الحلفاء الألداء: السعودية تركيا وقطر

مؤامرات ظلام ما قبل الفوضى

نشر موقع (كونتر بنش) في 11 يونيو الجاري مقالة للكاتب كون هالينان بعنوان (مؤامرات الظلام على قدم وساق) جاء فيه:

اجتماع هادئ عقد في الرياض في مارس الماضي، وتسريب مجهول يفيد بأن الجيش الإسرائيلي، يمهد الطريق لما قد يكون حرباً جديدة وعلى نطاق أوسع في الشرق الأوسط. تجمع في العاصمة السعودية الرياض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتوج حديثاً العاهل السعودي الملك سلمان، والمنظم الذي جمعهما معاً، أمير دولة قطر. وكان اللقاء فرصة لتركيا والسعوديين لدفن الأحقاد على دعم أنقرة - التي تعارضه الرياض - لجماعة الإخوان المسلمين والاتفاق على التعاون في إسقاط حكومة بشار الأسد في سوريا.

التصويب على الأسد

الاتفاق كان على أولوية هزيمة نظام دمشق على الخطر الذي تشكله الدولة الإسلامية والقاعدة، ويهدف إلى دحر النفوذ الإيراني في المنطقة. ومع ذلك، فإن الأتراك والسعوديين ليسوا تماما على نفس الصفحة عندما يتعلق الأمر بإيران: تركيا ترى فرص العمل في المستقبل عندما ترفع العقوبات ضد طهران بصورة نهائية، في حين لا ترى الرياض في إيران سوى منافس إقليمي رئيسي.

المحور التركي السعودي يعني أن الأسلحة التركية، ولوازم صنع القنابل، والاستخبارات، يرافقه الكثير من المال السعودي، تتدفق علنا الى الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة وأحرار الشام، وكلاهما اتحدا الآن فيما بات يعرف بـ «جيش الفتح».

وقد خلق التحالف الجديد قدرا معيناً من الاحتكاك مع الولايات المتحدة، والتي تود هي الأخرى إسقاط الأسد، ولكن في الوقت الراهن تركز على مهاجمة الدولة الإسلامية، وعلى تحبير اتفاق نووي مع ايران. هذا يمكن أن يتغير، ولكن بسبب الانقسام الحاصل في إدارة أوباما على مدى عمق التورط الذي تريد في سوريا. إذا قررت واشنطن توريد أسلحة مضادة للطائرات لجيش الفتح، فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة قد ألقت بثقلها مع تركيا، والمملكة السعودية، وقطر، وأن «الحرب على الإرهاب» تتخذ المقعد الخلفي لتغيير النظام في سوريا.

الأميركيون قلقون أكثر من اللازم حول مساعدة وتشجيع المتطرفين الإسلاميين. وفي حين تقوم واشنطن بقصف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فإن إدارة أوباما أيضا تقوم بتدريب السوريين للإطاحة بالأسد، وهو ما يجعلهم بصورة موضوعية في معسكر التطرف وجها لوجه مع نظام دمشق. واشنطن تساعد أيضا حرب السعوديين على الحوثيين في اليمن. إلا أن الحوثيين من أكثر الخصوم اليمنيين تأثيراً ضد الدولة الإسلامية وجماعة ما تسمى «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، التي تشن الولايات المتحدة حرباً عليها بواسطة طائرات بدون طيار.

يبدو أن التحالف التركي السعودي قد أحدث بالفعل فرقاً في الحرب الأهلية السورية. بعد بعض النجاحات الأولية في العام الماضي ضد المعارضين المنقسمين، عانت الحكومة السورية بعض الهزائم الحادة في الأشهر القليلة الماضية، ويبدو أنها تعيد تجميع صفوفها للدفاع عن قاعدة دعمه في المناطق الساحلية ومدن حمص وحماة ودمشق. وفي حين فقدت الحكومة السورية أكثر من نصف البلاد للمتمردين، فإنه لا تزال تسيطر على ما يصل الى 60% من السكان.

لقد كانت تركيا منذ وقت طويل قناة رئيسية للأسلحة، واللوازم، والمقاتلين للقوات المناهضة للأسد، والمملكة السعودية ومعظم حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، ممثلاً للملكيات في الشرق الأوسط، تقدم اموالا الى المتمردين. لكن السعودية كانت تنظر دائماً الى جماعة الاخوان المسلمين ـ التي لها وجود كبير في سوريا وبلدان أخرى في المنطقة ـ بأنها تمثّل تهديدا لنظامها الملكي.

حقيقة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه اردوغان هو فرع من الإخوان قد سبب الاحتكاك مع السعوديين. على سبيل المثال، في حين نددت تركيا بالانقلاب العسكري ضد حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة في مصر، فإن المملكة السعودية موّلت الانقلاب، وتواصل إنقاذ القاهرة للخروج من المتاعب الاقتصادية. ولكن كل ذلك كان بمثابة الماء تحت الجسر عندما جاء موضوع التخلص من الأسد. وقد أنشأ الأتراك والسعوديون مركز قيادة مشتركة في المحافظة السورية المحتلة حديثاً (إدلب) وبدأ تغيير مشهد المعارضين للأسد إلى قوة متماسكة.

الحرب على حزب الله؟

ثلاث سنوات من الحرب الأهلية أدّت الى تقلص الجيش السوري من 250 ألفاً في عام 2011، إلى حوالي 125 ألفاً اليوم، ولكن تم تعزيز دمشق بمقاتلين من حزب الله في لبنان، الذين قاتلوا اسرائيل في 2006 وهم من بين أكثر القوى الكفوءة المقاتلة الى جانب نظام الأسد.

وهذا هو هو المكان الذي يأتي تسرب الإسرائيلي منه.

توقيت القصة - التي نشرت يوم 12 مايو في صحيفة نيويورك تايمز - كان غريبا بالتأكيد، كما كانت الاهمية التي اعطيت لقصة تستند بصورة كاملة الى مسؤولين اسرائيليين كبار مجهولي الهوية إذا كان المصدر محجوباً، وكانت الرسالة الإسرائيلية واضحة: «سوف نضرب حزب الله بشدة، وسنبذل كل جهد ممكن للحد من الخسائر في صفوف المدنيين بقدر ما نستطيع، لكننا لا ننوي الوقوف بلا حول ولا قوة في مواجهة الهجمات الصاروخية».

كان جوهر مقال نيويورك تايمز يقول بأن حزب الله يستخدم المدنيين كدروع في جنوب لبنان، والإسرائيليون يهدفون إلى نسف المجموعة بغض النظر عما إذا كان هناك مدنيون أم لا. قدم الجيش الإسرائيلي نفس المزاعم في هجومه في سبتمبر 2009 في عملية «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة، ومرة أخرى في «حافة واقية» في عام 2014، حيث استهدف المدنيون، وتقوم الامم المتحدة بالتحقيق في جرائم حرب اسرائيلية محتملة بحق المدنيين الفلسطينيين.

يقول الكاتب المقيم في بيروت والمصور ميتش بروثيرو أن «الاختباء وسط المدنيين.. أسطورة»، فمقاتلو حزب الله تجنبوا الاختلاط مع المدنيين لأنهم يعرفون انهم سوف يتعرضون للخيانة عاجلا أو آجلا من قبل عملاء لاسرائيل، كما كان الحال بالنسبة لكثير من النشطاء الفلسطينيين.

ولكن لماذا يتحدث الجيش الإسرائيلي عن الحرب مع لبنان؟ فالحدود هادئة، وكان هناك عدد قليل من الحوادث الصغيرة. كان حزب الله واضحاً بأنه ليس لديه نية لبدء الحرب، على الرغم من أنه يحذر تل أبيب من أنه قادر تماما على القتال. الإجابة الأكثر احتمالا هي أن الإسرائيليين ينسقون أعمالهم مع تركيا والمملكة السعودية.

تل أبيب شكلت، من الناحية المبدئية، تحالف الأمر الواقع مع الرياض لعرقلة الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة خمسة + واحد. وتدعم إسرائيل أيضا الهجوم السعودي على اليمن، ولديها اتفاق غير رسمي مع الرياض وأنقرة لدعم القوى المناهضة للأسد في سوريا. كما ان اسرائيل تستقبل الجرحى من مقاتلي جبهة النصرة عبر الحدود الجنوبية السورية لتلقي العلاج الطبي. فضلا عن انها قصفت القوات السورية في مرتفعات الجولان، قتل في احد هجماتها العديد من أعضاء حزب الله والجنرال الإيراني الذي يقدم المشورة للحكومة السورية.

اذا هاجم الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، فسيضطر حزب الله لجلب بعض من قواته الى الوطن من سوريا، وبالتالي إضعاف الجيش السوري في الوقت الذي هو بالفعل يعاني من صعوبات من قبل قوات الثوار المتحدة مؤخراً. وباختصار، ستكون حربا على جبهتين ومن شأنها أن تعيق حزب الله، وتحطم جنوب لبنان، وتؤدي إلى انهيار محتمل لنظام الأسد.

كما لاحظ كارل فون كلاوزفيتز، فإن الحرب هي عالم من عدم اليقين. كل ما يمكن للمرء أن يحدده حقا، هو من يطلق الرصاصة الأولى. قد يطحن الاسرائيليون عشرات القرى في جنوب لبنان ويقتلون الكثير من الشيعة. ليس هناك من شك. لقد فعلوا ذلك من قبل. لكن غزوا بريا قد يكون مكلفا للغاية، وفكرة أن الحرب الاسرائيلية يمكن أن تنزل «هزيمة» بحزب الله مجرد أضغاث أحلام. فالشيعة يشكلون 40% من السكان، وحزب الله يحظى بدعم بين المجتمعات الدينية والطائفية الأخرى، خاصة بعد نجاحه في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للبنان بين عامي 1982 و2000م، كما أن الحزب أدمى تل أبيب في 2006.

ومع ذلك، فإن هجوماً اسرائيلياً على حزب الله، يكاد يكون مؤكداً، وسوف يعيد إشعال الحرب الأهلية في لبنان، مع تعزيز قوة تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في سوريا والعراق. قد يعتقد الأتراك أن تنظيم القاعدة ليس تهديدا لهم، ولكن التاريخ الحديث يجب أن يمنحهم وقفة للتأمل. فخلق مجموعات مقاتلة على شاكلة المجاهدين الأفغان ليس صعباً، بل ان ديمومة السيطرة على مثل هذه الجماعات هو الصعب.

«لقد حاولت كل القوى في الشرق الأوسط تسخير قوة الإسلاميين لمصالحها الخاصة»، يقول جوشوا لانديس، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، ولكن «يبدو دائما هناك تداعيات خطيرة». فالمجاهدون الأفغان أنجبوا طالبان وتنظيم القاعدة، والغزو الأمريكي للعراق أنجب الدولة الإسلامية، واصبحت ليبيا ملاذاً آمناً للجماعات الإسلامية المتطرفة. قد يعتقد أردوغان أن اسلامية حزبه قد تحمي تركيا من ارتدادات سياساته في سوريا، ولكن العديد من الجماعات الاسلامية المسلحة ترى أردوغان مرتداً لمزاولته السياسة الديمقراطية في المؤسسات العلمانية.

في الواقع، لقد تطوع ما يقرب من 5000 شاب تركي للقتال في سوريا والعراق. وفي نهاية المطاف سوف يكتسب هؤلاء الأيديولوجية التي تعلموها من أرض المعركة، وسوف ينقلونها الى تركيا،وقد يندم أردوغان على إصراره على الاطاحة بالاسد.

وأخيراً، فإن من الصعب تخيل شرق أوسط أكثر فوضوية مما هو عليه اليوم، وإذا نجح جيش الفتح في الإطاحة بحكومة الأسد، وهاجمت اسرائيل لبنان، فسوف تكون كلمة «الفوضى» ذات معنى بخس.

الصفحة السابقة