آل سعود: سقوط بيت من ورق

فينيان كننجهام

كتب فينيان كننجهام، مراسل لقسم الأبحاث العالمية في مركز الشرق الأوسط وشرق أفريقيا في جلوبال ريسيرتش، مقالاً بتاريخ 23 مارس 2012 حول مصير النظام السعودي في ظل تحولات الربيع العربي، وفيما يلي ترجمة المقالة:

يصارع الحكام السعوديون من أجل احتواء الموجة الجديدة من الاحتجاجات العامة التي تفجّرت في أرجاء المملكة السعودية فيما تفتح قوات الأمن النار على المدنيين غير المسلّحين. السؤال الكبير: هل بدأ البيت السعودي أخيراً بالإنهيار مثل بيت هش من الورق المتمثّل في الملكيّة الحاكمة؟

في الواقع هناك الكثير ما يدعو للسخرية. خلال العام الماضي، قام الحكّام السعوديون بعمل كل ما من شأنه قمع الإحتجاج الأصغر في بلادهم، وفي الوقت نفسه قاموا بدعم التدخّل الغربي، العدوان، وتغيير النظام في ليبيا وسوريا ـ تحت غطاء مناصر الحرية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

قتل إثنان على الأقل، بحسب بعض التقارير، بسبب عنف الأمن السعودي ضد خروج الجماهير الى الشوارع في المملكة ـ وهناك طالبة ورجل، وصف بأنه ناشط حقوقي معروف، كانا من بين الضحايا مؤخراً. آخرون كثيرون جرحوا أو اعتقلوا حين قامت قوات أمن النظام بالانتشار فيما يبدو بأنه رهان كبير من قبل الحكّام لاحتواء الاحتجاجات المنتشرة.

ما يثير السخرية أن السعودية واحدة من أكثر الأعضاء في جامعة الدول العربية شجباً لسورية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد المحتّجين في البلاد. الملك عبد الله نفسه طالب الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي وإفساح الطريق لإصلاحات ديمقراطية أكبر.

السخرية تأتي من جانبين على الأقل: الملك عبد الله يقف على رأس ملكية مطلقة تقوم وبصورة وحشية قمع كل وأي احتجاج سلمي في البلاد يدعو للديمقراطية، والثاني، أن السعودية تموّل وتسلّح الجماعات المعارضة في سورية والمتّهمة بالقيام بعمليات إغتيال، وخطف، وكثير من العمليات الإرهابية لإسقاط حكومة الأسد العلمانية.

على مدى العام الماضي، شهدت السعودية ـ أكبر منتج للنفط في العالم والحليف الرئيسي للغرب ـ إحتجاجات متواصلة ضد الحكم السعودي. وحتى الآن، فإن التظاهرات الداعية إلى حريات ديمقراطية كانت تجري بصورة رئيسية في المنطقة الشرقية الغنيّة بالنفط، وبصورة مبدئية في مدينة القطيف. ولكن، المثير أكثر للقلق بالنسبة للملك عبد الله المدعوم من الولايات المتحدة وحاشيته من الإخوة، هو ما ظهر هذا الأسبوع في تزايد الاحتجاجات العامة في كل مناطق المملكة.

وقد نشرت تقارير عن تظاهرات الشارع الرئيسي في العاصمة، الرياض، في المنطقة الوسطى. إحتجاجات جرت أيضاً في الشمال، مثل مدينة عرعر، والميناء الغربي لجدة، وفي جامعة مدينة أبها في الشمال.

حين شهدت بلدان عربية أخرى مظاهرات شعبية ضخمة العام الماضي ضد حكّامها الديكتاتوريين، فإنّ السعودية كانت أيضاً عرضة لمخاض اقليمي. على أية حال، فإن السعودية تبدو طرفية بالنسبة للتغييرات الكبرى التي تجتاح المنطقة العربية مع تقارير اعلامية قليلة حول انتفاضة شعبية واسعة.

ويمكن تفسير ذلك جزئياً عبر قساوة ووحشية السلطات السعودية في قمع أي إشارة أوليّة للإحتجاج في المملكة. فقد قضى عشرة أشخاص على الأٌقل نحبهم قتلاً خلال العام الماضي من قبل قوات الأمن السعودية التي هاجمت تظاهرات سلمية. تفسير آخر لانخفاض الاحتجاجات العامة الرئيسية في السعودية هو انخفاض مستوى التغطية لمثل هذه الأحداث من قبل الاعلام الغربي العام.

المعارضة الشعبية في السعودية ضدّ حكّامها هي موجودة دون ريب، ولكن ليس هناك من يغطّيها من قبل الاعلام الغربي. والسبب في ذلك أن السعودية هي حليف استراتيجي رئيسي للحكومات الغربية، على سبيل المثال لجهة تزويدها بالنفط، وشراء كميات كبيرة من الأسلحة، وتقديم أجندة جيوسياسية لجهة دعم الدولة المحمية لإسرائيل أو تسهيل مهمة حرب الناتو على ليبيا، وتحطيم سوريا، ومحاولة زعزعة الاستقرار في ايران.

إن ما يدعى بالصحافة والاعلام الحر في الغرب يتلقى أوامر ضمنية من حكوماتها. الاعلام الاعتباري يتلقى، يعتمد على، مال الدعاية المربح من السعودية والشركات الفاحشة الثراء في الخليج العربي وصنادق الثروة الخاضعة تحت سيادة الدولة. تغطية الاحتجاجات في السعودية وخصوصاً الحديث عن قسوة الدولة هو مساوٍ بصورة صحيحة في عرف الاعلام غير الحر لقطع اليد التي تطعم.

ولكن، وبالرغم من قمع الإحتجاجات والمعلومات، فإن الناس في السعودية هم في حالة حراك ضدّ حكّامهم الطواغيت المدعومين من الغرب. وأن المظالم كما النفط في كثرته موجود في هذا البلد. وكبداية، فإن في المنطقة الشرقية مجموعة سكّانية كبيرة من المسلمين الشيعة ـ ربما تشكّل 50 بالمئة بالمقارنة مع 10 بالمئة من إجمالي السكان من السعودية. وقد تعرّض الشيعة للتمييز بصورة فاضحة من قبل الحكّام الوهابيين من آل سعود. وبالرغم من حيازتها على أكبر ثروة نفطية في الجزيرة العربية فإن الفقر مستفحل بين شيعة المنطقة الشرقية.

ثانياً، فإن شيعة المنطقة الشرقية متحمّسون بفعل الغزو السعودي للبحرين المجاور والقمع الوحشي المتواصل ضد الحركة المناصرة للديمقراطية التي يقودها الشيعة في الجزيرة. يستدعي ذلك ما قبل فرض الحدود الاستعمارية الاوروبية التي جرت مؤخراً نسبياً، فإن شعب البحرين كان له قرابة وثيقة مع أولئك القاطنين في المنطقة الشرقية. فقد بات معروفاً أن يكون للعوائل أفراد منها في المنطقتين حتى اليوم.

ولكن القضية أكبر بكثير من ذلك. ففي السعودية، هناك مظالم عميقة وغاضبة وسط العامة ضد الحكم السعودي، وهي مظالم يتوحّد حولها الشيعة، والسنة، وحتى من ليسوا من أتباع أي دين. وبالرغم من الثروة النفطية الهائلة للسعودية وإجمالي الناتج المحلي الرسمي، فإن البطالة والفقر مستفحلان. وكما هو حال البلدان الخليجية الأخرى، يعتمد الحكّام السعوديون على اقتصاد عمالة الاسترقاق التي جرى استقدامها من جنوب آسيا وأفريقيا. وهذا يعني أن على الكثير من الشباب السعوديين أن يعانوا من حياة البطالة.

مظالم أخرى تشمل غياب الانتخابات، وانعدام حرية التعبير المغفول عنها ـ وكل أشكال الاحتجاج العام ممنوع بصورة صارمة، وأن الدولة تسير وفق تطبيق وهابي متطرّف للشريعة، حيث الأطراف تقطع لجرائم صغيرة، وتمنع النساء من قيادة السيارة لأن نظرة الشرطة الدينية في المملكة بأن هذه المهمة (غير طاهرة).

مهما يكن، فإن رياح التغيير التي تجتاح المنطقة تبدو الآن تهاجم السعودية بقوة زائدة. وفيما كان المحللون يسلّطون الضوء على دلالات نهاية إسبوع سوريا وإيران، فإن الوجه الآخر للعملة لم يحظى بالكثير من الإهتمام. السقوط من الحركة الداعمة للديمقراطية الحتمية التي تنجح في إطاحة النظام السعودي قد يكون المفاجأة التي تهزّ المنطقة، وهو مشابه للحدث الزلزالي للثورة الايرانية في العام 1979.

نتيجة مثل هذه من الصعب تأملها. مهما يكن، فإن السعودية كدولة هي حديثة عهد وبنية هشّة. فقد تشكّلت فقط في العام 1932 حين نصّبت الدولة البريطانية الاستعمارية ابن سعود في السلطة ضد الإمبراطورية العثمانية بعد صدام عنيف مع العديد من المنافسين القبليين. ومنذئذ، فإن السعودية حكمت ولكن بسيطرة هشّة على منطقة واسعة بخصومات قبلية عميقة وكامنة. الملك الحالي العليل عبد الله، 87 عاماً، هو واحد من 37 إبناً من آل سعود. النزاعات داخل البيت السعودي والمنافسات على خلافة الملك عبد الله تغلي بصورة دائمة. ولكن ما هو أشدّ تفجيراً أكثر التوّترات داخل البيت السعودي هي تلك القادمة من السكّان بصورة عامة الذي سئم من الحكم العائلي الطاغوتي.

انهيار البيت السعودي سوف يكون له تداعيات انفجارية. فكيف ستدار عملية التحريض على الحرب بقيادة الولايات المتحدة ضد سورية وايران؟ وكيف أن الإهانة الخاصة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، اسرائيل، سوف تبقى؟ سعر النفط سوف يصل الى مستويات قياسية تتجاوز 150 دولاراً للبرميل، وأن ذلك بالتأكيد سوف يكون الضربة القاضية للاقتصاد العالمي الرأسمالي الذي يكاد يلفظ أنفاسه.

الصفحة السابقة