على وقع حوادث فساد مشايخ الوهابية المتكررة

التطهرية الوهابية المزعومة في مهب الريح

محمد شمس

الوهابية تزعم الطهر، وتزعم الصفاء لنفسها ولأتباعها دون غيرها، حتى أن الملك عبدالعزيز زعم أمام المعتمد السياسي في البحرين الكولونيل ديكسون، وذلك أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، بأن الإخوان (الوهابيين) يتبنّون أصفى وأنقى عقيدة في الكون، وأن من عداها من المسلمين مشركين أسوأ من الكفار المسيحيين أنفسهم.

قد يكون البعض خاصة بين الغربيين قد وجد في الوهابية حركة تطهرية، وهم أطلقوا عليها تلك الصفة بداية تمدّدها لتكوين الدولة، وهو أمرٌ غير صحيح في أصله، إلا أنه لا يجادل أحدٌ اليوم بأن الجسد الوهابي موبوء بكل الأمراض التي هي في كل المجتمعات عامة، وتصيب كل الحركات أيضاً فكرية أو عقدية أو سياسية أو تجمع بين كل هذا.

مزاعم الصفاء والنقاء كانت ضرورية لتمييز الأتباع عن غيرهم، ولتحملهم رسالة الى العالم بأنهم (الأفضل والأتقى والأعز والموحدين دون غيرهم) وبالتالي يكونوا الأحق بحكم هذه البسيطة، عبر قتل الآخر ونهب أرضه وطرده والإعتداء على عرضه باعتباره مشركاً. أي أن فكرة ادعاء الصفاء والنقاء ـ والوهابية ليست إلا مثالاً فهناك آخرون قالوا بذلك قبلها وبعدها ـ ما هي إلا مقدمة لمبررات وأفعال غير صافية وغير نقية ودنيوية بل ودموية أيضاً. أي أن الإدعاء وفّر الحافز للفعل العسكري (احتلال الحجاز والأحساء والجنوب) كما وفّر للأتباع الوهابيين المشروعية لقتال الآخر وإعمال السيف فيه عبر المذابح الوهابية المعروفة والمتكررة كما في الطائف وغيرها.

اللحيدان: الملحُ فَسَد

هل كانت الوهابية صافية عن الأغراض الدنيوية.. بالطبع لا؟ ولم يكن ابن سعود ـ عبدالعزيز ـ يرى فيها إلا أداة لبلوغ الحكم وزيادة رقعة مملكته الوراثية. فيما كان مشايخ الوهابية يرون بأن تشكيل الدولة ـ نقول هذا تجاوزاً ـ والسيطرة عليها وعلى مغانمها سيستخدم لإعلاء شأنهم وشأن الوهابية في رؤية طائفية ترى في كل ما كان يجري مكسباً مذهبياً ومادياً على حدّ سواء. لا شك أن بعض مشايخ الوهابية كانوا في ذلك الوقت المبكر يتمتعون بقدر من الزهد، ولكن أيضاً كان من الواضح أيضاً أن أكثرهم سدّ عينه عن التجاوزات التي تأتي من آل سعود أو من أتباعهم، في حين انهم كانوا يعاقبون المخالف لمذهبهم على تلك التجاوزات. وفي ذلك الوقت المبكر أيضاً، كان هناك مشايخ (سلطة) يستطيع المرء أن يتبيّنهم، وكان ابن سعود يختارهم بالخصوص لينفذوا إرادته.

أما عامة الوهابيين وخاصة جيش الإخوان، فلم يتغير عليهم شيء كثير، فالنهب الذي كانوا يمارسونه قبيل أسلمتهم أو (توهيبهم) باسم القبيلة، أصبح يسمى جهاداً، وما ينبهونه يسمّى غنائم، والمهم أن يعطوا الخمس للإمام (ابن سعود). ولكن حين شحّت الموارد بعد احتلال الحجاز، وجرى الإخلال بتوزيع السلطة فاحتكرها عبدالعزيز وعائلته، ثار الإخوان، وتبيّن أن ولاءهم للوهابية أضعف من ولائهم لقبائلهم، وطفقوا يتهمون المشايخ الوهابيين في دينهم، ما يعني أن الوهابية كانت للجيش الإخواني مجرد طريقة أخرى للعيش والكسب أكثر من كونها معتقداً يتعارض مع أفعالهم، وهو لم يكن يتعارض مع أفعالهم الشنيعة الدموية إلا بعد أن وقفوا ضد آل سعود!.

المهم هنا، أنه وبعد أن قامت الدولة، ضعف المشايخ الوهابيون بسبب ضرب الجناح العسكري (الإخوان) الذي كان موالياً لهم قبل تمرده، ولكن جرى تعويضهم بمكاسب معنوية ومادية من نوع آخر. تلك المكاسب السياسية والمادية باعتبارهم جزء مكوناً للسلطة أفسدت الكثير منهم، ولعب الفساد في الجهاز الديني حتى نخره من أعماقه، حتى صار هناك القليل جداً من المشايخ الذين يرفضون الأعطيات، وصارت الأكثرية مرفهة، تسكن القصور، وتسافر بجوازات دبلوماسية، وتتمتع بما يتمتع به الوزراء وأكثر من رواتب ضخمة واحترام وأضواء.

السلطة مفسدة بطبعها، وقد أفسدت معظمهم. وإذا كان هناك من جدل قديم حول ما إذا كانت الوهابية في معتقداتها وأتباعها وقياداتها تطهرية أم لا، فإن الجدل اليوم محسوم تقريباً. ففساد المشايخ والقضاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ومدرسي أفكارهم وتابعيهم من المسلمين الآخرين، تجد فضائحهم تملأ البلاد طولا وعرضاً. في الماضي لم يكن أحدٌ يتحدث عن ذلك. أما اليوم، فتسمع عن رشاواهم كقضاة، وفساد مسلكهم كأفراد، هم كذلك في جباية الزكاة، وهم كذلك ككتاب عدل، وهم كذلك كمدرسين، وهم كذلك كشرطة دينية.

خلال الأشهر الماضية، طفت على السطح قضايا كثيرة من هذا النوع. فهناك القاضي الذي وجد في دبي واعتقل لأنه يتعاطى الحشيش وأفعال شائنة أخرى. وهناك رجل الهيئة الذي اختلى بامرأة (شغالة) في الطائف، وهناك القاضي الذي باع دينه في أحكام قضائية أدت الى مقتل أفراد ظلماً وعدواناً في الجنوب، وهناك الشيخ الذي وجد يفعل الفاحشة مع إحدى قريبات زوجته، وهكذا.

ومع ان الوهابية وإعلامها يريد التغطية بشتى الصور على تلك الأفعال حتى تلك التي وقعت في دبي، إلا أن ما هو معروف عن الطاقم الديني الوهابي أنه مجيد للكلام، ومجيد للزعم بالتطهر، ولكنه في واقعه يمارس الجريمة، ويتهم بها غيره. ويحاكم الآخر المختلف على الصغائر المختلف حولها، وهو يمارسها بالسرّ. لهذا ظهرت أصوات سلفية وهابية شعبية تطالب بإصلاح القضاء والقضاة، ووقف تجاوزات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين لقي بعضهم حتفه قتلاً على يد مواطنين بسبب تعدياتهم وفسادهم.

الوهابيون ينصبون الأفخاخ لمخالفيهم من أجل إدانتهم ـ وذلك بالتواطؤ مع آل سعود ـ لأن أولئك ينتقدون السلطة، فلا بد من تلويث سمعتهم، كما حدث مع عشرات الأفراد، ولكن الله أبى إلا أن يكشف الوهابيين ورجالهم، ويفضحهم على رؤوس الأشهاد، فيظهروا الى جانب السراق والمجرمين واصحاب المخدرات، ومنتهكي الأعراض، والقتلة. وحتى لو برّأهم القضاء كما هي العادة، مثلما هو الحال مع حوادث القتل التي يقترفونها، فإن طهارة الجهاز الوهابي الديني المزعوم والتي يفاخرون بها، ويشتمون الأزهر ورجالات الحجاز الدينيين بفقدانها، صارت في خبر كان. فليكفوا عن مزاعمهم ولبس ثياب التقى والزهد، فما هم إلا نسخة أقلّ رداءة من أصنامهم آل سعود، الذين ما وجدوا منكراً إلا فعلوه.

الصفحة السابقة