إبراهيم الأمين

كتبة آل سعود: التكفيريّون الجدد

إبراهيم الأمين

صار من الضروري أن تلاحق بعض الكتّاب على أكثر من موقع إعلامي لتعرف حقيقة ما يفكرون فيه. العاملون عند آل سعود، يخافون ـ ليس هناك تعبير أفضل أو أكثر واقعية ـ من التعبير عن آرائهم حيث يعملون. لا يسمح لهم بنشر آراء مخالفة لآراء رواد الحرية وحقوق الإنسان، وهم لا يحاولون أصلاً، ولو من خلال اللعب على حبال الكلام. ثم يكتبون ما يتناسب ومزاج صاحب المال. بعد ذلك، يذهبون إلى زواياهم الضيقة المحشورة بهم، ويطلقون العنان لأفكار وآراء، ولا ينسون أن يخرجوا من جيوبهم دفاتر صغيرة، فيعطون علامات حسن السلوك أو عدمه للآخرين، سواء من الأنصار أو المريدين أو الذين هم في جهة مقابلة. وفي ساعات المساء يشعرون بالملل. هكذا يقول الرواة عن هذه الحفنة التي تعاني وحدة قاتلة، وضائقة نفسية حوّلت أصحابها إلى مرضى يخشون مواجهة الجار، أو ناطور البناء وحتى الطبيب أيضاً.

وبعد ذلك، يكتشفون أن العالم الحديث صار له أسلوبه الجديد في التخاطب. فتراهم يتردّدون في الاقتراب من الآلة الجهنمية التي اسمها الحاسوب، وعندما يقول لهم مساعد هو ابن أو صديق أو عامل الصيانة إنهم صاروا موصولين بالعالم الافتراضي من خلال شبكة الإنترنت، يرتعدون ثم يعيدون ترتيب جلستهم. أحدهم أغلق أزرار قميصه في المرة الأولى. قال إن كل شيء سيكون مرئياً الآن. وخشية أن يتندّر عليهم أحد إن وضعوا صورة حقيقية، ولو هرمة، واسماً ضمن حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي، يعمدون إلى التمويه، يضعون الأقنعة، ثم يباشرون الإدلاء بالآراء الفذّة.

خلال وقت قصير، يرتاحون، يشعرون أن في مقدورهم قول ما يريدون. يحطمون كبتهم بقول كل شيء، وخصوصاً ما لا يقدرون على كتابته أو البوح به في حضرة رب العمل. وعندما يهاجمهم البعض في مواقفهم، يحيلونه على الصفحات الإلكترونية: ألم تقرأ ما كتبته في الموقع الفلاني، أو على الصفحة الفلانية، أو في تلك المحادثة؟

ألا يحق لنا السؤال عن الأساس الأخلاقي لهذا الحشد من المنافقين الذين اجتمعوا في لحظة واحدة، بقدرة الخالق الديّوم، فتناسوا خلافاتهم وأحقادهم الدفينة، ووضعوا جانباً كل كلام السخرية والهزء، بعضهم ببعض، وقرروا خوض أم المعارك ضد شيطانهم الأكبر، ألا وهو المقاومة.

منذ عقدين حتى الآن تقريباً، لم يغيّر هؤلاء في مواقفهم. هم ضد المقاومة عندما انطلقت في مواجهة الاحتلال. هربوا من البلاد وظلوا على موقفهم، وأعلنوا رفضهم للمقاومة وهي تقاتل في جنوب لبنان وغزة. وظلوا ضدها عندما نجحت في تحرير لبنان وغزة، وعندما أنهكت الاحتلال في العراق أو في أفغانستان. وهم ضد الذين يدعمون المقاومة سراً أو في العلن، من دول وجهات وأفراد ومؤسسات تربوية أو إعلامية. وظلوا على موقفهم، وتنفّسوا الصعداء بعد 11 أيلول، ثم بعد غزو العراق وأفغانستان، ثم بعد مقتل الحريري، ثم جلسوا أمام الشاشات في صيف عام 2006 ينتظرون تجاوز إسرائيل نهر الليطاني، وعند كل انفجار كبير في الضاحية كانوا يريدون سماع نبأ مقتل فلان أو فلان... وابتهجوا عند اغتيال عماد مغنية، ولجأوا إلى عقلهم الخرافي في نسج الروايات والمؤامرات الداخلية، وهم يصلّون ليلاً ونهاراً ليصدّق دانيال فرانسين على اتهام دانيال بلمار لحزب الله وسوريا بقتل الحريري، وتحدثوا عن ارتفاع نسبة الأوكسيجين عندما قتل الألوف من أبناء فلسطين.

رفض هؤلاء المقاومة عندما كان اليسار حاضراً بقوة فيها. وقالوا إنهم مجموعة من المغامرين، يريدون الانتحار بعد فشل مشروعهم الداخلي. ثم صاروا ضد المقاومة الإسلامية لأنها ضد العلمانية. وواصلوا إدانة سوريا لأنها منعت كمال جنبلاط من السيطرة على كل لبنان وإطاحة النفوذ السياسي للمسيحيين. لكنهم أعجبوا أيّما إعجاب بأفكار نديم وسامي وبقية عائلة الجميّل.

هم أنفسهم الآن آمنوا على حين غرة، ودأبوا على قراءة ابن تيمية وأفكار الوهّابية. يرون في النظام السوري حكماً طائفياً يقوده علويّون مع مجموعة من صغار النفوس من بقيّة الطوائف.

اليوم، يتحدث هؤلاء عن الذي يجري في سوريا. أصلاً تأخروا جميعاً، جميعاً ومن دون استثناء، في الحديث عن الوضع هناك. لكنهم وجدوا أن ما يحصل يمكن أن يحقق الغاية المنشودة منذ زمن توقيع كامب ديفيد. دعوا إلى إصلاحات ليس في حدّها الأدنى ما هو موجود في بلاد من يعملون عنده، لكن لا بأس. يعملون يومياً على تغذية الصراعات الأهلية داخل سوريا، ويرون كل من يسقط في الشارع إنما سقط برصاص النظام. هم أصلاً يعتقدون أن من يعلن تأييده لبشار الأسد، من السوريين، إما هو مغلوب على أمره، وإما هو مجنَّد من الاستخبارات، أو في أحسن الأحوال مجنون بحاجة إلى مصح. لكنهم باتوا اليوم أكثر إعجاباً بالشيخ المعجزة يوسف القرضاوي، ونجليه بالفطرة: عدنان العرعور وأحمد صياصنة، ومن سيظهر قريباً على الشاشة من أمراء الوسط والشرق.

هم لا يهتمون بالتكفيريين إن حكموا سوريا. وهم يرفضون حتى مبدأ الإشارة إلى خطر هؤلاء. لا يكترثون لكل عمليات القتل في العراق، وهمّهم الوحيد هو: التخلص من العبء الأخلاقي والإنساني الذي له اسم واحد: المقاومة!

لا شيء من عبثكم سيصيب المقاومة بسوء...موتوا بغيظكم!

* عن الأخبار اللبنانية، 8/6/2011

الصفحة السابقة