تقرير لهيومان رايتس ووتش عن:

حقوق الإنسان وسياسات مكافحة الإرهاب السعودية

المناصحة الدينية والاحتجاز لأجل غير مسمى والمحاكمات الجائرة

خبر الآلاف من السعوديين القتال في الخارج، في الأغلب في أفغانستان، لكن بعض هؤلاء قاتلوا في الشيشان والصومال والبوسنة. وأغلب من كانوا في أفغانستان عادوا إلى السعودية بعد قلب نظام حكم طالبان في أكتوبر/تشرين الأول 2001. وفي أعقاب الغزو الأميركي للعراق في مارس 2003، بدأ قدماء المحاربين وجيل جديد من الشباب السعودي المتطرف، مدفوعين جزئياً بما شاهدوه من تغطية تلفزيونية للحرب في العراق، بدأوا في التخطيط لقتال من اعتبروهم كفاراً، من غزاة العراق الأجانب وشيعة العراق أيضاً.

وبحلول عام 2003 أصبحت السعودية بصدد عدد متزايد من المقاتلين الذين يُحضّرون لأعمال تتسم بالعنف داخل البلاد ولأعمال تستهدف الأجانب. واختطف المقاتلون وقتلوا الأجانب وفجروا القنابل في المدنيين الأجانب والسعوديين على حد سواء، واستهدفوا المسؤولين السعوديين والمؤسسات السعودية. وفي عامي 2003 و2004 شهدت السعودية سلسلة من التفجيرات أدت إلى مقتل 74 مسؤولاً أمنياً وإصابة 657 آخرين، بالإضافة إلى مقتل 90 مدنياً وإصابة 439 آخرين، طبقاً للعربية نت بتاريخ 21 أكتوبر 2008، مقتبساً من "مصدر أمني" سعودي. وفي فبراير/شباط 2006 أخفق المقاتلون في محاولة لتفجير منشأة نفطية ضخمة. وأعلن المسؤولون السعوديون في يونيو 2008 عن القبض على أكثر من 700 شخص خلال الشهور الستة السابقة على ذلك التاريخ، للاشتباه في التخطيط لاغتيال قيادات دينية ومسؤولين حكوميين ومهاجمة مزارات دينية والتورط في أعمال قتال في العراق. وتم إخلاء سبيل نحو 180 مشتبهاً بعد ذلك، حسب ما قال المتحدث باسم وزارة الداخلية منصور التركي في يونيو/حزيران 2008.

ومن اتهمتهم الحكومة يُعتقد أنهم رجال دين – أثناء التحضير لغزو العراق في عام 2003 – إما شككوا في الشرعية الدينية للحكومة السعودية، أو صدقوا على أعمال العنف. ومنهم ناصر الفهد، وعلي الخضير وفارس الزهراني، وأحمد الخالدي. وما زال من غير الواضح ما إذا كانت قد نُسبت إليهم اتهامات بالتحريض على العنف أو المشاركة في أعمال العنف بواسطة التجنيد، وجمع الأموال، أو غيرها من سبل الدعم اللوجستي. وذكرت صحيفة عكاظ السعودية اليومية في 28 أكتوبر أن اعترافات أشخاص "انضموا إلى خلايا ناشطة في الترويج للأفكار الضالة" قد تمت المصادقة على استخدامها في المحاكمات. وفي 25 أكتوبر أفادت الصحيفة أن "شيوخ التكفير الثلاثة الخضير والفهد والخالدي" يعتقد أنهم من بين من أحيلوا للمحكمة.

المناصحة الدينية

المناصحة الدينية وتقديم المشورات النفسية قد يكون من العناصر المفيدة في برامج إعادة التأهيل للمجرمين المُدانين بجرائم. إلا أن الأشخاص الذين خضعوا لبرنامج المناصحة الدينية الذي تقوم بإعداده السلطات السعودية هم مقاتلون مشتبهون في عهدة المباحث ولم تسبق إدانتهم، ولم تُنسب إليهم أية جرائم. مشكلة البرنامج – من وجهة النظر الحقوقية – أنه باستثناء كونه جزءاً من العقوبة المفروضة على من يُدان في جريمة، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يسمح بأن يخضع الأشخاص المحتجزين لبرامج تأهيلية. مثل أعمال الاحتجاز القسري هذه هي تعسفية على طول الخط. وبرامج التأهيل، بينما قد تعتبر جزءاً من نظام المعاملة فيما بعد الإدانة، لا يمكن تطبيقها على أشخاص لم يثبت ذنبهم.

وبدءاً من عام 2003، شرعت وزارة الداخلية السعودية في إعداد برامج رائدة لما يُسمى حالياً "لجان المناصحة". الغرض من عمل لجان المناصحة تلك هو تيسير إعادة دمج الأفراد الذين يتبنون أفكاراً عنيفة أو ارتكبوا مثل هذه الأعمال، حسب ما قال العاملون في اللجان لـ هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول 2006. وثمة نوعان مختلفان من إعادة التأهيل باستخدام المشاورة: أسلوب مطول عبر مركز إعادة تأهيل متخصص، مخصص للمحتجزين السابقين في مركز احتجاز غوانتانامو الأميركي، ونحو 150 محتجز مختار بعناية من عهدة المباحث رأت السلطات السعودية أن أعمالهم غير عنيفة في حد ذاتها، ونظام آخر مصغر لآلاف من المحتجزين في سجون المباحث.

ومن أعضاء اللجان العاملة في البرنامج المصغر شيوخ ورجال دين (ليسوا موظفين حكوميين بالضرورة)، وأطباء نفسيين، يزورون المحتجزين ويبادرونهم بالمناقشات. وفي عام 2006 كان هناك نوعان من المشورة في البرنامج المصغر: في أحدهما، يعقد العاملون باللجنة جلستين على انفراد مع المحتجز قبل تقييمه. وفي الآخر، يشارك المحتجز في برنامج دراسي لمدة ستة أسابيع مع محتجزين آخرين قبل أن يخضع لاختبار كتابي. وتشمل الموضوعات الطب النفسي الأساسي والفهم الصحيح للجهاد وحماية غير المسلمين في الإسلام، والولاء للحاكم. ورسالة اللجنة الأهم، حسب ما عرفت هيومن رايتس ووتش من أعضاء اللجنة ومن محتجزين سابقين، هي عدم جواز القتال باسم الجهاد ما لم يوافق عليه الحاكم وأبوي المجاهد الراغب في الجهاد.

رئيس اللجان، عبد الرحمن الهدلق أصر في قوله لـ هيومن رايتس ووتش في ديمسبر 2006 على أن المشاركة طوعية. وذكر أن التخرج في البرنامج والتوصية الإيجابية لا تؤدي بشكل تلقائي إلى إخلاء السبيل، إذ يطلب الكثيرون المشاركة "لأنهم يعرفون أنهم لن يُفرج عنهم ما لم يكملوا البرنامج". وغياب أية معاملة قانونية لمحتجزي المباحث حتى اختيار بعضهم للمحاكمة في عام 2008 بعد سنوات من الاحتجاز لأجل غير مسمى (انظر أدناه) يعني أنه من الناحية العملية تقييم لجان المشاورة للمحتجزين هو الفرصة الوحيدة للخروج من السجن، رغم أن هذا التقييم ليس ضمانة تلقائية بالخروج. والكثير من المحتجزين الذين تناقلت التقارير استحسان موجهيهم في البرنامج لأدائهم، ما زالوا رهن الاحتجاز.

بحلول ديسمبر 2006 كانت السلطات قد أفرجت عن أكثر من 700 سجين من بين أكثر من 2000 محتجز خضعوا للبرنامج منذ بدأ في أواسط 2004. وقال مسؤولون بوزارة الداخلية السعودية إنه بحلول ديسمبر 2007، كان 1700 محتجز ما زالوا ضمن البرنامج وتم إخلاء سبيل 1500 آخرين، حسبما أفاد موقع Bloomberg.com في 12 ديسمبر 2007.

محتجزو غوانتانامو

بالإضافة إلى عمل لجان المشاورة مع سجناء المباحث في شتى أنحاء السعودية، فإن الحكومة السعودية افتتحت في عام 2006 مركز الأمير محمد بن نايف لإعادة التأهيل شمالي الرياض، ليستضيف في بداية الأمر السعوديين الذين كانوا محتجزين في غوانتانامو ثم نقلتهم الولايات المتحدة للاحتجاز طرف السعودية.

وقد أعادت الولايات المتحدة الأغلبية العظمى من 140 سعودياً كانوا محتجزين في غوانتانامو، إلى السعودية. وحين يعود محتجزو غوانتانامو السابقين إلى السعودية، يقوم مسؤولو الأمن عادة باستجوابهم بشأن ما حدث معهم قبل احتجازهم في مركز إعادة تأهيل لفترة عدة أسابيع أو شهور، أو كما في حالات وقعت مؤخراً؛ لفترات أطول (انظر أدناه). ويلقى المحتجزون في مركز إعادة التأهيل المشاورة الدينية والنفسية (يمكنهم أيضاً المشاركة في الألعاب والرياضة)، وتساعدهم الحكومة في العثور على وظائف، وزوجة في أحيان كثيرة، بتقديم مقدم المهر، وتحصل على ضمانات أمنية من عائلات المحتجزين وعشائرهم. ولدى إخلاء سبيلهم، فإن الحكومة تمنعهم من السفر إلى الخارج وتبقيهم تحت الملاحظة.

وبالإضافة إلى المشاورة، فإن بعض محتجزي غوانتانامو السابقين تلقوا ما وصفه المسؤولون السعوديون بأنه محاكمات، من إجراءات شملت المثول لمدة قصيرة أمام قاضي يأمر بإخلاء سبيلهم بعد الحُكم عليهم بالمدة التي أمضوها بالفعل أثناء نقلهم، والتهمة عادة هي "مغادرة البلاد دون تصريح"، حسب ما قال بعض محتجزي غوانتانامو السابقين لـ هيومن رايتس ووتش.

وفي أبريل 2009، كتبت وكالة الأنباء الفرنسية بناء على مصادر بوزارة الداخلية أن 270 محتجزاً، منهم 117 محتجزاً عائدين من غوانتانامو، مروا بالنسخة المطولة من برنامج إعادة التأهيل. وزعم المسؤولون السعوديون أن معدل النجاح في برنامج إعادة التأهيل الديني والنفسي لمحتجزي غوانتانامو هو معدل كبير. وهذه المزاعم وجدت ما نزع منها المصداقية حين ذهب اثنان من خريجي البرنامج إلى اليمن لتوحيد فرعي القاعدة في اليمن والسعودية. وأفادت الحكومة السعودية في يناير 2009 أن 11 محتجزاً سابقاً في غوانتانامو مروا ببرنامج إعادة التأهيل، قد فروا من الرقابة السعودية، وأن بعضهم على الأقل تم اعتقالهم مجدداً على وجه السرعة. كما عاودت السلطات اعتقال 12 محتجزاً سابقاً في غوانتانامو زعموا أنهم إما كانوا يحاولون مغادرة البلاد أو على صلة بأشخاص هم ممنوعون من رؤيتهم كشرط لإخلاء سبيلهم بعد برنامج إعادة التأهيل، أو لأن المسؤولين قرروا أنهم يمثلون خطراً. ومنذ ذلك الحين استسلم محمد العوفي، أحد اثنين ذهبا إلى اليمن، وأعيد إلى السعودية، لكن الآخر، سعيد الشهري، ما زال طليقاً. ويعيد المسؤولون السعوديون حالياً تقييم البرنامج.

وتقريباً يوجد 12 محتجزاً من غوانتانامو أحالتهم الولايات المتحدة إلى السعودية في ديسمبر 2007 وما زالوا رهن الاحتجاز في مركز إعادة التأهيل، في أثناء إجراء عملية إعادة التقييم تلك، وقد انضم إليهم في المركز ثلاثة من محتجزي غوانتانامو أحيلوا في يونيو 2009. وحقيقة أن بعض المحتجزين السابقين في غوانتانامو قد أمضوا من ثم أكثر من 18 شهراً في هذا الشكل من أشكال الاحتجاز حتى وقت كتابة هذا التقرير، لهو مما يلقي الضوء على قدرة السلطات السعودية على احتجاز محتجزي غوانتانامو السابقين لأجل غير مسمى دون إتاحة الإشراف القضائي عليهم.

وتسعى إدارة أوباما إلى إجراء محادثات مع الحكومتين السعودية واليمنية بشأن النقل المحتمل لمحتجزي غوانتانامو اليمنيين إلى البلدين، وهم أكبر مجموعة من المحتجزين التابعين لدولة واحدة هناك وعددهم يبلغ نحو 100 شخص، على أن تتم إحالتهم إلى الاحتجاز طرف السعودية وبرنامج إعادة التأهيل، في سياق ظهور المخاوف من تواجد جماعات مقاتلة في اليمن وسجل الحكومة غير الجيد في أعمال إنفاذ القانون وسياسات الاحتجاز.

ويميل المسؤولون الأجانب والإعلام الدولي إلى التركيز على عنصرين هامين في برنامج المناصحة الدينية السعودي. أولاً، تنظيم وزارة الداخلية السعودية زيارات لمركز إعادة التأهيل في النسخة المطولة من البرنامج، حيث يشارك 270 شخصاً من محتجزي المباحث ومحتجزي غوانتانامو السابقين. ولم يُسمح بزيارة الآلاف من محتجزي المباحث في شتى أنحاء البلاد ممن يخضعون للبرنامج المصغر. ثانياً، المسؤولون الأجانب والإعلام الأجنبي يسقطون في الأغلب في فخ الإشادة بمزايا إعادة التأهيل مع تجاوزهم لغياب أية إجراءات قانونية واجبة ممنوحة للمحتجزين. على سبيل المثال، وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند كتب في مدونته بتاريخ 23 أبريل 2008، أنه زار شخصاً سعودياً كان يريد تفجير نفسه في عملية انتحارية وعاد من العراق "إلى مركز إعادة التأهيل السعودي – وهو مركز وسيط للمتطرفين المتهمين بجرائم إرهابية". وفي مؤتمر سعودي أميركي في أبريل 2009 وصف النائب الرئيسي المساعد لوزير الدفاع في شؤون الأمن الدولي، جوزيف مكميلان، وصف برنامج إعادة التأهيل السعودي بأنه "ناجح بشكل فائق للعادة".

قد يستحق برنامج إعادة التأهيل الإشادة على نواياه وعناصر الابتكار فيه ومعدلات أعمال العنف المتدنية لمن يتخرجون فيه. إلا أن الرجال المشاركين في هذا البرنامج هم أشخاص تحتجزهم المباحث دون أية اتهامات رسمية ودون قدرة على اللجوء للطعن في احتجازهم. وقد اتصلت هيومن رايتس ووتش بعائلات بعض المحتجزين منذ خمس سنوات وأكثر وتحدثوا عن معاناتهم من الاحتجاز المطول لأجل غير مسمى، رغم تلقي الأقارب في العادة حسب الزعم لتوصيات إيجابية من برنامج إعادة التأهيل في سجون المباحث. وتُصر أسر كثيرة على براءة أقاربهم المحتجزين.

الهاشمي والرشودي: معتقلان اصلاحيان بدون محاكمة

الاحتجاز لأجل غير مسمى

لا تُعلن وزارة الداخلية السعودية بشكل دوري عن عدد الأشخاص المحتجزين أو المحبوسين في السجون التابعة للمباحث. وهذه السجون منفصلة عن تلك التي تديرها إدارة السجون العادية. في يوليو 2007، اقتبست وكالة الأنباء الفرنسية قول وزير الداخلية الأمير نايف بأن "9000 شخص تم القبض عليهم في أثناء عمليات مكافحة الإرهاب على مدار الأعوام الأربع الماضية"، وأن "تم الإفراج عن أغلبهم لكن ما زال 3106 محتجز منهم رهن الاحتجاز". وكما هو مذكور أعلاه، ففي ديسمبر 2007 قالت وزارة الداخلية إنها أفرجت عن 1500 محتجز أتمّوا بنجاح برنامج إعادة التأهيل الديني والنفسي، وتناقلت التقارير أنها – الوزارة – ما زالت تحتجز نحو 1700 آخرين. ومنذ ذلك الحين قامت السلطات باحتجاز بضعة مئات آخرين.

ولا يوجد في السعودية قانون عقوبات مُدوّن يحدد بوضوح على صورة أحكام قانونية ما يدخل في نطاق الأعمال الجنائية. إلا أنه في عام 2002 أصدرت الحكومة أول قانون [نظام] للإجراءات الجزائية في البلاد. والمادة 116 من نظام الإجراءات الجزائية تمنح المقبوض عليه الحق في أن "يُبلغ فوراً... بأسباب القبض عليه أو توقيفه"، والمحقق (في السعودية هو المدعي أيضاً) يجب أن يخطر المحتجز بالاتهامات فور مثول المتهم للمرة الأولى للتحقيق" ويجب أن يتم هذا في ظرف 48 ساعة من القبض عليه (مادة 34). والمادة 116 تنص على أنه يجب مثول المحتجز للمحاكمة أو الإفراج عنه في ظرف ستة أشهر.

وقد تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أكثر من 24 أسرة من أسر المعتقلين طرف المباحث في عامي 2006 و2007، وأفادت أسرتان منهم فقط أن أقاربهم قُدموا للمحاكمة. وطبقاً للأسرتين، فإن الرجلين أتمّا ما حُكم به عليهما من عقوبات لكنهما ما زالا قيد الاحتجاز. وأحد المحتجزين السابقين طرف المباحث في منطقة الجوف الشمالية، وتم اعتقاله جراء آرائه المعارضة، قال في نوفمبر 2006: "هناك مجموعة قوامها نحو 20 شخصاً في الجوف، تم القبض عليهم لأسباب متعلقة بالعنف [على صلة بالأمن القومي]، وقد انتهت محكومياتهم لكن لم يُفرج عنهم بعد". وبسبب كل المذكور أعلاه، لم يكن من الواضح إن كان مسؤولو وزارة الداخلية أو القضاة هم من أصدروا هذه الأحكام. وفي أواسط عام 2009 اتصلت هيومن رايتس ووتش بستة من الأسر مجدداً لتعرف ما إذا كان من المقرر تقديم أقاربهم للمحاكمة أو قد نالوا أحكاماً بموجب المحاكمات المُعلن عنها مؤخراً بحق 991 مشتبهاً إرهابياً. وقال اثنان من الأقارب إن أقاربهم المسجونين تم إطلاق سراحهم، وقالت خمس أسر إن أقاربهم ما زالوا رهن الاحتجاز دون نسب اتهام إليهم أو محاكمتهم.

وقال أقارب المحتجزين الاثنين اللذان تم الإفراج عنهما لـ هيومن رايتس ووتش في عام 2006 إن اعتقال الشخصين كان بسبب إبدائهما لآراء وليس الاضطلاع بأعمال عنف. وقال قريب أحد المحتجزين في ديسمبر 2006 إنه – قريبه – محتجز منذ ديسمبر 2003 تقريباً لأنه هاتف محطة الإصلاح التلفزيونية ويديرها المعارض السعودي سعد الفقيه من لندن. وفي يونيو 2009 قال قريب آخر لـ هيومن رايتس ووتش إن المحتجز في أسرته تم الإفراج عنه قبل عامين، "بعد أن نال حُكماً بالسجن لمدة عامين تقريباً". ولم يتلق السجين الوثيقة الكتابية التي تأمر بالسجن، ولدى الإفراج عنه كان قد أمضى رهن الاحتجاز ثلاث سنوات. والشخص الآخر المفرج عنه تم احتجازه جراء دعوته علناً إلى الإفراج عن قريب له، وهو مُعارض آخر غير عنيف.

وبالنسبة لعائلات خمسة محتجزين آخرين عاودت هيومن رايتس ووتش الاتصال بهم، لم يتغير شيء منذ عام 2006. وما زال شقيقان من أبها – تم القبض عليهما في مايو 2004 ويناير 2005 – رهن الاحتجاز دون نسب اتهامات أو محاكمة، حسبما قال أحد أقاربهما لـ هيومن رايتس ووتش في يونيو 2009. وقال القريب إنه أرسل فاكسات إلى إبراهيم المهنا الذي يعمل مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، مطالباً بمعرفة أسباب الاعتقال، لكن لم يصله أي رد. وقال شقيق محتجز آخر إنه لا يعرف بوضع قريبه المحتجز منذ مارس 2006، وتم القبض عليه حسب الزعم لتورطه في تمويل الميليشيات في العراق. ولم يستطع التأكيد إلا على أن شيوخ لجان المشاورة زاروا شقيقه في سجن مباحث البريدة مؤخراً. وقالت قريبة المحتجز الرابع لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات ما زالت لم تنسب الاتهام إلى المحتجز أو تحاكمه، إثر القبض عليه وحبسه لمدة عام في سجن مباحث عليشة في الرياض، وقبلها خمس سنوات على الأقل في سجن مباحث الحائر جنوبي الرياض. وقالت القريبة إن السبب الوحيد الذي تعرفه للقبض عليه هو أنه هاتف أحد الجيران ثم ظهر – الجار – بعد شهرين على قائمة المطلوبين من قبل وزارة الداخلية، ثم لقى مصرعه بعد ذلك، في تصادم سيارات مع قوات الأمن، حسب المفترض. وقالت إن شيوخ لجان المناصحة تحدثوا إلى قريبها في السجن. وقريب المحتجز الخامس، تم القبض عليه في مارس 2005، قال في يونيو 2009 إنه لم تتم المحاكمة رغم الوعود المقدمة للأسرة بأنها ستتم، وقد تقدم بهذه الوعود مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية في نوفمبر 2005.

وفي 1 يونيو 2009 نشر فريق الدفاع عن د. سعود مختار الهاشمي قائمة بشكاوى من موكلهم المحتجز، الذي بدأ إضراباً عن الطعام في ذلك اليوم احتجاجاً على عدم نسب الاتهامات إليه أو محاكمته، من بين شكاوى أخرى. وفي فبراير 2007 انتقدت هيومن رايتس ووتش اعتقال الهاشمي وآخرين معروفين بنشاطهم في الإصلاح السياسي والقانوني.

ومن بين المقبوض عليهم أيضاً في ذلك الحين المحامي والقاضي السابق سليمان الرشودي، الذي تناقلت التقارير اعتزامه مقاضاة وزارة الداخلية بالنيابة عن موكليه الذين تحتجزهم المباحث منذ سنوات دون نسب اتهامات إليهم أو محاكمتهم وتم منعه من مقابلتهم أو تمثيلهم. والرشودي نفسه يقبع حالياً في سجن المباحث دون نسب اتهامات إليه منذ أكثر من عامين. وفي 14 يوليو 2009، قالت منظمة حقوق الإنسان، فرونت لاين ديفيندرز في بيان صحفي إن وليد أبو الخير، الناشط الحقوقي والمحامي عن الهاشمي والمحتجز عبد الرحمن الشميري، تعرض لمضايقات من المسؤولين من أجل التنازل عن القضية التي يطعن فيها بالاحتجاز التعسفي بحق موكليه (انظر أدناه). وشملت المضايقات تهديدات بحبس الخير ما لم يسقط القضية، وإجراء مكالمة هاتفية مع شقيق الخير في 25 يونيو من قبل شخص قال إنه من وزارة الداخلية. وأطلق تهديدات مشابهة شخص زار والد الخير، في الوقت الذي أوقف فيه مجهولون سيارة الخير في 10 يوليو وأدلوا بتهديدات غير محددة.

أزمة المحتجزين الأجانب

وضع المحتجزون الأجانب أصعب عادة من وضع المحتجزين السعوديين، لغياب الزيارات العائلية ولأن المسؤولين القنصليين لدولهم، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لا يزوروا مواطنيهم في سجون المباحث. وفي بعض الأحيان رفضت المباحث الزيارات الأسرية وفي أوقات أخرى لم تمنح وزارة الخارجية تأشيرات لأفراد الأسرة الذين يريدون زيارة أقاربهم المحتجزين. كما أن الأجانب تعوزهم القدرة على دخول دوائر صناعة القرار بشكل غير رسمي في السعودية، التي تحظى بها الأسر السعودية أحياناً. إلا أن المحتجزين الأجانب، مثل السعوديين، يشاركون في المناقشات مع شيوخ لجان المشاورة.

قال قريب أحد المحتجزين غير السعوديين – محتجز منذ أغسطس 2004 في عدة سجون مباحث، منها الرويس في جدة والدهبان شمالي جدة وفي أبها والرياض – قال إنهم حاولوا معرفة أسباب القبض عليه. قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن قريبهم المحتجز، يعمل ممرضاً، عالج رجلاً سعودياً واتصل به بعد فترة بناء على دعوة الرجل السعودي له بزيارته، لكن المباحث أجابت على الهاتف لأنه اتضح أن الرجل السعودي على ما يبدو قد تم القبض عليه لتورطه في "جماعات إرهابية". ثم قامت المباحث بالقبض على الممرض، وكان على وشك مغادرة البلاد في إجازة إلى وطنه، لزيارة أمه المريضة. وقد ماتت في نوفمبر 2008، أثناء العام الخامس لاحتجاز الابن في المباحث دون نسب اتهامات إليه أو محاكمته. وتم تشخيص إصابة الممرض نفسه بمرض في القلب وتمت رعايته في المستشفيات في يناير 2009، بعد أن فقد نحو 20 كيلوغراماً من وزنه في شهور قليلة، حسب قول قريبه.

وعرفنا بشأن شخص غير سعودي آخر تم القبض عليه منذ يونيو 2003 دون نسب اتهام إليه أو محاكمته، ثم تنقل ما بين سجون المباحث في الدمام والجبيل ورأس تنورة والإحساء والحائر ودهبان. وشيوخ لجان المناصحة زاروه في الاحتجاز حسب قول أقاربه. وطبقاً لأسرته فقد قال قريبهم المحتجز إنه في الدمام تم تعليقه من يديه المقيدتين بالأصفاد، وفي الحائر تعرض لتشغيل موسيقى صاخبة والحرمان من النوم وضربه رجل طويل اللحية يبدو أنه شيخ، وهدد مستجوبوه بأذية أسرته، وفي دهبان والحائر وضع في الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي مرتين، بعد أن بدأ في الإضراب عن الطعام في يونيو 2008 ويناير 2009 للمطالبة بمحاكمته أو إخلاء سبيله. وأضافت أسرته إن المحتجز قال إنه سمع وعوداً من سجانيه منذ أكثر من عامين عن إرساله إلى المحاكمة "قريباً". إلا أن المسؤولين لم يخطروه قط بأية اتهامات منسوبة إليه ولم يمثل أمام المحكمة.

وثمة شخص غير سعودي ثالث، عرفنا باحتجازه في سجن مباحث الدمام منذ يوليو 2007. وقد انتقل إلى السعودية وبدأ العمل فيها كحلاق حتى قابل سعودياً ملتزم دينياً أقنعه بأن مهنة الحلاق لا تناسب المسلم الملتزم. وفي عشاء مع هذا الرجل السعودي، قبضت عليه قوات الأمن وعلى آخرين كانوا حاضرين. وعرفت أسرته – التي قدمت معه إلى السعودية – من كفيله السعودي بنسب اتهامات إليه بتزوير أوراق الإقامة، بما أنه دفع النقود لأحدهم كي يغير له كفيله بعد أن كف عن العمل بمهنة الحلاق. ولم تتمكن الأسرة من التحدث إليه حتى بعد ثمانية شهور من القبض عليه، ولم تقابله إلا بعد خمسة أشهر من تلك المقابلة الأولى، رغم أنهم على اتصال دائم به كل أسبوعين منذ نوفمبر 2008. وقال المحتجز لهم إنه لا يعرف بأية اتهامات منسوبة إليه أو باقتراب موعد المحاكمة.

وفي 28 أبريل 2009، قالت منظمة هود اليمنية لحقوق الإنسان إن 74 يمنياً خاضعين للاحتجاز في سجن مباحث منطقة القصيم منذ عام 2005 دون محاكمة للاشتباه في تورطهم في أعمال إرهابية. وفي يوليو 2009، ذكرت منظمة هود أن هناك ثمانية محتجزين آخرين خضعوا مؤخراً للمحاكمة، سبعة منهم أدينوا وحُكم عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى أربعة أعوام. وجميع المدانين السبعة ما زالوا رهن الاحتجاز رغم انقضاء محكومياتهم، بالإضافة إلى اليمني الثامن، الذي ما زال محتجزاً رغم أن المحكمة برأته من الاتهامات المنسوبة إليه.

الطعن في الاحتجاز لأجل غير مسمى

بعض أسر المحتجزين تقدمت بقضايا أقاربهم إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، ويمكن لهذا الفريق إصدار رأي في قضايا الأفراد (بعد سؤال الحكومات عن معلومات ذات صلة بالقضايا). وأظهرت التقارير السنوية للفريق العامل، التي غطت الأعوام من 2004 إلى 2008 أنها نظرت في نحو 71 قضية لمشتبهين في الاحتجاز التعسفي في السعودية، ومنهم 25 على الأقل من محتجزي المباحث (بناء على مقارنة ملفات هيومن رايتس ووتش بأسماء المحتجزين التي نشرها الفريق العامل، والتي رغم ذلك لم تنشر تفاصيل القضايا). وفي 25 قضية، قضى الفريق العامل بتعسف الاحتجاز. ومن الممكن أن عدد محتجزي المباحث طرف الفريق العامل أكثر من المذكور.

وفي أربع قضايا أخرى تعرف بها هيومن رايتس ووتش، قاضى أقارب المحتجزين، أو محاميهم، أو محتجز مفرج عنه، المباحث أمام ديوان المظالم، وهو المحكمة الإدارية السعودية. وفي قضيتين رفعها الأقارب حكم الديوان في صالح مقدم الدعوى. إلا أن الديوان تعوزه سلطة إنفاذ قراراته، من ثم فهذه المحاولات لم تؤد إلى إضفاء صبغة من الإجراءات القانونية السليمة على ممارسات احتجاز المباحث أو إلى الإفراج عن المحتجزين المعنيين، ولا كان لها أثر عملي في الحد من الاعتقال التعسفي الذي تجريه المباحث.

وفي أغسطس 2008 حكم ديوان المظالم لصالح تامر محمد المرتضى، الذي قاضى المباحث كي تفرج عنه ابنه عماد، والذي تحتجزه المباحث منذ القبض عليه في 7 يونيو 2004. وأيدت المحكمة حقيقة أن المباحث احتجزت عماد المرتضى منذ ذلك التاريخ دون إحالته للمحاكمة. كما ذكرت المحكمة في حُكمها أن المباحث تبقى حرة في استمرار تحقيقاتها وفي جمع الأدلة فيما يجب إخراج عماد من الاحتجاز طرفها. ورفضت المحكمة طلبات أكثر من مرة من محامي المباحث، الذي قال بأن المباحث ما زالت لم تمده بأية حقائق عن القضية. وورد في الحكم أن المحكمة "تقضي بإلغاء قرار المباحث بالامتناع عن تنفيذ المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية" الصادر عام 2002، والتي تنص على أن المحتجز يجب أن يُعرض على المحكمة للمحاكمة أو يُفرج عنه خلال مدة أقصاها ستة أشهر من القبض عليه. وفي مايو 2009 اتصلت الأسرة بـ هيومن رايتس ووتش لتشتكي من أنه رغم قرار المحكمة الصادر قبل 10 أشهر، فما زالت المباحث تحتجز عماد المرتضى.

وبالمثل، ففي يونيو 2009 اشتكى والد محتجز (تم حجب الاسم بناء على طلبه) هيومن رايتس ووتش كي تساعده على الإفراج عنه ابنه، وهو مواطن سعودي، بعد أن حكم ديوان المظالم في أبريل بوجوب الإفراج عنه. وقد قبضت المباحث على الابن في 1 أغسطس 2002، وهو في عمر 17 عاماً. وقاضى الوالد المباحث في 3 نوفمبر 2007، بعد أن لم يصله رد على رسائله إلى مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، الأمير محمد بن نايف، يطلب فيها إخلاء سبيل ابنه. وفي حُكمه عام 2009 أكد الديوان على "التزام الطرف المرفوعة عليه القضية [المباحث] بالإفراج عن ابن مقدم الدعوى". وطعن محامي المباحث في وضعية الأب بصفته مقدم الدعوة، قائلاً إن لا صفة له في تمثيل ابنه. إلا أن المحكمة لجأت إلى المادة 13 ب من نظام ديوان المظالم، التي تعطي الديوان الاختصاص بالنظر في "مخالفة النظم واللوائح... أو إساءة استعمال السلطة". ثم رفضت المحكمة مزاعم محامي المباحث بأن:

[وحيث إن ولي الأمر [الملك] استناداً إلى أحكام الشريعة والنظام الأساسي للحُكم... رخص لجهات التحقيق (المباحث العامة) القبض على المشتبه فيهم وحبسهم حفاظاً على الأمن والتحقيق الجنائي باعتبار أنها جهات تمثل المجتمع وأمينة على الدعوى العمومية ويقع عليها واجب المحافظة على أمن البلاد والمحافظة على سمعتها خارج حدودها وأن لهذه الجهات... إيقاف من تحوم حوله الشبهات]. وكما في قضية عماد المرتضى، تجاهلت المباحث حُكم الديوان الذي أمر بإخلاء سبيل المحتجز، وما زال رهن الاحتجاز حتى كتابة هذا التقرير.

وفي أحدث قضية، قبل ديوان المظالم في الرياض بتاريخ 22 يونيو 2009 النظر في قضية وليد أبو الخير المقدمة بالنيابة عن موكله، عبد الرحمن الشميري، ضد وزارة الداخلية، بأن المباحث تحتجز الشميري متجاوزة الحد القانوني البالغ ستة أشهر على ذمة المحاكمة، وهي تحتجزه في الحبس الانفرادي منذ عامين ونصف العام، فيما لا يسمح القانون السعودي بالحبس الانفرادي إلا بحد أقصى ستين يوماً. وحدد الديوان الجلسة الأولى للنظر في القضية بتاريخ 20 أكتوبر 2009.

وفي عام 2006 قام محتجز تم الإفراج عنه بمقاضاة المباحث على سجنه بالخطأ لمدة شهر ونصف الشهر في مطلع عام 2003 دون نسب اتهامات إليه في سجن العليقة، واحتجازه مرة أخرى في أكتوبر 2003، الظاهر بقصد منعه من المشاركة في مظاهرة لدعم المعارض السعودي من لندن سعد الفقيه. وقبل ديوان المظالم مرة أخرى النظر في القضية، لكنه استمر عامي 2006 و2007 في منح المباحث الوقت اللازم للتحضير لدفاعها، وكانت القضية ما زالت قيد النظر في عام 2008. ومنذ ذلك التاريخ لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من معرفة ما إذا كانت القضية قد انتهت بعد أم لا.

المحاكمات الجائرة

ظهر من الحكومة التردد في النظر في محاكمات العناصر المقاتلة المشتبهة، كما وقع مؤخراً، في ديسمبر 2006 عندما قال الأمير محمد بن نايف – مساعد وزير الداخلية – لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن محاكمة المشتبهين الإرهابيين غير ملائمة للمجتمع القبلي السعودي، وعلى مدار عدة سنوات وعدت الحكومة بمحاكمات لكنها أدلت بتصريحات متعارضة عما إذا كانت ستنشئ محكمة متخصصة، أو إذا كانت محاكم الشريعة العادية هي التي ستتناول تلك القضايا. ومنذ عام 2007 تزايدت مطالبات نشطاء حقوق الإنسان السعوديين بمحاكمة أو الإفراج عن المحتجزين لأجل غير مسمى طرف المباحث.

وأخيراً تحركت الحكومة في تصميم نحو محاكمة المشتبهين باللجوء إلى العنف، حين أعلن المسؤولون في أكتوبر 2008 إحالة 70 شخصاً متهمين بالتورط في أنشطة إرهابية إلى محكمة الرياض العامة، وهي محكمة شريعة. وبعدها بقليل، راجعوا العدد ليصبح 991 مشتبهاً بممارسة النشاط المقاتل. وكان من المقرر أن تحاكم محاكم شريعة أخرى المتهمين في قضايا الإرهاب، في الدمام وجدة، وأن ينظر في القضايا هيئة مختارة من القضاة.

وما زالت السلطات لم توضح تماماً طبيعة أو الاختصاص القضائي للمحاكم المخصصة لمحاكمة المشتبهين بالإرهاب. والمعلومات التي بلغت الإعلام من مصادر رسمية جزئية وفي بعض الأحيان متعارضة. إلا أن إحدى روايات كيفية تنظيم المحاكم توحي بأنها قد تخرق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، التي تفرض أن تكون المحاكم منشأة "بموجب القانون" ولا يمكن أن تكون محاكم تم إعدادها على استعجال. وقد أفادت صحيفة الوطن السعودية في 23 مايو 2009 أن مجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة قضائية مسؤولة عن تنظيم نظام المحاكم إثر تعديل في القانون أواخر عام 2007) قد شكل ضمن محكمة الرياض العامة محكمة مستقلة من المقرر أن يُطلق عليها المحكمة الجزائية الخاصة. وفي 21 أكتوبر 2008 أفاد موقع العربية نت أن وزير الداخلية الأمير نايف قال إن المشاركين في الهجمات الإرهابية سيُحالون إلى "القضاء الشرعي". إلا أن صحيفة الرياض في 31 أكتوبر 2008 اقتبست قول "مصدر قضائي رفيع المستوى" يزعم أن "محاكمة المتهمين تتم في محكمة الرياض العامة" وأنكر أن المحاكمات تتم في "محاكم مختلفة"، مما يلقي بظلال الشك على تشكيل المحكمة الجزائية الخاصة في ذلك الحين. إلا أن صحيفة الرياض في 20 أكتوبر أفادت بأن محكمة القضاء العليا قد اختارت 10 قضاة لتشكيل هيئة قضاة تنظر في قضايا الإرهاب، وبعضها يعمل في المحكمة العامة، فيما جاء ثلاثة قضاة آخرين من محكمة الرياض الجزئية (محكمة أقل درجة مقدر أن تصبح محكمة جزائية متخصصة، ونظيرتها هي المحكمة المدنية) والباقين من أماكن أخرى.

المحاكمات السرّية

في أكتوبر 2008 طلبت هيومن رايتس ووتش مراقبة المحاكمات، لكن لم يصلها رد على الطلب. وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل قال رداً على أسئلة الإعلام عن حضور هيومن رايتس ووتش للمحاكمات "توجد منظمة حقوقية وطنية وسوف تحضر المحاكمات بنسبة مائة في المائة"، حسبما أفادت صحيفة الوطن في 22 أكتوبر. إلا أنه حتى تاريخه لم تتم الموافقة على طلبات حضور المحاكمات المقدمة من المنظمتين السعوديتين الوحيدتين لحقوق الإنسان، وهما الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان (خاصة) وهيئة حقوق الإنسان (جهة حكومية)، وهذا حسبما قال أعضاء من المنظمتين لـ هيومن رايتس ووتش. لكن ذُكر على موقع مكتوب بيزنس في 29 يونيو 2009 تعليقات من رئيس هيئة حقوق الإنسان الحكومية، د. بندر العلبان، لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن الهيئة راقبت محاكمات الإرهابيين وأن المدعى عليهم "يمكنهم اختيار المحامي حسب إرادتهم... أو تمدهم وزارة العدل بمحامين. ولم يرد العلبان على أسئلة أرسلتها هيومن رايتس ووتش إليه في 10 يوليو طلباً لتفاصيل عن مراقبة الهيئة لجلسات المحكمة، وعن محاميّ الدفاع وعن تقييم الهيئة لعدالة المداولات، رغم تصريح لوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في أكتوبر 2008 بأن "منظمة هيومن رايتس ووتش مرحب بها لتتصل بلجنة حقوق الإنسان الحكومية من أجل حضور المحاكمة".

وفي 28 أكتوبر 2008، قال وزير العدل في ذلك الحين د. عبد الله الشيخ لصحيفة عكاظ السعودية إن مداولات المحكمة ستكون علنية ما لم يغلقها القضاة. والمادة 151 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي ورد فيها أن المحاكمات علنية للجمهور ما لم يقرر القاضي إغلاقها. ولم يحدد القانون المعايير الواجبة لتبرير مثل هذا التصرف، ولا يمكن الطعن فيه. إلا أن المحاكمات حتى الآن تمت بالجملة سراً على حد علم هيومن رايتس ووتش. وقال ناشط حقوقي لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات لم تكشف علناً عن أسماء المدعى عليهم أو الاتهامات المحددة المنسوبة إليهم أو مواعيد محاكماتهم.

وحين تغلق المحاكم المحاكمات على الجمهور يصبح من الصعب تقييم درجة عدالة المداولات، مما يصعب إحقاق المحكمة للعدالة بشكل يُرى على أنه منصف. ويطالب القانون الدولي بأن تكون المحاكمات مفتوحة وألا تُعقد سراً إلا في ظروف خاصة، مثل منع كشف هوية الأحداث أو ضحايا الإساءات الجنسية علناً، أو في عدد محدود من قضايا الأمن القومي لمنع كشف معلومات استخباراتية هامة لحماية الأمن القومي.

وقد انتشر القلق إزاء الطبيعة السرية لهذه المحاكمات ببطء في السعودية وعلى المستوى الدولي. فقد أقر تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي المعني بالإرهاب لعام 2008، الصادر في 30 أبريل 2009، بأن "جلسات المحاكم ستكون مقتصرة على القضاة والمحامين والمتهمين، وهو ما يؤدي إلى الانتقاد جراء انعدام الشفافية". وفي 13 مايو أصدرت مجموعة من النشطاء الحقوقيين السعوديين التماساً للملك، بعنوان "إنشاء محاكم سرية في محاولة للتعتيم على القمع ولإجهاض أي إصلاح سياسي محتمل في المملكة العربية السعودية"، في إدانة للطبيعة السرية لهذه المحاكم.

ولم تظهر عن محاكمات المشتبهين بالإرهاب في الصحف السعودية إلا مقالات قليلة، إثر موجة من المقالات بين 20 و31 أكتوبر 2008، فيها معلومات متعارضة للغاية بشأن عدد الأشخاص المُحالين إلى المحكمة، وكذلك إجراءات المحاكمة المتبعة. وفي أواخر عام 2008 ذكرت الحكومة السعودية أنها صدقت على اعترافات المتهمين لاستخدامها كأدلة في المحاكمات، لكن لم تتوفر معلومات عن الطبيعة الطوعية لهذه الاعترافات. وقد بث التلفزيون الحكومي السعودي في مايو 2007 اعترافات مجموعة من المحتجزين. ومنذ بدء المحاكمات بدا أن الإعلام السعودي غير حريص على متابعتها عن قرب ولم يستنكر كونها محاكمات سرية.

ولم تظهر عن محاكمات المشتبهين بالإرهاب في الصحف السعودية إلا مقالات قليلة، إثر موجة من المقالات بين 20 و31 أكتوبر 2008، فيها معلومات متعارضة للغاية بشأن عدد الأشخاص المُحالين إلى المحكمة، وكذلك إجراءات المحاكمة المتبعة. وفي أواخر عام 2008 ذكرت الحكومة السعودية أنها صدقت على اعترافات المتهمين لاستخدامها كأدلة في المحاكمات، لكن لم تتوفر معلومات عن الطبيعة الطوعية لهذه الاعترافات. وقد بث التلفزيون الحكومي السعودي في مايو 2007 اعترافات مجموعة من المحتجزين. ومنذ بدء المحاكمات بدا أن الإعلام السعودي غير حريص على متابعتها عن قرب ولم يستنكر كونها محاكمات سرية.

وقد تمكن أقارب للمحتجزين في سجون المباحث من توضيح صورة للمحاكمات المقبلة بحق أقاربهم المحتجزين، لـ هيومن رايتس ووتش. ويؤكد ما ذكروه على القلق من التزام المحاكمات النزاهة وأن هذا لا يتحقق فعلياً. وفي أبريل 2009 قالت أسرة لمحتجز حوكم في الدمام أنه لم يوكل له محام وأن جلستين على الأقل من جلسات المحكمة قد تم عقدهما دون تلقي المحتجز لإخطار أو منحه الوقت للتحضير للجلسات. وقالت أسرة محتجز آخر في دهبان إن المحتجزين الخاضعين للمحاكمة هناك لا يوكل لهم محامين، وأنهم عرفوا بمواعيد محاكماتهم قبل بدايتها بأيام قليلة، وأن المدعى عليهم لا يحظون بفرصة للطعن في الأدلة بحقهم أثناء الجلسات. وقالت الأسرة إن قريبها المحتجز قال لها إن المحاكمات موجزة، ويتم التوصل إلى أحكام بعد جلسة أو جلستين. وهذه الأحكام تتراوح بين السجن من 15 عاماً إلى 30 أو حتى أكثر من 40 عاماً، وليس متاحاً الطعن في الأحكام، حسبما قال لأسرته.

واقتبست صحيفة المدينة في 9 فبراير/شباط قول مصدر قضائي إن "المحاكمات كانت نزيهة ومُنحوا [المدعى عليهم] حقوقهم والوسائل اللازمة لتحضير الدفاع" بأنفسهم ولكن ليس على ما يبدو بمساعدة محامٍ محترف.

والالتماس المذكور أعلاه انتقد أيضاً غياب محاميّ الدفاع، وأحد الملتمسين قال لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المحامين يواجهون ضغوطاً من الحكومة للامتناع عن تمثيل المتهمين. وفي مقابلة على صحيفة الوطن في 23 مايو، قال سلطان بن زحيم، نائب رئيس الاتحاد الوطني للمحامين، إن "الاعتذار عن الدفاع عن متهمي الإرهاب واجب وطني ومقصد مهني"، وأضاف أن السبب في هذا هو أن "التحقيق وأسلوب المحاكمات دقيق جداً في حالات الإرهاب". كما اعتبر بن زحيم تواجد محاكم مختصة وقضاة مختصين هو الضمانة الوحيدة المطلوبة للمحاكمة العادلة. وقال محامٍ لجأت إليه أسر بعض المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إنه رفض طلبهم بتمثيل المحتجزين، ليس لأن السلطات لن تسمح له على الأرجح بحضور الجلسات ومشاورة موكليه، بل لأن المحاكمات يُرجح ألا تتبع المعايير الخاصة بالمحاكمة العادلة. وفي رأي المحامي، فإن المحاكمات لا تتعلق بتطبيق القانون في حد ذاته، بل بالنزاع السياسي بين الحكومة وجماعة من المتطرفين المقاتلين. والمحتجزان المذكوران أعلاه قالا لأقاربهما إن لا أحد من المحتجزين المُحاكمين حتى الآن قد وُكل له محامٍ.

ولا يوجد في السعودية قانون جزائي مُدون يحدد جرائم الإرهاب أو يُعرّف التحريض على العنف بصفته جريمة. وقد أفادت صحيفة عكاظ في 8 يوليو 2008 أن المتهمين سيواجهون اتهامات بـ "الإفساد في الأرض". وفي 8 يوليو 2009، أفادت العربية بأن الاتهامات التي يُدان المتهمين بها تشمل "الانتماء إلى تنظيم القاعدة والاتصال والتنسيق والعمل مع جهات خارجية تسعى للتآمر على الأمن الوطني، بإحداث الفوضى والإخلال بالأمن، إضافة إلى دعم وتمويل الإرهاب، والمشاركة في القتال في بلدان مجاورة". ولا تتخذ أي من هذه الجرائم صورة المادة القانونية المدونة، مما يجعل توفر المساعدة القانونية الشرعية والقدرة على التشكيك في الأدلة أكثر أهمية. وجرائم القتل تدخل ضمن أحكام القصاص في الشريعة، والحرابة والإفساد في الأرض تدخل عادة ضمن جرائم الحد، أي الجرائم بحق الله، ولها معايير معينة للإثبات بموجب الشريعة. إلا أن الفئة الأكبر من الجرائم هي الخاصة بأحكام التعزير، وما زالت غير مُعرفة، وتشمل الجرائم المذكورة في مقال العربية. ويقرر القضاة الجريمة ويحددون العقوبات من تلقاء أنفسهم، مما يجعل الدفاع القانوني في تلك القضايا في منتهى الصعوبة. ومن المحتجزين المحالين إلى المحاكمة، من المعقول افتراض أن أغلبهم متهمين بأنشطة تشمل التخطيط والتحضير والتيسير والتمويل لأعمال عنف.

كما أن المحاكمات المعلن عنها بحق بعض العلماء الإسلاميين بناء على اتهامات بالتحريض على الإرهاب تتطلب التعريف الدقيق لتلك الجريمة. والقانون الدولي يكفل الحماية لحرية التعبير، ويجب إيلاء اهتمام خاص حين تُجرم الدولة استخدام الكلام أو التعبير عن الرأي. رغم أنه من المسموح بتجريم التحريض المباشر على العنف، فإن هذه الجرائم تحتاج إلى تعريفات دقيقة وأن يكون التحريض مباشراً وليس مناقشة سلمية للآراء. وفي أبريل/نيسان 2009 قال قريب لأحد العلماء الإسلاميين المذكورين إنه يعتقد أن المحاكمة لم تبدأ بعد.

التوصيات


إلى الحكومة السعودية

  • يجب أن تُفرج السلطات السعودية عن محتجزي المباحث أو أن تنسب إليهم اتهامات جنائية يمكن محاكمتهم عليها وأن تقدمهم للمحاكم. جميع المحتجزين يجب أن يمثلوا فوراً أمام محكمة قادرة على البت في قانونية احتجازهم وأن يكون ضمن ولايتها الأمر بالإفراج عنهم.
  • جميع محتجزي المباحث الذين طعنوا بنجاح في احتجازهم أمام ديوان المظالم يجب إخلاء سبيلهم على الفور.
  • على السعودية أن تعمل على ضمان منح إجراءات التقاضي المدعى عليهم جميع الضمانات الخاصة بالمحاكمة العادلة، ويشمل ذلك:
  • ضمان أن كل محتجز لديه محامِ مؤهل من اختياره.
  • ضمان أن كل محتجز لديه الوقت والسبل الكافية لتحضير الدفاع.
  • السماح للدفاع بعرض الأدلة والطعن في أدلة الادعاء والشهود في المحكمة.
  • فتح المحاكمات لحضور الجمهور.
  • السماح للمراقبين بمراقبة عدالة المحاكمات.

إلى شركاء السعودية في العلاقات الثنائية معها

  • يجب مراقبة إجراءات التقاضي بحق المقاتلين المشتبهين المحتجزين طرف المباحث، وطرح التساؤلات علناً في حال وقوع أية مخالفات في معرض عرض المدعى عليهم للمحاكمة العادلة.
الصفحة السابقة