت هنا، أنه في الوقت الذي يطالب علماء في الهيئة بهدم مساجد الله في عرفات ومناطق أخرى من مكة المكرمة تعود الى عهد الرسالة الأول، يتشدّد أعضاء الهيئة في موضوع توسعة المسعى، بصرف النظر عن طبيعة الحكم الصادر بشأنها.

وفيما يلوذ أعضاء الهيئة في أحيان كثيرة بشهادة الأتباع، فإنهم وبخلاف العادة يرفض الفوزان وزملاؤه في هيئة كبار العلماء شهادة الشهود في هذه القضية، وكأنها تدور في كوكب آخر غير الفلك الديني المحض.

ملاحظة أخرى جديرة بالإنتباه، ان العلماء الذين أدمنوا عبارة (سم طال عمرك) في تلبية طلبات الملك وكبار الأمراء، باتت عبارتهم في هذا الموضوع بالتحديد خارج التداول الفقهي، حيث رفض 17 من أصل 19 من العلماء تأييد مشروع الملك في توسعة المسعى، بالرغم من أن مشاريع أخرى أشد خطورة حظيت بتأييد سلس من الهيئة، وهو ما تجلّت آثاره في زوال 95 بالمئة من آثار مكة والمدينة.

هناك من ينظر إلى قرار هيئة كبار العلماء بأنه بداية ظاهرة إنشقاقية تعيد إلى الإذهان الإصطفافات السياسية داخل العائلة المالكة في عهد الملك سعود، وقد تؤسس لشيء كبير، فثمة من يريد توظيف العلماء ضمن صراعات العائلة المالكة. للتذكير، فإن بيان الفوزان جاء متزامناً مع بيان الـ 22 عالماً سلفياً جرى وضعها في سياق معركة السديريين مع الملك عبد الله.

في واقع الأمر، أن المجتمع السلفي قد يشهد إنشقاقاً عمودياً بما يجعل ظاهرة الاصطفافات داخل العائلة المالكة مرشحة للبروز من داخل الدوائر الدينية، وقد يسمع العالم ويرى في قادم الأيام عن علماء مناصرين لجناح الملك وعلماء آخرين مناصرين للجناح السديري.

بيان الشيخ صالح الفوزان الذي جاء خالياً من تاريخ الصدور، ورقم التسجيل، ينطوي على إثارت هامة، منها اعتبار المواقع المقدّسة شأن خاصاً بالعلماء الوهابيين وحدهم، حين اعتبر (أن قضايا المملكة يختص النظر فيها بعلمائها المعتبرين). بل عدّ تدخّل علماء من خارج المملكة تجاوزاً على سيادة الأخيرة وعلى صلاحية العلماء، المخوّلين وحدهم بالبت في موضوعات داخل سيادة المملكة، بما في ذلك المسجد الحرام والمسجد النبوي!!

وفيما غاب أي نقد من الفوزان وبقية أعضاء هيئة كبار العلماء لمشروع التوسعة في عهد الملك فهد، نلحظ بأن الملك عبد الله بات هدفاً سهلاً لسهام النقد من الفوزان وصحبه. فقد عارض أولاً مشروع التوسعة واعتبره غير جائز ولا فضيلة للملك بوقوعه، وثانياً نزع عن الملك ولاية ليست في الأصل من امتيازاته. نقرأ ذلك في النص التالي: (أن النظر في المصالح إنما يكون فيما هو محل للاجتهاد والمشاعر ليست محلا للاجتهاد فالمصلحة في بقائها على حالها وحمايتها والمحافظة عليها فهي شعائر تعبدية ليست مجالا للاجتهاد). فهنا ينفي الفوزان ولاية الملك، ولكن ما يثير الغرابة كلامه عن إبقاء المشاعر على حالها وحمايتها والمحافظة عليها بوصفها شعائر تعبّدية ليست مجالاً للإجتهاد، فهل هدم المساجد في بعض مناطق مكة والدعوة الى هدم مساجد أخرى في عرفات يدخل في مجال الإجتهاد، فهل أصبحت الشعائر خاضعة لمقاييس العلماء وحدهم، هذا في الوقت الذي يشدد فيه على توارث الأجيال للمسعى بهذه الهيئة دون تغيير، فلماذا لا ينسحب التوارث على غيره من مساجد وبيوت وآثار! مع العلم أن المسعى بالذات شهد توسعة في فترات من تاريخ المسلمين، وهو ما ثبّته باحثون حجازيون.

وفيما يلي نص فتوى الشيخ الفوزان والتي حملت عنوان:

فتنة التوسعة في المسعى والرد على شبهات المجيزين لها

من عادة ولاة أمورنا حفظهم الله ومنهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أنهم إذا عرضت لهم مشكلة تتعلق بالدين يستشيرون من أنيطت بهم الفتوى في النوازل وهم هيئة كبار العلماء ولا يسمحون أن يتدخل أحد في الفتوى في مهمات الأمور غيرهم وإنما يصدرون عن رأي هيئة كبار العلماء.

صالح الفوزان: المشايخ هم ولاة الأمر!

ومن ذلك قضية النظر في توسعة المسعى فقد عرضها خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ على الهيئة وأصدرت الهيئة قراراها بالأغلبية بأن تكون التوسعة في زيادة الأدوار الأفقية لئلا يزاد في مساحة المسعى ما ليس منها. كما قررت ذلك قبلهم اللجنة العلمية المشكلة برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة العربية السعودية ـ رحم الله الجميع ـ وصمم مبنى المسعى بناء على قرارها وجعل له سوران يحيطان به من جهة الغرب والشرق ولم يعترض على ذلك أحد من علماء زمانهم لأن مساحة المسعى قد استغرقت ما بين الصفا والمروة الذين جعلهما الله شعارين على حدود المسعى وقد صعد عليهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسعى بينهما مفسرا بذلك قول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وقال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) والصفا مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام وهو أنف أي قطعة من جبل أبي قبيس. والمروة: أنف من جبل قعيقعان ويتحدد السعي في المسافة الواقعة بينهما ولهذا جعلهما الله شعارين أي علامتين على حدود المسعى طولاً وعرضاً لا يخرج الساعي عنهما وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً عملياً جيلاً بعد جيل بدليل أن المسجد الحرام قد وسع فيه عدة مرات ولم يوسع المسعى زيادة عما بين الصفا والمروة المرتفعين الموجودين ولم يبحث عن زيادة لهما تحت الأرض لأن الذي تحت الأرض لا يكون شعاراًٍ بارزاً يصعد عليه فالشعار وهو العلامة لابد أن يكون بارزا مشاهدا ـ وهما اللذان صعدت عليهما هاجر أم إسماعيل حينما طلبت الغوث لها ولولدها فصار السعي بينهما سنة لمن جاء بعدها إلى يوم القيامة.

وبعد صدور قرار هيئة كبار العلماء المذكور تدخلت الصحافة معارضة له واستنجدت بأناس من خارج المملكة مختلفي المشارب واستصدرت منهم فتاوى وآراء مخالفة للقرار الصادر من هيئة كبار العلماء في المملكة بصفة ملفتة للنظر ومخالفة للمألوف في أن قضايا المملكة يختص النظر فيها بعلمائها المعتبرين.

قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وكما أن علماء المملكة سياسيا لا يتدخلون في قضايا خارجة عن بلادهم فكذلك يجب أن لا يتدخل غيرهم في قضاياهم. لكن يظهر من هذا الصنيع محاولة الصحافة إسقاط اعتبار علماء المملكة. ولماذا لم يستفت هؤلاء الذين هم خارج المملكة في العرض الأول في عهد الملك سعود والشيخ محمد بن إبراهيم رحمهما الله. والحمد لله جاءت الفتاوى والأقوال المخالفة لقرار هيئة كبار العلماء متهافتة مبنية على شبهات مختلفة. ولو كانت فتاواهم وأقوالهم صوابا لما اختلفت مستنداتها كما قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) – ونحن نعرض هذه الشبهات ونجيب عنها وقد أجاب عنها كثير من الباحثين في هذا الموضوع وحاصلها:

1ـ الثناء على جهود خادم الحرمين في خدمة الحجاج ومنها هذه التوسعة في المسعى.

والجواب عن ذلك: أن جهود خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ واضحة ومشهودة لكن وجودها لا يدل على جواز التوسعة في مشعر من شعائر الله التي يجب أن تعظم.

2ـ قالوا أن لولي الأمر النظر في المصلحة وهذا من ذلك.

والجواب: أن النظر في المصالح إنما يكون فيما هو محل للاجتهاد والمشاعر ليست محلا للاجتهاد فالمصلحة في بقائها على حالها وحمايتها والمحافظة عليها فهي شعائر تعبدية ليست مجالا للاجتهاد.

3ـ قولهم لم يدل على تحديد المسعى دليل شرعي.

والجواب: أن المسعى يحدده ما بين الصفا والمروة طولا وعرضا وقد توارثته الأجيال على هذا الوضع فلا يجوز الزيادة فيه إلا بدليل. فالدليل على مدعي جواز الزيادة لا على من ينفيها لأن من ينفيها معه الأصل وهو بقاء ما كان على ما كان تعظيما لشعائر الله.

4ـ قولهم ما قارب الشيء أعطي حكمه وللزيادة حكم المزيد.

والجواب عن ذلك: أن المشاعر توقيفية لا يجوز فيها القياس بأن يزاد عليها ما ليس منها وإلا لجازت الزيادة في مساحة الكعبة والجمرات ومنى وعرفات ـ فيحصل التلاعب بشعائر الله تبعا لاختلاف وجهات النظر.

5ـ قولهم المطاف تجوز توسعته فتجوز توسعة المسعى.

والجواب عن ذلك: أن الطواف شرع حول البيت العتيق ولم يحدد إلا بكونه داخل المسجد، قال تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) وأما المسعى فهو محدد بما بين الصفا والمروة لا يخرج عنهما، قال تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)

6ـ قالوا في توسعة المسعى دفع للحرج الحاصل من الزحام. والله جل وعلى قال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج).

والجواب:

أولا: أنه لم يحصل ولله الحمد والمنة في السعي زحام فيه خطورة. وإنما يحصل زحام عادي محتمل ولوا أخلي المسعى من المارة المعترضين ومن المصلين والجالسين فيه لما حصل زحام يخشى منه الخطر.

ثانيا: يمكن تدارك الزحام في السعي بأمور منها:

1. تفويج الساعين كما فوج الحجاج في رمي الجمرات وجربت فائدته.

2. يعمل بقرار هيئة كبار العلماء فتزاد الأدوار فوق المسعى ليتوزع السعي فيها وسيزول الزحام بإذن الله ويبقى المشعر على حاله من غير زيادة ولا تصرف فيه.

7ـ استدلوا بشهادة الشهود بامتداد الصفا والمروة تحت الأرض أكثر من الموجود الآن.

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن يقال أين هؤلاء الشهود وقت تحديد المسعى على يد اللجنة الشرعية برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم؟ لماذا لم يدلوا بشهادتهم حينذاك؟

الوجه الثاني: أن الشهود لم يقولوا أدركنا الناس يسعون خارج الحد الشرقي الذي وضعته العمارة الحديثة على عهد الملك سعود وأن المسعى قد اختزل بعد ذلك.

الوجه الثالث: أن المعتبر من الصفا والمروة ما ارتفع وعلا حتى صار مشعرا بارزا. وأما ما اختفى تحت الأرض فلا يعتبر مشعرا لعدم بروزه ووضوحه فالشعائر هي العلامات الواضحة البارزة. وديننا ولله الحمد لم يبن على علامات خفية. بل شأنه الوضوح في كل شيء ومنها حدود المسعى.

الوجه الرابع: أن هذه الزيادة قد أجمع المسلمون في مختلف العصور على تركها ففي بحثها والتنقيب عنها مخالفة للإجماع العملي المتوارث بين المسلمين.

8ـ قالوا إن الجموع التي حجت مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يمكن أن تسعى جميعا في هذا المكان الضيق.

والجواب عن ذلك أن يقال: ليس عندكم دليل على أنهم سعوا في وقت واحد. ثم لو قدر ذلك فكم عدد الذين يسعون الآن في أدوار المسعى. إنهم يبلغون مئات الألوف ولم ينجم عن ذلك أي خطر وإلا فبينوا لنا كم مات في المسعى من خطر الزحام؛ ولا شيء ولله الحمد.

وأخيراً أطلب من خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ أن ينفذ قرار هيئة كبار العلماء في زيادة الأدوار فوق المسعى وستزول المشكلة بإذن الله ـ إن كان هناك مشكلة وأرجو منه ـ حفظه الله ـ أن تحول الزيادة التي عملت خارج المسعى إلى مصلى للناس بدل أن يصلوا أو يجلسوا في المسعى فيضايقوا الساعين وأن يفرغ المسعى للساعين فقط.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح للإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الصفحة السابقة