الصحويون يكتبون:

الشيخ العودة ودوره في الصحوة والعنف

سعد الشريف

سلمان العودة

مشكلة الصحويين تكمن في أنهم لا يتراجعوا عن متبنيات فكرية سابقة، وإذا ما وقعوا في مأزق قالوا بأن ذلك من الماضي، ولكن لا ترى في الماضي والحاضر ما يلمح إلى قطيعة، وأنه مجرد تجميد حقل وتنشيط آخر. بطبيعة الحال، فإن الأمر أعقد من ذلك بكثير. يعتقد البعض بأنه حقق بالفعل تحوّلاً فكرياً جوهرياً، ولم يعد يعتنق تلك الأفكار المسؤولة عن انخراط افراد كثر في المشروع العنفي، بل ربما هناك من يرى بأن أفكاره ليست بالخطورة التي يتصوّرها كثيرون، وقد يتهمّهم بالمبالغة أو الكيدية للنيل منه بذريعة أن أفكاره هي وراء انفجار السلفية القتالية. وقد يأتي آخر ويزعم بأن ما جرى في السابق قد طوي وليس مسؤولاً سوى عن (الآن) و(اللحظة) و(الراهن)، فمن سقط فيما مضى فأجره على الله سبحانه لأنه كان محكوماً بوعي ذاك الزمن، وإن عاش فقد بلغ الفتحّ!

الشيخ سلمان العودة، أحد صنّاع الصحوة السلفية في بعدها القتالي في السعودية، من بين أولئك الذي لم يقم بمراجعة وتراجع عن أفكاره الصحوية السابقة، فقد تركها كما هي مجمّدة، فمن شاء فليؤمن بها ومن شاء فأمامه خياران: إما الإيمان بالأفكار الجديدة، وإما الجمع بين القديم والجديد، وتمضي لعبة الفوازير الصحوية على هذا النحو: فإن اختار الأول، فليست هناك مشكلة، ولكن إن اختار الجمع فأمامه طريقان..وهكذا. إلى تنتهي اللعبة إما النجاة أو الموت والتحلل!

الشيخ العودة دخل في جولة قضائية مع صحيفة (الوطن) السعودية التي نشرت خبراً في عددها رقم 1514 بتاريخ 19 شوال 1425هـ تحت عنوان (سلمان العودة يستنجد بالمسؤولين لإيقاف ابنه ومنعه من السفر، والأمن يعثر على الابن ويسلمه خلال 24 ساعة، والابن يفاجئ الجميع أنها مزحة العيد). وكتبت الصحيفة بأن: (إبن العودة ترك رسالة يخبره بأنه ذاهب إلى الجهاد، فطالب الشيخ المسئولين بالبحث عن ابنه مخافة أن يكون توجه للعراق، وأنه ظل قلقًا متوترًا قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية من توقيف الابن وإعادته)، وقالت الصحيفة (أن العودة ممن أصدروا بياناً يحثون الشباب فيه على الجهاد في العراق). وختمت الصحيفة الخبر بعبارة نصها (يا زمن العجائب)، بعد أن نسبت الخبر إلى مصدر موثوق وذلك لإظهاره بأنه في الوقت الذي يحرض أبناء المملكة على الذهاب للجهاد يفقد صوابه ويستنجد بالمسؤولين ليمنعوا ابنه.

وقام الشيخ العودة برفع قضية على الصحيفة، وطالبها بإثبات أنه كان يحث الشباب على الذهاب إلى العراق سراً، أو علانية بأي طريقة من طرق الإثبات. وأصدرت لجنة مكلّفة بالنظر في القضية حكماً لصالح العودة ضد الجريدة يقضي بإلزام الجريدة بالإعتذار الرسمي على صفحاتها، وتغريمها أكثر من ستين ألف ريال مع حق المدّعي بالتظّلم لدى ديوان المظالم. وحسب اللجنة فإن ذلك الخبر غير صحيح، وأن الصحيفة تسببت في تشويه سمعة الرجل، وختم العودة مذكرة بمطالبة الجريدة بنشر اعتذار صريح يتفق على صيغته في الصفحة الرئيسية وبنفس العبارات وعدد الكلمات التي كتبت بالخط العريض في الخبر.

نلفت هنا الى أنها ليست أول مرة يخالف الشيخ سلمان العودة كل إرثه التحريضي، ويطالب خصومه، وضحاياه، والمراقبين من ورائهم بتقديم دليل واحد على صدق زعم خضوع أحد تحت تأثير أفكاره وأدّت به الى الإنخراط في جماعات متطرّفة أو وقع ضحية في ميدان قريب أو بعيد. وقال في محاضرة له بعنوان (الكلمة الحرّة ضمان، ص 23): (هل سمع أي إنسان أو يستطيع أن يثبت أيا كان موقعه وأيا كان رأيه أن هناك لا أريد أن أقول من حمل مسدساً، بل من ضُرب ضرباً حقيقيا بسبب ما كنا وغيري نطرحه من اجتهادات أو آراء أو كتب وأشرطة؟ في حدود علمي أنه لم يوجد شيء من ذلك..).

حسناً، وقفة عند سيرة يوسف العييري، ومؤلفاته، وهو أحد رؤوس التكفيرين الكبيرة في بلاد الحرمين، والمتورط بعمليات إرهابية، وقد قُتل في أحد المواجهات الأمنية، وأثنى عليه أسامة بن لادن وعلى أحد مؤلفاته في وقت سابق (أنظر شريط شهداء المواجهات، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي ـ الموزّع الرسمي لأشرطة تنظيم القاعدة)، تكشف بوضوح تام بأن العييري كان يقرّ بأنه أحد المنتسبين لتيار الصحوة الإسلامية السعودية والتي يُرجع (=العييري) فضل إنتشارها لسلمان العودة، يقول العييري: (فنحن نعلم يقيناً أن صحوتنا المباركة بصوتكم ـ أي صوت العودة ـ سمع نداءها، وبمجهودكم غيرت الواقع، وبفكركم وتوجيهكم إتّزن نهجها، فلكم الفضل بعد الله فوق فضل غيركم من العلماء والدعاة فيما حققته هذه الصحوة، علماً أنا ما تعلمنا المنهج إلا من فضيلتكم..)، والرسالة مثبّتة بصورة كاملة في موقع العييري في الإنترنت تحت عنوان (نصيحة الشيخ يوسف العييري للشيخ سلمان العودة بعد خروجه من السجن).

ويعلّق سعود القحطاني في الحلقة الأخيرة من دراسته حول (الصحوة الإسلامية السعودية) والتي نشرها موقع (إيلاف) في 29 ديسمبر 2003 (فالمنهج الثوري الذي زرعه العودة وأقرانه من مشايخ الصحويين في قلب العييري وأمثاله من الشباب أكبر من أن يتزحزح لأي سبب كان).

يذكّر العييري أستاذيه سفر الحوالي وسلمان العودة وغيرهم قائلاً (..ألم تؤصلوا لنا سابقاً أن هذه الحكومات هي دمى بأيدي العدو؟ ألم تقولوا لنا سابقاً بأن الاستعمار المباشر زال، وفرض علينا استعماراً غير مباشر عن طريق هذه الحكومات العميلة؟ ألم تحشوا رؤوسنا من قبل بأن أخطر خطر على الأمة هذه الحكومات التي تنفذ إرادة العدو؟ ألم تقولوا لنا بأن هذه الحكومات حرب على الإسلام؟ ألم تكفروا هذه الحكومات وتناقشوا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بكفر هذه الحكومات في شريط مسجل؟ بالأمس ترفضون الاعتراف بشرعية هذه الحكومات ومنها الحكومة السعودية، وتكفرونها ولازالت كتبكم وأشرطتكم شاهد عليكم حتى الآن..). أنظر (يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 16 – 17).

وكتب الشيخ إبراهيم بن سليمان الربيش بحثاً نقدياً في فكر الشيخ العودة بعنوان (د. سلمان العودة خلال عشرين عاماً) بتاريخ 22 شوال 1430. وجاء فيه: (رأيت في أحد المقاطع سلمان ـ العودة ـ يقول عن الذهاب إلى العراق: ((ليس بواجب بل ليس بفاضل بل ليس بمشروع)). ثم تابع ليقول في نسيان مستغرب، أو كذب مفضوح تفضحه أشرطته القديمة: ((حتى في أفغانستان ما كنّا نرى ذهاب الشباب إلى هناك!!!))، أن ينسى الإنسان ماذا قال هذا وارد، لكن الذي لا يرد أن ينسى رأيه كيف كان، ترى أين ((حي على الجهاد)) وأخواتها من المحاضرات؟).

ويضيف: (رأيت سلمان وهو يتبرأ من المجاهدين في كثير من المواطن، رأيته يتكلّم فيهم وقد كان بإمكانه أن يسكت بناء على قاعدته التي علمناها (لك الغنم وليس عليك الغرم)، رأيت سلمان يستغل الفرص ليطعن فيهم، بل ربما تكلم بدون مناسبة، رأيت سلمان وهو يتتبع عثرات المجاهدين، ويتكلم في قادتهم، ويصدق فيهم بيانات وزارة الداخلية وقنوات البهتان، أو في أحسن الأحوال يحكم عليهم بناء على سماعه من طرف واحد، يتكلم فيهم وهم معرضون عنه تمام الإعراض).

ومازال يحفظ الصحويون نصاً واضحاً للشيخ العودة ورد في محاضرته بعنوان (حي على الجهاد) قال فيه: (فمن السذاجة بمكان أن نتصور أن الطبيعة التي حكاها الله - عز وجل - عن الكفار واليهود والنصارى والمشركين في القرآن الكريم، يمكن أن تتغير)، ووصف في محاضرة له بعنوان (رسالة إلى رجل الأمن) الجيوش في الدول المتاخمة للدولة العبرية بقول: (أسودٌ أشاوس على الضعفاء من بني جلدتهم أو بلادهم أو من جيرانهم، ولكنهم حملانٌ وديعة أمام عدوهم الحقيقي الشرس من اليهود أو النصارى).

وقد ثبّت الشيخ ناصر الفهد، أحد شيوخ تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، والذي تم إلقاء القبض عليه في العام 2004 وأجريت معه مقابلة متلفزة يعترف فيها بالتراجع عن أفكاره التكفيرية ضد الدولة، مقولات للشيخ العودة مثّلت معالم في طريق الجهاد السلفي. وقال الفهد (فقد كانت له ـ أي للعودة ـ محاضرة قبل سجنه بعنوان: لماذا يخافون من الإسلام؟ قرّر فيها بكلام جميل دور الجهاد في إخافة أعداء الله من الكفار، ثم رد وبالغ في الرد على من سماهم بـالسذج من المفكرين الإسلاميين ممن يظنون أن الإسلام سينتصر بـالكلمة و الدعوة و الحوار ولن ينتصر بالسيف والجهاد)، ثم علّق الفهد على ذلك: (فانظر كيف بلغ به الحال ليس إلى مجرد ترك الدعوة إلى الجهاد أو تمجيده أو تقريره، بل إلى إنكار الصدام و الصراع و لغة القوة - وهذه كلها تعني الجهاد - والتبرؤ منها، وأنها لا تبني أجيال المستقبل ولا الخير للبشرية، بل الذي يبني هذا الحوار! وزعم بأن هذه شريعة الإسلام! وكانت له محاضرات عن الجهاد وقتال الكفار منها صناعة الموت و حتمية المواجهة، ولكنها انقلبت الآن إلى حتمية الحوار وصناعة التعايش!) أنظر: ناصر الفهد، طبيعة التنكيل بما في بيان المثقفين من الأباطيل، ص 14

في نفس المحاضرة التي أصبحت رسالة بعنوان (لماذا يخافون من الإسلام) يجيب الشيخ العودة في (ص 12) على سؤال افتراضي: هل لو عرض الإسلام بتجرد ووضوح ونقاء وبأسلوب ناجح وقوي للعالم كله، أليس من المتوقع أن يسلم أكثر الناس؟ فيجيب قائلاً: (بلى، ولكن هذه فرضية، ولاتعني أنهم أصبحوا بمجرد هذا الافتراض مسلمين، كلا، فالتاريخ كله تاريخ الحرب مع الكفار، والواقع -اليوم وأمس- هو واقع التوتر الدائم الذي يتوجس فيه كل الطرفين من الآخر). ويضيف (فإذا قال بعض الغربيين -مثلاً-: موقفنا من الإسلام هو موقف تسامح، فهو يقصد بذلك كسب الوقت، وإذا قال بعض المسلمين أيضاً - في الغالب- أن الإسلام لايبغض الغرب ولا يكرهه، وإنما يسالمه ويهادنه، فالواقع أن هؤلاء المسلمين يدركون في قرارة أنفسهم أن الإسلام له موقف آخر لو كان يملك القوة التي يواجه بها الغرب).

ويعيب في محاضرته (حي على الجهاد ص 18 ـ 21) على بعض (الفقهاء والمفكّرين المعاصرين) طرحهم (قضية الجهاد طرحاً ميتًا متماوتًا مخذولاً مهزومًا، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم وبالدعوة السلمية، وما على شاكلة هذه التعبيرات؛ بل أصبح كثيرا -لا أقول من عامة الناس؛ بل من دعاة الإسلام مع الأسف في هذا العصر- يتصورون أننا في دعوتنا الناس جميعًا للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا هذا الطريق، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض المغفلين مثل هذا الأمر. والواقع أن من يقرأ القرآن الكريم قراءة واعية لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك..). وشدّد على مبدأ الولاء والبراء الذي يجهله كثير من العلماء (يجهلون وجوب عداوة الكفار والبراءة منهم، فلا يعرفون الولاء والبـراء؛ بل قد تجد المسلم يعيش إلى جنب اليهودي والنصراني والمشرك والشيوعي سواءً بسواء، وتحت سقفٍ واحد، يأكلون طعامًا واحدًا، ويعملون في عملٍ واحدٍ، وبينهم من الألفة والمودة الشيء العظيم كأنهم إخوة، فحتى عوام المسلمين اليوم ضاعت منهم معاني الولاء والبراء، وفقدوا إحساس التميُّز بالدين).

وطالب العودة في هذا الصدد بوجود (حركة جهادية تصنع الإعلام الإسلامي، الذي يكون بديلاً عن الإعلام المنحّل)، وطالب في الوقت نفسه بفضح كتبة المقالات المضللة والمؤلفات الهدّامة، واذا لزم الأمر التشهير بهم. (محاضرة حتى لا تغرق السفينة، ص ص 30،37) وقال كلاماً مماثلاً عن جهاد المنافقين وكشف ألاعيبهم وفضحهم، وبيان مؤامراتهم. والمنافقون من وجهة نظره هم من (يسعون لتوجيه هذا البلد أو هذه الدولة أو تلك المؤسسة أو المدرسة إلى الوجهة التي تخدم أغراضهم، فيخططون ويتآمرون، وهذا أمر ملموس. فمَنْ لهؤلاء المنافقين؟ وكيف نتجاهل هذه الثغرات المفتوحة في كل مكان؟). وقال في محاضرة له بعنوان (أسباب سقوط الدول) (نحن نغزى منذ سنين ويحفر لنا في جوانب عديدة، في جانب السياسة، الاعلام، الصحافة، الراديو، الاذاعة..حتى انك اذا استمعت الى بعض البرامج في اذاعة المملكة سواء كانت اذاعة الرياض او اذاعة البرنامج الثاني، والله لتقول ان هذه الدولة ـ السعودية ـ وكأنها لاتدين بالاسلام..والمخطط جاري منذ سنوات).

إن لم تكن تلك المواقف القاطعة لدى الشيخ العودة محرّضات على الفعل القتالي، فماهي إذن المواقف التي يمكن تصنيفها في أدبيات القتال؟ وهل يمكن لهؤلاء الذين قادوا العمليات القتالية بإسم الجهاد أن يفهموا كلام العودة على غير ما أراده، وإن كان كذلك لماذا لم يقم بمراجعة شاملة لتراثه الثوري كما يصفه الغامدي سالف الذكر. ونختم بما نقله أحدهم في شبكة الانترنت عن وثيقة صوتية تثبت بأن الشيخ العودة لم يتراجع، بل هي مجرد (استراحة محارب) حسب وصف الشيخ طلال الدوسري، وجاء (أن الشيخ سلمان لم يحذر القراء من أشرطته السابقة وهي منشورة ومفرغة حتى الآن عبر شبكة الأنترنت وبعضها في مواقع محجوبة تعلن تكفير البلاد السعودية).

الصفحة السابقة