السعودية - اليمن: المال والسلطة

أمين قمورية

كتب الزعيم القبلي اليمني الشيخ سنان أبو لحوم في مذكّراته، أنه ومجموعة من شيوخ القبائل، ذهبوا إلى السعودية منتصف الستينات من القرن الماضي، لإجراء محادثات في شأن الحرب التي كانت دائرة بين الجمهوريين من جهة، والملكيين من الذين كانوا يحظون بدعم النظام السعودي من جهة اخرى. وقال ان زملاءه الجمهوريين لم يكونوا يريدون خسارة ما يأخذونه من السعودية من أموال، وبعد أخذ ورد اتفقوا على أن لا مانع من أخذ هذه الأموال، ولكن شرط ألا يتنازل أحدهم عن مبدأ الرفض التام لعودة النظام الإمامي إلى اليمن. ويبدو أن ذلك كان الشرط الوحيد لأخذ الأموال من السعودية مذذاك أما ماعدا ذلك من تنازلات فلا بأس به.

اذاً، مسالة القبض والدفع بين السعودية واليمن قديمة جدا وتتساوى فيها كل القوى التقليدية اليمنية ، فما الغرابة في ان تكون للمملكة الكلمة الفصل في الجار (السعيد)؟

علي صالح (الداهية) و(الشاطر) اخطأ عندما اوصل خلافه مع آل الاحمر الذين دعموا حكمه طوال 30 سنة الى حد محاولة الغائهم بالسلاح، فجاء ردهم عليه عنيفا وكاد يطيح راسه في مسجد النهدين. ولان (غلطة الشاطر بألف)، فان اللعب هنا اشبه باللعب بالمتفجرات، الخطأ الاول هو الخطأ الاخير. آل الاحمر ليسوا مجرد طرف في اللعبة المحلية بل هم قناة المال السعودي الى زعماء القبائل اليمنية الاخرى.

الدعم القبلي لعلي صالح لم يكن فقط نتيجة انتمائه الى حاشد، كبرى القبائل، أو شرائه الولاءات باستخدام موازنة الدولة المنهكة، انما الدافع الرئيسي لهذا الدعم هو الإيعاز السعودي الى شيوخ القبائل بدعمه. السعودية كانت ولا تزال تدفع مخصصات شهرية للكثير من شيوخ القبائل في اليمن (يقدر البعض عددهم بـسبعة آلاف) لكسب ولائهم، وللضغط عليهم لدعم أي نظام سياسي في اليمن يضمن للمملكة مصالحها.

وهذا أعطى الجار الكبير سلطة واسعة في التأثير على المشهد السياسي اليمني طوال السنوات الأربعين المنصرمة، فما الذي تغير اليوم؟

علي صالح يعالج الآن في مستشفى سعودي، لكنه ايضا في الاستيداع السعودي. فهذه هي اللحظة المؤاتية لانتزاع موافقته على تطبيق المبادرة الخليجية (السعودية)، ذلك ان الامر في اليمن بلغ حدا لم يعد معه ممكنا ان تنتظر الرياض كي تُصدم بيمن جديد يفلت من يدها غير ذلك اليمن الذي جربته واختبرته وعرفت اسراره او (أسعاره).

وهكذا تضمن عودة التركيبة القبلية العسكرية السلفية إلى السلطة ولو من دون صالح، وبلا وجع رأس الشباب الثائر والحرية والديموقراطية أو الفوضى أو التقسيم.

* عن النهار اللبنانية، 7/6/2011

الصفحة السابقة