السعودية خائفة.. ليس على الملك فحسب!

نشرت صحيفة (الجارديان) مقالة للكانب برايان وايتاكر في 29 سبتمبر الماضي حول المخاوف التي تحدق بالمملكة السعودية والتي لا تقتصر على القلق على الحال الصحية للملك سلمان بل تستوعب ملفات أخرى أيضاً:

كان الحذر الشديد، ولفترة طويلة، هو شعار الملوك في السعودية. الحذر في السياسة الخارجية، والحذر خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتغيير الداخلي. منذ عام 2005، عندما قرر الملك السماح بانتخاب نصف أعضاء المجالس البلدية (النصف الآخر يتم تعيينه من قبل الملك)، فقد تطلب الأمر 10 سنوات أخرى قبل السماح للمرأة بالتصويت في هذه الانتخابات.

بالطبع، هناك أسباب وجيهة لهذا الحذر. السعوديون كثيرا ما يستشهدون باغتيال الملك «فيصل» عام 1975 بصفته تحذيراً، وتم ربط الأمر بمحاولاته إجراء إصلاحات، وبالأخص قرار إدخال التليفزيون والذي كان الكثيرون في المملكة في ذلك التوقيت يعدونه تشجيعا على الإثم.

قطاعات واسعة من المجتمع السعودي، وأبرزها علماء الدين المؤثرين، هم من المحافظين. وتعني هذه المقاومة الاجتماعية أن الحكام لا يمكن بسهولة إجراء تغييرات، بافتراض أنهم يريدون ذلك من الأساس، بنفس الوتيرة التي يفرضها العالم سريع التغير. إلى حد كبير فإن أيدي حكام المملكة مغلولة، لكن هذا شيء جناه آل سعود على أنفسهم حين ربطوا شرعيتهم السياسية بالمذهب الوهابي، وهذه عقدة لم يتمكنوا من فكها في نهاية المطاف.

وبدخول الملك سلمان، الذي تولى العرش في يناير الماضي ، تخلى عن أوجه عديدة من الحذر المعهود لدى حكام المملكة، وذلك عبر حرق احتياطيات المملكة المالية بمعدل غير مستدام، وإطلاق حرب لا يضمن الفوز بها ضد الجارة الجنوبية في اليمن. هذا بالإضافة إلى الصراع المحتدم على الحدود الشمالية للمملكة في العراق، والحرب الكلامية مع إيران في الشرق. كما عمد الملك أيضاً إلى إجراء تغييرات جوهرية في سلم العرش، والتي، إلى جانب الكوارث التي حدثت مؤخراً في مكة المكرمة، تساعد في توضيح أسباب حالة الاستياء الحالية داخل العائلة المالكة السعودية.

السلطة المطلقة

أحد الأمراء السعوديين، وهو حفيد مؤسس المملكة، أطلق رسالة تدعو الملك سلمان الى الرحيل، ويبدو أنه يلقى الدعم من قبل آخرين في العائلة. يقول الأمير أنه يتحدث عن أشياء يعتقد أن غالبية السعوديين يرغبون في قولها ولكنهم لا يمكنهم ذلك. دمه الملكي يعني أنه من غير المحتمل أنه قد سبق أن سيق إلى السجن والجلد، ورغم ذلك فإنه يشعر بالقلق من مجرد الكشف عن اسمه. هذا يسلط الضوء على المشكلة الأساسية في النظام السعودي: السلطة المطلقة غير القابلة للمساءلة. تصدر القرارات من أعلى إلى أسفل، وبعض هذه القرارات يعتقد أن لها آثارا بعيدة المدى على مستقبل المملكة. في بلدان أخرى، يعرض هذا النوع من القرارات للرقابة العامة وللنقاش المجتمعي قبل وضع اللمسات الأخيرة، لكن ذلك لا يحدث في العربية السعودية.

وهناك عامل أساسي هنا هو: استمرار قمع نشاط المجتمع المدني. كلما كان المجتمع المدني أكثر فاعلية وانفتاحا، كلما صار الحفاظ على السلطوية أكثر صعوبة. وفي ظل غياب الأحزاب السياسية، فإن هناك طريقة تقليدية واحدة بالنسبة للسعوديين لإبداء آرائهم هي من خلال المجالس والتجمعات في المنازل الخاصة حيث غالبا ما يتحول النقاش إلى السياسة. الطريقة الأخرى هي تقديم التماس إلى الملك مع ما يحمله ذلك من خطورة. في عام 2007، ألقي القبض على 10 أشخاص بسبب تقديمهم عريضة طالبوا فيها بالتحول إلى ملكية دستورية.

حتى الأنشطة غير السياسية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية والجماعات الثقافية والشباب أو المنظمات المهنية، فإنها تميل إلى أن تكون غير مرحب بها، وقد أشارت ورقة بحثية حديثة لمؤسسة «تشاتام هاوس» الى ذلك بالقول: «لقد كان إنشاء جمعيات جديدة في المملكة العربية السعودية دائما أمر صعب. يجب على الجمعيات الخيرية الانتظار سنوات للحصول على موافقة الحكومة والتسجيل. على سبيل المثال، وفقا لأحد مؤسسيها، استغرق الأمر ثلاث سنوات لتأسيس مؤسسة السعودية للأورام.. واستغرق الأمر 17 عاماً للحصول على موافقة للجمعية السعودية لمرض السكري». «يقول السعوديون أنه حتى تجمعات المهنيين معا، مثل الأطباء والمحاسبين، تسبب القلق للحكومة».

هذه العصبية ليست جديدة في المملكة السعودية أو بين الأنظمة العربية الأخرى في الخليج، ولكنها تزداد بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك هو أحد أسباب الميل المكتشف حديثاً نحو العمل العسكري. في الغرب، فإن عرض القوة والحزم السعوديين يبدو مرحباً به كعلامة على أنهم أصبحوا أقل اعتماداً على الجيش الأميركي، ولكن ربما تبدو هذه قراءة خاطئة للوضع. بعيداً عن كونه علامة على تزايد الثقة بالنفس، فإنها ربما تكون علامة على اليأس والخشية من أن يتم التفوق عليهم.

وصف الكاتب الصحفي «رامي خوري» الشعور بالقلق الذي يجتاح الخليج بقوله: «يتضح من سلوكيات الرياض والكويت وأبو ظبي، أن العالم من حول الدول الغنية المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي قد تحول رأساً على عقب خلال السنوات الأربع الماضية. كل التهديدات الجيوستراتيجية المحتملة التي كانت تفر منها لسنوات قد انفجرت في وجهها تقريبا، وفي وقت واحد».

وذهب «خوري» نحو تعديد تلك التطورات التي تزعج دول الخليج من «ثورات الربيع العربي في عام 2011 والتي أطاحت بعدد من القادة العرب، مع تنامي التطلعات الشعبية نحو التعددية الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة، إضافة إلى صعود الإخوان المسلمين. الاضطرابات الحالية في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، والتي ولدت أيضا مجموعة كبيرة من الجماعات الجهادية والميليشيات المسلحة. النفوذ المتنامي لإيران. ومخاوف من أن الولايات المتحدة تحاول فك الارتباط من منطقة الشرق الأوسط».

السعوديون لديهم الكثير من المال وهذا جزء كبير من المشكلة. نثر الريالات أصبح العلاج المفضل للسعوديين في كل ما يواجههم من صعوبات. في وقت مبكر من عام 2011، أعربت المملكة عن قلقها إزاء الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا، وسعى الملك «عبد الله» لشراء ذمم المعارضة المحلية عبر حزمة إنفاق بلغت 133 بليون دولار تضمنت المزيد من المساكن والمرافق الطبية، والمزيد من فوائد الرعاية الاجتماعية، والمكافآت لموظفي الحكومة. ومع قدومه إلى العرش في ينايرالماضي، سعى الملك «سلمان» أيضا لشراء الشعبية عن طريق تسليم مكافأة شهرين لموظفي الحكومة والمتقاعدين. وكان هذا أحد أسباب انخفاض صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي بمقدار 36 مليار دولار، بنسبة 5% من الإجمالي، خلال شهري فبراير ومارس.

وبصرف النظر عن هذه الاعتبارات المحلية، فإن المغامرات العسكرية في الخارج يمكن أن تضاعف الطلب على الموارد المالية في المملكة. ولكن عادة إلقاء المال لها تأثيرات سلبية أخرى، حيث جعلت من المملكة أقل ميلا بكثير لاستكشاف وتبني حلول غير النقدية.

قد تكون كارثة الحج الأخيرة خير مثال على ذلك. فقد أنفقت مبالغ طائلة من المال على مشاريع البناء لتحسين المرافق للحجاج ، ولجعل الحج أكثر أمناً، على الأقل من الناحية النظرية. ما لم يتم اعتباره على ما يبدو هو بذل جهد أكبر في الطرق والأفكار التقليدية لإدارة الحشود. المملكة لا يمكن أن تستمر هكذا إلى أجل غير مسمى. وبشكل متزايد، فإن السعوديين يعرفون ذلك.

الصفحة السابقة