الرشاوى المالية ودعم الثورة المضادة

الإصلاح المتدرّج والتحديات الصعبة في السعودية

سامر الياس

أفلحت المملكة العربية السعودية في التخفيف من آثار الربيع العربي على داخلها. واستخدمت مواردها المالية الضخمة لتشكيل حائط صد يمنع عنها رياح التغيير العاصفة في المنطقة. وباشر الملك عبد الله ببعض الاصلاحات لكن المملكة تقف أمام تحديات صعبة تتعلق باستكمال الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والإجتماعية، وتأثيرات الجوار المضطرب، وكذلك ضمان انتقال سلس للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز إلى أحفاده.

ثروات النفط للتخفيف من تأثير الثورات

ومنذ بداية موجة الثورات أمطرت العائلة المالكة مواطنيها بمليارات الدولارات، وخصصت موازنات ضخمة من أجل تخفيف حالة الاحتقان الاجتماعي، ففي مارس/ آذار 2011، وزّع العاهل السعودي على مواطنيه عشرات المليارات من الدولارات، وباشر في بعض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة بطالة الشبان والفساد ونقص المساكن. وخصصت الموازنة 110 مليارات دولار للنفقات الاجتماعية مما ساعد على عدم قيام احتجاجات واسعة، كما أقرّت المملكة إنفاق 219 مليار دولار على الرعاية الاجتماعية ومشاريع البنية الأساسية في العام الحالي في أكبر موازنة في تاريخ السعودية على الإطلاق.

وتواصل السعودية تحفيز النمو الداخلي بزيادة الانفاق العام للحد من تبعات تباطؤ الاقتصاد العالمي، والتخفيف من احتمال انتقال الاحتجاجات إليها في الاقليم المضطرب، وتعتمد السعودية على الموارد الضخمة من تصدير النفط الذي تحسنت أسعاره في السنوات الأخيرة، ما سمح لها باطلاق مشروعات ضخمة في البنية التحتية الأساسية، وتوفير احتياطات نقدية تتجاوز 600 مليار دولار تضمن عدم التأثر في حال انخفاض أسعار النفط عالميا. وتبنت الحكومة أخيرا حزمة اجراءات قيمتها 13 مليار دولار على برامج المعونات الاجتماعية، وإعانات البطالة. كما قررت زيادة الانفاق على التعليم والرعاية الصحية بنحو 21 في المائة، والخدمات الاجتماعية قرابة 16 في المائة. ورغم تحقيق معدلات نمو مرتفعة وصلت في العام 2012 إلى (6.8) في المائة، وارتفاع حجم اقتصادها عن 727 مليار دولار إلا أن الاقتصاد السعودي مازال معتمدا على الموارد التي يجلبها انتاج نحو (9.6) مليون برميل يوميا، وعدم نمو القطاعات غير النفطية بالشكل المطلوب. كما تواجه السعودية تحديات في مجال السكن، والتضخم في أسعار الغذاء، ومعدلات بطالة تصل إلى 25 في المائة في أوساط الشباب السعودي ما بين 20 و30 عاما.

إصلاحات سياسية متواضعة

شدد الملك عبد الله على أن «التطور الذي نسعى له جميعاً يقوم على التدرج بعيداً عن أي مؤثرات». توجه الملك إلى أعضاء مجلس الشورى الجديد بكلمة مقتضبة، في 19 فبراير/ شباط، أبدى فيها الأسف لأنه لا يستطيع مصافحة أعضاء المجلس المعينين واحتضانهم، وفيما يخص النساء اللواتي يتمثلن لأول مرة في المجلس أعرب الملك عن أمله في أن «يوفقهن لما يحبه ويرضاه».

ظهور الملك في مجلس الشورى الجديد الذي مثلت فيه النساء بثلاثين عضواً، أي خمس أعضاء المجلس، أثار جدلا كبيرا في المملكة حول دور المرأة في الحياة السياسية. فتمثيل النساء يعد تطورا كبيرا وفق كل المقاييس في بلد مازالت المرأة محرومة من حقوق كثيرة تبدأ من عدم قدرتها على فتح حساب مصرفي، أو السفر دون محرم وموافقة ولي الأمر، إلى عدم السماح لها بقيادة السيارة. ويفتح منح المرأة الحق في التصويت في الانتخابات البلدية في العام 2015 الباب أما دمجها في الحياة السياسية في شكل كامل. ومما لا شك فيه أن قضية مشاركة النساء سوف تبقى قضية إشكالية في المستقبل، فالملك «الإصلاحي» قرر الاعتراف بدور المرأة، ومنحها بعضا من حقوقها لكنه مازال حريصا على عدم فتح مواجهة كبيرة مع القيادات الدينية المتزمتة فبعد قرار إشراك النساء عدل الملك اللائحة الداخلية لمجلس الشورى وتضمن التعديل تخصيص بوابة للنساء للدخول والخروج من القاعة وتحديد مكان لجلوسهن بحيث يمنع الاختلاط في القاعة الرئيسية للمجلس. ويشير التعديل المذكور إلى قوة التيارات الدينية وتأثيرها في الحياة السياسية السعودية.

ومع تسجيل الخطوات الإصلاحية التي اتبعها الملك منذ العام 2006 فإن معظمها مازال معطلا، أو بحاجة إلى توسيع في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة وارتفاع سقف المطالب. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن إصلاح النظام القضائي يبقى ناقصا إذا لم يستكمل بتخفيف دور الشريعة في المحاكم. ولعل الأهم أن الإصلاحات في مجلس الشورى يجب ألا تقتصر إلى إدخال النساء، بل يجب أن تتضمن توسيع دور المجلس كهيئة تشريعية، ورقابية على عمل الحكومة والوزارات، والانتقال لاحقا إلى انتخاب هذه الهيئة بدلا من التعيين. فعمل المجلس الحالي لا يتجاوز إسداء النصيحة دون أي سلطة على المحاسبة. ويجب أن تتكامل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية من أجل وضع إطار قانوني يضمن تنفيذها. ويسهل حل مشكلات البطالة، ومكافحة الفساد، وغيرها.

معضلة الخلافة المعقدة

فاجأ الملك عبد الله المراقبين بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس الوزراء في بداية الشهر الحالي. وحسب العرف المتبع في نقل السلطات فإن من يتسلم هذا المنصب مرشح لولاية العهد. وتثير الخطوة تساؤلات حول أسباب التعيين خصوصا انه يأتي بعد نحو نصف عام من إقصاء مقرن عن منصبه في رئاسة إدارة الاستخبارات العامة، وتناقض تعيينا سابقا جرى منذ ثلاثة أشهر عندما رقي الأمير محمد بن نايف إلى منصب وزير الداخلية في خطوة اعتبرها مراقبون لتجهيزه كملك محتمل.

وتعد مسألة الخلافة في النظام السياسي السعودي مسألة معقدة جدا. فالنظام الأساسي بعد وفاة الملك عبد العزيز آل سعود كان يقضي بانتقال الحكم إلى أبنائه حسب العمر والكفاءة، وليس حسب المتبع في الأنظمة الملكية من الأب إلى الإبن، ولم يتبق على قيد الحياة من أبناء عبد العزيز أكثر من 13 ولدا، ومع استمرار حكم العائلة كانت تتناقص الفترة الزمنية لحكم كل ملك نظرا لتقدمهم في العمر. وفقدت السعودية في العامين الأخيرين وليين للعهد، وفيما يشارف الملك عبد الله على التسعين من عمره، ولا يستطيع الوقوف منتصبا بعد خضوعه لعدد من العمليات على العمود الفقري، فإن ولي العهد الحالي سلمان ليس أفضل حالا فهو في السابعة والسبعين ويعاني عدم القدرة على التركيز الذهني.

ورغم أن الملك عبد الله أقر تشكيل هيئة البيعة في العام 2006 من أجل حسم موضوع انتقال الحكم بين أفراد العائلة الحاكمة فإنها لم تفعّل حتى الآن، الا انها لم تختر ولاة العهد الجدد عقب وفاة الأمير سلطان في العام 2011 أو الأمير نايف. واقتصر دور الهيئة على المصادقة على قرار الملك عبد الله.

ويواجه تعيين مقرن تحديات في أن ترفض أجنحة من الأسرة الحاكم تعيينه انطلاقا من أنه يعدّ ابنا من إمرأة يمنية، وقد يثير أخوته غير الأشقاء أو ابناؤهم هذه المسألة. وقد يعطل تنصيبه ملكا «الأخوة السديريون» وأبناؤهم، فمجموعة الأخوة الأشقاء الذين تُطلق عليهم هذه التسمية نسبة إلى أمهم «حصة السديري» يمثلون كتلة مهمة في العائلة المالكة في العقود الثلاثة الأخيرة، مقابل الملك الحالي الذي لا يملك أخوة أشقاء، ومقرن الذي ينطبق عليه الحال.

وبعد إعادة التعيينات إثر وفاة الأمير سطام وقبلها في المنطقة الشرقية والمدينة المنورة، ومحافظة تحالف «السديريون» على قوتهم تزداد صعوبة التكهن في مآلات الأمور بالنسبة للخلافة، وانتقالها إلى جيل أحفاد الملك عبد العزيز، ومن باب التخمين فإن انتقاء مقرن في منصبه كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء يعد تمهيدا لتنصيه ملكا، مقابل تعيين متعب الإبن الأكبر للملك الحالي وليا للعهد، وتحقق هذا السيناريو ممكن عمليا فالملك يمكن أن يلغي هيئة البيعة، ويتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة فالنائب الثاني يصبح وليا للعهد بالاتفاق وليس القانون. ومن المرجح أن تخرج الخلافات حول الخلافة وانتقال السلطات إلى الأجيال المقبلة من داخل أسوار القصر الملكي مع عدم وجود آليات واضحة لموضوع الخلافة.

تأثيرات الجوار المضطرب

وتواجه السعودية تحديات كبيرة في وسط جوار إقليمي مضطرب فقد اتبعت الرياض سياسة مزدوجة في التعامل مع الثورات العربية. فبينما دفعت بقوات درع الجزيرة إلى البحرين لفض المظاهرات بالقوة، خرجت بعد اشهر عن صمتها فيما يخص الملف السوري وبعد توجيه دعوة للاصلاحات انتقلت إلى الدعوة لتسليح المعارضة السورية ومدها بالسلاح لانهاء حكم الرئيس بشار الأسد. ومازالت علاقاتها متأرجحة مع الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا. وتسعى السعودية إلى احتواء تأثير إيران على الأوضاع الداخلية في المملكة، وبلدان مجلس التعاون واليمن. وتزداد الحاجة إلى صوغ سياسات داخلية تنهي التعامل مع الشعوب وفق الآليات السابقة، وتقتضي صوغ علاقة يكون فيها الشعب مؤثرا ومتأثرا بقرارات القيادة.

واستدراكاً؛ فإن السعودية تملك احتياطات مالية كبيرة من أجل وقف الاحتجاجات لأسباب اقتصادية على المدى المنظور، لكنها في أشد الحاجة إلى تنبي استراتيجية واضحة لتخفيف الاعتماد على النفط الذي يزود المملكة بنحو 80 في المائة من دخلها، وتنويع مصادر الدخل، والاستمرار بالاستثمار في مشروعات البنية التحتية والتعليم، وحل أزمة البطالة بدعم مشروعات انتاجية. ويجب أن يتلازم الإصلاح الاقتصادي مع إصلاح سياسي يراعي أوضاع المنطقة الملتهبة، فالمآلات المأسوية لأوضاع البلدان التي شهدت ثورات قد تؤجل ثورة الناس لكنها لا تحل أسباب الاحتقان في الشارع، كما أن على القيادة مواصلة الإصلاحات الاجتماعية مثل إشراك المزيد من النساء في أماكن العمل رغم معارضة المحافظين الذين يدينون مثل هذه الإصلاحات ويعتبرونها منافية للإسلام، والتخفيف من تهميش المناطق الشرقية. ومن المهم بناء سياسة خارجية جديدة تراعي الاستراتيجية الأمريكية للخروج من المنطقة، والتغيرات التي أطاحت بكثير من حلفاء الرياض في العامين الأخيرين، وأخيرا إيجاد صيغة لآلية انتقال الحكم ضمن الأسرة المالكة لضمان بقاء سلطة آل سعود بعد نحو ثمانين عاما من تأسيس المملكة الثالثة على يد الملك عبد العزيز.

عن موقع روسيا اليوم؛ 20/2/2013

الصفحة السابقة