تعيين بندر يشير الى حالة رعب في الرياض

الأمـيــر والثــورة!

تعيد السعودية رجلها الأكثـر دهاء لإدارة (الربيع العربي)..
لكن هل يستطيع بندر أن ينقذ الموقف في الرياض؟

سايمون هندرسون

سايمون هندرسون

في 19 يوليو، عشية عطلة نهاية الأسبوع في السعودية وبدء شهر رمضان المبارك المقدس للمسلمين، نسقت الحكومة السعودية ما يشبه بحزمة الأخبار التي تبث في واشنطن بعد ظهر يوم الجمعة بإعلانها بأن: الأمير بندر بن سلطان، قد تم تعيينه رئيساً جديداً للاستخبارات. ربما كانت المملكة تريد تحليلاً وتغطية خبرية مقتضبة لتعيين بندر، لكن لا بد أن يكون أملها قد خاب. فقد اعتاد بندر أن يكون واحداً من ألمع دبلوماسيي السعودية، واشتهر بقدرته على استمالة الناس والسياسة لصالح المملكة وأحياناً أيضاً لصالح الولايات المتحدة. وعلى الأقل يشكل تعيينه انعكاساً لمخاوف الملك عبد الله من التطورات الجارية في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، ومحدودية القيادات الموهوبة في بيت آل سعود لمجابهة مثل هذه التحديات. وبصراحة يشير تعيينه إلى وجود حالة من الذعر في الرياض.

اعتاد بندر أن يكون صاحب القبضة الحديدية لكن قبضته مؤخراً أصبحت مهزوزة بصورة أكثر. ورغم تودد بندر إلى إدارات أمريكية متعاقبة بكونه قادراً على إنجاز الأمور – فضلاً عن استضافته حفلات باذخة في مسكنه الرسمي في فيرجينيا المطل على نهر بوتوماك – إلا أن الخبر المنتشر مؤخراً كان حول حالته العقلية. فقد ذكر كاتب السِّيَر (الحميم) ويليام سامبسون أن أول (فترة اكتئاب كامل) مرّ بها بندر كانت في منتصف التسعينيات. وثمة كاتب سير آخر هو ديفيد أوتاواي قد وصف بندر بأنه (أكثر من مجرد سكّير عارض)، وقد بدا أن معظم الأحاديث عنه تدور حول عما إذا كان قد أنهى إزالة السموم من جسده أم لا، وكان هذا الكلام يكثر بشكل سيئ.

في أكتوبر 2010 أعلنت (وكالة الأنباء السعودية) أن بندر قد عاد إلى المملكة (من الخارج) حيث كان في استقباله في المطار مجموعة من الأمراء. وقد استحثتني هذه التفصيلة على كتابة مقالة في مجلة فورين پوليسي تثبت (عودة بندر). لكنني شعرتُ بقليل من الحرج عندما اختفى بندر بعد ذلك عن الأنظار. لكني لم أكن مندهشاً كلية من الإعلان الذي جاء مؤخراً لأن بندر بالفعل قد عاود الظهور.

ورغم أن الهاجس الرئيسي للمملكة هو إيران إلا أن همها الحالي هو سوريا. وحول هذه القضية قد يكون بندر في الحقيقة هو رجل المرحلة. فقد اكتسب على مدار السنين سمعة كونه حصيفاً في الدبلوماسية والخبايا في كل من سوريا ولبنان. ووفقاً لمصدر قريب من العائلة الحاكمة ينظر الملك عبد الله إلى بندر بعين الحذر – حيث انتقده بشكل غير لائق عندما كان عبد الله ولياً للعهد آنذاك أثناء فترة خدمة بندر سفيراً لدى الولايات المتحدة. وقد ذهب عبد الله إلى أبعد من ذلك عندما أخذ بندر جانباً وقال له: (أعرف أنك لا تمثلني في واشنطن).

إلا أن الملك عبد الله ما يزال يُقدر مواهب بندر.

ليس هناك من ينكر أن (دائرة المخابرات العامة) – وهي تشبه الدائرة السعودية لوكالة الـسي. آي. أي – هي في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة. فسجلها الحديث أقل ما يوصف به أنه مختلط، بمعنى أنه قبيل هجمات 9/11 كان الأمير تركي الفيصل المحاور الرئيسي للمملكة مع نظام طالبان (قد تم إعفاؤه من منصبه بناء على طلبه!). وفي كتاب (حروب الشبح) كتب كول يقول (ثروات تركي الشخصية الهائلة هي التي أزعجت بعض منافسيه في العائلة المالكة. فقد شعروا أن دائرة المخابرات السعودية أصبحت عبئاً مالياً كبيراً.. ولذا طالب منافسو تركي بمساءلته).

وقد خدم كلٌ من مقرن ونواف كرئيسين للاستخبارات في الفترة بين خدمة تركي وبندر، لكنهما افتقدا البصيرة. فمقرن الذي نُقل إلى دور استشاري غير محدد كان قد تدرب ليكون طياراً حربياً، مثله مثل بندر. لكن مؤهله الأول للوظيفة كان ولاؤه للملك عبد الله. وقد كان مؤهله الثاني هو أنه كالعاهل السعودي لم يكن من السديريين. أما نواف فكان أكثر إطاعة لعبد الله. ومن الصعب إثبات القصة التي أفادت بأنه كان يقود الاستخبارات الخارجية السعودية بعد إصابته بجلطة في الدماغ خلال القمة العربية في بيروت عام 2002، صحيح أنه ما يزال حياً لكنه قعيد كرسي متحرك.

وحتى لو كان بندر قد استعاد بعض رونقه السابق إلا أن مشاكل الشرق الأوسط من منظور سعودي هي بالتأكيد أكبر من أن يتولاها شخص واحد. تريد الرياض خروح بشار الأسد، لكنها لا تريد انتقال العدوى إلى الأردن. ومما يزيد غضب الرياض هو أن تجد نفسها تتصارع على النفوذ في سوريا مع دويلة قطر. وفي الوقت ذاته تلوح إيران في الأفق إذ تكتسب قدرة نووية وتثير لهب السخط الشيعي في البحرين بل وفي الداخل أيضاً في المنطقة الشرقية. وكانت الصدامات الأخيرة بين الشيعة السعوديين وقوات الأمن قد أسفرت عن مقتل العديد من المتظاهرين وإصابة عشرات آخرين.

يشير تعيين بندر إلى وجود نقطة ضعف أخرى في الرياض: فالملك عبد الله على ما يبدو لا يتمكن من تحديد أية (شخصية) أخرى ذات موهبة داخل آل سعود لتولي هذا الدور، أو ربما لا يستطيع أن يثق بشخصية كهذه. يمكن القول بأن الملك عبد الله قد اختار الأمير بندر لدورٍ يمكن أن يوصف – دون مبالغة كبيرة – بأنه إنقاذ للمملكة. إنه بالفعل اختيارٌ لافتٌ.

عن: فورن بوليسي، 24/7/2012

الصفحة السابقة